أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - الإنسان المتحول صرصارا














المزيد.....

الإنسان المتحول صرصارا


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 7432 - 2022 / 11 / 14 - 04:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أفلاطون على لسان سقراط في محاورة "فايدروس":
"كانت صراصير الليل في الماضي رجالا من أولئك الذين عاشوا قبل ربات الشعر وظهر الغناء، و وُجد من بين الرجال في ذلك الوقت من تملكهم الطرب فظلوا يغنون ويغنون إلى حد أنساهم الأكل والشرب فماتوا وهم لا يدرون بأنفسهم ومنهم خرجت فصيلة الصراصير التي تلقت تلك الموهبة من ربات الشعر، فهي منذ ولادتها لا تأكل بل تنخرط في الغناء المستمر عازفة عن المأكل والمشرب حتى تموت".
و يحيل هذا الجزء من المحاورة إلى رواية المتحول للأديب كافكا في القرن العشرين والذي يبدو أنه استلهم فكرته في تحول الإنسان إلى صرصار من خلال هذه المحاورة التي مضى عليها أكثر من ألفي عام.
فكرة تحول الإنسان إلى صرصار تعني موته كإنسان والموت يتخذ هنا معنى الإفـتـقاد للإنسانية وليس للحياة في ذاتها والحياة تتضمن معناها كحياة بالنسبة للإنسان حين يكون إنسانا، وبالتالي الفاقد لإنسانيته هو في الحقيقة فاقد للحياة وهو ميت و إن كان عائشا فهو صرصار بين المجاري.
كما أن هذا الجزء من المحاورة يحيل إلى التفكير عند أفلاطون حول الغناء وغناء الرجال أساسا، وهو الذي يبدو رافضا له بل مخرجا إياه من فصيلة الإنسان فالرجل الذي يغني هو متحول إلى صرصار، ولربما هو أفلاطون ضد الغناء برمته خاصة أن موقفه الذي يستهجن فيه الشعر والشعراء معروف ويعتبرهم مضللين للحقائق ومفسدين للذائقة العامة وملهين للبشر عن الإنصراف نحو حياة الحقيقة، وهذه الحقيقة جسدها في الجمهورية التي يحكمها الفلاسفة وهي ذات التـنظيم العقلاني الصارم، والذي ربما من بعده أورث جميع الفلاسفة نزعة تعبيرهم عن الكل وأحقيتهم بالتالي في حكم البشر وأن ذلك هو السبيل للحياة الفاضلة..
كما أنه من خلال أفلاطون والفلسفة اليونانية يمكن أن نتعرف عن أصل الأفكار المتعلقة بالأديان وتشريعاتها وإرادتها في تنظيم الحياة البشرية وفق أفق الحقيقة المتعالية على الطبيعة والجسدانية بتخييلاتها ورغباتها الحيوية القوية، ويكفي أن نشير هنا إلى امتعاض رجال الدين من الفن باعتباره لهو وتلهية للبشر عن الحياة في الله، وحتى الكنيسة التي تعزف فيها الموسيقى و تزين جدرانها اللوحات الفنية، فالفن فيها موجه ومحاصر بالرؤية الدينية مع تحريم الفن خارج تلك الرؤية..
ومن هنا، فإن النظرة الإسلامية التي تحرم الفن هي ليست إنتاجا إسلاميا، ودليل ذلك أن القرآن يخلو من أي تلميح إلى استهجان الفن أو تحريمه وهو المصدر الوحيد الموثوق في صحته إسلاميا باعتباره كتاب الله الذي لم يداخله تحريف وإن تمت محاولات تجاوزه إسلاميا عبر خلق ترسانة الأحاديث فيما يُسمى السنة، وهذه النظرة الإسلامية هي إتباع لثقافة متعالية نحو المطلق أو عالم المثل عند أفلاطون ومن ثم في اليهودية والمسيحية والزرادتشية الفارسية ظهرت قبلها بمئات السنين ترفض الفن وتعتبره تحولا للإنسان إلى صرصار..
