أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - وَدَاعاً .. يَا حَبيبْ! إِرُونْ جَنَّقْ تِيرْ فِيَّام















المزيد.....



وَدَاعاً .. يَا حَبيبْ! إِرُونْ جَنَّقْ تِيرْ فِيَّام


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 2149 - 2008 / 1 / 3 - 12:36
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رزنامة الأسبوع 25 - 31 ديسمبر 2007

"قَدَرُ الثَّوريِّ العَوْدَةُ للتُّرْبةْ،
إنْ شلَّتْ سَاقَيْهِ الذَّبْحَةُ ..
أَوْ شَقَّتْ قَلْبَهْ"!
ـ جيلي عبد الرحمن ـ
***

مستشفى (هارلي ستريت) بلندن
الرابعة والنصف من بعد ظهر 25 ديسمبر 2007م
كان العالم مستغرقاً، ما يزال، في مباهج ذكرى ميلاد السيِّد المسيح، عندما زلزلت الأرض، بغتة، زلزالها، وأرعدت السماء، وانشق الفضاء، وفوق الرءوس غيَّمت سحابة هائلة الرَّوع، عميقة الدكنة، مضت تجرجر أذيال خطبها المدجَّج بالصقيع، تنوء به على سودان المساكين، فلكأن الذي فيه لا يكفيه، وعلى سودان النوبة بالأخص، ذلك المحتشد غرقاً في أقاصي الشمال، أو المغروس في قلب الطين والرمل والصخر ينتظر مواسم الاغراق بين كلَّ سَدِّ وسَدْ، ببلداته وقراه وجباله وجزائره ومساجده ومعابده وأهراماته، من عبري إلى دلقو إلى كرمة إلى دال إلى صلب إلى كجبار إلى فريق إلى سبو إلى جدي إلى صواردة إلى صاي إلى كبرنارتي إلى مشكيلة إلى نوري إلى بدين إلى دفوي إلى كوكا إلى عمارة إلى عموم مراتع (النوب) التي بقيت تضوع، جنوبيِّ وادي حلفا، بعبق التاريخ التليد وبخور الحضارة الباذخة.
زلزلت الأرض، وانشقَّ الفضاء، وغيَّمت سحابة، وأعولت، من كلِّ فجٍّ، ريح صرصر تعصف بجذوع النخل على الضفتين، تستصرخ الخوص والجريد والعراجين والسبائط المتعانقة، أنْ تيبَّسي، وأحني منك شوامخ الهامات، واشرَقي بالنواح، الليلة، ما شاء لك الله أن تشرَقي، فالفتى الذهبيُّ، سليل (أرض الذهب) العريقة منذ سبعة وعشرين قرناً، نصير البسطاء، وفاضح سارقي ماء الحياة من عيونهم، وشارح أسباب عذاباتهم وآلامهم، ومُسَلسِل أرقام ما سُلب منهم وما حُرموا منه، ومحرِّضهم على النهوض من كلِّ بُدٍّ، تمرُّداً على الواقع المزري، وثورة على الأوضاع البالية، وتغييراً لما بالنفس بالنفس، محمد فاروق ولد مولانا محمد محمد كدودة قد .. مات!

