أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد عبد اللطيف سالم - العراق والكويت والولايات المتحدة الأمريكية : مأزق الملفات العالقة















المزيد.....



العراق والكويت والولايات المتحدة الأمريكية : مأزق الملفات العالقة


عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3372 - 2011 / 5 / 21 - 03:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


العراق والكويت والولايات المتحدة الأمريكية
مأزق الملفات العالقة
( الديون , التعويضات , ترسيم الحدود البرية والبحرية )




تمهيد :

إذا كان بالأمكان دراسة علاقة العراق بالكويت بوصفها " حالة مرَضيّة " , فأن أفضل تشخيص طبي لها هو بعدّها نوع من أنواع " التناشز السلوكي " , أو بكونها تعاني على الدوام من " إنفصام الشخصية المزمن " .
وهذا التناشز يجد أفضل تجسيد له في سلوك دولتي الكويت والعراق ( إحداهما إزاء الأخرى ) بعد العام 2003 , حيث يتم تبادل الزيارات والقبل , والأفصاح عن أعلى مديات العلاقات الأخوية ,وكرم الضيافة , وحسن الجوار , بين أرفع المستويات الحكومية والقيادية في البلدين , من جانب ... بينما تتآكل بين الدولتين عناصر الثقة ( الهشّة أصلا ً ) , وتتضارب المصالح الوطنية , ويتعاظم الأيذاء , ويتحول الأستفزاز والتطاول على المصالح والكرامة الوطنية ,إلى سياسة ثابتة ومستدامة , من جانب آخر .
وبينما يتسلل الفشل الى " كل شيء " في العلاقات العراقية الكويتية , ويمتد هذا الفشل من الماضي إلى الحاضر , ليؤسس لفصل جديد من " صناعة الكراهية " بين البلدين , تتخبط الولايات المتحدة الأمريكية في سلوك مرَضي مماثل .
ولأن هذه الدولة العظمى تعد بمثابة حليف للكويت , وراع ٍ وصديق وضامن لديمومة النظام السياسي الجديد في العراق , فأن سلوكها " التناشزي " في علاقتها بالطرفين , يبدو شائنا ً وعبثيا ً , ويفتقر حتى إلى منطق المصلحة في العلاقات الدولية .
إن هدف هذه الورقة هو إيضاح ملابسات هذا المأزق ( الثنائي – الوطني ) , من خلال البحث في إشكاليات الملفات العالقة بين العراق والكويت , وأهمها : الديون والتعويضات وترسيم الحدود البرية والبحرية .
أما مأزق الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الشأن , فهو الأعمق والأكثر غموضا ً ودلالة . وينصرف البحث في هذا المأزق الى الأشكاليات المتعلقة بوضع العراق تحت طائلة عقوبات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ( بقدر تعلق الأمر بالحالة مع الكويت ) , وبكيفية إيفاء الولايات المتحدة بتعهداتها المنصوص عليها في " إتفاقية الأطار الأستراتيجي " بينها وبين العراق ( وهي إتفاقية للتعاون طويل الأمد في المجالات كافة ) .
ويتشعب هذا المأزق ليفصح عن عجز تام عن فعل أي شيء ٍ, متوازن ٍ وفاعل , يمكن له أن يسهم ( ولو قليلا ً ) في بناء الثقة بين البلدين , ويضع علاقتهما ببعضهما في المسار الصحيح .

أولا ً : إتفاقية الأطار الأستراتيجي لعلاقة الصداقة والتعاون بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية .
تقدم هذه الاتفاقية أول الأدلة على وجود تناشز واضح في علاقات الولايات المتحدة بكل من العراق والكويت . ويمكن إيضاح ذلك من خلال عرض الأقسام الرئيسة لهذه الأتفاقية , وكما يأتي :

تم التوقيع على هذه الأتفاقية في 17 / تشرين الثاني / نوفمبر / 2008 , على ان تدخل حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني / يناير / 2009 . وتبقى هذه الأتفاقية سارية المفعول ما لم يقدم أي من الطرفين إخطارا خطيا للطرف الآخر بنيته على إنهاء العمل بهذه الأتفاقية . ويسري مفعول الأنتهاء بعد عام واحد من تاريخ تقديم مثل هذا الأخطار .
ولاتختلف ديباجة هذه الأتفاقية عن ديباجة إتفاقية سحب القوات الأجنبية من العراق , بل وتكاد ان تكون نسخة طبق الأصل عنها , وبالذات ما يتعلق منها بزوال الخطر الذي كانت تشكله حكومة العراق على السلام والأمن الدوليين , وبأن على العراق أن يعود بحلول 31 / كانون الأول / ديسمبر / 2008 إلى مكانته القانونية والدولية التي كان يتمتع بها قبل صدور قرار مجلس الأمن رقم 661 لعام 1990 .
وتتكون هذه الأتفاقية من ( 11 ) قسما , سنقوم بعرض ما نعتقد أنه ضروري لهذا البحث منها , من خلال طرح النص الوارد فيها كما هو , والتعليق عليه كلما كان ذلك ضروريا . أما بصدد معيار الأقتباس فسنحتكم إلى مضمون النص بقدر تعلقه بمضمون البحث الرئيس , وكما يأتي :
- بموجب القسم الأول / مباديء التعاون / فأن هذه الأتفاقية " تقوم على عدد من المباديء العامة لرسم مسار العلاقة المستقبلية بين الدولتين " أهمها " أن وجود عراق قوي قادر عن الدفاع عن نفسه أمر ضروري لتحقيق الأستقرار في المنطقة . "
- بموجب القسم الثاني / التعاون السياسي والدبلوماسي / فأن " على الولايات المتحدة أن تبذل أقصى جهودها للعمل , ومن خلال حكومة العراق المنتخبة ديموقراطيا ,من أجل " :- " دعم جهود حكومة العراق في إقامتها علاقات إيجابية مع دول المنطقة قائمة عللى أساس الأحترام المتبادل ومباديء عدم التدخل والحوار الأيجابي بين الدول والحل السلمي للخلافات ,بما في ذلك ممارسات النظام السابق التي لازالت تلحق الضرر بالعراق , بدون إستخدام القوة أو العنف , بما يعزز أمن وأستقرار المنطقة ورفاهية شعوبها . "
- بموجب القسم الخامس / التعاون في مجالي الأقتصاد والطاقة / فأن الأتفاقية تنص على :- " أن بناء إقتصاد مزدهر ومتنوع ومتنام في العراق , ومندمج في النظام الأقتصادي العالمي , وقادر على توفير الخدمات الأساسية للشعب العراقي , والترحيب بعودة المواطنين العراقيين الذين يعيشون خارج البلاد في الوقت الحالي , سوف يتطلب إستثمار رأسمال غير مسبوق في إعادة البناء وتنمية موارد العراق الطبيعية والبشرية المتميزة , ودمج العراق في الأقتصاد العالمي ومؤسساته "
وتحقيقا لهذه الغاية يتفق الطرفان على التعاون من أجل :-
- " دعم جهود العراق من أجل إستثمار موارده من أجل التنمية الأقتصادية والتنمية المستدامة والأستثمار في مشروعات تحسّن الخدمات الاساسية للشعب العراقي . "
- " حث كل الأطراف على الأمتثال للألتزامات التي قدمت بمقتضى العهد الدولي مع العراق بهدف إعادة تأهيل مؤسسات العراق الأقتصادية وزيادة النمو الأقتصادي من خلال تنفيذ إصلاحات تضع الأساس لتنمية القطاع الخاص وإيجاد الوظائف . "
- تشجيع التنمية في مجال النقل الجوي والبري والبحري , وكذلك تأهيل الموانيء العراقية وتعزيز التجارة البحرية بين الطرفين . "

