تقديم كتاب الروح البيولوجية الجديدة - الكائنات البشرية ... لماذا؟ - الحلقة الأولى


امال الحسين
الحوار المتمدن - العدد: 7710 - 2023 / 8 / 21 - 10:23
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

يبدأ الكاتب الإجابة على هذا السؤال بقراءة الواقع الموضوعي للكائنات الحية من خلال ملاحظة مهمة وهي: كيف استطاع الإنسان التوصل إلى خلاصات مهمة عن وجوده، ويرجع ذلك إلى خاصية أساسية يملكها، مؤكدا أن تطور الذكاء لدى الإنسان هو العامل الأساسي في سرعة تطوره، مفترضا أنه لو كانت كائنات ذكية في الفضاء خارج كوكبنا وقامت بزيارتنا، فإن أول سؤال ستطرحه هو: هل توصل الإنسان إلى نظرية التطور؟
من هذا السؤال ينطلق الكاتب لبناء أطروحته في هذا الكتاب، معتبرا أن نظرية التطور لدى دروين هي أكبر إنجاز توصل إليه الإنسان عبر تاريخه الطويل، ذلك لأن الفهم العلمي المادي للعلاقات الاجتماعية لن يكتمل دون فهمها، ذلك ما يميز عرضه في مؤلفه هذا، انطلاقا من الطبيعة إلى المجتمع، نتيجة دراساته الزولوجية التي غمرها بنفة فلسفية، إلى حد سمى نفسه عالم الأخلاق Ethologue.
وهو يعتقد أن ما قام به دروين قد أحدث تحولا كبيرا في مجال العلوم الطبيعية خاصة البيولوجيا والزولوجيا، حيث لم يتم يوما طرح أحدا سؤال التطور طيلة تاريخ الكائنات الحية منذ ثلاثة ملايير سنة، حتى برز في المجتمع البشري واحد يسمى شارل دروين، رغم أن هناك قبله من حاول طرح هذا السؤال دون جدوى، لكن هذا العالم الفذ استطاع ملامسة حقيقة وجودنا في كوكب الأرض، حيث توصل إلى إجابة معقولة وثابتة للغز وجود الإنسان.
وهكذا يرى الكاتب أن أعمال دروين قصرت عنا المسافات حول الإجابة عن الأسئلة الحرجة، مقارنا ذلك بما يطرحه الطفل من أسئلة حول الوجود : هل للحياة البشرية معنى؟ ما هو مصيرنا؟ إلى السؤال الذي يشتغل عليه وهو: ما هو الإنسان؟ وحول هذا السؤال المحرج يقول عالم البيولوجيا ج. ج. سامبسون: "أقر أن كل محاولات ما قبل 1859 من أجل الوصول إلى الإجابة على هذا السؤال، ليست لها قيمة حقة، لذا علينا أن نتجاهلها كليا".
إنما تعرضت له نظرية التطور يشبهه الكاتب بما طال مسألة دوران الأرض حول الشمس، معتبرا أن ما قام به دروين هو ثورة في عالم المعرفة العلمية، ويتأسف على تهميش الدراسات الزولوجية بالجامعات، ويرى أنه يجب تشجيع الأبحاث في هذا المجال في ارتباطه بمعناها الفلسفي العميق، ويرى أن الفلسفة وباقي الدراسات المحسوبة على مجال العلوم الإنسانية تتم دراستها كأن دروين لم يكن يوما في الوجود، وأكيد أن ذلك سيتغير مع الوقت.
ويقدم الكتاب مؤلفه هذا بكونه لا يسعى إلى التسلية خدمة للدروينية، إنما هو اكتشاف لنتائج نظرية التطور وبشكل جد خاص : بيولوجا الأنانية والتضحية.
وإلى جانب مجاله الأكاديمي فإن أهمية موضوع هذا الكتاب تتجلى في البعد الإنساني، وهو يلمس كل مظاهر حياتنا الاجتماعية : الحب والكراهية، الصراع والتعاطف، السخاء والسرقة، الجشع والكرم. ويرى أن هذه الأهداف تناولها باحثون آخرون في مؤلفاتهم التالية، لورنز: العدوان، أردري: العقد الاجتماعي، إيلبسفلدت : حب وكراهية، لكن هؤلاء المؤلفون فهموا هذه المسائل بشكل عكسي، حيث لم يذمجوا في أعمالهم آلية التطور، لأنهم يعتقدون أن ما هو مهم في التطور هو مصلحة النوع : المجموعة، وليس الفرد: الجين. هذا ما جعل أشلي مونتغو أن يصنف لورنز ضمن "أحفاد مباشرين لمفكري القرن 19"، الذين لا تشكل لديهم الطبيعة إلا "أسنان ومخالب دموية"... ويرى أن هما معا لا يختلفان في شيء حيث يسعيان إلى دحض التداعيات المشهورة لمراحل تينيسون، وهو يختلف معهما حيث يرى أن "الأسنان والمخالب الدموية للطبيعة" تلخص ضمنيا الفهم الحديث للانتقاء الطبيعي.