أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - اليس بالإمكان أبدع مما كان؟_3















المزيد.....

اليس بالإمكان أبدع مما كان؟_3


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 7035 - 2021 / 10 / 2 - 14:37
المحور: القضية الفلسطينية
    


أ المعرفة قوة والجهل هوان وانكسارات

علاوة على الحشد وتنظيم النضالات تدخل فصائل التغيير الديمقراطي الى الوعي الاجتماعي المعرفة العلمية بالواقع وسبل الخلاص. في هذا المجال ترسي الأحزاب الديمقراطية عادة المطالعة والبحث المستدام عن المعرفة ؛ فالمعرفة قوة وسيطرة ووسيلة ريادة. المعرفة هي الفريضة المغيبة في العالم العربي المنكوب بأنظمة الاستبداد الأبوية، أنظمة التجهيل الممنهج تعتبر المعرفة وباءً تقتضي مكافحته. التجهيل وشح المعرفة الموروث يوسعان الهوة بين الكتل الشعبية وتيار التحرر والتقدم؛ ولكي يتم التفاعل بين القاعدة الشعبية وقوى التغيير الديمقراطي يتوجب ردم الهوة الفاصلة.
البنية الأبوية تسود بظلاميتها المجتمعات العربية؛ فهي تتحاشى العلم وتمنى إجراءاتها ومشاريعها بسبب ذلك بالفشل، تشيع الخرافة والشعوذة في أوساط "الرعية"، تمنع بكل السبل المتاحة تحديث التعليم وتحديث الخطاب الديني ، كي تبقي حجب الظلام مسدلة على المجتمعات العربية. في الإحصاءات الدولية تتردى الدول العربية في ذيل قوائم إصدارات الكتب أو ترجمتها أو نسبة مطالعة الكتب بين أفراد المجتمع. وحسب إحصاءات اليونيسكو فإن نسبة 26 بالمائة فقط من القراء يبحثون عن المعبومات في قراءاتهم. شهدت معدلات القراءة وإنتاج الكتب ونسخها وتداولها في الوطن العربي حالة من التراجع خلال العقود الأخيرة، فوفقاً لتقرير التنمية الثقافية للعام 2011 الصادر عن «مؤسسة الفكر العربي» وتقرير «التنمية البشرية» للعام 2012 والصادر عن «اليونسكو»، فإن الأرقام مُحبطة، وتتجلى في معدلات متدنية لطباعة الكتب وقراءتها . كما أن نسبة الأمية عالية بالنسبة للدول الأخرى . وتشير الإحصاءات أن كل 80 مواطناً عربياً يقرأون كتاباً واحداً في السنة. في المقابل، يقرأ المواطن الأوروبي نحو 35 كتاباً في السنة، والنسخ المطبوعة من كل كتاب عربي تقارب 1000 أو 2000 وفي أميركا 50 ألف نسخة.
يُترجَم سنوياً في العالم العربي خُمس ما يُترجَم في دولة اليونان الصغيرة، والحصيلة الكلية لما تُرجم إلى العربية منذ عصر الخليفة العبّاسي المأمون إلى العصر الحالي تقارب الـ10000 كتاب، وهذا العدد يساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة.
شهد منتصف القرن الماضي نهوضا عاما في حركة التأليف والنشر مع تصاعد حركات النضال الوطني ضد السيطرة الامبريالية. انفتحت الشعوب العربية على النضال الوطني ومن ثم على العالم، وراحت تتعرف على تفاصيل الحياة الدولية. في الأردن تكاثر عدد دور الكتب، توفر الكتاب للقراء من الدول العربية المجاورة. معظم المطبوعات دارت أبحاثها حول تحليل الوضع العالمي والكشف عن دور الامبريالية على الصعيد العالمي . غدت مطالعة الكتب واجبا وطنيا لدى الشباب، وكانت الأحزاب الوطنية تحث على القراءة ، وكرست نسبة من جلسات المنظمات الحزبية لمناقشات فكرية تتعلق بالنظرية والسياسة. كما تعددت اللقاءات السياسية الجماهيرية، وكثيرا ما تحولت مناسبات أفراح او زيارات شخصية وطنية الى مهرجانات تلقى فيها الخطب تحلل الأوضاع المحلية والإقليمية و الدولية .