وبمراجعة بسيطة لما ورد في أقسام هذه الأتفاقية سنجد تناقضات صارخة ومفارقات مذهلة بين ما ورد في نص هذه الأتفاقية وبين المواقف الفعلية للولايات المتحدة الأمريكية على أرض الواقع , ومن ذلك (على سبيل المثال لا الحصر) ما يأتي :-
1- كيف سيكون العراق قويا وقادرا عن الدفاع عن نفسه ( بكفالة ودعم الولايات المتحدة ) , وبما يحقق الأستقرار في المنطقة , مع إستمرار بعض دول المنطقة ( ومنها الكويت وإيران تحديدا ) بأنتهاك سيادته على أرضه وموارده وحدوده الأقليمية , والتدخل في شؤونه الداخلية ,.. والأولى صديقة وحليفة للولايات المتحدة , وتحظى بدعمها اللامحدود سياسيا وعسكريا .. والثانية تقف على الطرف النقيض من ذلك , دون أن تحرّك الولايات المتحدة ساكنا لردع الكثير من ممارساتها الضارة في العراق .(راجع القسم الول من الأتفاقية ) .
2- كيف يستطيع العراق إقامة علاقات إيجابية مع دول المنطقة , قائمة على أساس الأحترام المتبادل ومباديء عدم التدخل والحوار الأيجابي بين الدول والحل السلمي للخلافات بدون إستخدام القوة أو العنف .. وموقف الولايات المتحدة الأمريكية هو على الشكل الذي عرضناه في (1) آنفا ( راجع القسم الثاني من الأتفاقية )
3- لماذا تحتكر الكويت وحدها حق إستخدام القوة أو العنف للدفاع عما يفترض أنها حدودها ومواردها ( بموجب القرارات الأممية ذات الصلة , وجميعها صادرة بعد 2 /8 /1990 ) ولايحق للعراق حتى مجرد الأعتراض على هذه الممارسات , رغم أن العراقيين يعتقدون أن هذه هي أرضهم وحدودهم ومواردهم منذ مئات السنين , وأن القرارات التي اقتطعتها منهم هي قرارات باطلة وتعسفية وشائنة .. لأنها صدرت وطبقت في ظل سياقات ونظم وممارسات وانماط للعلاقات الدولية لم تعد قائمة الآن .
4- كيف يمكن للعراق إستثمار موارده من أجل التنمية الأقتصادية والتنمية المستدامة وزيادة النمو الأقتصادي , في ظل التهديد الحالي ( والمستقبلي ) لهذه الموارد بالحجز والمصادرة والأقتطاع ومطالبات الدائنين ( وبعضهم من المتواطئين مع النظام السابق , والداعمين الأساسيين لحروبه آنذاك , أو من المتسببين المباشرين في الضرر الناتج عنها ,لأصرارهم على إستمرارها سنين طويلة ) ... ( راجع القسم الخامس من الأتفاقية ) .
5- كيف يمكن تشجيع التنمية في مجال النقل الجوي والبري والبحري , وتأهيل الموانيء العراقية , وتعزيز التجارة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية ( راجع القسم الخامس من الأتفاقية ) .. بينما تصرّ الكويت ( بدعم وضغط سياسي ودبلوماسي أمريكي , معلن ومباشر) , على تنفيذ أحكام القرار 833 لعام 1993 حرفيا ؟
ولمن لايعرف شيئا عن العواقب الوخيمة لهذا القرار على الأمن الوطني للعراق , ومصالحه الأقتصادية والأستراتيجية العليا .. فأننا سنكتفي بعرض أهمها . وأكثرها خطورة وضررا , وكما يأتي :-
آ – ان " لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين العراق والكويت " (على وفق أحكام القرار 833 لعام 1993 ) " لم تقم بأعادة توزيع الأراضي بين الكويت والعراق , بل بمجرد إنجاز المهمة التقنية الضرورية للقيام ,لأول مرّة , بوضع تحديد دقيق لأحداثيات الحدود في المحضر المتفق عليه بين دولة الكويت وجمهورية العراق بشأن إعادة علاقات الصداقة والأعتراف والمسائل ذات الصلة , الموقع عليه من الطرفين في 4 تشرين الأول / اكتوبر / 1963 " ( انتهى النص )
وهذا يعني أن " بروتوكول العام 1963 , الذي لم يلتزم به العراق , ولم يقم بتنفيذه طيلة أربعين عاما ( لرفضه من قبل جميع العراقيين , ومن قبل جميع الأنظمة التي تعاقبت على حكمهم خلال هذه المدة ) , قد أصبح هو الأساس الذي تم على وفقه ترسيم الحدود بين العراق والكويت ( على وفق أحكام القرار 833 لعام 1993 ) .
كما يعني هذا أن مجلس الأمن لم يجد توقيتا أفضل من العام 1993 ليقوم " ولأول مرّة " بما لم يكن يجرؤ أحد على القيام به سابقا , وهو " وضع تحديد دقيق لأحداثيات الحدود بين العراق والكويت " ... وهذه " المرّة " كانت في ظل حراب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .
وهذا يعني أيضا ,وبالضرورة,ان الكويت لم تكن لتتجرأ على الشروع بتنفيذ ممارساتها , وإسباغ سيادتها ,على " أراضيها الجديدة " إلا بعد العام 2003 ( لأسباب وعوامل ذات صلة بطبيعة وبنية النظام الجديد في العراق ) .
ورغم الفشل الذريع للّجان الثنائية المشكلة بهدف حل الملفات العالقة بين البلدين , ورفض الكويت لأية تسوية خارج أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة , فأن ثمة من يعتقد بأن الكويت على إستعداد لتقديم تنازلات كبيرة للجانب العراقي , مقابل اعلان الأخير التزامه التام وغير المشروط بتنفيذ أحكام القرار 833 لعام 1993 .
ب – على وفق تفسير الكويت لمسار خط الحدود جنوبي صفوان , تم تحريك مواقع التنقيب , وثكنات قوات الحدود ومراكزها,لأكثر من سبعين كيلومترا داخل الأراضي العراقية. وحدث كل ذلك رغم أعتراض العراق المطلق على " الأدلّة المساحية " , وأحداثيات خطوط الطول والعرض التي تم أعتمادها لدعم التفسير الكويتي لمسار خط الحدود المشار اليه .
ج – لم يعد للعراق منفذ بحري حقيقي يسمح بتسيير خطوطه التجارية والملاحية المتصلة بموانئه التجارية المحتجزة بين مينائي أم قصر وخور الزبير . وفي حزيران / يونيو / من العام 1993 قام وزير خارجية العراق بتوجيه رسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة طالبه فيها بمنفذ بحري " وحيد " للعراق , وذلك لأن منطقة خور عبد الله لايصدق عليها وصف " البحر الأقليمي " وفقا لقانون البحار , ولأن الترسيم الحدودي الجديد يحرم العراق من امتلاك السواحل البحرية .
