قصتان من زمن بربرية دكتاتورية رأس المال


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7861 - 2024 / 1 / 19 - 16:14
المحور: الادب والفن     

1. لو دامت لغيرك ما وصلت إليك
دخل "سام" إلى مخدع الرئيس العجوز - البالغ أرذل العمر- الكائن في بيته الريفي الشتوي المنعزل، وقال له: البقاء في حياتك - مستر برزِدَنت - إن ابنك الكبير "اسحق" قد مات!
- لا! وكيف مات؟
- قتله ابن عمه "ليفي"!
- ولم قتله؟
قال له ليفي: أنا عندي 9 ملياراً، وأنت عندك ملياراً واحداً، أعطني مليارك حتى يصير عندي عشرة مليارات! ولكن ابنك المسكين رفض ذلك بكل حزم!
- وبعدين؟
- كما أن ابن عمه ليفي قد قُتل هو الآخر أيضاً!
- عجيب! كيف؟
- قُتل في الغارة التي شنها عليه أخوه "موشي" لسرقة ملياراته!
- صحيح!
ولكن: بَشِّر القاتل بالقتل، فقد تمَّ قتل موشي أيضاَ.
- ومن الذي قتله؟
- قتله ابني "يائير".
- وما السبب؟
- لرفضه القاطع تسليبه من طرف ابني يائير !
- إذن سلّم ابنك يائير للشرطة لمحاكمته على جريمته!
- بودي ذلك، ولكنه قُتل هو الآخر!
- ومن الذي قتله؟
- قتلته عشيقتي بغية سلبه ملياراته الضخمة!
- اذن سلم عشيقتك للمحكمة كي تنال جزائها العادل!
تَدْخل زوجة الرئيس مخدعه مرتدية فستان عرس خرافي هفهاف رهيب يفوح منه عطر الخزامى لتقول لبعلها:
انا عشيقته، مستر برزِدَنتْ العجوز، وقد ربحنا - عشيقي وأنا - 999 ملياراً الآن، ويجب علينا تحييدك فوراً يا زوجي الهرم الوفي كي تصبح ثروتنا ألف مليار وتنيف، فيخلو لنا الجو أنا وحبيبي هذا الواقف أمامك شاهراً عليك بخاخ أحادي أوكسيد الكاربون بأريج الخزامى الراقي ! ولابد لي في هذه المناسبة السعيدة الفريدة أن أرجوك بكل اخلاص وبحق العشرة والعيش والملح والذكريات الجميلة التي جمعتنا أن تبارك لنا زواجنا الميمون الموعود بكل أريحية كي أجدد شبابي، وأن تتفهم بكل رحابة صدر وبلا أدنى غضاضة الضرورة الماسة لتحييدك لتودعنا منزلقاً بسلام وبلا أدنى ألم كانزلاق نسيم البر للبحر، مثل تفهمك المشهود للإبادات الجماعية لأهل غزة ومسح بيوتهم بالأرض مجاناً بأموال دافعي الضرائب، فهذه هي سُنّة الرياسة؛ فلو دامت لغيرك ما وصلت إليك! أوي، أيها الحبّوب الوفي العجوز: واصل التعقل باستنشاق الغاز بكل جد واخلاص ورضا واستسلام!
***
2. أشهد الله أني أُكلت ساعة أغريتني بالعلف الأمريكي الأخضر
قال الراوي: يُحكى أن الثعلب جسّوم استطاع التغرير بعنزة أبي حزام المربربة بعدما أمضى معها أياماً في المرعى وهو يمسد لها شعرها وينظفه من الأشواك العالقة به، ويطبطب على كتفيها، ويتغزل بلحيتها وبجمال أفخاذها الربّانية، ويحبّب لها ترك دار أبي حزام والالتحاق به للرعي مع قطيع الثعالب في أعالي الجبل حيث أن العلف الأمريكي الأخضر هناك أحلى وأكبر وأجبر وأدسم. كما وأجزل لها الوعود بحمايتها كرفيق وفيٍّ يتولى ملاعبتها ومداعبتها ومؤانسة وحدتها، ويلبي كل متطلباتها، ويحرص على ابقائها حرة طليقة على حَلِّ شعرها طول الوقت وعدم الحجر عليها مثلما يفعل أبو حزام الذي لا يسمنها إلا ليذبحها في أقرب مناسبة . .