عبري
أغسطس 1939م
(كدود)، بضم الكاف، كلمة فرعونيَّة قديمة في معني (صغير)، وتصغيرها (كدودة)، أي (صغيرون) أو نحو ذلك، وهو اسم العائلة التي كانت تضمُّ، إلى جانب والده القاضي الشرعي وشيخ الطريقة التيجانيَّة في المنطقة، ووالدته سكينة بنت طه شريف، أشقاءه وشقيقاته المولودين قبله وبعده محمد عبد الرحيم (الشاعر) وفاطمة قاشو ومحمد مبارك ومحمد التجاني ومحمد نور ومحمد الهادي وفاطمة (سكينة) وفاطمة (زهرة) ومحمد أمير، وموقع محمد فاروق وسط بينهم حيث أطلق صرخة ميلاده الاولى في أغسطس 1939م. كان الوالد يترحَّل بأسرته، وفق مقتضيات عمله، في شتى أنحاء السودان، قبل أن يستقر، نسبياً، في أو حوالي 1946م، بين محكمتي عبري ودلقو المحس. وكان على فاروق الذي بلغ، وقتها، سن الذهاب إلى المدرسة، أن يتنقل أيضاً لتلقي دراسته الأوليَّة بين البلدتين. أما المرحلة الوسطى فقد قضاها بمدرسة حلفا الأهلية، وأما المرحلة الثانويَّة فقد درسها، ضمن أول دفعة من أبناء الحلفاويين، بمدرسة خورطقت.
منذ عامه الدراسي الأوَّل في خورطقت، وإلى جانب تفوُّقه الاكاديمي، ونشاطه الرياضي، كرة السلة بالأخص، وخفة ظله التي أكسبته صداقات واسعة، وجعلت أفئدة من الطلاب تهوي إليه، إلتحق فاروق بـ (رابطة الطلبة الشيوعيين) و(مؤتمر الطلاب) الذي تحوَّل، في وقت لاحق، إلى (الجبهة الديمقراطيَّة)، كما نشط في (اتحاد الطلبة). وعن سلاسة خياره السياسي ذاك أفاد فاروق بأنه لا يذكر أن ثمَّة شخصاً بعينه (جنَّده)، و ..
ـ "أنا أصلاً جيت جاهز من الوسطى .. طبعاً مش جاهز فكرياً لكن كان لدىَّ وقتها رأي واضح في الاستعمار"!
هناك بدأ مرانه الأوَّلي على التمرُّد، القيمة التي وَسَمَت حياته كلها في ما بعد، بالتصدِّي لبعض قضايا مجتمعه المدرسي الصغير، كتنظيم وقيادة أشكال بسيطة من الاحتجاج على رداءة الطعام، مثلاً، وما شاكلها من صنوف التعبيرات البدائيَّة ضدَّ إدارة المدرسة والداخليَّة. وكان ذلك، في حقيقته، انعكاساً باكراً لما ظلَّ يتحلى به، طوال عمره القادم، من إباء، وكبرياء، وعزَّة نفس، وروح وثابة رافضة بصرامة، وبالمطلق، لأيِّ شكل من اشكال الظلم أو القهر، مثلما شكل إشارات باكرة أيضاً لصلابة تكوينه الفطري، وفرادة شخصيَّته القياديَّة التي تبلورت وتجلت، في مقبل الايام، كأبهى ما يكون التبلور والتجلي.
لكلِّ ذلك سرعان ما بدأ فاروق يسدِّد، باكراً، فواتير خياراته السياسيَّة تلك، حيث ظلَّ يتلقى الانذار تلو الانذار بالفصل من الدراسة، لولا أن والده، بشخصيَّته الوطنيَّة المتحرِّرة الكارهة لنظار المدارس الممالئين للانجليز ، ظلَّ يشدُّ مِن أزره، ويقوِّي مِن ظهره، ويعينه على اجتياز تلك المصاعب. وذات واحد من تلك الانذارات كتب إليه يشجعه: "ألم اقل لك إن كل النظار جواسيس وعملاء للإنجليز؟! إفعل ما تشاء يا بني، فقط إياك والتجسس والكذب"!

جامعة الخرطوم
1958 ـ 1961م
إلتحق فاروق، أوَّل أمر دراسته الجامعيَّة عام 1958م، بكلية القانون بجامعة الخرطوم. وما أن انقضى عامه الدراسي الأوَّل حتى انتخب عضواً بلجنة الاتحاد الذي كان قائماً على التمثيل النسبي. ثمَّ ما لبث أن صار رئيساً له وهو، بعد، في عامه الدراسي الثالث. لكن، رغم اندياح دائرة النفوذ الواسع لـ (الجبهة الديمقراطيَّة) وقتها، مِمَّا يسَّر اكتساحها لانتخابات الاتحاد، ورغم صلابة خصائص فاروق الشخصيَّة التي يستحيل أن تقبل القسمة على اثنين في ما يتصل بما يعتقد ويؤمن به من مبادئ، إلا أنه نشأت بينه وبين الكثيرين مِن ممثلي التيارات والمجموعات السياسيَّة الاخرى، بالاخص (الاخوان المسلمين)، علائق احترام متبادل، بل إلفة ومودَّة ظلت قائمة، في المستوى الانساني، حتى وفاته.
خلال سنوات عمله في اتحاد طلاب الجامعة ارتبط فاروق أيضاً بالعمل في اتحاد الطلاب العالمي (IUS)، علاوة على العمل مع العديد من اتحادات الطلاب العرب والافارقة والآسيويين واللاتينيين وغيرهم، فأزهرت في وعيه خبرات ثريَّة بأحوال الشعوب، وتطلعات شبابها، والعوائق الموضوعيَّة والذاتيَّة التي تحول دون تطوُّرها، ومشكلات المجابهة مع الاشكال المختلفة للاستعمار الحديث، كما فتح معارفه على آفاق مستقبليَّة أوسع في ما يتصل بقيم التضامن، والمآلات النهائيَّة لنضالات بلدان التحرُّر الوطني، والحراكات الاجتماعيَّة في مختلف قارات العالم.
أكمل الفقيد السنة الثالثة بكلية القانون بنجاح، ولكن بصعوبة. فقد تكرَّر اعتقاله، مرَّة بسبب نشاطه في الاتحاد، ومرَّة بسبب مشاركته في قيادة مقاومة النوبيين للتهجير، وما إلى ذلك من اسباب.
لم تكن تلك الاعتقالات لتطول كثيراً. سوى أن القرار الذي أصدرته، عام 1961م، وزارة داخليَّة نظام عبود، قضى، هذه المرَّة، بفصله نهائياً من الجامعة، واعتقاله لمدة أكدت كلُّ المعلومات أنها ستطول، مِمَّا اضطره لمغادرة الجامعة، وهو على أعتاب السنة الرابعة، والاختفاء زهاء العامين، بناء على قرار من الحزب الشيوعي. وعن تلك الواقعة روى الأستاذ حسن الوديع السنوسي، نائب المدير الحالي لجامعة أم درمان الاهليَّة، أن دفعتهم، حين التحقت بجامعة الخرطوم، أوَّل أمرها عام 1961م، إستقبلهم همس الطلاب في مختلف أبهائها وعرصاتها بأن رئيس الاتحاد مختف، وأنه سيغادر لإكمال دراسته بموسكو!

