داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 5029 - 2015 / 12 / 30 - 17:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
خرافة عبد الله بن سبأ
خرافة اخرى واسطورة تضاف الى العديد من الخرافات والاساطير التي سودت صفحات التاريخ ، الا وهي خرافة عبد الله بن سبأ ، فعلى الرغم من أن كثيرا جدا من الذين فندوا هذه الخرافة من كتاب وباحثين ومختصين ، الا أن اصرار الكثير ايضا على حقيقتها ووجودها التاريخي .
ونحن نضم رأينا الى رأي من يعتقد بعدم وجودها ، وانما فعلنا هذا هو في مصلحة المسلمين انفسهم ، لأن هؤلاء الذين يقرون بصحة وجودها يرون أن عبد الله هذا قد شق صفوف المسلمين ، ولعب في عقولهم ، ودار افكارهم ، واستطاع أن يتغلب عليهم ويفرض رأيه عليهم ! . فأي عقل يمتلك هذا الرجل ؟ واي قوة سحرية يحملها ؟ واي مخيلة جبارة مترسخة في لبه ؟. وبتعبير آخر فأنه افضل من جميع صحابة النبي من حيث الفكر وقوة الحجة والتأثير والبرهان والتلاعب بعواطف واحساس المسلمين ، حتى افضل من الامام علي بن ابي طالب الذي اشتهر بالبلاغة والحكمة ، نزولا الى قول من يقول بوجود ابن سبأ ، وكذك افضل من الخليفة عثمان ابن عفان ، ومن بقية كبار الصحابة . واذا اثبتنا عدم وجوده التاريخي وهي الحقيقة ، فيفترض بكل المسلمين أن يفرحوا لا أن يغضبوا ويردوا على النافي لهذا النظرية او الاسطورة .
ويؤكد البعض على أن قصة ابن سبأ هي من نسج خيال القصاصين ، ((فإنّ الترف والنعيم قد بلغ أقصاه في أواسط الدولتين: الاَمويّة والعباسيّة ، وكلّما اتّسع العيش وتوفّرت دواعي اللهو اتّسع المجال للوضع وراج سوق الخيال، وجعلت القصص والاَمثال كي تأنس بها ربّات الحجال، وأبناء الترف والنعمة)) .
وطه حسين في كتابه (الفتنة الكبرى) يذكر في كتابه هذا أن خصوم اليشعة هم الذين اوجدوا هذه الشخصية الخرافية لغرض التشويه ، وكذلك فعل عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في كتابه (وعاظ السلاطين) .
يقول الصلابي : أن أول من زرع فكرة التشيع في الأمة رجل يهودي يقال له: عبد الله بن سبأ, أظهر الإسلام للطعن فيه, وكان ذلك زمن الخليفة عثمان بن عفان, وتنقل ابن سبأ بين المدينة والبصرة والكوفة ومصر والشام, والتف حوله المفسدون والحاقدون من المنافقين والجهال بحقيقة الدين.
ونشط ابن سبأ المعروف بابن السوداء في بث فكرتين أساسيتين لأهدافه اليهودية هما:
الأولى: دعوته إلى اعتقاد رجعة النبي . وكان يقول: «عجبًا ممن يزعم أن عيسى سيرجع ويكذب بأن محمدًا سيرجع, وقد قال الله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ" [القصص:85].
الثانية: دعوته إلى اعتقاد «أن لكل نبي وصيًا وعلي وصي لمحمد, ومحمد خاتم الأنبياء, وعلي خاتم الأوصياء, ومن أظلم ممن يمنع وصية رسول الله ،ووثب على حق وصيته وتناول أمر الأمة».
وأرسل ابن سبأ أصحابه وأتباعه في الأمصار ليكتبوا ظلمًا وزورًا وبهتانًا للطعن في الولاة , وينسبوا ذلك لخليفة المسلمين وحثهم على الظهور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, حتى يلتف حولهم العوام, وزوروا رسائل نسبوها إلى عثمان للدس والوقيعة بين الأمة وخليفتها وولاتها. وهيَّج الأمصار واستجاب أهل البصرة والكوفة ومصر لأهدافه القريبة, وكان من نتائج دسائسه قتل الخليفة الراشد عثمان بغير حق ظلمًا وعدوانًا. (علي محمد محمد الصلابي ، الدولة الفاطمية ص14، الطبعة الأولى: 1427هـ-2006م ) .
