كارل ماركس والرياضيات/ 1


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7723 - 2023 / 9 / 3 - 16:19
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

هذه السلسلة هي ترجمة لمقالة الكاتب الأسترالي والفيلسوف الماركسي "أندي بْلَنْدِن" (Andy Blunden) بعنوان: "الديالكتيك والرياضيات" المنشورة عام 1983، وذلك بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة كارل ماركس. والكاتب من مواليد ولاية بالوين، أستراليا، في 11 تشرين الأول، 1945، من أبوين كانا عضوين في فرع الفنانين في الحزب الشيوعي الأسترالي. درس الهندسة في جامعة ملبورن عام 1963، وحصل على درجة الدكتوراه في جامعة كوليدج لندن، المملكة المتحدة، عام 1972، حيث بدأ العمل كمدرس في منطقة "بريكستون" بلندن. في العام التالي، أصبح أمينًا لفرع (الاتحاد الوطني للمعلمين) المحلي، وبعد فترة وجيزة انضم إلى حزب العمال الثوري البريطاني حتى عام 1985. وكان أيضًا أمينًا للفرع المحلي لـ (رابطة الموظفين الفنيين والإداريين العلميين) في شمال شرق لندن. نشر خلال تلك الفترة بحثًا في الأدوات والأساليب النووية، ومقالًا في مجلة إلكترونية، ومقالين عن الديالكتيك والرياضيات في "Labour Review". في عام 1986، عاد لأستراليا للعمل في جامعة ملبورن، وانظم لـ (الاتحاد الوطني للتعليم العالي) حيث عمل مستشاراً حتى أب، 2000. وهو عضو وسكرتير "مجموعة أرشيف إنترنت الماركسيين" (Marxists.org): الموقع الشبكي الذي يشتمل على العديد من نصوص ماركس والدراسات الماركسية ذات الصلة في التاريخ والفلسفة والسياسة، إلى جانب العديد من المواضيع الأخرى. والمشروع الشبكي الآخر الذي يساهم فيه بْلَنْدِن هو موقع: "الأساطير والخرافات بصدد ماركس" ("Marx Myths & Legends".) الذي يستضيف العديد من المقالات لعلماء وناشطين ماركسيين بارزين تتناول إزالة سوء الفهم والافتراءات المروَّجة بصدد حياة ماركس وأفكاره.
وتغطي أعماله المنشورة موضوعات تتنوع من هيغل إلى ما بعد البنيوية إلى الأخلاق والسياسة. و هو يصف نفسه بأنه "ماركسي هيغلي"، مع لمسة تداولية "باستخدام ليف فيجوتسكي" .
وتشتمل كتبه المطبوعة على العناوين:
- الستالينية: منشؤها ومستقبلها. 1993.
- معنى منطق هيغل. 1997.
- السياسة الأخلاقية. 2003.
- نظرية تعددية التخصصات للممارسة. 2010
- كتابات مختارة في سيمياء الحداثة. 2012.
- المفاهيم: نهج نقدي. 2012
- المشاريع التعاونية. دراسة متعددة التخصصات. 2014
- أصول صنع القرار الجماعي. 2016
كما تشتمل مساهماته على كتابة "المقدمة" لكتاب جورج فيلهلم فريدريش هيغل، منطق هيغل: الجزء الأول من موسوعة العلوم الفلسفية. [1830] منشورات أرشيف الماركسيين على الإنترنت، 2009.
في هذه المقالة، يُسلط الكاتب الضوء على الطريقة التي ربط بها كارل ماركس الرياضيات بالفلسفة المادية الديالكتية التي تقول بوحدة وصراع الأضداد وبأن الممارسة العملية هي التي تتيح المعيار النهائي لاختبار مصداقية كل نظرية. كما أنها تسلط الضوء على أزمة فلسفة الرياضيات التي نشأت جراء تطوير النظم الجبرية التحكمية للحكم على اتساق كل نظرية رياضية، والتي فندتها نظرية: "عدم الاكتمال" لغودل (1931) بإثباتها وجود مقولات غير قابلة للتقرير شكلياً ضمن أي منظومة رياضية متماسكة ، وهذا ما أقام الدليل مرة أخرى على أن جوهر مصداقية كل نظرية إنما يقع في خارج نطاق حدودها الذاتية: في الممارسة، وليس بإجراء التعديلات الترقيعية على هذه النظرية أو تلك نفسها؛ كما أن التناقض من كل نوع موجود في كل شيء، ولا يمكن الغاؤه تحكماً.
أنْدي بْلَنْدِنْ، مجلة: "مراجعة العمل" (Labour Review) ، شباط: 1984
https://www.ethicalpolitics.org/ablunden/pdfs/Dialectics_Mathematics.pdf
"الديالكتيك والرياضيات
ترافقت الذكرى المئوية لوفاة كارل ماركس، 1983، مع نشر أول كتاب في اللغة الانجليزية لطبعة "مخطوطات ماركس الرياضية". ويشكل هذا النشر خطوة مهمة تؤكد ضرورة مواصلة البحث المباشر في هذا الميدان لمواصلة خطوات ماركس التي بدأها فيه. وتوضح هذه المخطوطات أفكار ماركس الرئيسية حول طبيعة المعرفة الرياضية بشكل دراسة لأسس حساب التفاضل والتكامل. إن جوهر هذه المخطوطات لا يكمن كثيرًا في ما قاله ماركس بصدد حساب التفاضل والتكامل، وإنما في الطريقة التي أجرى بها التحليل.