تحت الأرض
1961 ـ 1963م
ألحق فاروق، فور هجره الجامعة، بمخبأ لمتفرغي الحزب بأحد أحياء أم درمان، ريثما يتمُّ تدبير سفره. ولأن كلاً ميسَّرٌ لما خلق له، فقد كانت تلك تجربته الاولى والاخيرة في العمل (كأفندي مضاد) بمصطلح عبد الله علي ابراهيم! قضى فاروق تلك الفترة مع عدد من قيادات الحزب المختفين آنذاك، كالمرحوم عمر مصطفى المكي والمرحوم قاسم امين ومحمد ابراهيم نقد وغيرهم. عن تجربة فاروق تلك روى الاستاذ نقد، ضمن حديثه عن طرائف حياة المناضلين المختفين الذين ينبغي أن تتوفر فيهم بعض المهارات، كفنِّ الطبخ مثلاً، كيف أنه، عندما جئ به إليهم لم يكن يحسن حتى صنع الشاي! ولما أتى عليه الدور، مرَّة، لإعداد الطعام، وضع (حَلة السليقة) على النار، وانصرف لمطالعة إحدى المجلات، حتى احترقت (الحَلة)!
وأما فاروق نفسه فقد روي عن تلك التجربة، بشفافيَّته المعهودة، قائلاً: "كنت شاباً كثير التمرُّد على نظام الإختفاء! ذاك عالم لا أفهم فيه، وغير مستعد للإلتزام بضوابطه! وأذكر أن جاراً لنا جاء، يوماً، ودق الباب، ففتحت له، بكلِّ تلقائيَّة، ورحَّبت به، ودعوته للدخول .. كمان! كان الموجودون غيري، ساعتها، عمر مصطفى وعلي عمر، فانزعجا! قال لنا: أنا محتار فيكم، إنتو منو؟! فازداد انزعاج الجماعة! فما كان مني إلا أن تصدَّيت لتحمُّل المسئوليَّة كاملة، وحتى النهاية، عمَّا ارتكبت من خطأ جسيم، فأشرت لعمر مصطفى، وقلت: هذا طالب دكتوراة، ثم أشرت إلى علي عمر، وكان شكلو مش ولا بُد، فقلت: وهذا كمساري! أما أنا فطالب بجامعة القاهرة .. عندها شرب جارنا كوز الموية الذي قدَّمته له، واستأذن وخرج، فتنفسنا الصعداء، وأنا أولهم! غير أني تلقيت، في ما بعد، (علقة لائحيَّة) لن أنساها ما حييت"!