ولابد من الأشارة هنا الى ان العراق لايمتلك حاليا سوى 29 ميلا ساحليا , محصورة في منطقة طينية ضحلة وضيقة وغير صالحة للملاحة .
د – بموجب الترسيم الجديد للحدود أصبحت الكويت تهيمن على مياه خور عبد الله برمتها . كما اصبحت القناة الملاحية كلها من ضمن المياه الأقليمية الكويتية . وعلى وفق هذا الترسيم أصبحت الحدود الكويتية محاذية لساحل الفاو ,مما جعل الكويت تستحوذ على الشريان الملاحي الوحيد الذي يغذي ميناء أم قصر .
ه- ان الترسيم الحدودي الجديد لم يأخذ بنظر الأعتبار مسارات " خط الثالوك " في خور عبد الله , ولم يعتمد على النقاط العميقة للمجرى الملاحي المشترك بين البلدين . وبهذا باتت الممرات العميقة كلها من حصة الكويت وحدها . ويمكن التحقق من ذلك بالرجوع الى " الخرائط الأدميرالية – الملاحية " للتأكد من وجود مثل هذه التجاوزات .
و – أعلنت الكويت في نيسان/ ابريل/ 2011 عن البدء بتنفيذ " ميناء مبارك الكبير " في جزيرة بوبيان غير المأهولة,والقريبة من شبه جزيرة الفاو. ويأتي هذا الأعلان ليقطع الطريق على قيام العراق بأنشاء" ميناء الفاو الكبير" الذي وضعت الحكومة العراقية حجر الأساس له منذ أكثر من عام , وبدأت بدراسته مع الشركات العالمية المتخصصة , دون ان تباشر بتنفيذه . وكان من المؤمّل ان يكون ميناء الفاو الكبير منفذا للعراق على البحر , وبوابة لشرق آسيا على اوروبا ودول حوض البحر الأبيض المتوسط .
وفي حال انشاء ميناء مبارك الكبير سيصبح ميناء الفاو الكبير أقل أهمية منه بكثير , وسيكون من الصعب استخدامه لتحقيق الأهداف الرئيسة التي حددت لأنشائه اصلا .
ان جميع هذه التفاصيل تقدم الدليل على ان مجرد عقد الاتفاقات مع الجانب الأمريكي , لن يسهم في حل مشاكل العراق المستعصية ( في الداخل والخارج ) . ومشكلة العراق الأساسية في هذا الصدد هو غياب المؤسسات والسياسات والأستراتيجيات الوطنية الكفيلة بالتصدي لهذه المشكلات .
ان العراق يفتقر أيضا لما هو أهم :حيث لاتوجد لدى القيادات العراقية الحالية رؤى مشتركة بصدد مصالح العراق العليا , ولاتصورات مشتركة حول السبل الكفيلة بحمايتها ,بل ولايوجد اتفاق أو تحديد دقيق لهذه المصالح بين الكتل السياسية المتصارعة , هي ذاتها , على حصتها من السلطة والثروة في العراق المستباح .
ان الهدف الرئيس من عقد هذه الأتفاقات هو جزء من سعي الولايات المتحدة الأمريكية الحثيث لخلق شرق أوسط جديد , وفق معايير محددة ( ومتجددة ) بدقة . وهذه المعايير هي غير المعايير الحكومية العراقية بالتاكيد , وستتم صياغتها في نهاية المطاف بما يخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية ، وتامين متطلبات أمنها القومي على امتداد العالم، وليس في العراق وحده.
ويمكن التحقق من مدى صواب هذه البديهية بالرجوع الى " بيان الحقائق " الذي أصدره البيت الأبيض في 4 كانون الأول/ ديسمبر/2008 حول اتفاقية الأطار الأستراتيجي , وأتفاقية وضع القوات ( اتفاقية سحب القوات الأجنبية من العراق ), والذي ورد فيه ما نصه: "ان الأتفاقيتين تعملان على حماية مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط " .
• لهذا لم يتقدم العراق خطوة واحدة باتجاه الخروج من احكام الفصل السابع من الميثاق (بعد دخول هذه الاتفاقية حيز التطبيق).
• ولا زالت عملية تنمية الاقتصاد صعبة ومتعثرة.
• ولا يزال العراق يدفع تعويضات حرب الخليج الثانية. وربما سيدفع مستقبلا ً تعويضات حروب الخليج الاخرى ، والاولى منها تحديدا ً، (وهذه الاحتمالية ليست واردة فقط بل وقائمة أيضا ً استنادا ً لمطالبة ايران للعراق بدفع تعويضات عن أضرار الحرب العراقية الايرانية، وعلى وفق التفاصيل التي سبق ذكرها في هذا البحث).
• وان العراق في نهاية هذه الأنفاق كلها، لم يعد يشكل "خطرا ً لا يزول على السلام والامن الدوليين" ، ولم يعد قادرا ً على تهديد جيرانه ، (بل لم يعد قادرا ً حتى على الرد على تهديداتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية) ... وانما أصبح (مع تعثر أداءه الاقتصادي ، وحجم الفساد المستثري فيه، وعدم توفر الارادة السياسية اللازمة لاعادة بناء الاطر المؤسسية – القانونية لدولته ، واستدامة ازمته السياسية، وتخبط وعدم فاعلية حكوماته المتعاقبة، وتمزق نسيجه المجتمعي) يشكل فقط خطرا ً داهما ً على ذاته ووجوده، وليس على أي "ذوات" اخرى.
• ان جميع هذه المعطيات (السياسية – الاقتصادية – الجيوستراتيجية) قد تدفعنا الى الاعتقاد بوجود أجندات دولية – اقليمية تدفع باتجاه تحويل العراق من "دولة مارقة" قبل الاحتلال ، الى "دولة هشة" بعده.
• وهذه الهشاشة المرتبطة اساساً باشتراطات وخصائص المراحل الانتقالية (خاصة اذا كان هذا الانتقال قسرياً) , جعلت الدولة العراقية الجديدة تتخبط في سيل جارف من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , بكل ما يتضمنه هذا التخبط من فشل في ايجاد الحلول المناسبة لمشكلاتها (المزمنة والمستعصية هذه) في الداخل – ومع الخارج.
• وواحدة من اسوأ كوابيس الحكومات العراقية المتعاقبة (بعد الاحتلال الامريكي) هو اجبار او قسر "الدولة الهشة الجديدة" على احترام التزامات وديون "الدولة المارقة" السابقة عليها (رغم كل ما فيها من جور وتعسف) .. وعلى نحو يُرضي المجتمع الدولي (الدائن لها) .. و ذلك مادامت (هذه الدولة الجديدة) مصّرة على كونها "دولة ذات سيادة".
• وحتى الآن لم تتمكن حكومات العراق المتعاقبة من كسر اشتراطات واستدامة هذه الحلقة المفرغة ; ان لم تكن تؤسس احيانا ً (وعن وعي او دون وعي) لديمومتها العبثية , وما ينتج عن ذلك من خراب عميم.