وبفضل الحريات السياسية النسبية في خمسينات القرن الماضي انتظمت أعداد من المعلمين في الأحزاب الوطنية، واحتضنت المدارس الفكر الوطني وارتقت العلاقة بين المدرسين والطلبة ليسودها قدر من الاحترام والرفاقية. تعاظم اهتمام الطلبة بقضايا المجتمع ونضجت مبكرا لدى جيل الشباب قيم الاعتماد على النفس والثقة بالذات والبحث عن المعرفة. توجه طلاب التعليم العالي الى الأقطار العربية المجاورة ، وانتظم معظمهم في أحزابها الوطنية .
بعد الانقلاب على الحكومة الوطنية تشكل جهاز المخابرات العامة يقمع المعارضة ويشرف على المدارس. جرى الحجر على الحريات العامة وفصل المعلمون الوطنيون من التدريس وفرض على الجميع الإذعان لنظام الاستعمار الجديد تديره الامبريالية الأميركيةـ وتشيع الاقتصاد الاستهلاكي والثقافة الاستهلكية ، يغريان بالفساد الإداري والأخلاقي والتفكك الاجتماعي. باتتت الاحتكارت تقدم الرشوات بهيئة عملات للمتنفذين مقابل استيراد اجهزتها ومعداتها العسكرية والمدنية. سلم جهاز التربية الى الإخوان المسلمين ، مكافأة. اولى الإخوان العناية بالتعليم بدءًا من رياض الأطفال وفرزوا من بين صفوفهم مشرفين أصحاب خبرة ، خاصة على الغلمان فوق العاشرة ، ممن يتوسمون فيهم الذكاء ليحصنوهم ضد الأفكار العلمانية والفكر الوطني.
توالدت بالنتيجة في كنف الاستعمار الجديد ثقافة استهلاكية تعايشت مع ثقافة سلفية وتوزعت الأجيال ما بين الفكر السلفي وبؤر الانحلال الأخلاقي . أنشئت الجامعة الأردنية واخضع نشاط الطلبة لمراقبة إرهابية حثيثة، فتضاءلت بالتدريج نسبة العناصر الوطنية بين المهنيين والمثقفين. كان عقد الستينات مقدمة وتمهيدا لعدوان حزيران وللاحتلال الإسرائيلي ، الذي دهم مجتمعا مرهقا مستسلما . حاكمية السلفية مهدت للتبعية للأجانب، " تقضي التبعية في النهاية الى تكريس حاكمية من نوع لا يخطر للخطاب الديني على بال:انها حاكمية الغرب الراسمالي، الذي يمتلك المعرفة ، ويمتلك أدوات إنتاجها، ويمتلك، من ثم، حق اتخاذالقرارات المرتبطة بمصير العالم، وبمصير العالم العربي والإسلامي خاصة[ نصر حامد ابو زيد:النص ، السلطة، الحقيقة ، الفكر الديني بين إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة – المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2199، ط7 –ص147].
