مأساة يغود - الجزء الثاني - الحلقة الثالثة


امال الحسين
الحوار المتمدن - العدد: 6263 - 2019 / 6 / 17 - 17:36
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

تحولت الحركة الوطنية، جيش التحرير بالبوادي، المقاومة بالمدن، العمال والفلاحون، أصبحت عدو النظام الجديد، بعدما طالبت برجوع السلطان، تستمر المقاومة بالجنوب، مر جيش التحرير بالزاوية، زار فقيه البلدة، القائد، القاضي سابقا، لم يجرؤ على مواجهته، كعادته، ناورهم، سي لحسن، من بين المعتقلين، في انتفاضة 51 بتالوين، ضد بيعة بن عرفة، ضد الكلاوي، حضر بالزاوية، بعد غياب بالمنفى، بالشمال، بعد هروبه من معسكر الأعمال الشاقة، بطريق أوناين، رجع حاملا لواء جيش التحرير، أحد أصدقاء مولود، زاره، عانقه بحرارة، سأله مولود عن السلطة الجديدة، أجاب: نحن في جيش التحرير، نستكمل استقلال المغرب، بالسلاح، في اتجاه الصحراء، إلى تحرير الجزائر، نعتقل الخونة، قواد الكلاوي، خدام الاستعمار.

مروا بأولوز، بإوزيزون، بلدة مولود، اعتقلوا القائدين، إلى جانب آخرين، كل واحد في كيس، صادروا أموالهم، الذهب، الفضة، حملوهم إلى فيافي الصحراء، رموهم هناك، لم ينج منهم إلا واحدا، سي محمد، رجع إلى تالوين، عانق القائد، شيخ الزاوية، استمرت المقاومة بالجنوب.

كان مولود يحلم، كجميع الثوار، يحلم كثيرا، مسألة الأرض تؤرقه، كانت زيارة صديقه، سي لحسن، للزاوية، شفاء لنكسته، فقد الأمل، بعد هرولة بن حمو، إلى أحضان السلطة، عون القائد، تحليق كل السياسيين حول القائد، وجد في سي لحسن، ما يشفي غليله، مازال هناك من يحمل السلاح، من يومن بالثورة، أما الحزبيين، كلهم خونة قضية الأرض، قضية الوطن، في نظر مولود.

مولود، يجلس بدكانه، يشاهد ما يدور بدكان التاجر الكبير، دخول، خروج، من منزله، إلى منزله، منزله مفتوح ليل نهار، زواره من الحزبيين، التجار اليهود، تجار إسكتان، العدول، المستعبدون، المستعبدات، المتملقون، المتسوبون، جميع أصناف الخونة، كل حسب مصلحته، تجمعهم كلمة واحدة: الاستقلال، رجع السلطان، نشر القائد جواسيسه بينهم، بالزاوية، بمناطق تالوين، غراف دقيق وكوز زيت، لكل واحد، من إعانات الأمركان، حتى النساء استخدمهن، الاستخبارات أساسية في السلطة.

يرى مولود هذه المشاهد، تدور أمامه، يرى فيها تمويها لقضيته، قضية الأرض، كل أحلامه قد تبخرت، يمر عليه زبناؤه، لا يكثر معهم الكلام، البيع والشراء فقط، قليل من الكلام، جل زبنائه خارج الزاوية، بعضهم يحتقرهم القائد، منذ كان قاضيا، يرى فيهم عونا لمولود، لا يجب أن يستمر.

تحول الصراع لدى مولود، من قضية الأرض مع القاضي، إلى القضية السياسية مع القائد، نفس الشخص، من المحكمة إلى السلطة، زاره صديقة حماد السياسي، بعد لقائه مع التاجر الكبير، مساعد القائد، المسؤول عن الحزب، بالزاوية والمنطقة، أخبر مولود: المقاومة قد تم تحريفها، حذره من التاجر الكبير، نصحه بأن لا يثق به، أن يتقي شره، أن لا يشعر عداءه للقائد، أن لا ينخرط في الحزب، مر عليه سريعا، ودعه، مر بدواره، دوار باحمد، سهر مولود، رفاق زوجته وابنه الوحيد، إلى الدار البيضاء، سياسي، حزبي، نقل الوثائق السياسية إلى الجنوب، إلى القاضي، إلى الزاوية، خبر علاقة القاضي بالحزب، في علاقته بالتاجر الكبير، خبر القادة السياسيين عن قرب، اطلع عن اسرار المقاومة والحزب، شارك في إخفاء المقاومين، طارده البوليس السياسي الفرنسي، مما جعله ينقل زوجته وابنه إلى قريته، اكتملت اللعبة السياسية، استقر بالدار البيضاء، وقف أنشطته الحزبية، اكتفى مهمة في جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي الجماعة.

رغم كل ذلك، مولود لم يستطع الابتعاد عن السياسة، جره الصراع مع القاضي، ثم القائد، إلى إشعار سيف السياسة ضد السلطة، عمل بنصائح جماد السياسي، لكن لم يتنازل عن الممارسة السياسية، وطد علاقته بصديقه العسكري، الذي يزوره يوميا، يمده ببعض أخبار الإدارة، التي يستقيها من المكالمات الهاتفية، حيث يشرف على الهاتف، مولود مستمر في تتبع الأحداث، العسكري من الأوائل الذين يملكون المذياع، يجلسان معا حول هذه الآلة العجيبة، يتابعان أخبار المقومة بالجزائر، فلسطين، الفيتنام، كوبا، كما يتابعان أخبار المقاومة، بالشمال والجنوب.

مولود ينخرط في الحزب، بعد انشقاق الحزب، انخرط في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وجد فيه ضالته، موقع سياسي للصراع ضد السلطة، من أجل الحق في الأرض، زاه صاحبه سي لحسن، رجع من الصحراء لزيارة عائلته، أخبره بانسحابه من المقاومة، التحاقه بجيش السلطان، كما انسحب من الحزب، التحق بالحزب الجديد، وجد مولود في كل هذه الأحداث، مؤشرا لنجاحه في قضية الأرض، في صراعه مع السلطة.

مولود يتموقع سياسيا، في صف المعارضة، رأى في حكومتها، مؤشرا آخر، اعتقد أن طريق الخلاص قد انفتح، الحديث عن "الإصلاح الزراعي"، مشروع الفلاحين، الحق في الأرض، لكن سرعان ما تبخر حلمه، لم يستمر كثيرا: تصفية جيش التحرير بالجنوب، قمع انتفاضة الريف، زلزال أكادير العنيف، في علاقته بالمضاربات العقارية، الفساد الإداري والمالي، حل حكومة المعارضة.

القائد يكشر عن أنيابه، يراقب طلبة المعهد، يتابع الاتحادين، يعلن الحرب ضدهم، لم يبق أمام مولود إلا الصمود، النضال السياسي، المواجهة.