عولمة الإبادة الفاشية تحت قناع التأدلج اللبرالي/3


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7713 - 2023 / 8 / 24 - 15:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

"وبالإمكان بيسر تماماً تمييز تطبيق وكالة "السي آي أي" نفس نمطها الأساسي الذي أتبعته في أوربا بدمجها فاشيي الحرب العالمية الثانية في الحرب العالمية الثالثة ضد الشيوعية كذلك في اليابان، التي وُصِف نظام حكمها قبل الحرب العالمية الثانية وأثناءها من قبل الباحث "هربرت ب. فكس" بكونه: "نظام الفاشية الامبراطوري". ولقد أثبتت الباحثة "تيسا موريس-سوزوكي" بشكل مقنع الاستمرارية في خدمات المخابرات من خلال تفصيلها لكيفية إشراف دولة الأمن القومي الأمريكية وإدارتها لمنظمة "كاتو" اليابانية. كانت شبكة المخابرات الخاصة هذه - مثلها مثل منظمة غيهلين في المانيا الغربية إلى حد كبير- تغص بالأعضاء البارزين السابقين في الجيش وأجهزة المخابرات اليابانية الفاشية ، بما في ذلك رئيس المخابرات بالجيش الإمبراطوري : "أريسيو سايزو "، الذي كان يتشارك مع مسؤوله المخابراتي الأمريكي (تشارلز ويلوبي) في إعجابهما العميق بموسوليني. كما أسست قوات الاحتلال الأمريكية أيضًا علاقات وثيقة مع كبار المسؤولين في مجتمع الاستخبارات المدنية في اليابان في زمن الحرب (على الأخص مع "أوغاتا تاكيتورا"). وقد أدت هذه الاستمرارية النموذجية بين فاشية يابان ما قبل الحرب وما بعدها إلى قيام موريس- سوزوكي وخبراء آخرين برسم خارطة الطريق للشكل الذي يجب أن يتخذه نظام حكم اليابان لما بعد الحرب وبما يومن استمرارية تماهيه مع نظامها الفاشي الذي كان قائماً قبل الحرب. ويسمح لنا هذا المفهوم أيضًا بفهم ما كان يحدث فوق الأرض في عالم الحكومة المرئية. وبغية الإيجاز، يكفي أن نذكر الحالة النموذجية للرجل المعروف باسم "شيطان شوّوا" جراء حكمه الوحشي لمانشوكو (المستعمرة اليابانية في شمال شرق الصين): "نوبوسوكي كيشي". كان كيشي معجبًا كبيرًا بألمانيا النازية، وقد تم تعيينه وزيرًا للذخائر من قبل رئيس الوزراء اليابان "هيديكي توجو" في عام 1941 ليتولى إعداد اليابان للحرب الشاملة ضد الولايات المتحدة ؛ وكان هو القائد الذي وقّع على الإعلان الرسمي للحرب اليابانية ضد أمريكا. بعد قضاءه فترة وجيزة في السجن كمجرم حرب في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، أعادت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تأهيله، جنبًا إلى جنب مع زميله في الزنزانة ، يوشيو كوداما ، زعيم عصابات الجريمة المنظمة في اليابان. فبفضل الدعم المادي السخي من رئيسه في السي آي أي واسناده الاعلامي له، فقد استولى كيشي على الحزب الليبرالي الياباني، فجعل منه ناديًا يمينيًا للقادة السابقين للإمبراطورية اليابانية. ثم ترقّى كيشي ليصبح رئيسًا لوزراء اليابان. واستناداً للباحث "تيم وينر"، فقد: "واصلت أموال [وكالة المخابرات المركزية] تدفقها لمدة خمسة عشر عامًا على الأقل ، طوال عهود حكم أربعة رؤساء أمريكيين، مما ساعد على توطيد حكم الحزب الواحد في اليابان طوال حقبة الحرب الباردة". [وقد كان كل هذا تطبيقا متبتلاً للأدلجة اللبرالية لمبادئ الحرية وحقوق الانسان والمساواة والتنوير ولتداول السلطة].
كما أنشأت أجهزة الأمن القومي الأمريكية كذلك شبكة تعليم عالمية لتدريب المقاتلين المؤيدين للرأسمالية - أحيانًا تحت قيادة النازيين والفاشيين ذوي الخبرة - على الأساليب المجربة والفاعلة للقمع والتعذيب وزعزعة الاستقرار ، فضلاً عن الدعاية والحرب النفسية. ولقد تأسست "مدرسة الأمريكتين" الشهيرة هذه في عام 1946 بهدف صريح وهو تدريب جيل جديد من المحاربين المناهضين للشيوعية في جميع أنحاء العالم. ووفقًا للبعض ، فقد تميزت هذه المدرسة بأنها قامت بتعليم أكبر عدد من الديكتاتوريين في تاريخ العالم كله. وعلى أية حال ، فقد كانت هذه مجرد جزء من شبكة مؤسسية أكبر بكثير. والجدير بالذكر ، على سبيل المثال ، أن المساهمات التعليمية لـ "برنامج السلامة العامة" - بشهادة ضابط وكالة المخابرات المركزية السابق "جون ستوكويل" – قد تكفلت "طوال خمسة وعشرين عامًا ، وبواسطة وكالة المخابرات المركزية ... تدريب وتنظيم قادة الشرطة والضباط شبه العسكريين من جميع أنحاء العالم على تقنيات السيطرة على السكان والقمع والتعذيب. وقد تم إنشاء المعاهد التابعة لهذا البرنامج في الولايات المتحدة وبنما وآسيا ، وتخرج منها عشرات الآلاف. وفي بعض الحالات ، فقد تم استخدام ضباط نازيين سابقين من الرايخ الثالث لهتلر كمدربين فيها ".
