القمّاص محمد سلمان آل سعود


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 5563 - 2017 / 6 / 26 - 08:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لم يكن انقلاب القصر الأخير للعائلة السعودية الحاكمة و المتمثل بإقالة الملك سلمان عبد العزيز لولي عهده محمد نايف عبد العزيز و تنصيبه لإبنه القمّاص محمد محله مفاجئاً لأحد ، مثلما لن يكون تنازل الملك الثمانيني المصاب على الأقل بجلطة قلبية واحدة سلمان عبد العزيز نفسه عن العرش لإبنه - الذي لا يتجاوز عمره الآن (31) سنه - خلال هذا العقد مفاجئاً لأحد ، كما لن يكون لهذا التنصيب أي تأثير لثوابت آل سعود التالية :
1. مواصلة سياسة التحالف الستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا و عسكرياً و سياسيا و عبر إتاحة أراضي نجد و الحجاز كقاعدة عسكرية عملاقة لانطلاق الغزوات الأمريكية ضد دول الجوار ، سابقاً و لاحقاً : العراق ، سوريا ، اليمن ، إيران ، ليبيا ، الصومال ، إلخ . و شراء الأسلحة الأمريكية بمئات المليارات خلال كل عقد لتوجيهها حصراً لقتل المدنيين العزل في هذا البلد العربي أو ذاك بالتعاون و التنسيق المتبادل مع الناتو و اسرائيل ، و إناطة شتى عقود التجهيز و التنفيذ الضخمة في مختلف القطاعات (خصوصاً إنشاء مدن الأبراج الصحراوية) بالشركات الأمريكية دون غيرها ، و أيداع المليارات من البترودولار في المصارف الأمريكية .
2. مواصلة لعب دور حصان طروادة في منظمة الأوبك عبر ضمان إستمرارها بتجهيز بلدان الناتو بالنفط الخام بأبخس الأسعار بالضد من المصالح الحيوية لشعوب البلدان المصدرة للنفط ، بضمنها شعب نجد و الحجاز و بقية بلدان الخليج ؛ مع قطع الطريق أمام محاولة أي دولة نفطية ثانية استخدام سلاح النفط ضد الغرب الإمبريالي بفضل استحواذ العائلة السعودية الحاكمة لنفسها على حوالي (30%) من مخزونات النفط في العالم . و بالمقابل ، يلتزم الناتو بالحفاظ على إحتكار عملائه حصراً من أفراد تلك العائلة الفاسدة لمقاليد الحكم في نجد و الحجاز ، مع قطع الطريق تماماً أمام أي وطني من أفراد تلك العائلة لتسنم العرش حتى لو كانت وطنيته من الدرجة الثانية ، مثلما حصل عند قتل الاستخبارات الأمريكية-الصهيونية الملك فيصل عبد العزيز عام 1975 ، و كذلك عند خرق الخط الأفقي في وراثة العرش مع طلال عبد العزيز المعروف بتنوِّره و سعة أفقه .
3. مواصلة توزيع حوالي (10%) من العوائد السنوية لشعب نجد و الحجاز من مبيعات النفط الخام و غيرها (الناتج الاجمالي لعام 2015 يزيد على 650 مليار دولار) على فساد و رفاهية و ملذات و حماقات و زيجات و قصور و أبراج و سفريات و سيارات و طيارات و خيول و شركات و مصارف و امتيازات .. إلخ أفراد العائلة المالكة و أولادهم و أحفادهم الذين يديرون مقدرات البلد بأكملها و و يسيطرون على جل ثرواته و أراضيه و يهيمنون على مراكزه الحساسة كافة كشركة مساهمة لهم حصرياً يعرفها العالم "بمؤسسة آل سعود" (المتنفذون الكبار منهم لا يزيد عددهم على العشرة أنفار ، و عددهم الكلي أكثر من 15000 من الرجال) و ذلك لضمان "عدم تصدع وحدة العائلة الحاكمة" و "اهتزاز العرش" .
لقطة أولى :
(في العام الماضي نشر على صفحات الإنترنت خطاب غير موقع نُسب إلى أحد أبناء إخوة الملك طالب فيه أعمامه بإقالة أخيهم الملك سلمان . و في خطاب ثان بعد أسبوعين من الخطاب الأول ، زعم هذا الأمير أن ما يقرب من 100 مليار دولار منحت لأبناء الملك الجديد ، بينما وضع الدخل الوارد من بيع مليوني برميل نفط في اليوم تحت تصرف ولي ولي العهد .)
