لا التماس عذر عن أخطاء دولة لا تحترم شعبها


امال الحسين
الحوار المتمدن - العدد: 7948 - 2024 / 4 / 15 - 13:35
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

لماذا يتم تقديس الدولة وهي أفظع ما أنتجته الحركة الاجتماعية عبر تاريخها الطويل؟ ونحن في عصر الدولة الاحتكارية لا يليق بنا التفكير بعصر الدولة الفيودالية.

إن الأحداث التاريخية لا يمكن تجاوز نتائجها بكل السهولة التي يتصورها السذج من السياسيين الجبناء والبخلاء ثقافة، لما جردت الرأسمالية السياسيين من الثقافة الثورية من منظور المادية التاريخية، حولتهم إلى أدوات لتجارة أيديولوجيتها في سوق النخاسة وتبضيع الإنسان بما يسمى زورا الممارسة الديمقراطية.

الدولة ليست إلا أداة عنف طبقة على الطبقات التي يتم استغلالها في عملية الإنتاج الرأسمالية، ولما بلغت الرأسمالية شأنا كبيرا في استغلال الطبيعة والإنسان، استقل الرأسمال المالي عن الصناعة بذلك أنتجت الرأسمالية غولا مخيفا يسمى : الرأسمال المالي، وهو يقطع المسافات الضوئية عبر العالم بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي خدمة للشركات الاستعمارية العابرة للقارات، وتجاوزت بذلك الرأسمالية المنظور التبسيطي للدولة من مستواها الطبقي المرتكز على الصناعي إلى مستواها الاحتكاري، نحن في عالم الدول الاحتكارية الكبرى فكيف تريدون أن تسقطوها بأساليب دول الإقطاع كما تفعل دولة إيران ومن يسير في فلكها.
لا يمكن أن تتقدم الدولة بالمفهوم الذي وضعه ماركس وعمقه لينين اقتصاديا وسياسيا وعلميا ماديا تاريخيا، ونحن ما زلنا نستخدم الوسائل الفكرية البدائية في صناعة الدول التي ترجع بنا إلى عهود الفيودالية ونقول أننا نصنع الثورة، بعد أزيد من 45 سنة مما تسميه إيران ثورة لم تستطع بناء دولة احتكارية، فقد كبلتها عشر سنوات من الحرب الطائفية مع العراق واليوم ركزت مفهوم الطائفية في دولة العراق، ليس العيب للأفراد في استعمال العواطف في التحليل لأن الأفراد لا شأن لهم في التغيير وهم مجردون من سلطة الدولة، إنما العيب للدولة التي ترتكب الخطأ التاريخي وترفض أن تعتذر.
بعد أن وصل الوعي الجمعي في المجتمعات الرأسمالية شأنا عظيما عالميا تحولت فيه الدول من وطنية إلى احتكارية، لا يمكن إنجاز الثورة بالعقلية الفيةدالية، إن الخطأ التاريخي الذي ارتكبته دولة إيران لا يمكن أن يصلحه الزمان ولا عواطف المولوعين بثورتها المزعومة، العواطف يا سيدي لا تبني الدول إنما يبنيها الصراع الطبقي المحرك للتاريخ عبر العنف الثوري، وقهر الدول التي تجعل الشعوب تثور عليها لما لا يمكن التوافق بين القوى المنتجة الثورية وعلاقات الإنتاج المتخلفة كما قال ماركس، انطلاقا من السيرورة التاريخية للصراعات الطبقية بالمجتمعات الرأسمالية التي تغذيها أيديولوجيا الدول الاحتكارية العالمية، من الصراع بين العمل ذي الصفة الإنتاجية ووسائل الإنتاج الفردية الرأسمالية.
ومن حق الفرد استعمال العواطف، والفرد يمكن أن نلتمس له عذرا عن جهله لتاريخ تطور الدولة والصراعات الطبقية وبالتالي تطور الاستراتيجية الثورية في علاقتها بتطور الاستراتيجية العسكرية للحروب، لكن ونحن نتحدث عن دولة تريد أن تتزعم حركة التحرر العالمية من منظور الوطنية التي تجاوزها العصر، في عالم لا يمكن الحديث فيه عن هذا المفهوم إلا من منطلق حشد الهمم ونشر الأيديولوجيا، أما تقديمها كأداة للتحرر من الاحتكارية العالمية فذلك خطأ تاريخي لا يمكن أن نلتمس لها عذر، والخطأ التاريخي للدولة يكون خطيرا عندما تعمقه بأيديولوجيا خارج التاريخ، مما يشكل خطرا تاريخيا على المقاومة عالميا، حيث كشف أخطاء أيديولوحيا الدولة والتمادي فيها إنما يفضي إلى قتل المقاومة بدل إحيائها، والقتل التاريخي أخطر سلاح ضد الثورات الاجتماعية.
عندما قدم قائد الدولة الوطنية الديمقراطية بالريف محمد بن عبد الكريم الخطابي نفسه أسيرا للمستعمر الفرنسي، حتى لا يتم إبادة الشعب الريفي من طرف التحالف الإمبريالي الفرنسي ـ الإسباني ليس من منطلق الجبن السياسي، إنما من منطلق الاعتراف بقوة الإمبريالية وغطرستها أمام ضعف الثورة الريفية حتى لا تموت في مهدها، ولم يستسلم القائد سياسيا إنما راجع منظوره للثورة التي يجب أن تتحول إلى العالمية أمام غطرسة الدول الاحتكارية الناشئة، واستطاع بناء مفهوم التحرر الوطني في شمال إفريقيا وشمل فيما بعد العالم كله واستفاد منها قادة الثورات العالمية أمثال ماو تسي تونغ وهو شي منه وتشي غيفارة، وجمال عبد الناصر الذي قدم استقالته امام الشعب اعتدارا عن أخطاء الدولة.
وقام قبل ذلك القائد أحمد الهيبة بالتراجع أمام غطرسة الآلة العسكرية للدولة الاحتكارية الفرنسية بمراكش، لما أدرك أن الحرب لا تدار بالعواطف إنما هي استراتيجية وتاكتيك وانسحب من مراكش وتحصن بتارودانت، حتى استرجعت الثورة قواها وقاومت العملاء لينسحب من جديد إلى تيزنيت ولم يستسلم وأصبح أسطرة تعاقبته الإمبريالية الفرنسية، ولكون سوس جغرافيا وتاريخيا مفتوحة على الصحراء عبر جبال الأطلس الصغير، سلم للقائد الخصاصي الريادة وتمت هيكلة المقاومة من جديد لتعطي أكلها بأيت باعمران واستمرت المقاومة المسلحة إلى 1934.
هما ثورتان كبيرتان بالمغرب الحديث أعطت درسان كبيران في الثورة عالميا وما زالت تداعياتهما بالشمال والجنوب إلى اليوم، إن القادة الثوريين الحقيقيين يراجعون تصوراتهم السياسية وفق المادية التاريخية بالتحليل والدرس للقوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، في الصراع بينهما، في تطور هذا الصراع عبر تاريخ تطور وسائل الإنتاج، في العلاقة بين الإستراتيجية الثورية في علاقتها بتطور الإستراتيجية العسكرية، وبالتالي تطور علوم الحرب الثورية مع تطور علوم التكنولوجيا، فلا يعقل أننا نعيش في عالم الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي 5G وعلى الأبواب 6G ونخوض الحرب بأيديولوجيا الفيودالية بالكنائس والمساجد.

إلى روح الشهيد إبراهيم صيكا في الذكرى الثامنة لاستشهاده في 15/04/2016.

أكادير في 15/04/2024