موسكو
1964 ـ 1969م
قبيل ثورة اكتوبر عام 1964م تسلل فاروق، خلسة، إلى الاتحاد السوفيتي. كان يمنِّي النفس بأن يدرس الإقتصاد، ويتخصَّص في الاقتصاد الدولي، بجامعة موسكو، وأن يتمكن، في ذات الوقت، من اكمال دراسة القانون، كي يتخصَّص في القانون الدولي، بجامعة كيمبردج. ولعل مِمَّا شجعه على التفكير في ذلك أن صديقه المرحوم سعيد محمد احمد المهدي، الذي صار، لاحقاً، عميد كليَّة القانون بجامعة الخرطوم، كان موجوداً، وقتها، بكيمبردج. فأجرى اتصالاته بإدارتها لإرسال الإمتحانات الثمانية المتبقية لفاروق عبر الملحقيَّة الثقافيَّة البريطانيَّة بموسكو، إلا أن تلك الإدارة ما لبثت أن تراجعت عن وعدها الكتابي له وللمرحوم سعيد دون إبداء أيِّ أسباب! وقد ظلَّ الفقيد يشكُّ، حتى أخريات أيامه، في أن ذلك لا بُدَّ قد وقع بفعل فاعل! لكنه، بالنتيجة، صرف النظر عن القانون، إلى حين، وواصل دراسته للاقتصاد.
وفد فاروق إلى موسكو ناضجاً بخبرة ثلاث سنوات من الدراسة والنشاط السياسي والنقابي بجامعة الخرطوم، فضلاً عمَّا يربو على السنتين من العمل السِّري. ولذا كان من الطبيعي أن يتبوَّأ مكانة متقدِّمة في قيادة فرع الحزب والجبهة الديمقراطية واتحاد الطلاب هناك، مثلما كان طبيعياً أيضاً أن ينعكس ذلك النضج في الآراء والافكار التي عمل على نشرها وسط الطلاب، كشعار (أولويَّة التفوُّق الاكاديمي) و(الجيِّد أكاديمياً هو الجيد سياسياً) وما إلى ذلك، في معنى ضرورة تقديم التحصيل على الأنشطة الاخرى في سلم الاولويات، بما في ذلك النشاط السياسي نفسه! لكن الكثير من الطلاب الأصغر سناً وتجربة كانوا، كالعادة للأسف، يعتبرون ذلك محض (كلام عواجيز)! وفي الواقع فقد كانت تلك هي وصايا الحزب ونصائحه التي دأب قادته، كعبد الخالق وسعاد ابراهيم احمد وغيرهما، على إزجائها للطلبة بشكل مستمر.