يؤكد إيلان بابه في كتابه "أكبر سجن على الأرض" ان قيادة الجيش الإسرائيلي أعدت خطة حكم الضفة الغربية عام 1963؛ حملت الخطة اسم "شاكهام"، رئيس اللجنة التي كلفت بوضع الخطة. ويكتب بابه أن القيادة الصهيونية تعرضت لنقد شديد إذ أبقت الضفة الغربية خارج سيطرة الدولة. "بعيدا عن أي تبرير آخر لاستعادة ‘ قلب الوطن اليهودي’ كانت فكرة الاستعادة هذه راسخة بعمق في المناهج والنصوص التعليمية المدرسية في النظام التربوي الإسرائيلي، وكذلك ، كما أشار توم سيغيف ، كانت في العاب الأطفال التي تضمنت خرائط لإسرائيل ممتدة على كامل مساحة الضفة الغربية وتفترض وقوعها في قبضة الاحتلال"[53]. أفكار ومعارف بقيت مجهولة حتى الزمن الراهن لدى عالم السياسة والثقافة في فلسطين، فمضت في متاهة التفاوض او عطالة الانتظار. "في مطلع خمسينات القرن الماضي فكر بن غوريون ثلاث مرات في ضم الضفة الغربية بالقوة الى الدولة اليهودية" [50]. مباشرة بعد وقف العمليات العسكرية شرع القادة العسكريون ومدراء عامون الوزارات مداولاتهم التي أسفرت خلال ثلاثة أشهر عن قرارات" حكمت جميعها ، بشكل او بآخر،على سكان الضفة الغربية وقطاع غزة بالسجن المؤبد داخل السجن الأكبر والأضخم في التاريخ المعاصر "[بابه21] . أدخلت قوانين تعود لعهد الانتداب يجيز الحبس لمدد طويلة " شجبها جميع القادة الصهاينة واعتبروها تشريعات نازية ؛ كما وصفوها بانها أنظمة ‘لامثيل لها في اي بلد متنوروبأن المانيا النازية ذاتها لم تفرض مثل هذا الأنظمة’ "[بابه 19] . " أنشئ السجن الضخم في يونيو 1967، لا للإبقاء على الاحتلال بل كاستجابة عملية للشروط الإيديولوجية المسبقة للصهيونية: أي الحاجة الى السيطرة على أوسع مساحة ممكنة من فلسطين التاريخية ، وخلق أكثرية يهودية مطلقة فيها ، بل وحصرية إن أمكن".[بابه23 ]. لم تحس الجماهير بمضايقات السجن الجديد لأن الحياة قبل الاحتلال لم تكن أفضل . كم تبدو المفاوضات واوهام السلوك مهزلة وسذاجة سياسية في ضوء هذه الوقائع!
"برزت الحاجة للاحتفاظ بالأراضي من دون طرد السكان منها ، ومن دون منحهم الجنسية في الوقت نفسه. تلك هي المعايير او الفرضيات الثلاثة التي لم تتغير حتى يومنا هذا ، وهي تبقى الثالوث غير المقدس لتعاليم التوافق الصهيوني[29] . في ضوء الأقانيم الثلاثة نفهم إقدام شارون على ترتيباته في قطاع غزة دون استشارة طرف فلسطيني. جميع قضايا فلسطين تخص إسرائيل وحدها. "بالنظر الى المشهد التاريخي العام ، يمكن اعتبار المحطات الرئيسية المذكورة في هذا الفصل -1948،1957، 1958، 1967- مراحل من مشروع استعماري متواصل هدفه تهويد فلسطين وسلبها هويتها العربية. في 1967 لم تكن إسرائيل تواجه اي أخطار وجودية"[93].
بينما كانت إسرائيل تحكم قبضتها على الضفة والقطاع بحكم كونها " قلب الوطن اليهودي "، تلاحقت اكتشافات الباحثين في آثار فلسطين خلال الثلث الأخير من القرن الماضي، وكلها تشكك في روايات التوراة. والمؤسي ان جميع معطيات التنقيب الأثري ، والتي غامر المنقبون بالإفصاح عن نتائجها غير السارة للصهيونية وحلفائها والمؤججة لأحقادهم.. إن هذه المعطيات بقيت مخزونة على أرفف الكتب. حسم شكوك المنقبين عبر النصف الثاني من القرن الماضي العلامة توماس تومسون، فقدم رؤية متكاملة عام 1992استحوذت على انتباه علماء الآثارفي كتابه العلمي "التاريخ المبكر لشعب إسرائيل من المصادر الآركيولوجية المدونة". ظهر توماس تومسون في ميدان الآثار ليفسد الزفة المقامة بمناسبة توحيد القدس. أورد في كتابه " إن مجموع التاريخ الغربي لإسرائيل والإسرائيليين يستند إلى قصص من العهد القديم تقوم على الخيال" قدم كيث وايتلام عام 1996 عرضا لمنجزات الآثاريين في كتابه "اختلاق إسرائيل القديمة طمس التاريخ الفلسطيني"، نقَض بمنطق العلم الرواية الصهيونية -الامبريالية حول فلسطين من أساساتها.