ثانيا ً : قرارات مجلس الأمن 1956 – 1957 – 1958 لعام 2010
وإشكالية الخروج " الجزئي " و " الكامل " من أحكام الفصل السابع .

بموجب القرار 1956 الذي أتخذه مجلس الأمن الدولي في جلسته 6450 في 15 كانون الأول / ديسمبر 2010 , تم التشديد على ضرورة إنتهاء العراق من الأنتقال الى " ترتيبات الخَلَفْ " لكل من صندوق تنمية العراق , والمجلس الدولي للمشورة والمراقبة .
وإذ يتصرف مجلس الأمن وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة , فأنه يقرر مايأتي :
1- يقرر أن ينهي في 30 حزيران / يونيو / 2011 الترتيبات ذات الصلة بأيداع العائدات المتأتية من صادرات النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي في صندوق تنمية العراق , والترتيبات ذات الصلة بشأن قيام المجلس الدولي للمشورة والمراقبة برصد صندوق تنمية العراق .
2- يرحّب بقرار حكومة العراق ألاّ تطلب أي تمديد آخر لترتيبات صندوق تنمية العراق . ويقرر كذلك أن هذا التمديد هو التمديد الأخير .
3- يقرر أن يتوقف بعد 20 حزيران / يونيو 2011 إيداع جميع العائدات المتأتية من صادرات النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي في صندوق تنمية العراق . مع التأكيد على إستمرار العراق في إيداع نسبة %5 من هذه العائدات في صندوق التعويضات المُنشأ وفقا للقرار 687 ( 1991 ) والقرارات اللاحقة ذات الصلة .
4- يهيب بحكومة العراق التعاون الوثيق مع الأمين العام من أجل كفالة الأنتقال الكامل والفعّال , في موعد أقصاه 30 حزيران / يونيو 2011 إلى آلية لاحقة لصندوق تنمية العراق , تراعي شروط الترتيب البديل لصندوق النقد الدولي . وهذه الشروط تشمل ترتيبات مراجعة خارجية للحسابات , وتمكّن العراق من مواصلة الوفاء بالتزاماته , على النحو المنصوص عليه في أحكام الفقرة 21 من القرار 1483 ) 2003 ( .
5- قيام حكومة العراق بتقديم تقرير خطي الى مجلس الأمن في موعد لايتجاوز 1 آيار2011 يتضمن تفاصيل عن التقدم المحرز صوب الأنتقال الى آلية ما بعد صندوق تنمية العراق .
6- نقل جميع العائدات من صندوق تنمية العراق الى حساب ,أو حسابات الترتيبات الخَلَفْ , التي تنشئها حكومة العراق ,وأقفال صندوق تنمية العراق في موعد لايتجاوز 30حزيران / يونيو 2011 , وتقديم إثبات خطي الى مجلس الأمن بمجرد الأنتهاء من نقل العائدات , وأقفال صندوق تنمية العراق .
وبموجب القرار 1957 في 15 كانون الأول / ديسمبر /2010 ,قرر مجلس الأمن الدولي ( وهو يتصرف بموجب الفصل السابع من الميثاق ) إنهاء التدابير المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية المفروضة بموجب أحكام القرار 687 ( 1991 ) , والقرار ) 707 1991 ) .
وبموجب القرار 1958 في 15 كانون الأول / ديسمبر /2010 , طلب مجلس الأمن ( الذي يتصرف بموجب الفصل السابع من الميثاق ) من الأمين العام للأمم المتحدة ,أن يتخذ جميع الأجراءات الضرورية لأنهاء جميع الأنشطة المتبقية في إطار " برنامج النفط مقابل الغذاء " .
وسنحاول الآن تحليل مضمون هذه القرارات الثلاثة ( وبالذات القرارين 1956 و 1958 ) وذلك بقدر تعلّق الأمر بموضوع البحث الرئيس , وكما يأتي :
1- لم يرد في نصوص هذه القرارات مايشير الى خروج العراق من طائلة أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة , بل أن جميعها تشير الى ان مجلس الأمن قد أصدرها وهو " يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة " ( راجع نص القرارات الثلاثة . )
2- فور صدور القرارات الثلاثة ,أعلنت وزارة الخارجية العراقية ( وبعض الأوساط الحكومية ) ,عن النجاح في أخراج العراق من أحكام الفصل السابع من الميثاق.وبعد بضعة أيام بدأ إستعمال عبارة (الخروج الجزئي ) , بهدف تقديم مقاربة أكثر دقة ( لهذا الأنجاز الناقص ) .
ورحّب الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الى مجلس الأمن , في نيسان / أبريل 2011 بما أطلق عليه " إخراج العراق جزئيا من أحكام الفصل السابع من الميثاق " ... وبذلك ترسخت القناعة لدى جميع المعنيين بهذا الملف بأن العراق قد خرج " جزئيا " وليس " كليّا " من أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .
وإذ يدفع الباحث بعدم الأختصاص ( لكي لايقرر شيئا بعيدا عن الدقة ) , فأنه يدعو خبراء القانون الدولي لتقديم تفسيرهم لما تعنيه هذه القرارات بالضبط , هل هي تتضمن خروجا " جزئيا " أم " كاملا " .. وهل يوجد " خروج جزئي " و " خروج كامل " من أحكام الفصل السابع .. وما الذي يعنيه الخروج الجزئي , وليس الكامل , بالنسبة لدولة ذات سيادة ,تعاني من ظروف صعبة , كالظروف التي تعيشها الدولة العراقية حاليا .
3 – لا تشير قرارات مجلس الأمن 1956-1957-1958 الى تسوية الملفات العالقة بين العراق والكويت .وبذلك فهي تفسح المجال ( كما يقول وزير الخارجية العراقي ) للجان مشتركة من الطرفين للقيام بهذه المهمة .
ومع ذلك , فأن القرار 1956 يشير ضمنا إلى ان العراق قد خرج من طائلة أحكام الفصل السابع , بالنسبة لجميع القضايا ذات الصلة بتهديده للسلام والأمن الدوليين , بأستثناء ما يسمى " بالحالة مع الكويت " . وهذا يعني ( بعبارة أكثر دقة ووضوحا ) بأن العراق لن يخرج من طائلة عقوبات الفصل السابع إلا إذا أوفى بألتزاماته إزاء الكويت , كاملة غير منقوصة ( وعلى وفق تفسير دولة الكويت المتعسف لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بهذا الموضوع ) .. وأن العراق لن يخرج من طائلة عقوبات الفصل السابع , وسيبقى دولة ناقصة السيادة , بل وسيبقى يشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين , إلا اذا قررت الكويت عكس ذلك , أو طالبت ( هي وليس العراق ) بذلك .
4- تحظى الكويت بدعم مطلق من الولايات المتحدة الامريكية , ومن المجتمع الدولي ( من خلال مجلس الأمن الدولي) , وتستخدم جميع أوراق الضغط لفرض شروطها على الجانب العراقي , و أرغامه على الالتزام بتنفيذ أحكام القرار 833 ( 1993 ) سيئ الصيت , رغم جميع ما يمكن ان يترتب على تنفيذه من عواقب وخيمة بالنسبة لعلاقات المواطنين العراقيين والكويتيين المستقبلية , وليس ما يترتب على تنفيذه من مكاسب سياسية آنية للحكومة الكويتية الحالية .
و في تقريره الى مجلس الأمن الدولي المشار اليه آنفاً (نيسان /ابريل 2011 ) جدد الأمين العام للأمم المتحدة دعوته للحكومة العراقية الى إعادة تأكيد التزامها بقرار مجلس الأمن 833 ( 1993 ) المتعلق برسم الحدود البرية والبحرية مع الكويت في اقرب وقت ممكن , واتخاذ خطوات عاجلة لاستئناف أعمال صيانة العلامات الحدودية , بما في ذلك إعادة تحديد موقع المزارعين العراقيين بعيداً عن خط الحدود مع الكويت . وشدد على أن أحراز تقدم ملموس في هذا الشأن يعد شرطاً أساسياً لتطبيع مكانة العراق الدولية المساوية لما كان عليه قبل تبني القرار 661 .. أي أن قبول وتعهد العراق بتنفيذ أحكام القرار 833 بالكامل هو القرار الوحيد الذي على العراق أتخاذه للخروج من طائلة أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ... وبعكسه فأن العراق ورغم كل ما حدث فيه من تغيير جوهري في طبيعة وتوجهات النظام السياسي منذ العام 2003 وحتى الآن سيبقى - من وجهة نظر الكويت ومجلس الأمن والولايات المتحدة الأمريكية (التي قادت هذا التغيير)-هو عراق 2/8 / 1990 الخاضع لأحكام القرار 660 في /8/1990 .
أنه عراق جديد .. نعم .. لم تعد فيه أسلحة دمار شامل (القرار 1957 ) ولم يعد يدعم الإرهاب الدولي , و لم يعد يشكل خطراً على الأمن والسلم الدوليين (القرارات 1956 و 1957 و 1958 ) ... ولكنه عراق لم تعلن حكومته بعد إعادة التزامها بالقرار 833 (1993) .. ولهذا السبب بالذات فأنه سيبقى خاضعاً لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة , بكل مايعنيه ذلك من وصاية على أمواله وحرمة أراضيه ومياهه وحدوده وحقوقه كدولة ذات سيادة .