مايو ـ يوليو وموسكو الأخرى
1969 ـ 1979م
في موسكو تزوَّج فاروق من زميلته ورفيقة عمره د. أسماء السني. وما أن تخرَّج ونال درجة الماجستير في الاقتصاد، حتى قفل عائداً إلى السودان قبيل انقلاب مايو عام 1969م. وترتيباً على قرار كانت أصدرته حكومة الديموقراطيَّة الثانية، عقب ثورة اكتوبر 1964م، بالسماح لأي طالب جرى فصله من أية مرحلة دراسيَّة بالعودة لمواصلة دراسته، سعى فاروق للاستفادة مِمَّا اعتبره حقاً مستحقاً له في العودة لإكمال السنة الرابعة بكليَّة القانون بجامعة الخرطوم. لكنَّ مسعاه اصطدم برفض د. زكي مصطفى، عميد الكليَّة وقتها، لعودته هو بالذات! حاول، بإزاء ذلك، إكمال تلك السنة بكلية الحقوق بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، لكن خاب مسعاه هنا أيضاً! فاكتفى، في النهاية، بشهادة الإقتصاد، والتحق بالعمل في وزارة التخطيط.
عندما وقع انقلاب النميري في مايو 1969م كان فاروق نقابياً ناشطاً باتحاد الجامعيين والمهنيين. وكان النظام الذي اجترحه الانقلابيون متسقاً مع نموذج الانظمة التي راجت في كثير من البلدان النامية خلال حقبة ما بعد الحرب الثانية، والتي شهدت ازدهار حركة التحرُّر الوطني العالميَّة. وكان (التصدى لمهام التغيير) هو شعار تلك الانظمة بقيادة عدد من زعمائها الذين أطلقت عليهم تسمية (الديموقراطيين الثوريين)، أمثال عبد الناصر في مصر، وسوكارنو في أندونيسيا، ونكروما في غانا، وسيكوتوري في غينيا، وغيرهم. ومع تقدير الحزب الايجابي، عموماً، لكثير من الخطط والبرامج التي أعلنها انقلاب مايو، إلا أنه رفض التسليم بقيادة البرجوازيَّة الصغيرة التي كان يمثلها الانقلابيون لمهام التغيير، ومن ثمَّ تذويب نفسه والانخراط في مؤسَّسات ذلك النظام، متمسِّكاً باستقلاله في التعبير عن مصالح الطبقة العاملة وفقراء الريف، مِمَّا أرهص، ومنذ الوهلة الأولى، بنذر الصدام المحتوم، لا محالة، بين الجانبين.
تلازم، مع أحداث مايو المتسارعة خلال أيامها الاولى، وقوع أشهر وأخطر انقسام في تاريخ الحزب عام 1970م. كان فاروق قد شهد، قبل ذلك بسنوات طوال، انقسام المرحوم يوسف عبد المجيد عام 1963م، بعناوين صينيَّة تتمحور حول الدعوة إلى (القيادة الثوريَّة). وكان قد اتخذ موقفه الفكري والسياسي الرافض له من بعيد لبعيد، دون أن يتجشَّم كثير معاناة نفسيَّة في المستوى الانساني الشخصي كما حدث في انقسام 1970م، جرَّاء الاضطرار لخوض جدل طويل لا يكاد ينتهي، ولا يخلو، في غالبه، من الحدَّة، مع رفاق نضال الامس، وفيهم أصدقاء أحبَّاء، وقد باتوا ينادون، مدجَّجين بالسلطة وبنظريَّة (الرفاق السوفييت!)، بأن يقبل الشيوعيون بحلِّ حزبهم، وبالانخراط في مؤسَّسات مايو السياسيَّة، وأجهزتها الامنيَّة، وبأن يسلموا ذقونهم ويسلسوا قيادهم لـ (ديموقراطييها الثوريين)! وكان نجاح بعض الاجراءات في بعض البلدان التي تسنَّم (الديموقراطيون الثوريون) قيادها، كتأميم صناعة النفط في إيران مصدق، وتأميم قناة السويس والاصلاحات الاقتصاديَّة في مصر عبد الناصر، على سبيل المثال، هي مِمَّا أغوى السوفييت بأن يروا إمكانيَّة التغيير الاشتراكي تحت قيادة هذه الشريحة التي عدُّوا انقلابيي السودان ضمنها، ولمسوا وجهاً للشبه بينها وبين حركة (الديموقراطيين الثوريين) في روسيا ما قبل ثورة 1917م، دونما أدنى مراعاة لفارق العصر والظرفين الوطني والعالمي! كان انقسام 1970م، مقارنة بانقسام 1963م، أكثر وسعاً وعمقاً، إذ شارك فيه قادة تاريخيون بلغ عددهم زهاء نصف عضويَّة اللجنة المركزيَّة وحدها! ورغم أن الكثير من الانقساميين الذين ربطتهم بفاروق علاقات صداقة استهدفوا اجتذابه إلى صفوفهم، وعملوا لتحقيق ذلك ما وسعتهم الحيلة، إلا أن جهودهم مُنيت، في النهاية، بالفشل الذريع، فقد ظلَّ قابضاً على جمر مبادئه، دون أن يفرِّط ولو في أقل القليل من مواقفه العمليَّة.
لذا، ما أن وقعت الحركة التصحيحيَّة التي قادها الشهيد هاشم العطا في 19 يوليو 1971م، حتى أيَّدها فاروق من خلال نشاطه الحزبي والنقابي. وما أن انهزمت في يومها الثالث، حتى سارع وزير التخطيط آنذاك، محمد عبد الحليم، لإصدار قرار ملهوج بفصل فاروق، كما جرى اعتقاله ضمن آلاف الشيوعيين والنقابيين وناشطي المنظمات الجماهيريَّة، حيث قضى الفترة حتى يونيو 1973م ما بين سجن كوبر بالخرطوم بحري وسجن شالا بدارفور.
قرار الفصل كان ملهوجاً لأن وزير التخطيط اتخذه بتاريخ 26 يوليو ليسري مفعوله بأثر رجعي إعتباراً من 19 يوليو! وكانت تلك اللهوجة هي حُجَّة طعن فاروق الرئيسة ضد القرار بعد خروجه من المعتقل. وهو الطعن الذي تابعه كلِّ المفصولين سياسياً، آنذاك، باهتمام شديد، باعتباره اختباراً test case أعدوا عُدَّتهم للتحرُّك في ضوء ما سيتمخض عنه من قرار كان متوقعاً بكلِّ المعايير القانونيَّة! لكن ثلاثة من القضاة الذين أوكل اليهم نظر ذلك الطعن تم نقلهم قبل إصدار الحكم! ثمَّ إن قراراً صدر عام 1975م باعتقال فاروق استتبع صدور قرار من الحزب بمغادرته البلاد، ثانية، فتسلل خلسة، هذه المرَّة أيضاً، إلى موسكو.
هناك انهمك فاروق في التحضير للدكتوراة، مستأنفاً، إلى ذلك، قيادته القديمة للنشاط الفكري والسياسي بين الطلاب السودانيين حول قضايا بلادنا التي كانت قد أضحت أكثر تعقيداً وصعوبة. لكنه واصل أيضاً، وبطريقته الفذة، مدَّ جسور العلائق الانسانيَّة حتى مع خصومه السياسيين! ومن عجب أن تلك الطاقة الانسانيَّة الراقية بالذات كانت كثيراً ما تضلل ليس فقط بعض مَن لم يخبروا جيِّداً معدنه الصافي المتفرِّد مِن أولئك الخصوم، بل وحتى بعض أصدقائه السياسيين! فليس نادراً ما أثارت دهشة وحيرة البعض مِن الاصدقاء، مِمَّن يحسبون السياسة شجاراً لا ينقطع (!) مثلما ليس نادراً ما أغوت البعض الآخر مِن الخصوم، مِمَّن أساءوا فهمها ولم يقدِّروها حقَّ قدرها، بتوهُّم إمكانيَّة استمالته، أو، على الاقل، تليين مواقفه الفكريَّة أو السياسيَّة، ولكن .. هيهات! وكان فاروق دائماً ما يواجه هؤلاء وأولائك بسلاحه المجرَّب، شديد المضاء، والذي ظلَّ يتمنطق به طوال عمره: التفكه والسخرية! وقد حدث أن وقع أحد مسئولي الامن بالسفارة بموسكو، آنذاك، ضحيَّة مثل هذا الوهم، حيث عدَّ تلك الطيبة ولين العُشرة رزقاً ساقه الله إليه (!) في وقت كان دارج الفولكلور الطلابي يعتبر أوهى تقارب مع تلك السفارة، أو أيٍّ مِن عناصرها، ضرباً مِن المحظورات التي لا تبيحها أيَّة ضرورات! هكذا انفتحت شهيَّة ذلك المسئول عن آخرها، وحسب أن بإمكانه أن يقع على صيد وافر من المعلومات عن طريق تلك العلاقة، فراح يلفُّ ويدور حول (صيده) المرتجى، ظاناً أن الفقيد غير منتبهٍ إليه، حتى فوجئ به يقطع الطريق، ذات مساء، أمام مناوراته تلك، بأسلوبه الفريد الذي يمتزج فيه الحسم والوضوح باللطف وخفة الروح المعهودتين، قائلاً له وهو يضحك:
ـ "ياخ إنت بدل ما تلف وتدوِّر حاصل فارغ كده .. حاول اشتريني .. يمكن اوافق"! لحظتها، فقط، أدرك المسئول، ربَّما بعد فوات الاوان، مع أيِّ صنف نادر من المناضلين كان يتعامل!
لم يكن التفكه والسخرية وحدهما هما عُدَّة فاروق في مجابهة الصعاب والعوائق، بل الصبر أيضاً. ولم أرَ، طوال صداقتي مع فاروق، مَن هو أكثر صبراً منه! وقد عبَّر هو بنفسه عن ذلك لشاويش السجن الذي قال له، لمَّا لمس منه إلحاحاً في طلب شئ ما:
ـ "يا دكتور خلي عندك صَبُر يا خي"!
فما كان مِن فاروق إلا أن ردَّ عليه ضاحكاً:
ـ "شفت ليك زول عايز يبني الاشتراكيَّة في البلد دي .. وما عندو صَبُر"؟!