فالصلابي وغيره يعتقدون أن ابن سبأ هو المؤسس الاول للشيعة ، وهذا الكلام ترفضه الشيعة جملة وتفصيلا ، ويعتقدون أن النبي هو من زرع بذرة التشيع . وهذا الكلام له تفاصيل طويلة في كتبهم لا يتسع المجال لذكرها هنا . ويقول الصلابي وغيره ان ابن سبأ كان يلقب بأبن السوداء ، وان علي الوردي يؤكد في كتابه على ان هذا اللقب هو لقب عمار بن ياسر ، لكن المؤرخين خلطوا الاوراق ، فلم يتجرأ احدهم المساس بأبن ياسر ، فرموا الكرة بساحة اب سبأ .
وهذا ابن تيمية احد خصوم الشيعة وعدوهم اللدود يبين أن ابن سبأ أول من أحدث الرفض والغلو المذموم , قال: «وأصل الرفض من المنافقين والزنادقة فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق وأظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه, وادعى العصمة له».
ويضيف : «أن ابن سبأ المنافق الزنديق أراد فساد دين الإسلام, وأراد أن يصنع بالمسلمين ما صنع بولس بالنصارى, لكن لم يتأت له ما تأتى لبولس لضعف النصارى وعقلهم, فإن المسيح عليه السلام رُفع ولم يتبعه خلق كثير يعلمون دينه, ويقومون به علمًا وعملاً, فلما ابتدع بولس ما ابتدع من الغلو في المسيح اتبعه على ذلك طوائف وأحبوا الغلو في المسيح, فقام أهل الحق فخالفوهم وأنكروا عليهم فقتلت الملوك بعضهم, وبعضهم اعتزلوا في الصوامع والأديرة, وهذه الأمة ولله الحمد لا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق, فلا يتمكن ملحد ولا مبتدع من إفساده بغلو أو انتصار على الحق, ولكن يضل من يتبعه على ضلاله»( منهاج السنة ج3/261. والصلابي مصدر سابق) .
وخلاصة رودود الشيعة وتفنيد نظرية ابن سبأ قول بعضهم : ان ابن سبأ شخصية وهميّة خلقها خصوم الشيعة وترجع إلى الاَمور التالية:
1 ـ إنّ المؤرّخين الثقات لم يشيروا في مؤلّفاتهم إلى قصّة عبد الله بن سبأ، كابن سعد في طبقاته ، والبلاذري في فتوحاته.
2 ـ إنّ المصدر الوحيد عنه هو سيف بن عمر وهو رجل معلوم الكذب، ومقطوع بأنّه وضّاع.
3 ـ إنّ الاَمور التي نسبت إلى عبد الله بن سبأ، تستلزم معجزات خارقة لاتتأتّى لبشر، كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم عبد الله بن سبأ، وسخّرهم لمآربه ـ وهم ينفّذون أهدافه بدون اعتراض ـ في منتهى البلاهة والسخف.
4 ـ عدم وجود تفسير مقنع لسكوت عثمان وعمّاله عنه، مع ضربهم لغيره من المعارضين كمحمّد بن أبي حذيفة، ومحمّد بن أبي بكر، وغيرهم.
5 ـ قصّة إحراق عليّ إيّاه وتعيين السنة التي عرض فيها ابن سبأ للاِحراق تخلو منها كتب التاريخ الصحيحة ، ولا يوجد لها في هذه الكتب أثر.
6 ـ عدم وجود أثر لابن سبأ وجماعته في وقعة صفّين وفي حرب النهروان.
واستنادا الى هذا القول ، فأن ابن سبأ اسطورة خرافية لا حقيقة لها . وانا هنا لا اريد بقولي هذا نصر الشيعة او الانتصار لهم بقدر ما يهمني البحث عن الحقيقة ودحض الخرافة ونقد العقلية الديمية الهرمة التي تنظر للخرافة على انها حقيقة ساطعة .
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