كاظم حسن سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 7553 - 2023 / 3 / 17 - 08:58
المحور:
الادب والفن
من ايام اعلنت الكاتبة سيري هاستفيت زوجة الروائي والمخرج الأمريكي، بول أوستر، بأنه يخضع للعلاج من مرض السرطان.
اثاراتهام أوستر لوالده بالبخل - في "اختراع العزلة"- غضب عائلته فكذبته، ما جعله يفسر في "تباريح العيش" لاحقاً، بقوله: "لقد ترعرعت في عائلة بورجوازية، وعشت طفولة ميسورة، ولم أعانِ أبداً من أي نقص أو حرمان يزهق غالبية البشر. لكن على رغم اليسر فإن المال كان موضوع المناقشات والهموم المتواصلة ,عاش والداي الأزمة الاقتصادية عقب الحرب العالمية الثانية ، ولم يبرأ أي منهما من هذه الأزمنة العصيبة بصفة نهائية. تركت تجربة العوز آثارها فيهما، وكان كل واحد منهما يحمل جرحها على طريقته. كان أبي مقتصداً وما انفكت ذكرى الفقر تلازمه. أما أمي، فكانت تعشق طقوس الاستهلاك. وكانت على غرار الأميركيين تمارس التسوق بوصفه وسيلة للتعبير".
في مقابلة مع "الغارديان" البريطانية، بيّن أوستر الدور الكبير الذي تلعبه السير الذاتية في حياة القراء. إنها رحلة استكشاف للذات وليست استعراضاً لها على الملأ.
تطفل البطل لمنزل ابيه الذي عاش فيه وحيدا مدة 15سنة , فعلم بانه لم يجر عليه أي تغيير .. و ان ما كان يحكمه هو الاهمال لا الذكريات .. فبعد انفصاله عن زوجته صار الوقت الذي يستغرقه داخل المنزل يتناقص .. فالمنزل مكان للنوم فقط .. انه خارج مفاهيم باشلار بكتابه جماليات المكان اذ قال > , وقد راى الابن المتطفل على بيت ابيه بان الاهمال الجلي للبيت هو انعكاس للسلوك الذهني فقد مر بحالات تفسخ تدريجي فاثاث الغرفة مطمور بالعناكب , تتلبس فرن المطبخ قطع من طعام محروق ,علب طحين موبوءة , اكياس سكر تكلست .... كان يجيب ان حثه اصدقاؤه على ترك المنزل (انا سعيد هنا ).
هذا البيت اشتراه ابوه بثمن مرتفع وكان ذا مواصفات هندسية راقية وبعد فترة قصيرة انفصل الزوجان ومضى الولد للكلية واستانفت الام حياة جديدة ومعها اخته ...وحده الاب مكث بالبيت الشاسع .
هو يرفض بيع البيت لاسباب منها الاتفاق مع الزوجة اثناء الطلاق ينص على ان للزوجة ملكية نصف البيت وفي حال بيعه لها نصف السعر ..او لان الاب يرفض بضميره تغيير حياته او بسبب كسله وفتور في مشاعره من اتخاذ أي قرار.
الكاتب يروي حادثا غريبا حدث بعد انتقالهم لمنزلهم الجديد بوقت قصير ... قاد سيارته وبدلا من قيادتها لمنزله ذهب بها لمنزله القديم ودلف من باب خلفي وصعد الدرج واستلقى على الفراش وحين اكتشفت وجوده المالكة الجديدة بعد ساعة من نومه اصيبت بالهلع لكن الاب لم يقفز فزعا ولم يهرب وتوضح الامر اخيرا وضحكا .
هنا يندفع الابن بتحليل هذه الظاهرة فيقول .
لم يجر أي تغيير في المنزل اثناء سنوات الوحدة التي قضاها لم يضف اثاثا ولم يزل ايا منها , لم يبدل اصص الزهور ولم ير فساتين امي التي خزنها في العلية ليس لرغبة باحتفاظه بالبيت كمتحف بل لجهل شاسع بشان حالته الرثة .
يدخل الابن للمنزل بسلوك وعيون محقق بوليسي او عالم اثار .. فمن خلال مخلفات البيت يحاول ان يبني الهيكلية السيكولوجية لابيه المنعزل والمتكتم تماما .
كان المنزل سريرا للنوم فقط وان الافتقار الى مكان يرتكز اليه حوّله الى متجول دائم , وسائحا في حياته نفسها فلم يعرف الاستقرار .
