تقديم كتابة الروح البيولوجية الجديدة - الحلقة الأولى


امال الحسين
الحوار المتمدن - العدد: 7706 - 2023 / 8 / 17 - 17:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

مقدمة

يسعى بعض المبتدئين في دراسة السوسيولوجيا إلى اعتماد المقولات الفلسفية البرجوازية التي تسعى إلى دحض العلم الماركسي، غافلين أن الماركسية هي أكبر المدارس السوسيولوجية التي اعتمدت العلوم الطبيعية في دراستها للمجتعات البشرية عبر العصور، في العلاقة الجدلية بين الطبيعة والمجتمع عبر القوانين المشتركة بينهما انطلاقا من أعمال دارويين العلمية المادية، التي تعتبر أساسيا في علم التطور على مستوياته العقلية والجسدية لدى الإنسان والحيوان، ولا غرابة أن يتم إقصاء هذا العلم من البرامج التعليمية بالجامعات البرجوازية.
ولفهم أي حدث سوسيولوجي لا بد من فهم الإنسان في علاقته بالطبيعة والمجتمع لبناء معرفة علمية مادية متكاملة الأركان، على جميع المستويات السيكولوجية والثقافية وفي البناء التاريخي لحياة الإنسان المادية والمعنوية، ولم ترق المدارس السوسيولوجية البرجوازية إلى مستوى الماركسية رغم محاولاتها تقديم نفسها على أنها علم، لكن هي علم متسم بالمثالية الذاتية التي تطبع كل مدرسة على حدا، حيث الهدف الأساسي المشترك بينها هو دحض أعمال ماركس وإنجلس.
يعتبر الكتاب الذي نسعى لقراءته، دراسته ونقده من أهم الكتب التي حاولت التقرب من الطرح الماركسي للسوسولوجيا، لكن الكاتب يقر بأنه لا يسعى إلى تأييد الطرح الدرويني للتطور، لكنه في نفس الوقت يعترف بأحقية أعمال دروين التي تنوه بها الماركسية كجزء مهم من الأعمال العلمية المادية، وتعتبرها المقدمات العلمية التي اخترقت ظلمات العلم البرجوازي في مستوى السوسيولوجيا.
والكتاب رتشارد داوكنس صاحب الكتاب اعتمد في دراسته على علم الوراثة في مستوياته اللامتناهية الصغيرة: الجينات، متخذا في ذلك الجدلية بين الأنانية والتضحية، في صراع جدلي بينهما من أجل البقاء، هذه العملية التي يعتبرها تطبع حياة الإنسان في سلوكياته وصراع مع الآخرين، معتبرا أن أية دراسة تتناول الإنسان وتطوره المادي التاريخي لا يمكن أن تستثني الأبعاد الفيزيولوجية والبيولوجية، في المستويات الدقيقة في المشترك بين الإنسان والحيوان: الجينات، التي تعتبر مشتركة بين البشر والحيوانات بفرق واضح في عدده وخصوصيتها في المخ والجسد.
وهكذا يعتبر الناس عبارة عن آلات تسعى للبقاء Les machines à survivie عن طريق الجينات الحاملة للأنانية Des gènes égoïstes، معتبرا أن إنسان هذا العصر يحمل الجينات التي نجحت في الصراع من أجل البقاء، ففي كل مرحلة من مراحل تطور الإنسان هناك جينات تموت وأخرى تبرز وتلعب الأنانية دورا هاما في ذلك الصراع، مما يوحي بدورها الهام في بروز الأنانية لدى الإنسان، وما ينتج عن ذلك من سلوكات حب الذات، سلوكات ترافق الإنسان خلال حياة وتطبع علاقاته مع الآخرين، والقليلون هم من يتسمون بالتضحية من أجل الآخرين.
سأعمل على تقديم هذا الكتاب الذي تعرفت عليه أول مرة وقرأته في 1985 وأعيد اليوم قراءته ودراسته ونقده، من أجل تعميم مضامينه العلمية القريبة جدا من المنظور الماركسي للتطور والإرتقاء لدى، ورغم مرور 47 سنة على نشره إلا أنه ما زالت خلاصاته قيمة لمن يريد دراسة السوسيولوجيا خارج نطاق الفهم البرجوازي.