جامعتا جوبا وأم درمان الاهليَّة
1979 ـ 2007م
عام 1979م غادر فاروق موسكو، بعد أن حصل على درجة الدكتوراة من جامعتها، ليلحق بزوجته د. أسماء السني بكارديف ببريطانيا، ومن هناك عاد للبلاد، حيث عمل، في البداية، أستاذاً بجامعة جوبا، ثم صار، في ما بعد، عميداً لكليَّة الاقتصاد بها.
كانت الحركة الاسلاميَّة قد أبرمت، وقتها، للتو، صلحها مع النميري، وشرعت في إنفاذ مخططها للتغلغل والسيطرة على كلِّ مرافق الدولة، بما في ذلك مؤسَّسات التعليم العالي تحت شعار (أسلمة مناهج الجامعات)، مِمَّا كان يقتضي (أسلمة الأساتذة) ابتداءً!
في ذلك السياق بعث مدير الجامعة، ذات يوم، إلى فاروق بمذكرة صغيرة، مع شاب عرَّفه بنفسه قائلاً إنه طالب ماجستير بجامعة الملك عبد العزيز. وعندما فضَّ فاروق مذكرة المدير وجده يوصي فيها بتعيين ذلك الشاب، على الفور، ليقوم بتدريس مادة (المحاسبة الإسلاميَّة)، على حدِّ تعبير المذكرة! لكن ما حدث (على الفور) فعلياً هو أن حِسَّ السخرية قد غلب على فاروق في تلك اللحظة، فعلق قائلاً بتلقائيَّته المشهودة: "محاسبة إسلاميَّة كيف؟! بالسبحة يعني"؟!
ما أن بلغت العبارة أسماع المدير، حتى جعل التخلص من فاروق شغله الشاغل، ولكن .. لا بُدَّ له من سبب! ثمَّ ما لبثت عبقريَّته أن تفتقت عن قرار بعزله، معلناً أنه إنما رأى في المنام أنه يعزله! فحرَّكنا، المرحوم عبد الله صالح المحامي وشخصي، إجراءات قانونيَّة ضدَّ ذلك القرار انتهت بإلغائه، وإعادة فاروق إلى موقعه، لولا أنه، وبعد وقت قصير من عودته، تقدم باستقالته ليخوض معركة انتخابات الخريجين عام 1986م. ثمَّ لم يجد في نفسه حماساً، بعد خسارته في تلك الانتخابات، للاستفادة من حقه في العودة مرَّة أخرى إلى العمل مع نفس المدير. غير أنه، وكعادته الاثيرة، لم يفوِّت فرصة تغليف ذلك بطبقة من السخرية الكثيفة، و ..
ـ "المرَّة دي شاف في المنام إنو يفصلني .. أفرض المرة الجاية شاف إنو يضبحني .. أعمل إيه؟! الله الغني يا شيخ"!
ما أن علم الراحلان محمد عمر بشير وعبد الرحمن ابو زيد بخبر استقالة فاروق، وكانا مدركين لقدراته الاكاديميَّة الكبيرة، حتى سارعا إلى ضمِّه لجهود استكمال تأسيس جامعة أم درمان الأهليَّة، فأصبح منسقاً لكلية الإقتصاد والعلوم الإداريَّة، ثمَّ عميدها لعشر سنوات، استقال بعدها من العمادة ليصبح، حتى وفاته، بروفيسيراً للاقتصاد بلا أعباء إداريَّة.
وعلى كثافة ما شهدت تلك الفترة، التي لمع فيها نجمه كأشدِّ ما يكون اللمعان، من احداث جسام أهمها وقوع انقلاب الثلاثين من يونيو 1989م وما تبعه من قمع غير مسبوق كان نصيب الفقيد منه وافراً، وعلى جديَّة المهدِّدات التي صادفته خلال مسيرته العامرة بالتضحية عبر كلِّ حقب الشموليات المتطاولة، دون أن تتفضل عليه الحكومة برخصة سلاح شخصيٍّ للدفاع عن نفسه، وأقرب ذلك إعلان جماعة من المهووسين إهدار دمه قبل عامين، ضمن قائمة ضمَّت مفكرين وكتاب ومثقفين آخرين مقابل عشرة آلاف دولار، فقط، للرأس (!) إلا أنه ظلَّ يواجه تلك المهدِّدات أجمعها بالمزيد من السخرية التي تطمئن المشفقين، وأرتال من الصلابة التي تفتُّ في عضد المجرمين، ومواصلة إراحة أعصابه بالأغنيات النوبيَّة وبصداح وردي وحنان النيل!
هكذا ظلَّ فاروق دائماً، علاوة على علمه الغزير، وعطائه الاكاديمي الثر، نموذجاً ساطعاً للنضال الذي لا يفتر، والعطاء الذي لا ينضب، ولطف المعاملة ورقتها، وحلاوة المعشر وطيبته، ونبل التعاطف الانساني في أرفع أشكاله، ولين التواضع الجمِّ في أبهى صوره، مثلما بقي، إلى ذلك كله، (نصباً تذكاريٌّاً) ضخماً للتلقائيَّة الشعبيَّة، وسرعة البديهة المثقفة، وطلاقة الروح الحُرَّة، وخفة الظلِّ النوبيَّة المشهودة!

