وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4486 - 2014 / 6 / 18 - 16:58
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
(ان الانشطار بات واضحا داخل المجتمعات العربية الاسلامية ,
ليس من وجهة نظر سياسية واقتصادية فحسب ,بل من وجهة نظر ثقافية سوسيولوجية . وقد يؤدي الامر اما الى تخليص العالم الاسلامي من الاسلام ذاته , والمقصود ليس الاسلام كمعتقد وعبادات ومشاعر قدسية ,بل الاسلام كمصدر الديناميكية السياسية والاقتصادية والاجتماعية المؤسسة للعالم الحديث المنبني على الحداثة ) .
( هشام جعيط : ازمة الثقافة الاسلامية – ط3 – 2011 – دار الطليعة للطباعة والنشر – بيروت – لبنان ).
ان عهد الدولةالوطنية والقومية قد اطفا كل جذوة من الفكر الحر .فلقد اعتبر السياسيون انهم نجحوا بالسياسة , وبالتالي فان السياسة هي كل شيء , ودخل في هذه اللعبة الفارغة المثقفون والجمهور .ان العالم اصيب بتصدع واضطراب كبيرين قد تؤول بعد جيل او جيلين ( بحسب هشام جعيط )الى اوضاع لايمكن تخيلها . لكن قد تؤول الاكتشافات العلمية مع عقلانية سديدة في تسيير الامور عبر قرون الى اقرار الجنة على الارض.
ان الثقافات الزراعية عرفت العمق في الفن والادب والروحانيات . وقد فقد الان هذا العمق الى حد كبير لفقدان الاطر الاجتماعية والمرجعيات الاساسية لكي يبرز عمالقة في هذه الميادين .
هل من الممكن اليوم في المجتمعات الاسلامية , وفي هذا العالم ان يبرز ابن عربي جديد ؟ او السروردي وابن الفارض ؟ , او في ميدان آخر ابن خلدون او ابن سينا ؟ .حتى الغرب بدات تضمحل الفلسفة عنده وخبا وهج كبار الكتاب , ولايوجد اي فضاء لولادة بيكاسو او ماركيز جديدين .
هناك ازمة في العالم العربي, ازمة ثقافية وفكرية , والمستوى الفكري ضعيف مقارنة بما ينتجه الغرب . لقد ارتدت العروبة القبلية الى شكل من التوحش وكان الاسلام لم يصبها بدعوته . واضمحلت الثقافة العربية الاسلامية . ان الانسان في بلداننا اقدر على المجابهة منه على الابداع, اقدر على الرفض والممانعة منه عن العمل والابداع .اقدر على الانتقاص من الاخرين بدلا من تقييم نفسه والحوار مع الاخرين . ان هذه النزعات الرافضة والنكوص لدى الفرد في عالمنا العربي الاسلامي تقود مجتمعاتنا الى الاضطراب والفوضى والى الصراع المستديم . فنحن في صراع مع الاخر المختلف ,وفي صراع مع الامبريالية والاستعمار والصهيونية والالحاد وغيرها . كل هذا في جو من النفاق كبير .
ترفض التركيبة الذهنيةعندنا الحوار والتناقض . بينما اثبتت الديمقراطية والعلمانية في الغرب ان الحوار هو الاصل . فالمسالة اذن ثقافية بالمعنى الانثروبولوجي يستعصي حلها .
ان الديمقراطية تحتاج الى اناس ديمقراطيين , والى اناس مقتنعين بحقيقتها , وهي مثل الدين تتطلب قلة من القادة الذين يؤمنون بها , ثم يحدث الترسيخ لها .فهي انقلاب ذهني ثقافي ليس له الان وجود في مجتمعاتنا خلافا لما جرى عليه الامر في الهند .
لقد اعتمد الغرب على العقلانية والتنوير في حين ان مجتمعاتنا تعاقب عليها انقلابات العسكر منذ خمسينات القرن الماضي والتي اعتمدت كثيرا على العاطفة الشعبية وعلى العنف والدم ( بالروح والدم نفديك يا ....) , وعلى وسائل القمع المقتبسة من دول اخر ى .والذي حصل هو تدمير كبير لما في مجتمعاتنا من قيم ثقافية بحيث بدا العالم العربي الاسلامي منقطعا عن ماضيه القريب اكثر بكثير من العالم الغربي . وهذا يفسر لنا ان الاسلام السياسي الحالي لاعلاقة له بالا سلام التقليدي .
الثورة معادية حتما للديمقراطية – هشام جعيط
يؤكد هشام جعيط ان ( الثورة معادية حتما للديمقراطية ). لقد ارادت الثورات في العالم العربي ان تكون في قطيعة مع النظام القديم وتقوم بتقويضه وتدمير رموزه وثقافته, وهكذا تمت تسمية النظام الملكي في العراق والذي تم اسقاطه من قبل العسكر ب (النظام البائد ), وتم قتل العائلة الملكية بما فيها الملك الصغير القاصر الذي خرج من القصر الملكي يحمل القران على راسه , وتم قتله وقتل جميع نساء العائلة المالكة .
ان الحركات الانقلابية والثورية شهدت صعود هوامش المدن والقرى والارياف الى العاصمة وبقية المدن وتم على اثرها ترييف المدن وتطبيعها بطابع العشيرة والريف .