5 – لعل واحدة من أكثر المواقف دلالةً بهذا الصدد هو ما أقترحه الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الى مجلس الأمن (نيسان /ابريل2011) على رئيس الوزراء العراقي " بأن يقوم بإعادة التأكيد- خطيا- على الألتزام بقرار مجلس الأمن 833 (1993) ... وهو أقتراح لم تتجرأ حتى الكويت على طرحه على رئيس الوزراء العراقي .
6 – لا يمكن أنكار ما بذلته الدبلوماسية العراقية من جهود بهذا الصدد . غير أن موقف وزارة الخارجية العراقية المعلن من هذا الملف , ومطالبتها صراحةً بالألتزام بأحكام القرار 833 وتنفيذه بأسرع وقت ممكن بهدف تسوية كافة الملفات العالقة مع الكويت لايمكن أن ينّم أبداً عن دور فاعل لهذه الدبلوماسية في إيجاد تسويات عادلة لهذه الملفات . أن الخارجية العراقية انطلاقاً من إدراكها العميق لطبيعة العلاقات التي تربط أطراف المشكلة مع الولايات المتحدة الأمريكية تميل نحو غلق الملفات العالقة من خلال أقل الأجراءات جهداً وكلفة بالنسبة لها , وهو قبول العراق بالقرار 833 دون أبطاء ودون شروط مسبقة ... وهنا نتساءل .. كيف يمكن أن يكون الجهد الدبلوماسي العراقي فاعلاً وحاسماً وناجحاً أن لم يبحث عن مخارج بديلة لغلق الملفات (عدا الاذعان للقرارات الأممية ) بأقل كلفة ممكنة .. وبأكبر عائد ممكن .
7 – لا توجد أية أشارة في هذه القرارات الثلاث (1956و 1957 و 1958 ) الى أية أجراءات أو تعهدات بحماية أموال العراق في الخارج من مطالبات الدول والدائنين التجاريين بعد 30 / 6 / 2011 . ولأن المال العراقي لا زال سائباً (في الداخل والخارج ) فأن القرار 1958 ينطوي على جملة أجراءات لا يمكن تفسيرها الا بكونها تلحق أفدح الضرر بجزء من الاموال العراقية في الخارج , وهي الأموال ذات الصلة ببرنامج النفط مقابل الغذاء (الذي ألغي بموجب القرار المذكور) .. ويمكن إيضاح ذلك كما يأتي :
1- يشير نص الفقرة (1) من القرار إلى " الطلب من الأمين العام أن يتخذ جميع الأجراءات الضرورية لأنهاء جميع الأنشطة المتبقية في إطار البرنامج ... وذلك دون مساس بأي حقوق أو مطالبات بالدفع أو بخلافه قد تكون للموردين الذين لهم ازاء حكومة العراق مطالبات تتعلق بالتسليم بموجب ما بينهم وبين تلك الحكومة من عقود تجارية " .
2 – يشير نص الفقرة (3) من القرار ألى أن مجلس الأمن " يأذن للأمين العام أن ينشئ حساب ضمان تحقيقاً لأغراض الفقرتين 1 و5 من هذا القرار , وأن يعين محاسبين عامين قانونيين مستقلين لمراجعة حساباته , ويبقي حكومة العراق على علم تام بالمستجدات " .
3 – بموجب الفقرة (4) من القرار يأذن مجلس الأمن للأمين العام " أن يكفل الأحتفاظ بمبلغ 20 مليون دولار أمريكي من حساب العراق ضمن حساب الضمان حتى 31 كانون الأول / ديسمبر / 2016 , ليستعمل حصراً في تغطية نفقات الأمم المتحدة المتعلقة بالأنهاء المنظم للانشطة المتبقية في أطار البرنامج .. فضلاً عن نفقات مكتب المنسق الرفيع المستوى المنشأ بموجب القرار 1284 , ويطلب كذلك أن يجري تحويل جميع الأموال المتبقية الى حكومة العراق بحلول 31 كانون الاول /ديسمبر/2016 .
4 – بموجب الفقرة (5) من القرار يأذن مجلس الأمن للأمين العام " أن يكفل الاحتفاظ بمبلغ يصل الى 131 مليون دولار امريكي من حساب العراق ضمن حساب الضمان , لغرض توفير تعويضات للأمم المتحدة وممثليها ووكلائها والشركات المستقلة المتعاقدة معها لمدة ست سنوات , فيما يتعلق بجميع الأنشطة ذات الصلة بالبرنامج منذ انشائه ... وأن يجري تحويل جميع الأموال المتبقية الى حكومة العراق بحلول 31 كانون الأول /ديسمبر/2016 .
5 – بموجب الفقرة 7- ب من القرار يطلب مجلس الأمن من الأمين العام أن يعقد في أقرب وقت ممكن مع حكومة العراق جميع الترتيبات أو الاتفاقات التنفيذية اللازمة ... للتنازل عن أي مطالبات قد تكون لحكومة العراق في المستقبل ازاء الأمم المتحدة وممثليها ووكلائها والشركات المستقلة المتعاقدة معها بشأن جميع الأنشطة ذات الصلة بالبرنامج منذ أنشائه " .
ومع جميع ما شاب هذا البرنامج من شبهات الفساد والتبديد .... هل يمكن عد هذا القرار إنهاءاً للبرنامج .. أم غلقاً نهائياً لملفات الفساد العالقة به .
وهل في هذا القرار حماية لما تبقى من أموال العراق ذات الصلة بهذا البرنامج ... أم اصراراً على تبديد ما تبقى منها .. وما سيتبقى من كل أوجه التبديد العائمة هذه , ستتم إعادته الى حكومة العراق بعد 31 كانون الاول/ديسمبر/ 2016 ". ؟؟
أن الإجابة على هذه الاسئلة لا تحتاج الى تحليل معمق .
إن نص فقرات القرار التسعة , فيها من الوضوح ما يكفي ويزيد , والآليات المعتمدة فيها (بهدف أنهاء البرنامج) تؤكد على أن العراق لا زال موضع شك , ولا يحظى بالثقة ... على الأقل فيما يتعلق بنمط تصرفه بأمواله .. أو ما تبقى منها في أفضل الأحوال .
يتضح مما تقدم ان نمط ادارة الموارد والتنمية والدين من خلال ترتيبات الخلَف ْلصندوق تنمية العراق بعد 3o/6/2011 تكتنفه الكثير من الأشكاليات السياسية والأدارية والقانونية .
فأنتقال ادارة الصندوق الى الحكومة العراقية , لايعني بالضرورة ( وقد لايعني ابدا ) خروج العراق من طائلة عقوبات الفصل السابع من الميثاق . كما ان هذا الأنتقال قد يؤدي تلقائيا الى رفع الحصانة (أو الحماية ) عن الأموال العراقية من مطالبات التعويض التي تكفلها قوانين جميع الدول . ومطالبة العراق بالأدارة والأشراف المباشر على عائدات الصندوق , مع أستمرار حماية هذه العائدات , لايمكن القبول بها أو الدفاع عنها , دون اشتراطات وتطمينات وتعهدات وتحديات وخطة عمل , ينبغي ان تتصدى لها حكومة عراقية فاعلة , ومسلحة بخبرات متعددة , وقادرة على التعامل مع ملفاتها الشائكة ( في الداخل والخارج ) بدراية وحنكة .
أن خلق الأعداء سهل جدا ... ولكن أعادة الصلة والثقة مع الأصدقاء والأشقاء السابقين , وكسب أصدقاء جدد , هي عملية غاية في التعقيد في العلاقات الأقتصادية والسياسية الدولية .
غير ان العراق لم يتمكن من تشكيل حكومته الجديدة إلا بعد مايقرب من تسعة أشهر من أنتخابات مجلس النواب التي جرت في 7/3/2010 . ولاتتوفر لدينا حتى الآن أية مؤشرات على انها ستكون حكومة منسجمة , ومتماسكة , وقوية , وقادرة على مواجهة استحقاقاتها , وملفاتها المصيرية في الداخل والخارج ( ومنها ملفات الديون والتعويضات والتنمية والأمن والعلاقات العربية والأقليمية ) .
ووسط سيل جارف من الأبتذال السياسي , وتبادل التهم , ودعاوى التشهير بالخصوم , وإستخدام كل الوسائل المشينة بهدف التسقيط وتلويث السمعة , تمضي الكتل السياسية العراقية الرئيسية في مسار خطير , لايمكن أن يفضي إلا لتدمير العراق , والأجهاز على بصيص الأمل المتبقي ,لدى ماتبقى من مواطنيه .
فمن سيمنع العراق ( مع هذا كله ) من ان يشكل تهديدا لذاته ووجوده ؟ وتحت اي بند من بنود ميثاق الأمم المتحدة , او الصكوك الدولية النافذة , يمكن ادراج هذه الحالة الفريدة في التاريخ السياسي الدولي ؟
نتمنى ان يتمكن احد ما , في يوم ما , من الأجابة على هذه التساؤلات المرة .
غير اننا نستطيع الجزم ( وبثقة مطلقة ) من اننا قد لانحصل , ابدا , على اية اجابة وافية من الآخرين , حين يعجز العراقيون انفسهم عن الأجابة عن الأسئلة التي تتعلق بمصيرهم بين الأمم والدول والأوطان . فمثل هذه الأسئلة ينبغي الأجابة عنها بأسرع وقت ممكن , وقبل فوات الآوان .. هذا اذا لم يكن اوان الأجابة عنها .. قد فات العراقيين فعلا .