لقطة ثانية :
(من المشهور عن سفير آل سعود السابق "المستديم" في أمريكا ، بندر سلطان ، دفاعه في مقابلة أجرتها معه خدمة الإذاعة العامة في أمريكا عام 2001 عن الفساد في المملكة بالقول : "إذا كنت تريد أن تقول لي إن بناء هذا البلد بأسره ، وإن إنفاق 350 مليار دولار من مجمل 400 مليار دولار ، أننا بذلك قد أسأنا استخدام 50 مليار دولار أو قد أفسدنا فيها ، فسأقول لك : نعم ، وأنني على استعداد لفعل ذلك في أي وقت"!)
لقطة ثالثة :
(يُعتبر حجم ثروة عائلة آل سعود من الأسرار المكنونة و من الأمور التي يصعب الوصول إليها لما يُفرض عليها من تكتم شديد . فالأموال تقسم بين عدد كبير من الأقارب ، و توزع في عدة قارات ، مما يجعل التدقيق المحاسبي أمراً بالغ الصعوبة . و لقد اختيرت عن عمد آليات تمويل غير شفافة ، و لا يتم الإفصاح عن تلك الحصة من الميزانية السعودية التي تجد طريقها في نهاية المطاف إلى جيوب أفراد العائلة الحاكمة ؛ و حتى الذين يتابعون عن كثب شؤون العائلة الملكية السعودية يقولون إنهم لا يملكون ما يمكنهم من تقدير ما تملكه من ثروة . بينما تنكشف بعض الثغرات في جدار السرية من خلال القضايا القانونية التي ترفع أمام المحاكم و التقارير التي تنشرها الصحف الشعبية في الخارج . و لقد تعلم أفراد العائلة الملكية ألا يتباهوا بما يملكون من ثروات أمام عامة الناس في بلادهم الذين يبلغ تعدادهم ثلاثين مليوناً . و لذا ، فقد أقام أفراد العائلة أسواراً شاهقة حول قصورهم ، و اشتروا العقارات في الخارج عبر شركات قشرية ، و استخدموا الوسطاء لإبرام عقود الاستثمارات الكبيرة ، و اشترطوا على موظفيهم توقيع اتفاقيات تحظر الكشف عن المعلومات . و كشفت ما باتت تسمى "أوراق بنما" و التي نشرت في نيسان/ أبريل من العام الماضي عن أن الملك سلمان له علاقة بشركات "أوفشور" مسجلة في لوكسمبورغ و في جزر "فيرجين" البريطانية ، كما تربطه السجلات بأحد اليخوت و بعقارات في لندن تقدر قيمتها بالملايين – أحدها منزل ملوكي بشرفة مسورة بالدرابزين مطلة على حديقة هايد بارك في حي مايفير اللندني الشهير.)
4. مواصلة سياسة التحالفات الإقليمية مع الكويت و الأمارات و البحرين و اليمن الموجهة لضمان بقاء مقاليد الحكم في هذه البلدان ضمن التابعين من الحكام ، مع شراء ولاء الدول الإقليمية الفقيرة مثل مصر و السودان و موريتانيا و لبنان و الباكستان و افغانستان.. إلخ ضد النفوذ الإيراني و التركي و القطري في المنطقة ، حتى و إن اقتضى الأمر إشعال الحروب المباشرة (اليمن و البحرين) أو بالوكالة (لبنان ، الصومال ، العراق ، سوريا ، ليبيا ، الجزائر ، تركيا ، أيران ... إلخ ) .
5. مواصلة سياسة دفع الجزية بانتظام للسياسيين و رجال المال و الصحافة و القوّادين المتنفذين في الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا و فرنسا و العالم العربي و الإسلامي للحفاظ على المصالح الداخلية و الخارجية لمؤسسة آل سعود .
6. مواصلة التبشير كولاة الأمر الواجب إطاعتهم بالأركان الفاسدة للدين الوهابي التكفيري المفصل خصيصا لتحويله غدر أو قتل و سلب و نهب أملاك كل مسلم غير وهابي و الزنا بأهله إلى صك للغفران يفتح أبواب الجنة أمام القتلة و قطاع الطرق و شذاذ الآفاق من أزلام هذا الدين العاملين لحساب مؤسسة آل سعود البغائية التي تمتد أذرعها عبر عواصم العالم بتشييد المساجد التي يديرها أئمة وهابيون أميون في تاريخ الأديان و الحضارة و حقوق الأنسان و العلوم و الثقافة . و من المعلوم أن هذا الدين هو الأيديولوجيا المعتمدة لدى أرباب الارهاب العالمي للقاعدة و طالبان و داعش و النصرة و بوكو حرام وووو .
