عندما تغني الملائكة شجن الغربة: نص رهيب للشاعرة الكبيرة: وئام مُلّا سلمان


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7691 - 2023 / 8 / 2 - 09:38
المحور: الادب والفن     

. الوصف
هذه القصيدة – وعنوانها: "أفعال رتيبة" – تحكي قصة شجن الوحدة عبر مزاوجة مشاعر الحزن بشموخ الخيال في وصف صباح ونهار وليل الراوية. الرتابة تهيمن بميسمها على كل مناحي حياة بطلة القصة: الصحو صباحاً، ارتشاف الشاي المر مرارة الأيام والثقيل ثقل أحلامها. بعدها تدخن الراوية لفافة تبغ.. وهنا يشمخ الخيال: يخرج من الدخان المنفوث تنّين من الصمت يلف كل شيء حول المكان. تنّين الدخان هذا يأبى التواصل وإثارة الجلبة لكسر سلسال الصمت، بل أنه يزيد الجو صمتاً على صمت. بعدها، تشكو الراوية انعدام التواصل لا مع البشر ولا مع الحيوانات الأليفة لكسر الصمت، لننتقل بعدها لرسم صورة رهيبة لثقل نهارها: أنه يمضي بطيئاً كمن يمشي على ساق واحدة، ليشطر الراوية نفسها الى وجبتي طعام، كي تأكلهما مائدة الطعام نفسها. هذه الصورة السريالية تصف الانعدام التام لمتعة تناول وجبات الطعام جراء الوحدة بإسناد فعل التهامه لمائدة الطعام وليس لها؛ والطعام الملتهم هي الراوية نفسها التي يتماهى جمود حياتها مع جمود الطاولة. هذه صورة شعرية جديدة صادمة برعبها الذي لا يتأتى إلا لمن تأستذ على خلق الصور المبتكرة. في الليل، توصد الأبواب عليها، وبدلا من ارتداء ثوب العرس ومضاجعة الحبيب في ليلة الحب المرتجى لتكون حبيبة وأماً له - ترتدي الراوية أثواب الشجن، وتضاجع الورق، علَّها تنجب مولوداً جديدا بإهاب قصيدة حزينة تولّدها دموع وحدتها، ولكن شيطان شعرها يأبى عليها متعة الولادة الجديدة لكونه عاقراً مثلها! غير أننا نحصل بالتأكيد في النهاية على المولود الجديد للراوية: قصيدة تحوِّل العدم إلى وجود في لعبة ديالكتية أريبة ومكينة. أخيراً ينتصر الانسان على أشجان الوحدة بتوليد الشعر الفذ الراقي !

2. النص
أفعال رتيبة

الشاعرة العراقية الكبيرة: وئام ملا سلمان

كما كل يوم
أصحو صباحا
ارتشف الشاي
من دون سكـّر
مراً مرارة أياميَ
ثقيلاً كأحلاميَ
أشعل تبغي
أنفث من رئتيَ الدخان
يخرج تنين صمت يلف المكان
هدوء ٌ
هدوءٌ
هدوءْ
لا بشراً ألتقي ….
لا قطةً كي تموء!!
ويمشي النهار على قدم واحدة
يقسمني وجبتين
لتأكلني المائدة
وحين يجيء المساء
أوصد بوابة الطرقات الرتيبة
أطفئ ضوء القمر
ألبسُ ثوباً من الشجن السرمدي
غدا ًسأكون............
أنا أمه والحبيبة
أضاجع في الليل قرطاس حزني
على مفرش من سديم
لعل القصيدة ......
من خصب دمعي تولدُ طفل ُالغدِ
لكنني عاقر لا محالة .........
وشيطان شعري عقيم.

أيلول 2005
3. الترجمة :
Tedious Acts
Iraqi Poetess: Wi’aam Mulla Salmaan

As every day,
I wake up in the morning,
Sip the tea,
without sugar:
Bitter as my days,
Heavy as my dreams.
I kindle my tobacco,
Expel out of my lungs the fumes:
A dragon of silence springs envelops the place.
Dullness,
Dullness,
Dull.
No soul to meet,
No cat to meow!
The day walks on one foot,
Splitting me into two meals,
For the table to eat.
When the evening comes,
I shut the gate of dull roads,
Turn off the moonlight,
Wear a dress of eternal grief,
Tomorrow I will be his mother and sweetheart.
At night, I join my sadness.
Coupling with my grief stationery
On a bed of nebula:
Perhaps the poem,
From the fertility of my tears,
Will give birth to tomorrow’s child.
But I m definitely arid,
And my poetry’s demon is barren.

September, 2005