كما اعتاد جسّوم امتداحها على طريقة الثعالب بالقول بمناسبة وبدون مناسبة : أنت أجمل من ملكة جمال الكون: غولدا مائير ووصيفتها قندريسه رايس! وكانت العنزة تتقافز طرباً لهذا الإطراء بلا وعي لمغازيه ولا مقاصده.
بعد أن اقتنعت العنزة بكلامه ووعوده ورافقت الثعلب في سفرتهما طويلة، فبلغا أعلى الجبل البعيد، شاهدت أن قمته جرداء، فيما حفَّ حولها قطيع من خمسة ثعالب متلمّظة الألسن، وأعينها تقدح شرراً..
- يجب علينا أن نأكلك حالاً أيتها العنزة المربربة الغريرة- قال لها الثعلب جسّوم مكشّراً أنيابه.
- ما أسرعك للخيانة! ألم تعدني بالحماية والرعاية والعناية ، يا جسّوم ؟ سألته العنزة.
رد عليها الثعلب جسّوم :
- أشهد الله علي أنني أسحب الآن كل وعودي لك بالحماية والرعاية والعناية. أجاب الثعلب جسوم.
- ولماذا تريد خيانة وعودك وافتراسي ؟ هل آذيتك بشيء؟ سألته العنزة.
- نعم، لقد آذيتنا أشد الأذى بعدما اكتشفنا مدى تفاهتك و وضاعتك ونجاستك وقذارتك وبلاهتك وغباوتك ورذالتك وخيانتك لأبي حزام وشراهتك الحقيرة لعبِّ الأمريكي الأخضر. وليس لمثلك اتهام مثلنا بالخيانة بعد أن خنت بنفسك للتو مربّيك - أجابها جسّوم.
- أِشهد الله أني أكلت ساعة تركت دار أبي حزام، فخنت صاحبي الأمين بعد أن أغريتني بالعلف الأمريكي الأخضر.
هتفت الثعالب بالماغا وهي تثب على العنزة الغريرة لتمزقها - وهي تحوص بين أنيابهم وتنوص - إرباً إرباً.
***
ولكن الراوي عاد واستدرك على روايته السابقة عن افتراس العنزة بالقول أنه يستبعد أن يقبل الثعلب جسّوم بتقاسم لحوم وشحوم وعظام عنزة أبي حسام المربربة مع غيره من الثعالب لما هو معروف من استئثار الثعالب بالاستفراد بأكل فرائسها. وأن الذي حصل فعلاً هو أن العنزة قد أصيبت بالإعياء الشديد جرّاء سفرتها الوعثاء الطويلة حتى بلوغها قمة الجبل البعيد الذي كانت الرياح القوية تعصف به. لذا، فقد آوت مع الثعلب الى مغارة في ذلك الجبل وذلك أتقاء لعصف الرياح، ولأخذ قسط من النوم. في المغارة، استلقى جسّوم إلى جانبها، وراح يلعق رقبتها بلسانه تمهيدا للإطباق عليها.
- أوووي، حبيبي ثعلوب ! ما الذي تفعله برقبتي الرقيقة الناعمة؟ سألته العنزة.
- توجد بقعة وسخ عالقة فيها، ويجب علي تنظيفها الآن بسرعة للحفاظ على نقاوة جمالك الرباني الآسر! رد جسّوم.
- أووي، جسّوم، لا تزعجني، أرجوك، فقد أصاب بالعقدة النفسية من قرقرتك هذه!
يواصل جسّوم لعق رقبة العنزة بإزالة الشعر الكثيف جانباً وهلسه لإظهار اللحم.
- أوووي، جسّوم، إن لم تتوقف عن هذه الوقاحة حالاُ فسأشكوك إلى هيئة الأمم المتحدة، عند كوفي عنان، هدَّدت العنزة.
- وأنا ميسِّر لك مقابلته في الآخرة فوراً!
وأطبق بفكيه القويين على رقبتها، وهي تحوص وتنوص بلا طائل، فيما بدّد عصف الرياح ثغاءها وعفيطها ونبيبها!