مطار الخرطوم ومقابر فاروق
فجر وصباح الأحد 30 ديسمبر 2007م
رحمة الله عليك يا فاروق. سافرت للعلاج من مرض اليرقان الخبيث الذي التقطته، ساعة نحس، بسجن شالا عام 1990م، وظلَّ ينهش كبدك الحرَّى لسنوات طوال، لكنك تعود إلينا الآن في صندوق. لكن .. "مَا المَنايا؟! إنَّها أقدارُنا/ وامتِدادُ البَحر أحضانُ السَّواحِلْ"، على قول جدليِّ بديع لصفيِّك وقريبك المرحوم جيلي عبد الرحمن.
رحمة الله عليك، وأنت الذي طويت قلبك على زوجك د. أسماء السني وبنتيك د. غادة وساندرا، واللاتي أحببتهن حباً ملأ عليك حياتك، ومع ذلك لكم تمنيت أن لو كان لك ابن وأنت ترِّدد: ""الموت ما بعيد، سواء جاء طبيعياً أو بفعل فاعل! لكن أكثر ما يقلقني المشاكل التي يمكن ان تواجههنَّ عقب موتي في ظروف عدم وجود رجل في البيت"! ولطالما عبَّرت عن حزنك إزاء مشهد الغرباء يفتشون داخل غرفهن عندما يأتون لاعتقالك، وإزاء قلقهن عليك عندما تضطرُّك ظروفك المعقدة للتأخر خارج المنزل بينما التهديد بالقتل يلاحقك!
طِبْ مرقداً، يا صديقي، واطمئن تماماً، فهنَّ في حدقات عيون الشعب أجمعه، فهذه أمَّة جُبلت على الوفاء.
...........................
...........................
اللهمَّ إن الموت حق، بل هو الحقيقة الكبرى في هذه الحياة، وهذا فاروق أمسى في رحابك، اللهمَّ، وأنت الغنى الحميد لا تكلف نفساً إلا وسعها، فاغفر له بأضعاف أضعاف ما جعلته به سبباً للاستنارة والتفتح في هذا البلد.
اللهمَّ إن فاروق كان صبوراً، وأنت تحب الصابرين، وأميناً، وأنت لا تحب الخوَّانين، وحفياً بخلقك، ورسولك القائل إن الدِّين المعاملة، وشجاعاً جهوراً بكلمة الحق في وجوه الطواغيت، وخاتم أنبيائك من علمنا أن أفضل الإيمان كلمة حق في حضرة سلطان جائر.
اللهمَّ إن خير بريَّتك من أنبأنا بأن خيرنا خيرنا لأهله، وإنا لنشهد بأن فاروق كان خيرنا في بذل ما وهبته من عافية وعمر وعلم لا لأهله الاقربين، فحسب، إنَّما لأقوام السودان أجمعهم.
اللهمَّ حاشا أن نزكي فاروق عليك، فلا نقول إلا ما يرضيك "وما تدري نفس بأيِّ أرض تموت"، و"إنا لله وإنا إليه راجعون"، فاكرم نزله، يا ربُّ، ووسِّع مدخله، وآنس وحشته، وسلِّ وحدته، واجعل سيِّئاته حسناتٍ، وانقله من ظلمة اللحد الى مراتع النور، ولا تفتنا بعده، ولا تحرمنا أجره، وافسح له فى قبره، وأجعله في أوَّل منازل الجنة.
وبعد، وداعاً .. وداعاً، يا حبيب، طبتَ حياً وميِّتاً، و .. إِرُونْ جَنَّقْ تِيرْ فِيَّام!