ثالثاً : سيناريوهات الخروج من المأزق
(استدامة الاشكاليات وامكانيات تفكيكها)
تأسيسا على ماتقدم .. هل ثمة مايمكن عمله من الجانب العراقي لمواجهة هذه الملفات , وتبعاتها السلبية , والمفتوحة على كل الأحتمالات ؟
ان النجاحات في التعامل مع ملفات التعويضات , تصنف الى صنفين : نجاحات قضائية ( قانونية ) , ونجاحات دبلوماسية .
وبقدر تعلق الأمر بالعراق , فأنه بحاجة الى فريق خبراء على مستوى عال من الكفاءة والمهنية في الشؤون القانونية والمالية , ليتمكن ( على الأقل ) من دفع مجلس الأمن ( أو أي لجنة من لجانه المتخصصة ) الى أعادة التحقق من مدى دقة ومشروعية ماتم دفعه من موارد العراق الى لجنة التعويضات ( والى المستفيدين من قراراتها خلال مدة عملها ) , ورفع مطالبات مضادة بأستعادة مايمكن أستعادته من مبالغ التعويضات التي تم دفعها (للحكومات والشركات والأفراد) خلافا للأسس والمعايير التي تشكلت اللجنة ( أو مارست عملها ) على أساسها , والعمل على أبطال ماتبقى منها , أو تخفيض مبالغها .
أما على صعيد الملفات الأخرى , فلم يحقق العراق أي نجاح يذكر , بأستثناء تطمين الحكومة الكويتية بصدد التزام العراق التام بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة , ودعوتها للتعاون من أجل تسوية ملف الحدود المشتركة , والسعي الى التوصل الى تفاهمات بصدد مقايضة الديون ( وماتبقى من التعويضات ) بمنح المستثمرين الكويتيين تسهيلات أستثمارية مغرية .
غير ان الجهد الدبلوماسي , ( وبغض النظر عن تقديرنا للنتائج المرجوة منه ) لاينبغي ان يعمل بمعزل عن الجهد القضائي . فعدالة أي قضية تتطلب وجود السند القانوني الداعم لها , والموثق لعدم عدالة القضايا المناقضة لها .
لقد دفع العراقيون ثمنا باهضا لقضايا خسرها قادتهم ( بأعتبارها قضايا شخصية , وليست قضايا وطنية . ولست ضليعا في القانون الدولي , العام والخاص , وبما يؤهلني لتسمية هذه الأشياء بمسمياتها , ومرادفاتها القانونية الصحيحة , ولكنني ضليع بالثمن الفادح والمر الذي دفعه العراقيون جميعا من اجل تسديد فواتير الطغاة , والتعويض عن الخسائر الناجمة عن حروبهم العبثية . واعتقد ان افضل مدخل للدبلوماسية هو الأفصاح عن ضخامة الخسائر التي تكبدها العراقيون (والعراق ) جراء حروب لم يتسببوا بها أصلا , وكانوا , هم , وليس غيرهم , ضحيتها الوحيدة .
ان الكويت تواصل نجاحاتها القانونية والدبلوماسية في ملفاتها الشائكة مع العراق ( ومنها ملف التعويضات ) . فأضافة الى حصولها على حكم قضائي بالحجز على طائرات الخطوط الجوية العراقية , ومنع ماتبقى منها من القيام برحلات جوية حول العالم , فقد تمكنت أيضا من زيادة مبلغ التعويض عن الطائرات المدنية التي استولى عليها النظام السابق من 150 الى 500 مليون دولار .
ان على الحكومة العراقية أدراك حقيقة مفادها أن سعي الكويت الحثيث ( والمحموم حتى هذه اللحظة ) الى تضخيم ملف التعويضات ( ماليا وسياسيا وقانونيا ) وتأطيره دستوريا , وربطه ربطا وثيقا بحقوق للشعب الكويتي , لايمكن (بل ولاتتجرأ أية حكومة ) عن التنازل عنه ( كلا او جزءا ) , وتكريس المطالبات الخاصة به بقوة القانون , وشرعنة هذه المطالبات داخليا , واستمرار الاعتراف بها ( والتعاطف معها ) دوليا ... وأن قيام الكويت بدفع القرار 833 لعام 1993 الى الواجهة بمجرد تراجع أهمية ملف التعويضات .. ان هذه المعطيات كلها لاتترك للعراق أية فرصة للخروج من طائلة عقوبات الفصل السابع من الميثاق , الا اذا قرر (وبأرادة سياسية قوية ) أعادة فتح هذه الملفات من جديد ( وبمطالبات عراقية هذه المرة ) , مدعوما بالمتغيرات الجديدة في الحالة العراقية ( وهي عنصر نقض للقرارات الأممية السابقة , لم تتم الأستفادة منه في نقض أي قرار أممي سابق حتى الآن ) , وعدم الركون الى النيات الطيبة , ودعوات الصفح والتسامح ( عن أخطاء ارتكبتها حكومات سابقة , وحكام سابقون , قبل عشرين عاما من الآن) .
ان مباديء الأقتصاد السياسي , ومباديء السياسة الدولية (معا ) , لايتضمنان في قاموسهما , مفردات ساذجة كهذه , لانها تنطوي على مفارقات تناقض المنطق السليم لأدارة الملفات العالقة بين الدول والحكومات ( حتى وان كانت دول جارة .. وحكومات شقيقة ) . ومنطلقات كهذه لن تترتب عليها أية نتائج منطقية , او منافع ملموسة للجانب العراقي مهما طال الزمن . وهذا هو ماافرزته تجربة العراق مع هذا الملف ( ومع غيره من الملفات العالقة مع الآخرين ) طيلة العشرين عاما الماضية .
ونعيد التأكيد هنا على ان قيام العراق برفع دعاوى مضادة تطعن في صحة المطالبات السابقة بالتعويضات , وفي صحة ومشروعية جميع القرارات الأممية ذات الصلة بغزو العراق للكويت ( وأهمها وأخطرها هو القرار 833 لعام 1993 ) , وتوثيق هذه الطعون بحرفية عالية , وحشد التأييد الشعبي لها , والألتزام بوحدة الموقف السياسي منها ( من قبل جميع القوى السياسية العراقية الفاعلة حاليا ) , لايتعارض مع السعي لأقامة أفضل العلاقات مع الكويت في المجالات كافة .
لقد تضرر العراق كله , باكثر مما تضرر اي بلد أوشعب أومجتمع اخر, من تلك الحروب , وتلك التعويضات , وتلك القرارات الأممية الجائرة.
وسيكون من السهل جدا تأطير هذه الدعاوي المضادة بمطالبات شعبية , لن تستطيع , ولن تتجرأ , اية حكومة منتخبة على تجاهلها , مهما كانت طبيعة علاقتها بالدول ذات العلاقة بهذه الملفات . فالكويت ذاتها تعمل على هذين المسارين معا : علاقات دبلوماسية وسياسية وأقتصادية جيدة مع النظام الجديد في العراق , والعمل في ذات الوقت على عدم ابداء اية مرونة , قد تؤدي , الى عدم حصولها على حقوقها ( وحقوق مواطنيها ) في التعويضات,والديون , والأراضي , والمياه , كاملة , غير منقوصة .
ان المساران متكاملان , ووثيقا الصلة ببعضهما البعض . وتحقيق التقدم فيهما معا , هو الذي سيحدد قوة الموقف التفاوضي من الملف الأهم التالي , وهو : اخراج العراق من طائلة عقوبات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .

ويواجه العراق الاحتمالات الآتية فور انتهاء مدة نفاد القرارات والترتيبات ذات الصلة بهذا الموضوع (والتي تم التطرق اليها آنفا ً).
1- احتمالية خروج العراق من طائلة احكام وعقوبات الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة , ورفع الحماية القانونية عن امواله واصوله . وبهذا يتم وضعه وجها ً لوجه (كدولة ذات سيادة ) امام حجم هائل من مطالبات التعويض والمصادرة .
2- احتمالية خروج العراق من الفصل السابع مع ابقاء الحماية على ممتلكاته واصوله من مطالبات التعويض والمصادرة (وهذا هو أفضل الاحتمالات الممكنة).
3- احتمالية بقاء العراق تحت أحكام الفصل السابع , مع رفع الحصانة عن ممتلكاته وامواله من مطالبات التعويض والمصادرة. وهذا هو اسوأ سيناريو يمكن تصوره من بين السيناريوهات الثلاثة هذه .
واذا اردنا ترجيح اي من هذه الاحتمالات الثلاثة , فأن مقاربة الترجيح ينبغي ان تبتعد عن التسطيح الذي تتسم به ادبيات الاقتصاد السياسي (وخاصة الاقتصاد السياسي الدولي) .
ان ترجيح اي من هذه الاحتمالات يقع في صلب بنية العلاقات الدولية الراهنة , وفي صلب التحليل السياسي - الاقتصادي لمنطقة الشرق الاوسط و "مشروعها الكبير", وتسوية المشكلات الاقليمية العالقة فيها .
واذا تعاملنا مع افضل الأحتمالات الثلاثة المذكورة آنفا ً (اي احتمالية خروج العراق من الفصل السابع مع ابقاء الحصانة الدولية الضامنة لأمواله وممتلكاته من مطالبات التعويض والمصادرة) كاستراتيجية خروج مثلى من اشكالية الخضوع لاحكام الفصل السابع من الميثاق( مع الاحتفاظ بالضمانات المرتبطة به) , فأن هذه الاحتمالية لايمكن ترجيحها دون الاقرار بالحقائق (والاشتراطات) الآتية :
1- لاينبغي التعويل على دعم الولايات المتحدة الامريكية كدولة صديقة . فالصداقة في العلاقات الدولية تمليها علاقات المصالح بين طرفيها. وحين تتآكل مصالح الولايات المتحدة في العراق , او حين يفقد العراق أهميته الاستراتيجية بالنسبة للمصالح الحيوية للولايات المتحدة الامريكية , فان احتمال دعم الولايات المتحدة للخيار الثاني سيكون ضئيلا ً للغاية , ان لم يكن غير مبرر (أو وارد) بالنسبة لها.
2- على العراق ان يكون جزءا ً فاعلا ً في المنظومة الاقليمية الشرق الاوسطية (على وفق الادراك الاستراتيجي الامريكي لها). وبخلاف ذلك سيكون مستقبل العراق (ككيان موحد) عرضة للتهديد بالاستباحة والتقسيم.
3- ينطوي الادراك الاستراتيجي الامريكي لدور ووظيفة الشرق الاوسط الكبير على شرط معلن هو تطبيع العلاقات مع اسرائيل . واذا لم يحظ هذا التوجه بدعم دول الجوار الكبرى , فأن العراق سيجد نفسه ساحة لصراعات لاتنتهي من اجل تصفية الحسابات بين الاطراف الرافضة والمؤيدة لهذا التوجه في المحيط الاقليمي للعراق.
4- إن الكويت ستمارس دورها المحدد لها في الترتيبات الجديدة للشرق الأوسط الجديد . إنه دور المحرك لملفات تتورط من خلالها دول الأقليم في صراعات محلية – أقليمية , تبرر التدخل الخارجي , كمدخل لوضع الترتيبات الشرق اوسطية الجديدة موضع التطبيق .
وتكمن اهمية ( وخطورة ) هذا الطرح , في ضرورة ادراك العراق لما تشكله اسرائيل من اهمية في الادراك الاستراتيجي الامريكي . وعلى وفق هذا الادراك , فأن الولايات المتحدة الامريكية لن تقبل ,بل ولن تسمح ابدا , بعودة العراق كقوة أقليمية فاعلة , وعدوة , لحليفتها الاستراتيجية الاساسية في هذه المنطقة من العالم , وستسعى بكل مالديها من قوة ونفوذ للحصول على ضمانات بوجود واستدامة نظام حكم في العراق لايمكن ان يشكل ابدا , وتحت اي ظرف كان , تهديدا لأمن اسرائيل , ووجودها ,لا الآن , ولا في المستقبل .
ان هذا يتطلب التحسب , والشجاعة ,وصياغة بدائل يتم التفاوض حولها , في حال مواجهة اوراق حساسة , قد ترميها الولايات المتحدة في وجوهنا في أية لحظة , كجزء من الثمن الفادح الذي علينا دفعه , لتسديد فاتورة الاحتلال ( أو مايطلق عليه البعض فاتورة الخلاص من النظام السابق ) , أو فاتورة الخلاص من العقوبات ذات الصلة بأحكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة . ودون تحسب وادراك كهذا , فأن صناع القرار في العراق , أما ان تشلهم المفاجأة ( اي مفاجأة نقل الاوراق الحساسة من مكانها الذي هو تحت الطاولة حاليا , الى ماهو على سطحها لاحقا ) , او ان تدفعهم الى رد فعل ساذج ( وربما صادم ) لكل من يعنيهم الامر , سرا او علنا , وبشكل مباشر اوغير مباشر .
وكما تعلمنا من تجارب سابقة, فأن ردات فعلنا غير المحسوبة , على الفعل المحسوب بدقة من قبل الاخرين ,قد يكبدنا خسائر فادحة , وقد تكون عواقبه وخيمة . وفي حينه لن تكون التعويضات فقط هي الثمن الذي يتعين علينا دفعه , بل مستقبل العراق بأسره .
5- تتوقف مديات التنازل عن الديون والتعويضات المترتبة على العراق , او تخفيضها (من قبل المجتمع الدولي , بما في ذلك الكثير من الدول العربية) , على مدى قدرة العراق ومدى استعداده للاعلان عن تبنيه الكامل وغير المشروط للترتيبات والتصورات الامريكية ذات الصلة بدور ووظيفة ونمط العلاقات بين دول الشرق الاوسط الكبير , وعلى وفق ادراك الولايات المتحدة لمصالحها الاستراتيجية في هذه المنطقة , بعيدا ً عن نفوذ وتأثير وتدخل اي قوة دولية او اقليمية اخرى.
وفي هذا السياق فان على العراق ان يدرك , ويتفهم , تبعات كونه جزءا من الترتيبات الاقتصادية الشرق اوسطية , بما في ذلك النمط الخاص لتقسيم العمل في مشروع الشرق الاوسط الكبير ,والذي بموجبه سيتحدد الدور الاقتصادي لكل دولة من دول الاقليم .
ونود التذكير هنا بان نمط تقسيم العمل المشار اليه , يتضمن في جوهره , كما في اطاره العام , تقسيما جائرا للقوة الاقتصادية , يفضي بالضرورة الى حصول اسرائيل على مكاسب استراتيجية هائلة ,ويضمن تفوقها على جميع اطراف المشروع الشرق اوسطي على المدى البعيد . وتكفي الاشارة هنا الى ان الخصائص الاساسية لهذا التقسيم تقوم على تخصص اسرائيل ( وتفردها ) في انتاج المعرفة والتكنولوجيا , بينما يتخصص الاخرون في مجالات تجهيز الطاقة الرخيصة ( النفط والغاز تحديدا ) والمياه , والمال , والايدي العاملة .
