عولمة الإبادة الفاشية تحت قناع التأدلج اللبرالي/4


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7716 - 2023 / 8 / 27 - 16:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في ظل وقائع التأدلج السياسي الرجعي الأعمى للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في حلف الناتو العدواني والكيان الصهيوني الإرهابي النازي، الذين حاولوا ومازالوا يحاولون في كل مكان – حتى على صفحات موقع الحوار المتمدن الأغر - إعادة تعريف اليسار تحكماً على أنه لا يمثل سوى القوادة لليبرالية بغية إدامة استعباد البشرية، فإن من الأهمية بمكان أن ندرك بأن المعارضة الأساسية التي شكلت، وما زالت تشكل العالم الحديث، إنما هي بالضبط تلك المعارضة القائمة بين الاشتراكية وبين النظام الرأسمالي – هذا النظام التي تم ويتم فرض عبوديته على رقاب البشر قاطبة ويصار إلى إدامته من خلال الأدلجة الزائفة والمؤسسات الليبرالية الكرتونية، بالإضافة إلى استخدام أبشع أساليب القمع الفاشي الأممي، اعتمادًا على الزمان والمكان والسكان المعنيين. ومن خلال استبدال هذا التعارض بين الاشتراكية والرأسمالية بالمفارقة المفبركة بين الليبرالية والفاشية (وهما وجهان لعملة مبيدة للشعوب ومستعبدة لها واحدة)، يهدف هذا التأدلج بفبركة التناقضات المزيفة إلى تحويل معركة القرن إلى مشهد رأسمالي خالص، وليس إلى الثورة الشيوعية ضد الرأسمالية المبيدة للشعوب والمستعبدة لها.
في هذه السلسلة، نستكمل الاقتباس في هذا الموضوع المصيري للبشرية أجمع من نصوص مقالة ثانية – بعوان: "الليبرالية والفاشية: الشركاء في الجريمة" المنشورة هي الأخرى على موقع "كاونتر بنتش" للفيلسوف والناقد الثقافي والناشط الاجتماعي الأمريكي: "غابرييل روكهيل" .
"أكتوبر 2020
الليبرالية والفاشية: الشركاء في الجريمة
غابرييل روكهيل
"لقد أسدل المثقفون الستار على الطابع الدكتاتوري للديمقراطية البرجوازية، ليس أقله من خلال تقديمهم للديمقراطية البرجوازية على أنها النقيض المطلق للفاشية بدلاً من كونها مجرد مرحلة طبيعية أخرى لها حيث تتكشف الدكتاتورية البرجوازية بشكل أكثر عرياً".
- برتولت بريشت
نسمع مرارا وتكرارا فرية كون "الليبرالية هي الحصن الأخير ضد الفاشية، وأن هذا الحصن يمثل الدفاع عن سيادة القانون والديمقراطية في مواجهة الديماغوجيين المنحرفين الحاقدين والعازمين على تدمير النظام الجيد تمامًا لتحقيق مكاسبهم الخاصة". ولقد كان التأسيس لهذا التعارض متجذر بعمق في ما يسمى بالديمقراطيات الليبرالية الغربية المعاصرة من خلال أسطورة "الأصل المشترك" لها. كما يتم زق كل طفل في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بفرية " أن الليبرالية هي التي هَزَمت الفاشية في الحرب العالمية الثانية، وأنها قد هزمت الوحش النازي من أجل إنشاء نظام دولي جديد القائم - رغم كل أخطائه وآثامه المحتملة - على مبادئ الديمقراطية الأساسية التي تتعارض مع الفاشية".
هذا التأطير للعلاقة بين الليبرالية والفاشية لا يقدمهما على أنهما متضادان تمامًا فحسب، بل ويحدد أيضًا بأن جوهر الكفاح ضد الفاشية انما هو النضال من أجل الليبرالية. هذه المقولة تُقِيْم عداءً أيديولوجيًا زائفًا بين الليبرالية والفاشية. إن ما تشترك فيه الفاشية والليبرالية معاً هو إخلاصهما الدائم للنظام العالمي الرأسمالي. وعلى الرغم من أن أحداهما تفضل استخدام القفاز المخملي للحكم المهيمن والتوافقي، والأخرى تعتمد بسهولة أكبر على القبضة الحديدية للعنف القمعي، فإن كليهما عازم على الحفاظ على العلاقات الاجتماعية الرأسمالية وعلى تطويرها؛ وقد عملا معًا عبر التاريخ الحديث من أجل تحقيق هذه الغاية العظمى. إن ما يخفيه هذا الصراع الواضح ــ وهذه هي قوته الأيديولوجية الحقيقية ــ هو أن الخط الفاصل الحقيقي والأساسي ليس هو ذلك القائم بين نمطين مختلفين من الحكم الرأسمالي :الليبرالية والفاشية، بل أن الخط الفاصل الحقيقي هو بين الرأسماليين ومناهضي الرأسمالية. إن حملة الحرب النفسية الطويلة التي تم شنها تحت راية "الشمولية" الخادعة قد فعلت الكثير لإخفاء هذا الخط الفاصل من خلال تقديم الشيوعية بشكل مخادع كشكل من أشكال الفاشية. ومثلما أوضح "دومينيكو لوسوردو" وآخرون بدقة وتفصيل تاريخي كبير فإن هذا هو مجرد هراء أيديولوجي محض.
وبالنظر إلى السبل التي يميل فيها النقاش العام الحالي حول الفاشية عبر تأطيره كعلاقة تضاد مع الليبرالية المزعومة، فإن من الصعب أن نجد مهمة أكثر ملاءمة من تلك المتمثلة بإعادة النظر بدقة في السجل التاريخي للأنظمة الليبرالية والفاشية التي قامت بالفعل. عندئذ سنرى حالاً بأن الأنظمة الفاشية والليبرالية كانت أبعد ما تكون عن العداء فيما بينهما. لقد كانتا – تارة بمكر، وبشكل صريح أحيانًا – شريكتين في اقتراف نفس الجريمة الرأسمالية. ومن أجل العرض والإيجاز، سأركز هنا في المقام الأول على وصف الظرفين للحالتين غير المثيرتين للجدل اللتين نشأتا في إيطاليا وألمانيا. ومع ذلك، فمن الجدير أن نتذكر منذ البداية بأن الدولة البوليسية العنصرية النازية والثورة الاستعمارية - التي تجاوزت قدرات إيطاليا بكثير – قد تم تصميمهما أصلاً على غرار نظام الحكم القائم في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها .

يتبع، لطفاً.