الفاشية تنتقل إلى العالمية تحت الغطاء الليبرالي
وهكذا ، فقد لعبت الإمبريالية الأمريكية دورًا مركزيًا في بناء شبكة "الأممية الفاشية" من خلال حماية المقاتلين اليمينيين وتجنيدهم في الحرب العالمية الثالثة ضد "الشيوعية ، وهي تسمية مرنة تتمدد لتشمل أي توجه سياسي يدخل ضمن نطاق الصراع مع مصالح الطبقة الرأسمالية الحاكمة. وقد أدى هذا التوسع الدولي لأنماط الحكم الفاشية إلى انتشار معسكرات الاعتقال والحملات الإرهابية والتعذيب والحروب القذرة والأنظمة الديكتاتورية والجماعات الأهلية وشبكات الجريمة المنظمة في جميع أنحاء العالم. ويمكن تعداد الأمثلة الكثيرة جداً عليها حد الغثيان. لكنني سأختصرها لضيق المجال هنا بالاستحضار البسيط لشهادة "فيكتور مارشيتي"، الذي عمل مسؤولًا كبيرًا في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من عام 1955 إلى عام 1969:
"كنا ندعم كل دكتاتور حتى ولو كان من أحقر البشر، وندعم كذلك حكومات مجالس الحكم العسكري، وحكومات عصابات الأقلية التي كانت متواجدة في بلدان العالم الثالث طالما وعدونا بطريقة ما بالحفاظ على الوضع القائم، والذي سيكون بالطبع مفيداً للمصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة الأمريكية، وللمصالح العسكرية ، وللمصالح التجارية الكبرى ، وللمصالح الخاصة الأخرى ".
ولعل سجل السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية لحد الآن هو أفضل مقياس لمساهمتها الفريدة في تدويل الفاشية عالمياً. فتحت قناع الدمقراطية والحرية، قامت الولايات المتحدة الأمريكية ، بحسب "ويليام بلوم" ، بما يلي :
+ سعت للإطاحة بأكثر من 50 حكومة أجنبية.
+ تدخلت بشكل صارخ في الانتخابات الديمقراطية في 30 دولة على الأقل.
+ قامت بمحاولة اغتيال أكثر من 50 من القادة الأجانب.
+ قصفت بالقنابل شعوب أكثر من 30 دولة.
+ قمعت الحركات الشعبية أو القومية في 20 دولة.
ولقد أحصت "جمعية المعارضة المسؤولة" - المؤلفة من 14 ضابطًا سابقًا في وكالة المخابرات المركزية - بأن وكالتهم كانت مسؤولة عن قتل ما لا يقل عن 6 ملايين شخص في 3000 عملية كبرى و 10000 عملية صغيرة بين عامي 1947 و 1987. هذه الاحصائية هي لعمليات التصفية المباشرة، ولا تشمل الوفيات المبكرة في ظل النظام الرأسمالي العالمي المدعوم من الفاشية جرّاء الاعتقال الجماعي والتعذيب وسوء التغذية ونقص المياه الصالحة للشرب والاستغلال والقمع والتدهور الاجتماعي والأمراض البيئية أو الأمراض القابلة للشفاء (وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة، فقد توفي عام 2017 : 6.3 مليوناً من الأطفال والمراهقين الصغار لأسباب يمكن تجنبها مرتبطة بالتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للعصر الرأسمالي ، والتي تصل إلى معدل وفاة لطفل واحد يموت كل 5 ثوانٍ).
وهكذا، ولترسيخ مكانتها باعتبارها القوة العسكرية المهيمنة عالمياً، وكلب الحراسة الدولي للرأسمالية ، فقد جندت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الأمن القومي عدداً كبيراً من النازيين والفاشيين الذين دمجتهم في شبكتها العالمية للقمع ، بما في ذلك 1600 نازي تم إدخالهم للولايات المتحدة الأمريكية من خلال عملية "مشبك الورق"، و 4000 أو نحو ذلك تم دمجهم في منظمة غيهلن في ألمانيا الغربية، والعشرات أو حتى مئات الآلاف ممن أعيد دمجهم في أنظمة ما بعد الحرب - أو بالأحرى أنظمة الحرب العالمية الثالثة الجديدة - في البلدان الفاشية ، علاوة على العدد الكبير من الذين تم منحهم حرية المرور إلى الفناء الخلفي للإمبراطورية - أمريكا اللاتينية - وأماكن أخرى، بالإضافة إلى الآلاف أو عشرات الآلاف ممن أدمجوا في الجيوش السرية لحلف الناتو. كما تم استخدام هذه الشبكة العالمية من القتلة المحنكين المناهضين للشيوعية لتدريب جيوش من الإرهابيين في جميع أنحاء العالم للمشاركة في الحروب القذرة والانقلابات وجهود زعزعة الاستقرار والتخريب وشن حملات الإرهاب.
كل هذا جرى تحت غطاء أيديولوجيا الديمقراطية الليبرالية وبمساعدة صناعاتها الاعلامية القوية. إن الإرث الحقيقي للحرب العالمية الثانية - الأبعد ما يكون عن النظام اللبرالي العالمي الذي هزم الفاشية - هو نفسه الإرث للأممية الفاشية الحقيقية التي تم تطويرها تحت غطاء ليبرالي من أجل تدمير أولئك الذين حاربوا الفاشية فعلاً وانتصروا عليها في تلك الحرب: الشيوعيون."
يتبع، لطفاً.