ويجب التأكيد هنا على أن دراسة ماركس لعلم التفاضل والتكامل فيما وصل إلينا من مخطوطاته لا يمكن ركنها جانباً باعتبارها هامشية أو أن الزمن قد عفا عليها؛ بل ينبغي أن تؤخذ ضمن سياق دراسة تطور أفكار ماركس ككل، وأن يُنظر إلى المخطوطات على أنها مهمة في كل واحد من جوانبها المختلفة.
إن الموقع المركزي الذي لعب فيه فهم طبيعة الرياضيات في تاريخ الفلسفة بأكمله، والأهمية المتزايدة للرياضيات داخل العلوم الطبيعية ككل يثبتان أن التحليل الماركسي لمشاكل فلسفة الرياضيات لا يمكن ركنه جانباً. فطوال الحقبة الأخيرة من حياته، درس ماركس الرياضيات على نحو متواصل، واعتبر أن معرفة الرياضيات ضرورية لـبناء "التصور الجدلي والمادي في نفس الوقت للطبيعة" (ضد دوهرينغ، ص. 15).
لقد كان الدافع وراء دراسة ماركس لحساب التفاضل والتكامل ليس بِنيَّةِ تطبيقه على أعماله في الاقتصاد السياسي، ولا بغية تطوير الرياضيات، وإنما لشحذ أسلحة منهجه المادي الجدلي في سياق البحث عن الحلول للمشاكل الفلسفية التي كانت تطرح نفسها على علماء الرياضيات.
وتتضح أهمية ما فعله ماركس في "المخطوطات" على نحو أفضل حالما ننتقل لدراسة العمل المعاصر المنجز في فلسفة الرياضيات. ولا يتعلق الأمر هنا بالمشاكل المتعلقة بأساس حساب التفاضل والتكامل - الذي تقدم بشكل لا يقاس خلال القرن الماضي - بل فيما يتعلق بالأسئلة الأساسية التي تطرحها المخطوطات والتي هي الأكثر إثماراً. والسبب على وجه التحديد هو أن أفكار ماركس حول هذه المسائل قد انصهرت بالكامل مع أفكاره التي تطورت في أعماله الفلسفية والسياسية الكبرى، ولم يتم اخراجها على وجه الاستقلال في أعمال ماركس، ولكنها تظهر من خلال أسلوب تناوله للقضايا، أو في ملاحظاته الجانبية التي تبدو غير مهمة ظاهرياً.
وأعتزم هنا توضيح واحدة أو اثنتين من المشاكل الرئيسية في فلسفة الرياضيات والتي تشير إلى الاتجاه الذي يجب أن يؤدي إليه البحث الإضافي في هذا الحقل. وليس من الممكن في هذه المرحلة الإشارة إلى أهمية هذه المناقشة بالنسبة لأي من حقلي: تطور الرياضيات نفسها أو تطور المادية الجدلية باعتبارها الدليل للممارسة الثورية، رغم أنه من المؤكد أن أهمية الأسئلة الرئيسية المطروحة هنا يجب أن تتضح بمرور الوقت.
في مركز أزمة فلسفة الرياضيات، تكمن مسألة طبيعة وجود الكيانات الرياضية، وكيف أن هذه الكيانات - التي ليس لها الحس أو والوجود التجريبي في حد ذاتها - قادرة على عكس الطبيعة واحتلال مكانة مركزية في العلوم الطبيعية بحيث انها تعطينا بوضوح صورة كافية للطبيعة الموضوعية. كما أدى ظهور التناقضات والمفارقات في المنطق الرياضي الى لعبها الدور المركزي في أزمة الرياضيات. في هذه المقالة، سيكون الهدف الرئيسي هو توضيح أهمية الديالكتيك كموضوع لنظرية المعرفة ولمنطق العلم في مواجهة النظرة الميتافيزيقية المهيمنة على علماء الرياضيات.
يرتبط التاريخ الحديث لفلسفة الرياضيات ارتباطًا وثيقًا بفلسفة دراسة أسس الرياضيات؛ ونعني بها محاولة صياغة المفاهيم والمبادئ الرياضية التي تتيح أن ينطلق منها كل ما تبقى من الرياضيات عبر اشتقاقها رياضياً منها. بدأت هذه العملية خلال أربعينات القرن التاسع عشر إثر الانفجار الذي حصل في حقل تطوير مجالات الرياضيات المتنوعة والتي باتت تتطلب بشكل عاجل نوعًا من أنواع النظرية الموحدة لها. في ذلك الوقت، لاحظ جورج بول (George Boole) التشابه القائم بين المنطق الشكلي وعلم الحساب؛ وعلى هذا الأساس، فقد طور نظاماً جبرياً للمنطق سمح لأول مرة للرياضيات أن تدرس نفسها بنفسها. ومنذ ذلك الوقت فصاعداً، فقد هيمن على حقل الرياضيات هذا الشكل أو ذاك من أشكال المثالية الكانطية.
يُتبع، لطفاً.