اجمل البروفيسور كيث وايتلام ، أستاذ الدراسات الدينية في جامعة "ستيرلينغ" في سكوتلاندا، نتائج البحوث الأثرية في كتابه "اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ الفلسطيني". اجمعت البحوث على تلفيق تاريخ قديم مزعوم لإسرائيل. سجل وايتلام على المثقفين العرب تقصيرهم في الاستفادة من بحوث الاستشراق وضعف اهتمامهم بالتاريخ الفلسطيني القديم. فضح كيث ويتلام بجرأة كل زيوف الآثاريين التلموديين، وقامت الدكتورة سحر الهنيدي بترجمة الكتاب إلى العربية وصدر ضمن سلسلة " عالم المعرفة" (عدد249 عام 1999). نقلت صحيفة (تايمز ليتراري سبليمينت) تصريحا للمفكر إدوارد سعيد ( 21 نوفمبر1996 ) حول أفضل كتاب قرأه ذلك العام فأجاب :"إنه كتاب كيث ويتلام، عمل أكاديمي من الطراز الأول ، أسلوبه بالغ الدقة ، وكاتبه يتمتع بجرأة كبيرة في نقده لعديد من الفرضيات حول التاريخ التوراتي." قدمت المترجمة للترجمة العربية بدراسة القت الضوء على جريمة الاستشراق والمسيحية الأصولية بحق الشعب الفلسطيني. وحسب استنتاج وايتلام "التاريخ التوراتي والكشف عن الكنوز الأثرية في المنطقة قد استخدمتها القوى الغربية لمصلحتها في صراعها على الهيمنة السياسية وإضفاء الشرعية على طموحاتها الاستعمارية... ويمكن تطبيق هذا المبدأ على جميع دول المعمورة [وايتلام : 39].
سبقت الاكتشافات العلمية تنقيبات مغرضة أجراها وليم فولبرايت من المدرسة الأميركية، أسقط طابع الأحداث الجارية في فلسطين في عشرينات القرن العشرين - الوقت الذي اجرى حفرياته – على بنية إسرائيل القديمة وسيناريو تأسيسها، فجاءت نسخة عن العصر الحديث. في كتاب الفه اولبرايت في عقد الثلاثينات، اورد فيه مجزرة أريحا المدعاة على يدي شاول المزعوم، ليبرر مجازر إسرائيل في العصر الحديث : "لا يمكننا الارتقاء روحيا إلا من خلال الكوارث والمعاناة ، بعد التخلص من العقد النفسية ، وذلك عن طريق التطهر . وهذا التنفيس والتطهر العميق هما اللذان يرافقان التحولات الرئيسة . كل فترات المعاناة الذهنية والمادية هذه ، والتي يتم فيها إعادة القضاء على القديم قبل ولادة الجديد تثمر نماذج اجتماعية مختلفة عقيدة روحانية أعمق [ وايتلام : 131]. ولم يجد غضاضة في الاستشهاد بإبادة السكان الأصليين في أميركا، وذلك لتبرير ما يدبر ضد الشعب الفلسطيني. لدى استعراض كم كبير من معطيات قدمها من سبقوه أو جايلوه. بناء عليه أكد وايتلام " إذا تمكنا من تغيير المنظور الذي تنبع منه التصورات لنبين أن خطاب الدراسات التوراتية قد اختلق تاريخا كثيرا ما يعكس حاضرها في كثير من جوانبه ، عندئذ فقط يمكن أن نحرر التاريخ الفلسطيني[وايتلام : 321].
كان من واجب القيادات السياسية والمثقفين الفلسطينيين أن يتلقفوا كتاب وايتلام مستلهمين كنوزه المعرفية في الرد على الأكاذيب الإسرائيلية وإفشال مراميها ، لا سيما وأن ظهور الكتاب تزامن مع إٌدام نتنياهو، بتحريض من المحافظين الجدد بالولايات المتحدة ، لرفض الانسحاب من الأراضي المحتلة والإيغال في الاستيطان بهدف التضييق على السكان الفلسطينيين كي يضطروا الى الرحيل.
