تالوين الحركة والتاريخ - الحلقة الأولى


امال الحسين
الحوار المتمدن - العدد: 7417 - 2022 / 10 / 30 - 09:42
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

1 ـ تقديـــــــم
تتوفر منطقة تالوين بسوس العليا على خزانين مائيين هامين جبل سروا 3304 م وجبل توبقال 4165 م الذي يحتوي على بحيرة إفني عمقها أزيد من 800 م، مما جعل المنطقة مجالا فلاحيا حيويا وموردا أساسيا للمياه بسوس السفلى، وتشكل جبال الأطلس الصغير والكبير بسوس العليا مركزا للمعادن الثمينة وخاصة بسيروا الذي يتم فيه استغلال منجم الفضة تقليدية منذ عهد السعديين والذي يتم استغلاله بطرق عصرية منذ 2014.
وتعتبر المنطقة مركزا هاما للتجمعات السكنية للأمازيغ في أزيد من 300 دوارا، تتوزع على 16 جماعة مشكلة من قبائل إنتاون، أونزين، إمديدن، زاكمزن، أسكاون، تيفنوت، إوزيون، أيت سمك، وأيت وكاز …
وكان يسود بالمنطقة نمط الإنتاج شبه الإقطاعي عبر استغلال الأراضي الخصبة المسقية بضفاف وادي زاكموزن وروافده ووديان أسكاون وتفنوت وإوزيون، والأراضي البورية الصالحة للزراعة والرعي بغابات الأركان والعرعر والبلوط ونباتات الشيح والزعتر وغيرها، كما تشتمل المزارع على أشجار الزيتون واللوز والجوز ومختلف الفواكه، وتشكل زراعة الزعفران خصوصية محلية ووطنية، وتعتبر الشعير والذرة أهم الزراغات الغذائية إلى جانب الخضر حسب الفصول.
ويشكل الرعي إلى جانب الزراعة الدعامة الأساسية للاقتصاد ويعتبر الصيد نشاطا لا يستهان به لما توفره الغابات من وحيش وطير، التي شكل فيها نمر الأطلس سيدها إلى حدود الثلاثينات من القرن 20، وكان قادة القبائل يمارسون هواية الصيد ويملك الشيخ محند أعبد الله قائد سكتانة من نهاية القرن 19 إلى 1915 ستين كلب صيد.
لكن هذه المؤهلات الاقتصادية لم يتم استثمارها لصالح الفلاحين الفقراء الذين يتم استغلالهم لتنمية الرأسمال المركزي، وخاصة المرأة الفلاحة التي تكدح دون أدنى أجر لعملها في ظل شروط الحياة المادية للعبودية الإقطاعية.
وتشكل الحرف المستوى الثالث للاقتصاد خاصة بعد استغلال الفضة بمناجم الزكوندر بأسكاون في عهد السعديين، واستغلال الحديد والنحاس في صناعة الأدوات المعدنية والأسلحة، والأواني الطينية المستعملة في الطبخ، واشتغال المرأة في صناعة النسيج خاصة الزرابي والأطية وحتى الملابس الصوفية.
وكان لسقوط الدولة السعدية في القرن 17 أثر كبير في سقوط سوس في صراع دائم مع السلطة المركزية، التي عملت على قمع الثورات التي أشعلها القبائل الأمازيع، واستمر الصراع لأزيد من نصف قرن من إسكات ثورات الأمازيغ من طرف الدولة المركزية بمكناس.
وعرفت سوس استقلالا نسبيا عن السلطة المركزية في ظل الحكم الذاتي لأرستوقراطية شيوخ القبائل الأمازيغية، الذي يحن إلى إعادة بناء الدولة السعدية، ذلك ما تجسد في ثورة الجنوب في 1912 التي أثرت على سلطة الشيخ محند أعبد الله ودفعت الكلاوي لاعتقاله وسجنه ولم يعرف قبر إلى حد الصاعة.
وعلى المستوى الثقافي نشأ صراع كبير بين علماء سوس المتشبثين بالدولة السعدية وعلماء فاس الموالين للدولة المركزية بمكناس، في ظل سيطرة أروستقراطية النبلاء بالمدينة في اتجاه بناء الدولة العلوية، وتعتبر سوس العليا الركيزة الأساسية للثورة على السلطة المركزية بمكناس، و لا غرابة أن نراها تلعب دورا هاما في مرحلة مقاومة الاستعمار المباشر في بداية القرن 20 بقيادة الشيخ أحمد الهيبة وتحالف الشيخ محند اعبد الله معه، الذي جعل قلعة تالوين حصنا لثورة الجنوب بشرق سوس العليا، بعد إخضاع جميع قبائل سكتانة في نهاية القرن 19، و لم يتم إخضاع سوس العليا/تالوين إلا بمساعدة الكلاوي بمراكش للشيخ بن تابيا وأعوانه الخونة، و تم فصل سوس العاليا/ تالوين عن سوس السفلى/سهل سوس وقبائل الأطلس الكبير الشمالي الغربي وقبائل الجنوب الغربي من الأطلس الصغير وتوزيغ النفوذ بين الكلاوي والكندافي.
هكذا أخضع الكلاوي قبائل تالوين بمساعدة الخونة من الشيوخ وأعوانهم الذين عملوا على خدمة خليفة الكلاوي وإخضاع السكان له، وكان الفلاحون بالجبال مسلحون ولم يستطع الكلاوي نزع أسلحتهم، ورغم خضوع الشيخ بن تابيا وأعوانه له لم يضع يوما ثقته بأهل تالوين.