|
الجزء 12 من رواية -أمطار الجحيم
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 3929 - 2012 / 12 / 2 - 16:38
المحور:
الادب والفن
أمطار الجحيم --12-- *************** تعلمت هنا في بني مكادة معنى الاقصاء والتهميش ، صار كل شيئ يدل على الحقارة والتحقير . عايشت دلالات القهر والبطش والاهانة والذل والعوز والفقر والحاجة ، أصبح طبيعيا أن أتنفس كل مظاهر الغش والتدليس والنميمة والانحراف والشذوذ بكل انواعه وصوره وأشكاله . رأيت بأم عيني العنصرية المصنوعة بحرفية عالية وهي تمشي بيننا بكل عنجهية وصلف ، تتغذى من وجودنا ، تشرب دمنا ، تنهب أحلامنا ، تسرق أراضينا وأملاكنا ، تدفننا في قبر جماعي ، اسمه بني مكادة ، وترقص عليه على وقع الأغاني الهابطة . هنا تعلمت ، في بني مكادة ، أن أتعايش كما غيري ، مع الأزبال والنفايات والغبار ، كما يتعلم الآخر التعايش مع الأشجار والورود والبساتين والحدائق ، تعلمت كيف أتنفس هواء موغلا في التلوث محملا بكل انواع الأمراض ، لكننا كما استخلصنا من واقعنا أصبحنا معقمين ضد كل أنواع الأمراض ، واكتسبنا وراثيا حصانة ضد عدواها ، الى درجة أننا اذا انتقلنا الى العيش في محيط نظيف قد نمرض لامحالة . التلوث هنا أصبح من فرط تقدمه في السن يشكو من الشيب الذي علا رأسه. تعلمت هنا كما غيري ، كيف يتحول الناس من كائنات فاعلة نشطة متحركة ، الى أصنام ثابتة ، كيف يقضي المرء بعد ستين أو سبعين سنة حياته وهو نائم مغيب معدوم الوجود ، لا يدل على وجوده الا كناش الأحوال المدنية ، كائنات تنام فوق بعضها ، تمشي فوق بعضها ، تأكل فوق بعضها ، وتموت فوق بعضها . كان ادريس البصري الذي صنعوا منه أسطورة عصره في القذارة المغربية يرسل الى طنجة مقطورات ملأى بالمعتوهين والمعاقين جسديا وذهنيا ، ولبني مكادة طبعا نصيب الأسد ، الى درجة أننا لم نعد نفرق بين الحمقى والعقلاء ، وأصبح طبيعيا أن لا تصادف في الطريق الا من بطنه تتدلى ، أو انسان بثلاثة أرجل ، او رأس مشقوق ، أو عراة كما ولدتهم أمهاتهم . أما المتسولون ، فربما قد يظن الأجنبي والغريب أن المواطنين يتبادلون الأدوار ، حيث يغير المواطن العادي لباسه الطبيعي ليرتدي لباس التسول ، ويغير وجهه وصورته بعد تعديلات في الماكياج ليخرج كي يؤدي دوره . كل الشوارع والأزقة أصبحت تضج بالمتسولين ، وقد يطرق بابك احدهم وأنت نائم ، أو يضغط على زر الجرس ، فتظن ان ضيفا ما ، أو رسالة ما قد وصل أو وصلت ، وحين تطل من النافذة او تفتح الباب يفاجئك القائل : اللي عطا لله في سبيل لله ،أو عاون خوك أخويا ربي يحفظك . اختلط الأهبل بالرزين ، وصرنا كأننا جميعنا نؤدي دورا من مسرحية نهاية اللعبة ، لكننا كما يبدوا ما نزال في بدايتها . ألم يحكوا عن الصدر الأعظم ان طنجاوة سيوردون الماء فوق الحمار أعشارا ؟؟؟ ألم أكن حاضرا وهم يطلبون من معتقلي التمشيط العام بالكوميسارية أن يصرخوا جميعهم وبصوت واحد بأن " طنجاوة زوامل " =مخنثين ؟؟ . ألم يمطرونا بالرصاص المطاطي ، وبالقنابل المسيلة للدموع والصوتية لمجرد حالة افراغ منزل بقرار قضائي ؟ ألم ينهبوا كل الأراضي ويسرقوها ؟ ماذا تريدون أكثر من هذا ؟ هل تريدون دمنا ؟ تشردنا ؟ غربتنا ؟ انفصامنا ؟ شيزوفريتنا؟ فقرنا ؟ ضياعنا ؟ تعالوا لتتفرجوا اذن علينا ، ولتأخذوا صوركم التذكارية مع كائنات تعيش خارج التاريخ وخارج الانسان وخارج الدين وخارج الايديولوجيا . أعدكم أنكم بعد سنوات ستصبحون من أثرياء العالم ، بفضل تلك الصور النادرة . فالآثار يستحيل محوها من واقع أصبح من الضخامة والترسخ بحيث صارت شيئا طبيعيا لا يمكن تجازه مهما دبجوا من خطابات ، ومهما جيشوا من مثقفي النعمة ، وسخروا من صحفيي واعلاميي الاسترزاق .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشريعة أم السياسة...
-
الشعوب وما أدراك ما الشعوب
-
الشعر والدين ، وتجاوز المتن القديم _1_
-
من المسؤول...؟
-
طريق أبيض
-
بنية- نظام المخزن - بالمغرب
-
الشوهة
-
أغاني العربي
-
دروس حرب الأسبوع
-
سفر في سحب الحب
-
للورد أن يقرأ ....عطره
-
ميزانية القصر وروح العصر
-
مزامير الجمر
-
هل عادت الطيور الى أعشاشها ؟
-
المثقف العربي وفراغ الانسان
-
الأنظمة المتجاوزة
-
لغزة اسم الله
-
حين يكون الكاتب أكبر غائب
-
توضيح هام لامرأة مغرورة
-
هوامش أولية في جينيالوجيا الكتابة
المزيد.....
-
-جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
-
السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين
...
-
الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا
...
-
تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر
...
-
كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي
-
المخرج الأمريكي كوبولا يطمح إلى الظفر بسعفة ذهبية ثالثة عبر
...
-
دور النشر العربية بالمهجر.. حضور ثقافي وحضاري في العالم
-
شاومينج بيغشش .. تسريب امتحان اللغة العربية الصف الثالث الاع
...
-
مترو موسكو يقيم حفل باليه بمناسبة الذكرى الـ89 لتأسيسه (فيدي
...
-
وفاة المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد عن 70 عاما
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|