نجم قصور السياسة والثقافة الفلسطينيتين عن تقليد الاستهانة بالثقاقة؛ وهو تقليد يعود الى عشرينات القرن الماضي، حين أدارت القيادة القومية الظهر لبراهين المثقفين من امثال خليل السكاكيني وخليل بيدس ونجيب نصار، وراحت تسعى لدى الانتداب البريطاني كي يوقف الهجرة اليهودية ، جاهلة او متجاهلة ان الانتداب وسيلة لتجسيد وعد بلفور البريطاني على الأرض الفلسطينية ، وانتدب الصهيوني هربرت صمويل ليكون اول مندوب سام على فلسطين ، يضع القوانين ويصدر القرارات الكفيلة بتسهيل الاستيطان اليهودي بفلسطين. عبثا حاول المثقفون واليسار السياسي ثني القيادة القومية عن تسول سدنة المشروع الصهيوني. استمرت القطيعة بين السياسة والثقافة حتى الوقت الراهن ، باستثناء مثقفين قبلوا ان يكونوا ديكور في مكاتب القيادات السياسية.
كشفت هزيمة حزيران عن مدى التخلف الكامن في المجتمعات العربية كافة؛ ومن جهة مقابلة استفزت البحوث الاجتماعية المتحرية عوامل الوهن في المجتمعات العربية. برز بغعد حزيران كوكبة من المثقفين ممن هزتهم هزيمة حزيران فبحثوا في مظاهر تخلف ووهن العالم العربي وانكساراته المتتالية. برزت مؤلفات " مقدمات لدراسة المجتمع العربي" للأكاديمي هشام شرابي 1974، و"التخلف الاجتماعي سيكولوجية الإنسان المقهور لعالم النفس الاجتماعي مصطفى حجازي 1983، ومؤلفات في علم النفس لعلماء آخرين. ثم ظهر عام 1988 كتاب "البنية الأبوية إشكاليات تخلف المجتمع العربي" وصدر مترجما الى العربية عام 1992. صدرت مؤلفات عديدة في العلوم الاجتماعية والتربوية والأنثروبولوجية وفي التاريخ العربي. تكاملت نتائج البحوث عن معارف علمية شملت جوانب الحياة الاجتماعية العربية، ترشد نضالات التحرير الاجتماعي والقومي، وتشحنها بعناصر القوة. حقا حثت إسرائيل الخطى لانتهاز الوهن العربي، والأردني خاصة لاستكمال مشروعها في فلسطين. وإسرائيل قطعة من عالم الغرب الامبريالي. كان الدكتور شرابي، اول من انبرى للبحث ضمن مستوى رفيع من الخبرة العلمية ، إذ كان محاضرا في جامعة أميركية؛ كذلك هزه من الأعماق في ظروف الهزيمة، وأثر فيه ماركس في صيف 1967 . من منطلقات الفكر الماركسي وطبقا للمادية الجدلية، راح يحلل المجتمع العربي الخاضع لنفوذ الامبريالية وتاثيرها ، وذلك في مؤلفه الصادر عام 1974 " مقدمات لدراسة المجتمع العربي" :" عبّر نيتشه عن ظاهرة الخبل الكامنة في صميم مجتمعات الغرب بلغة الشعر والفلسفة ، وعبر فرويد عن الظاهرة بلغة التحليل النفسي وعلم النفس ، وكشف ماركس بلغة النقد الاجتماعي والجدلية التاريخية، واتفق جميعهم على ان هذا المجتمع الغربي لا يقوم فقط على الاستغلال والقهر والعنف، بل أيضا على مقدرة هائلة على الكذب والتمويه على النفس وحجب الحقيقةعن الذات "[مقدمات لدراسة المجتمع العربي-ص 65].