والمتحول إلى صرصار في القرن العشرين وما بعده يقبع في منطقة ثقافية و وضعية إنسانية لم تعرفها الإنسانية من قبل، وهي وضعية عصر الصناعة والرأسمالية والأنظمة الشمولية المتحكمة في حركات الأفراد المُراقبين سواء في الأنظمة الدكتاتورية أو الاستبدادية أو الديمقراطية. فالدولة في كل مكان والفرد محاصر في كل مكان بحيث لا هوية له خارج الدولة وأصبح مجرد برغي في آلة كبرى تتجاوزه، مما أحاله إلى صرصار تائه في مجاري عالم أوسع مما سبقه من عوالم ماضية، سواء في المدن ومبانيها وطرقاتها وعماراتها الشاهقة واضمحلاله كجسد وسط تلك الضخامة ووسط الأعداد الغفيرة من الناس وانمحاء العزلة والمسافات الفارغة، أو في ضياع الأرض برمتها في كون لا متناهي و الأرض برمتها تبدو مجرد حبة تراب.. المتحول اليوم صرصارا ليس أمام الحقيقة المتعالية فهو يعاني من فقدان اليقين في المتعالي، وإنما أمام الرعب اليومي لانمحاء ذاتيته وفرادته كإنسان وبالتالي ضياع إنسانيته في استعماله لأغراض تتجاوزه يكون فيها مجرد وسيلة لعمل آلة جهنمية يمكن التخلص منها في أي وقت..
في هذا العالم يقوم جانب كبير من الفن المتحول بدوره ليس إلى الغناء والشعر فقط بل إلى مختلف الألاعيب الإعلامية حتى التي تبدو جادة مثل نشرات الأخبار التي تنقل مثلا حتى الأحداث المأساوية للقتل المجاني للفلسطينيين، أو لخبر مظلمة وقعت لإنسان تم سجنه وإعدامه أو قتله من قبل أجهزة الدولة أو عصابة أو فرد آخر، أو أخبار الأوبئة والموت والاعاصير.. فحتى الأخبار الجدية ناهيك عن جملة ما يُعرض من تفاهة في الفن والسياسة والنجوميات المصنعة أصبحت تقوم بدور الذي غادر إنسانيته فمات دون أن يشعر وهو يغني فتحول إلى صرصار، وهنا يتأكد من جديد خلود أفلاطون في كل العصور..
يبق عقل الفيلسوف ماوراء الضلال يؤمن دوما إمكانية الحياة الحقيقية..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الثورة الإيرانية
- مشروع دسترة الثورة التونسية
- في تهنئة رئيس الجمهورية - قيس سعيد- بعيد الفطر
- في تأصيل فكرة الإشتراكية
- أي اشتراكية نريد؟
- الشمس
- البوط
- الصورة
- الفراشة
- آه يا عراق
- الإنهيار
- -يوم النفير- الغنوشي في تونس
- جانب من حقيقة الوضع السياسي الحالي في تونس
- ما وراء صخب الديمقراطوية في تونس اليوم
- إنتصار الرئيس قيس سعيد
- هل هو إنقلاب على الديمقراطية في تونس؟
- ساكن القبر 5
- ساكن القبر 4
- ساكن القبر 3
- ساكن القبر 2


المزيد.....




- لماذا يضغط وزراء إسرائيليون متشددون على نتنياهو لرفض مقترح و ...
- وزير الخارجية السعودي أجرى اتصالين هاتفيين برئيس مجلس السياد ...
- إسرائيل تدعو حلفاءها إلى معارضة تهم محتملة من الجنائية الدول ...
- ترامب: -من الممتع مشاهدة- مداهمة اعتصام مناصر للفلسطينيين
- مصر.. نجل وزير سابق يكشف تفاصيل خطفه
- ذكرى تحارب النسيان.. مغاربة حاربوا مع الجيش الفرنسي واستقروا ...
- لبنان.. لقطات توثق لحظة وقوع الانفجار بمطعم في بيروت وأسفر ع ...
- القبض على الإعلامية الكويتية حليمة بولند لاتهامها بـ-التحريض ...
- مصر.. موقف عفوي للطبيب الشهير حسام موافي يتسبب بجدل واسع (صو ...
- -شهداء الأقصى- التابعة لـ-فتح- تطالب بمحاسبة قتلة أبو الفول. ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيثم بن محمد شطورو - الإنسان المتحول صرصارا