المصادر:
(1) حوارات صحفيَّة مع الفقيد.
(2) أحاديث ومؤانسات شخصيَّة للكاتب مع الفقيد.
(3) حديث الاستاذ/ محمد ابراهيم نقد في خيمة الصحفيين الرمضانيَّة التي نظمتها مؤسَّسة (طيبة برس) ليلة 29/9/07.
(4) رزنامة 2/10/07.
(5) كلمة الاستاذ/ حسن الوديع السنوسي، نائب مدير جامعة أم درمان الاهليَّة، في سرادق العزاء والتأبين الذي أقامته الجامعة نهار 27/12/07.
(6) مهاتفات الكاتب مع د. أسماء السني، أرملة الفقيد، لندن ـ الخرطوم، خلال الايام التي سبقت وصول الجثمان فجر الأحد 30/12/07.
***




#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كُنْ قَبيحَاً!
- جَثَامِينٌ فِي حَشَايَا الأَسِرَّة!
- قُبَيْلَ حَظْرِ التَّجْوَالْ!
- قَانُونٌ .. دَاخلَ خَطِّ الأَنَابيبْ!
- أَلاعِيبٌ صَغِيرَةْ!
- النَيِّئَةُ .. لِلنَارْ!
- أوريجينال!
- يَا لَلرَّوْعَةِ .. أَيُّ نَاسٍ أَنْتُمْ؟!
- وَمَا أَدْرَاكَ مَا .. حَدَبَايْ!
- كَابُوسُ أَبيلْ!
- غابْ نَجْمَ النَّطِحْ!
- بُحَيْرَةُ مَنْ؟!
- دِيْكَانِ عَلَى .. خَرَاب!
- صُدَاعٌ نِصْفِي!
- كَجْبَارْ: إِرْكُونِي جَنَّةْ لِنَا! - سيناريو وثائقي إلى رو ...
- عَوْدَةُ الجِّدَّةِ وَرْدَةْ!
- الحُرُّ مُمْتَحَنٌ!(صَفْحَةٌ مِن مَخْطُوطَةِ ما بَعْدَ السِّ ...
- طَاقِيَّتي .. التشَاديَّةْ؟!
- كانْ حاجَةْ بُونْ!
- إنتَهَت اللَّعْبَة!


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - وَدَاعاً .. يَا حَبيبْ! إِرُونْ جَنَّقْ تِيرْ فِيَّام