تزامن عدوان حزيران مع تمدد الليبرالية الجديدة في الأقطار العربية كافة، وكان لها تأثير منهك في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية . دعمت الليبرالية الجديدة كل ما ثبته الاحتلال بعد عدوان حزيران في جميع أنحاء العالم العربي. حملت الليبرالية الجديد عنصرية الغرب. رصد صحفي التقصي، جوناثان كوك، في إحدى مقالاته، بعض تجليات ثقافة الليبرالية ونموذجها داخل إسرائيل "الرواية الفلسطينية تعرض مشوهة باعتبارها عداءًا للسامية... . ضمن نظام التصنيف هذا نحن ابناء الله وغيرنا اناس سيئون. نحن النظام وهم الفوضى. يكمن مصدر استمرار ية رواية الغرب في فائدتها للنخب المسيطرة ؛ فهي مكرسة لتخليد سلطتها عن طريق شرعنتها، وجعل التوزيع غير المتوازن والجائر أمرا طبيعيا لا غبار عليه".
حين يستهين السياسيون بالثقافة في نشاطهم العملي، ويكابد الشباب الفلسطيني الحرمان بسبب البطالة ، يجري التركيز على الشباب بوجه خاص لإغرائه بعالم الإثارة والمتع الحسية وشهوات الاستهلاك باعتبارها قيما راقية يتم هدرالوعي ويسهل الانجرار وراء ثقافة الليبرالية الجديدة . يعلق هشام شرابي على الظاهرة فيقول : قوى الهدر الخارجي لا يقيض لها النجاح إلا بمقدار ما يتحول الهدر الخارجي الى هدر داخلي."[مقدمات 37]. خطر يفرض على الثقافة في فلسطين التصدي له وإفشال مراميه حفاظا على معنويات الشباب وإبقائهم احتياطا، على الأقل، لتيار التغيير الديمقراطي. تزامن مكتشفات العلوم الإنسانية مع سطوة الأنظمة الأبوية والحجر على قوى التغيير الاجتماعي وتمدد ثقافة الليبرالية الجديدة، فتعطلت الاستفادة من هذه الاكتشافات العلمية؛ حيث استقرت على رفوف الكتب.
يتبع لطفا



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أليس بالإمكان أبدع مما كان ؟-2
- أليس بالإمكان أبدع مما كان ؟-!
- كيف الخروج من المتاهة
- ما نطلع من بلدنا وفينا روح ..قال الشيخ للضابط
- تفجيرات الحادي عشر من أيلول / سبتمبر-4
- تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول بعد عشرين عاما(3من4)
- تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر بعد عشرين عاما(2من4)
- تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول (1من 4)
- بناء الثقة في زمن التقويض
- الثورة والثورة المضادة في أفغانستان
- ثماني نقاط مفصلية حول هزيمة الولايات المتحدة في افغانستان
- الجذور الاجتماعية التاريخية لأزمة اليسار
- الثقافة والهوية( 3من3)
- الثقافة والهوية(2من3)
- الثقافة والهوية في تطور وتبدل دائميين (1من3)
- حاضر يستحضر الماضي .. وأخيرا
- حاضر يستحضر الماضي -6
- حاضر يستحضر الماضي-5
- حاضر يستحضر الماضي-4
- حاضر يستحضر الماضي-3


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي: عثرنا على جثث 3 رهائن في قطاع غزة
- بريطانيا تتهم روسيا بتزويد كوريا الشمالية بالنفط مقابل السلا ...
- خطاب عباس وصورة تميم وبشار، ماذا حدث في القمة العربية بالبحر ...
- طفلة سورية تتعرض للتنمر بسبب تشوه خلقي في عمودها الفقري
- غضب بعد اعتداء تركي على مصري في إسطنبول والسلطات تحقق
- بطاقة حمراء وغرامة مالية لمدرب يوفنتوس بسبب ركله لوحة إعلاني ...
- مطر في بلا قيود: حب الدكتاتوريين لبلادهم هو حب الرغبة في الت ...
- -كنا جميعا تحت الماء-: أفغان يروون لبي بي سي مأساة الفيضانات ...
- بوتين: هجوم خاركيف هدفه إقامة -منطقة عازلة- لمواجهة هجمات كي ...
- -محاولة لصرف النظر وتشكيك في النوايا- جنوب إفريقيا تنتقد رد ...


المزيد.....

- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - اليس بالإمكان أبدع مما كان؟_3