واقر الابن بان الاهمال في المنزل هو تجسيد لحالة ابي الذهنية . كانت مستقبلاته للمسرات والالم متكلسة .. فلا يعرب عن ذلك لا بايماءات ولا بحركات جسدية ولا بالنطق ..لقد تدرب بما يكفي ليغلف ذاته عن الجميع ..وتحجرت مشاعره فكفاه عشر دقائق ليلقي نظرة على ولده البكر الوحيد ويختفي ولم يستجب لاستغاثة زوجته قبيل المخاض فلم يكن جوارها ما دفعها للاستعانة بزوج اختها لتقلها الى المشفى .
ان اكثر الاشياء رهبة هو مواجهة اغراض رجل مات الاشياء تهمد لان معناها كامن بدورها خلال حياة صاحبها ,عندما يموت يجري عليها تحول ما , انها اشباح ملموسة محكومة بالبقاء في الحياة في عالم لا تنتمي اليه .ما الذي يثير تامله في حزم هاربة من الواقيات الذكرية متناثرة في ادراج تحتشد بالملابس الداخلية , ماذا عن شفرة حلاقة تجلس في الحمام لا تزال مسدودة ببقايا شعر ذقن بعد اخر حلاقة .او درزن من اصباغ الشعر. لا تعني الاغراض شيئا بذاتها فهي ادوات طبخ لحضارة بادت لكنها رموز الخلوة التي يتخذ فيها رجل قرارات بخصوص نفسه : هل يلون شعره ؟ هل يلبس هذا القميص او ذاك هل يبقى او يرحل ..
يشعر الابن وهو ينقب في الاغراض والمخلفات بانه طفيلي , لص يفتش في اماكن سرية .
بعد عشرة ايام تم تنظيف البيت واعداده لمالكيه الجدد كان وقتا غريبا هزليا بجداره .كانت زوجته معه خلال ذلك وابنه دانيال 18 شهرا . كان ينام مع زوجته بلحاف واحد , يشهدان افلاما رديئة من شاشة تلفاز قبل بيعه : واجها انقطاع الكهرباء وعطل السخان اما طفلهما فكان سعيدا يجري منقبا وعابثا بالسلع الانقاض ..فجاة يرن الهاتف فيرد عليه : ابي قد مات .. لقطة فاجعة .لقد تحول بائع اثاث تحول المنزل الى سلسلة كوميدية فالاقرباء يصلون ليستولوا على اواني وملابس يقلبون الصناديق ويثرثون , واقبل المزايدون لتفقد البضاعة <الاثاث لا يساوي قرشا > يقولون ويرفعون انوفه ويخرجون ..ياتي جامعو القمامة لينقلوا تلالا من من الاغراض ,عمال الوقود قرؤوا العداد واتى عامل اعداد الغاز ليقيس , كما فعل عامل مصلحة المياه ... احد في الماضي اذاقه الاب وقتا عصيبا لسنوات قال (والدك كان بغيضا ودنيئا ).
لكن مثل هذا الرجل الذي مات المقنع سلوكا حتى الشبحية كيف يفعل وهو يخطب امراة للاقتران .. هل ستتحرك فيه المشاعر او يقدم لها زهرة او يتلو شعرا رومانسيا ..بعد اسابيع من الزواج ستشعر امراته بانها دخلت كمينا وان زوجها لا يمكن العيش معه .. لكنها عادت للمنزل وبقيت سنتين لان نطفة تحركت في بطنها وسيلد بكرها وستبقى تحتمل بسبب قوة الامومة .
يكتشف الابن مغامرات ابيه ويفسر من سلوكه بالبوم الصور ما كان غامضا ويصعب استيعابه ..
من الامور المفزعة ان تصل بنت جاره فتلعب مع صغيره ثم ترفع سماعة التلفون وتقول له < بول انه والدك يريد التحدث اليك > ما يجعله في هزة عميقة .
ــــــــــــــــــــــــ
بول اوستر كاتب ومخرج أمريكي مولود في 3 فبراير 1947. كتب في أدب الجريمة والبحث عن الهوية والمعاني الإنسانية , وتحلى بشجاعة فائقة باضاءة احداث بالمذكرات قلما يتمكن منها كاتب .. أبرز أعماله ثلاثية نيويورك (1987)، قصر القمر (1989)، موسيقى الصدفة (1990)، كتاب الأوهام (2002) و حماقات بروكلين (2005)..
#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