يؤكد هشام جعيط ان تحول حركات التحرروالثورات والانقلابات العسكرية الى العنف والقمع هو بسبب :
1- لان كل ثورة هي قمعية بالضرورة ومناهضة للديمقراطية . ومرد ذلك الى قوة شعور الحقيقة الرهيب الذي يسكنها , وعدم تسامحها الذي يفرز عقدة الاضطهاد تجاه الداخل والخارج .
2- في حالة الثورة العربية , كانت منتفتحة على المستقبل , الامر الذي يفترض التضحية بالاجيال الحاضرة , وتصورا مجردا عن الدولة والمجتمع والتاريخ .
3- نتيجة لهذه المقدمات , كان شيئا طبيعيا ان تضع الثورة حدا للصراع على السلطة , وان تبدا باكل ابنائها . يعتقد كاتب المقال ان هشام جعيط يتحدث عن الثورات الكلاسيكية والعقائد الشمولية والانساق الدوغمائية لا ثورات الانسان الرقمي .
4- كانت الثورة تتجه نحو التغلغل الشديد في العالم الاجتماعي , وتغليفه ولجمه , وكان يتعين على هذا العالم ان يفقد كل ممانعة , وان يغدو رخوا , مرنا بلا حدو د , فالمجتمع تمزق نسبيا :
وفي البلدان التي شهدت صراعا عنيفا ضد الهيمنة العسكرية , لاسيما في المغرب الكبير, فان هذا الصراع ابرز بشكل اصطناعي وحدة الشعب, وعلى هذه الوحدة جرى تطعيم السلطة الاحادية للديماغوجيين , والتي قامت بالفصل بين النخبة الحاكمة بمقتضى الشرعية الوطنية والثورية وبين الشعب المستخدم ككتلة جماهيرية لدعم السلطة ( كقطيع الغنم – ليبيا في زمن القذافي والعراق في زمن صدام حسين نموذجا – كاتب المقال ) .
5- ان الزعيم الاوحد والقائد الضرورة , هو شكل جديد مستعار من ( الفاشية المتوسطية ), بحسب تعبير هشام جعيط ,فئات محرومة من السلطة , وحين استولت على السلطة تعلقت بها . هذه الثورات تمثل عملية ثار من النظام السابق ومن رموزه وعملية اقصاء وتهميش , وتذكرنا بشعار العباسيين :
( يالثارات الحسين ). هذا الثار والانتقام يقود الى تحقيق الانا .
يعتقد هشام جعيط انه من الخطا : ( عدم الاستعانة بعلم النفس لتفسير البنية العميقة للتسلط .لان الارث الثقافي للعنف يعني مخيالا فرديا وجماعيا ,لدى القائد ولدى المنقادين ,وغياب النزعة الانسانية المكتسبة والواعية التي تنعكس على فضاء السياسة والثقافة .
6 – على الصعيد المؤسساتي وفي الاساليب القمعية , كانت الاستعارات من العالم الشيوعي والتي اثبتت فعاليتها .
7 – ان الادلجة المفرطة لزمن الثورة تؤدي حتما الى تغييب الهاجس والمطلب الديمقر اطيين :
( شعار الحزب الشيوعي العراقي الشهير في عام 1959 يقول : ( ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة) (كاتب المقال ).وحتى انها تؤدي ,بحسب هشام جعيط , الى لاوعي كلي عند المثقفين لحقوق الانسان وللحرية . وتتجه كل طاقة المثقف الى سبل اخرى: القومية , الكفاح ضد الامبريالية , الماركسية ( المقدسة ) ,ومنذ السبعينات ( الحركة الاسلامية المتطرفة ) .
يرى كاتب المقال ان قيام انظمة الاستبداد العسكرية والحزبية , واخيرا الفاشية الدينية هي ذات جذور عميقة في مجتمعاتنا التي تعرضت للغزوات والاحتلالات المتكررة عبر التاريخ . واصبحت شعوبنا خانعة ومستسلمة للسلطات الحاكمة. كما ان فكرة الملك – الحاكم – الاله – المقدس تغوص عميقا في لاوعي الجمهور عندنا , فالزعيم والقائد والرئيس , وسكرتير الحزب ورئيس القبيلة هو بمثابة ( الاب الراعي ) وبمثابة ( الوصي ) على الشعب , وبالتالي فان الحاكم تم اعتباره انه وكيل الله . وبذلك تم تكريس سلطة من لاسلطة له .
ان الثورات والانتفاضات للانسان الرقمي هي مع قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والسلام , ولكن صراعها مع قوى الاستبداد والسلطة القديمة ينتج عنه قيام تلك السلطات التي تم اخراجها من الحكم باستخدام العنف ضد الثوار وضد الشعب , وهذا يستدعي من شبيبة الثورات والانتفاضات الرد عليها بالضرورة بنفس الاسلوب , الى ان تنتصر الانتفاضات نهائيا وتتحول الى ثورات وتزيح الطبقة الحاكمة السابقة نهائيا من كل مفاصل الدولة وتقوم باعادة هيكلة اجهزة الدولة الجديدة و عند ذاك تسير الثورة في طريق صيرورتها على طريق الديمقراطية .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