7. مواصلة تقميط الشعب العربي في نجد و الحجاز بالقوانين و الموجبات و العقوبات الجسدية القروسطية لخنق كل صوت داخلي معارض حر شريف ينشد الحرية و الكرامة ـ و التنكيل بأهله - لإدامة الحكم الدكتاتوري القروسطي المطلق لآل سعود الملطخة أيديهم هم و أجدادهم بدماء المسلمين الأبرياء و منعه الشعب من حقه في تقرير المصير عبر الدين الوهابي- السعودي الذي يحرم على الإنسان بتاتاً أدنى سعي لكسب الحرية و الديمقراطية و التقدم و الحضارة و الثقافة و العلوم و حقوق المرأة . حتى مجرد النقد يخنقه هؤلاء الأوباش و لو كان مصدره أحد أفراد العائلة الحاكمة نفسها .
لقطة :
(يقول أحد الأمراء الكبار ، و هو نجل ملك سابق ، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته خشية أن يتعرض للتقريع و التوبيخ من قبل آخرين داخل العائلة : "العائلة تريد دوماً أن تكون موحدة ، و حتى لو لم يكونوا سعداء ، فسوف يحاولون الوقوف جنباً إلى جنب".
و بالفعل، فإن توجيه النقد إلى العائلة قد تكون له عواقبه وخيمة . و لا أدل على ذلك مما حصل لثلاثة أمراء كانوا يعيشون في الخارج وصدحوا بانتقاد السياسة السعودية ، ثم ما لبث الثلاثة أن اختفوا من الساحة تماماً بعد أن وصل الملك سلمان إلى الحكم . و يعتقد أنهم الآن داخل المملكة العربية السعودية ، حيث لا يتمكنون من التعبير عما يجيش في نفوسهم من معارضة . و قال المتحدث الرسمي إنهم ليسوا في السجن ولا حتى تحت الإقامة الجبرية !)
و يلاحظ المراقبون أن و لي العهد السعودي الجديد محمد سلمان يتميز ليس فقط بانعدام الحنكة ، بل و كذلك برعونة رهيبة في التصرفات و الأقوال ، و لذلك ينطبق عليه لقب القمّاص المستعار من "تواثب" الدابَة العقور في تسنمه مسؤولية رسم السياسة الخارجية و الدفاع للمملكة . فمن رعوناته المشهودة قيامه في يوم 24 أيلول من عام 1915 بحشر موكبه الشخصي وسط حجاج بيت الله الحرام - بعد قطعه لعدة ممرات مخصصة لطواف الحجيج - مما أدى إلى مقتل أكثر من ألفي حاج مسلم بريء جراء التدافع الحاصل بسبب حركته الرعناء المفاجئة تلك وسط جموع الطائفين . كما أن دوره القذر كوزير للدفاع في حرب آل سعود و حلفائهم الخليجيين و الأمريكان و غيرهم ضد الشعب اليمني الأبي الشجاع و التي بدأت عام 2015 مشهور و مشهود ، و هي الحرب التي أبادت عشرات الآلاف من العرب الأبرياء ، و شردت ثلاثة ملايين يمني ، و جوَّعت عشرة ملايين منهم ، و آخر عقابيلها الراهنة هو وباء الكوليرا الرهيب الذي يجتاح اليمن الآن مهددا حياة 300000 إنسان حسب إحصاءات المنظمات الدولية . و أخيراً و ليس آخراً ، فقد سمع كلنا تصريحه المتهور علناً قبل شهر واحد بكونه : "يعمل لنقل المعركة داخل أيران" ، و هو ما يشكل إعلاناً رسمياً للحرب ضد دولة إقليمية مسلمة قوية مثل إيران و ذلك خدمة لترَمْب و نتنياهو . و لا ننسى الحصار البري و البحري لقماص آل سعود الماثل للعيان لخنق الشعب القطري ، و سعيه لتركيع حكامه ، و من ثم صياغته الوقحة لمطالبه الصبيانية الثلاثة عشر التي قدمها لقطر و التي تعامل دولة مستقلة ذات سيادة كعبد من واجبه تقديم فروض الطاعة لعصابة آل سعود و حلفائهم .
إذا كانت كل هذه الكوارث قد جرها القماص محمد سلمان على المنطقة و العالم في بحر سنتين و هو ولي للعهد ، فأي جوائح ستجرها طموحاته الخارجية الرهيبة على المنطقة و العالم عندما يصبح ملكاً ، بكل حق و حقيق ؟