وربما كانت إدامة الفوضى في العراق , وأستنزافه من خلال العمل على رفع وتيرة العنف والصراعات المحلية , والتصعيد المستمر لمظاهر عدم الأستقرار السياسي والأقتصادي والمجتمعي , وأجهاض محاولاته المتواضعة لتحقيق مستوى مقبول من التنمية الأقتصادية والأجتماعية , ربما كان كل ذلك جزءا أساسيا من مهمة إبقاء العراق ضعيفا , وهامشيا ,وتابعا للمراكز الأقليمية القائدة للشرق الأوسط الجديد ( ومنها تركيا وأسرائيل , على سبيل المثال لا الحصر . ) .
6- تحويل العلاقة غير المتكافئة بين العراق والولايات المتحدة والقائمة على التطفل والرعاية والعرفان بالجميل والابوية والقسر الى شراكة ستراتيجية بين حليفين حقيقيين (كما هو حال العلاقة بين اسرائيل والولايات المتحدة , او الولايات المتحدة وتايوان , او الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية, او الولايات المتحدة وتركيا , كخيار اخير).
7- اعادة بناء الثقة في علاقات العراق مع الكويت والمملكة العربية السعودية من خلال قرار عراقي وطني ملزم ومستدام، ومدعوم بإطار تشريعي يصادق عليه مجلس النواب العراقي. وينبغي ان يدرك هذان البلدان بالذات بأن اقامة افضل العلاقات معهما هو خيار شعبي وحكومي حر , وليس توجها ً تمليه على الحكومة العراقية ضغوط أمريكية مرحلية.
8- ارساء أسس جديدة للتعامل مع ايران كقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية كبرى في المنطقة ، وعدم الركون الى متانة العلاقات السياسية والايديولوجية والشخصية، القائمة حاليا ,ً كإطار دائم ومستقبلي للتعاون معها. ان هذه الدولة ملزمة بالدفاع عن مصالحها بضراوة , ولا ينبغي ان تشعر, ولو للحظة واحدة , بأن علاقاتها بالعراق محكومة بإشتراطات ومعطيات معينة ، في مرحلة تاريخية معينة, ولا باستغلال سريع لفرصة تاريخية عابرة... وبأن العراق لن يكون (الآن وفي المستقبل) طرفا ً في اية ترتيبات يمكن أن تلحق بها أضرارا ً مباشرة او غير مباشرة، وعلى جميع الصعد.
9- ارساء وتعزيز افضل مستويات التنسيق مع الدول النفطية المجاورة للعراق في مجال صنع السياسات وصياغة الاستراتيجيات النفطية ذات الصلة بالاحتياطي والانتاج وحصص التصدير وحسم ملفات الحقول المشتركة , وانتهاج سلوك تعاوني وشفاف لتطويرها بما يخدم المصالح الوطنية لهذه الدول على المدى البعيد.
10- انتهاج سلوك حكومي حذر ورصين ياخذ على عاتقه تطمين دول الجوار النفطية بأن مصالحها الستراتيجية لن تكون عرضة للتهديد في حال تحول العراق الى دولة نفطية كبرى في المنطقة. وان هذا التحول (ان حدث) سيكون في مصلحة هذه الدول قبل غيرها . وإن صنع ورسم السياسات والستراتيجيات النفطية العراقية سيبقى قرارا ً وطنيا ً عراقيا صرفا , ً وانه لن يوضع تحت تصرف أية مصالح اخرى , وتحت اي ظرف كان.
تأسيسا ً على ما تقدم , فان امكانية الخروج من احكام الفصل السابع , لا تتوقف على قوة الحجة , ولا على طبيعة العلاقات الاقتصادية الدولية القائمة , ولا على استدرار تعاطف المجتمع الدولي , كما انها لن تتوقف قطعا ً على دعوة الدائنين , والمتضررين المفترضين (والعرب منهم على وجه الخصوص) لأنصاف النظام الجديد في العراق.
ان على الحكومة العراقية أن تعمل اولا ً (وقبل كل شيء) على حل مشاكلها المالية والقانونية العالقة مع الاسرة الدولية من خلال الحوار وتقديم التنازلات والقبول (ولو مرحليا ً) بأنصاف الحلول.
ان بعضا ً من التهور لازال يطبع علاقات العراق بجيرانه (او بمحيطه الاقليمي ككل) في وقت هو احوج مايكون فيه الى اعادة بناء الثقة في علاقاته مع هؤلاء.
ان الحراك السلبي والانغلاق , وعدم صياغة التحالفات وبناء المصالح (بدقة وثقة) على أسس وطنية خالصة , ستعيد العراق من جديد الى اجواء عزلته المقيتة عن العالم والتي استمرت لعدة عقود .
وليس بوسعي الاجابة عما اذا كان النظام السياسي القائم في العراق حاليا قادرا ً على الاستجابة
لجميع هذه التحديات ام لا , ولكنه , وعلى نحو اكيد , لا يملك خيارات اخرى بديلة عن
الخيارات (المصيرية) المرة التي تم الاشارة اليها عرضا ً في متن هذه الورقة .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القراءة الخلدونية ( حكايات جديدة لأطفال ٍ في الستين من العمر ...
- قلب ٌ وحيد ُ الخليّة
- مملكة العراق السعيدة
- الأمل ْ .. أوّل ُ من يموت
- تفاحة ُ الأسى
- القطاع الخاص وأنماط التشغيل في العراق ( أبعاد المشكلة وإشكال ...
- الحزن هنا .. فوق قلبي
- - فوضى هوبس - : الفرد الخائف .. والدولة التنين .
- أحزان مستلة .. من الفرح القديم
- همرات .. ورعاة .. ومسالخ
- الفساد والمناصب : ريع الفساد .. وريع الراتب
- الشرق الأوسط الجديد : من مملكة المغرب .. الى سلطنة عمان
- مختارات من الكتاب الأخضر , للرجل الأخضر , القادم من - جهنم -
- ذل ٌ بارد ٌ .. ذل ٌ حار ْ
- حمّى الوديان المتصدّعة
- عندما لاتنخفض السماوات .. في الوقت المناسب
- لماذا راحتْ .. ولم تلتفتْ ؟
- وطن من صفيح .. وطن من ابل
- الرفاهية والأمثلية في الدولة الريعية الديموقراطية ( أعادة تو ...
- الأقتصاد السياسي للفصل السابع ( صندوق التعويضات , وصندوق تنم ...


المزيد.....




- المغرب.. مجلس النواب يناقش زواج أو تزويج القاصرات
- نقل وزير الدفاع الإيطالي إلى المستشفى على وجه السرعة بعد أزم ...
- نائب سابق بمجلس الأمن القومي الإسرائيلي: إذا واصلنا على هذا ...
- فضيحة في الولايات المتحدة بسبب فيديو انتخابي لترامب تضمن إشا ...
- ارتفاع عدد ضحايا الفيضانات في البرازيل إلى 161 شخصا
- نتنياهو يلمح إلى خطة للحكم العسكري في غزة بعد هزيمة -حماس-
- إسرائيل تقطع تغطية -أسوشيتد برس- المباشرة لغزة ثم تعيدها
- السودان: 85 قتيلا على الأقل جراء المعارك في مدينة الفاشر بدا ...
- تشيلسي يعلن الانفصال عن مدربه الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو
- شاهد.. سرايا القدس تفجر جرافة وتشتبك مع جنود إسرائيليين من م ...


المزيد.....

- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد عبد اللطيف سالم - العراق والكويت والولايات المتحدة الأمريكية : مأزق الملفات العالقة