|
أحزان مستلة .. من الفرح القديم
عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 3301 - 2011 / 3 / 10 - 23:33
المحور:
الادب والفن
أحزانٌ مُسْتلة .. من الفرح القديم
كلما مرّ ليلٌ وكان الصباح عنها بعيدا ً بحثت في وجهها .. عن قمر ٍ لروحي وعن جمْر ٍ لمملكة ِ القلب ِ المُطفأة ْ .
مَنْ الأجملُ منها .. بعد كل هذي الوجوه التي صادفتني في دفاتر القهر والحرب ِ .. والدروب البديلة ؟
من هي الأحلى منها .. حين تفرّ من الأقبية الأبوية .. وتغفو فوق السطح معي .. في مواجهة الله ِ .. وحيدَيْن ِ .. نخاف من النجم العابر فوق عبير الأجساد الفائرة ِ الصخّابة ِ مثل نبيذ العنب الخاثر في رقبتها الممتدة ِ نحو فمي ... كنهار ٍ بغداديّ ِ أبيض َ .. يشبه ُ هذا اللبن المسفوح على صدري حتىّ اللحظة . . مثل حزن ٍ مُستل ٍ من دفاتر الفرح القديمة .
***
لماذا كلما طارت ْ خصلة ٌ في الممرات ِ طوّقَ شَعرها وجهي فأرُدّهُ عن فمي وأعيدهُ إلى ليلة ِ السطح ِ – حين هرَبْنا الى الليل ِ – حيث بقينا هناك .. الى الآن أنا وهي والفم المترع بالخمر والعُنق ِ المستحيلة .
***
كان يطلعُ القمَرُ فترسم ُ على الحيطان وجهي وتطبعُ قبُلتهَا على غبار الجدار العتيق . أليسَ هذا هو الليل ُ .. القابلُ للطيّ ِ مثلُ نهار ٍ رخيص ؟ أليس َ هذا هو الليل ُ .. الذي بعدهُ صُبحٌ ربما لايجيء ؟ مَنْ يرسمُ بعدها على الحيطان وجهي ويغمرني بعبير الحنطة ِ في العروق النافرة ِ كي لا أستفيق ؟؟
***
بَعدَها .. سَطوْتُ على سطوح كثيرة ونساءٌ كثيراتٌ مَددْنَ أناملهنّ الطويلة ورَميْنَ بروحي على جدار ٍ من الطين ِ بلا قَمر ٍ أو تراب ٍ عتيق .
بعدها .. مرّتْ نهاراتٌ من الليل ِ وليال ٍ طويلة وليال ٍ قصيرة وليال ٍ بلا غبَش ٍ وكانت " المقهى البرازيلية ُ " والبارات ُ الصوفيّة ُ - في بغداد البعيدة جدا ً – مصطبة ٌ تستريح ُ على حصيرتها الرطبة ِ شاحنات ُ الهموم .
***
قد ْ تمُرّ ُ الآن بي .. صُدفة ً فأجفل ُ من شيخوختها الصالحة ومن شيْب ٍ كالفجيعة ِ والعُنق ِ الطويلة مطوْية ٌ على مرارات ٍ باهتة الطعْم ِ كهذا الليل ِ ككُل ِ ليل ٍ أمدّ ُ يدي فيه فلا أجدْها كأنها حفنة ٌ من غبار ٍ قديم .
لكن تلك المحبة غائرة ٌ في العظم ِ لاتختفي هكذا فجأة ً لأن من أحببتها يوما ً غدَتْ جدَة ً تقصّ ُ لأحفادها .. حكاية عشق ٍ على السطح ِ ووجهٍ على الحائط ِ وبقايا قبلة ٍ ... من جنون النسوة – في مقتبل العمر – والحنين المديد .
***
لا شط ّ ولا بط ّ ولا خبز ٌ حار . حتىّ " فيروز " إنقرضَت ْ وميسان بلا طين ٍ وطعم ُ النسوة .. كالسمك ِ الميّت ِ في " علوة ِ " روحي .
***
كل ُ شيء ٍ رماد . كيف تشيبُ الحبيبة ُ هكذا وأنت ترَكْتهَا في العشرينيات من العُمر ِ تركَبُ " كرْبة ً " في " شريعة " خضر الياس ِ وترحل ُ وحدها صوب " مسقط " .
كيف تشيخ ُ الحبيبة ُ هكذا وتصبح ُ جدة ً لأحفاد ٍ – غيرُ صغار ٍ – ورائحة ٍ كرائحة ِ التيْس ِ وحشرجة ٍ في الصدر ِ شبيهة بالصرير الفاضح ِ للسرير القديم .
***
نحنُ رسائل مختلسة كالفرح ِ المُستلّ ِ من الضيم ِ في أطروحة العشق العتيقة ِ .. كشَعرَك ِ الأسْود ِ وقامتك الكافرة . فكيف يُجيدُ الكتابة على لوحك ِ السومري ّ من لم ينم ْ على سطح المسرات ِ يوما ً ؟ من ذا الذي يستطيع ُ أن يُحبك ِ - كل هذا الحبّّ- دون أن يخترع صريرا ً خامدا ً كالصمتِ للأسِرّة القادمة ِ والعشاق الجُدد .
***
نساءٌ صغيرات .. سيقرأن هذا . هل أقول ُ لهُنّ أن ّ سيدتي كانت أصغرُ منكُنّ حين غفونا على السطح ِ وحين صحَوتُ مددْتُ يدي .. فلم ْ أجد وجهها نائما ً قرب وجهي وليس ثمة من عطر ٍ يغطي الوسادة ولا عبق تفاحة ٍ في السرير .
هل أقولُ لهُنّ أن صدرها كان رحبا ً كالسماوات الصغيرة في العراق القديم .
هل أقولُ لهُنّ أن دهرا ً من العشق ِ قد مَرّ - قبل هذي الولادات العقيمة - دونما صَخَب ٍ .. وبصمت ٍ مُطلَقِ ٍ كالحرير .
***
سأسكبُ بعض الحبر على الطرقات . وحين تدوسُ قدميك ِ البهيتين ِ على الحبر ِ ستمتليءُ الشاشاتُ بالأخبار العاجلة ِ عن عودة الماء الى البصرة وعن إحتمال تساقط زخّات من المطر على صحراء " الجبايش "
ساسكبُ شيئا ً من الخيبة ِ فوق الحبر ِ وأحبو فوق الأحرف الضائعة للتلاميذ الجدد وأنتظر ُ البشارة من يدري .. ربما يوما ... قد تعشقني أمرأة مخبولة فتصعد معي على سطح الروح وتومض كالنجمة .
*** البيوت بعيدة ٌ والأرائك فارغة ٌ والباحات مُتربة والنباتات ُ الظليلة ُ شاخَتْ ولم يعد في الروح ِ متسع ٌ للسخافات البليدة . ورغم ذلك .. لم يزل وجهها مغروسا ً في وجهي وعيناها النبويّة – اللوزية اللون – تطالعني من بعيد .
الأنهارُ جَفتْ وطيورُ الماء إستوطنت قصبا ً آخر ولم يَعُدْ في القلب ِ مُتسَعٌ للقهر ِ ورغم ذلك أرقبُ مثل طفل ٍ دروب الأياب لعلّ أولّ الأمهات تأتي وتطبع ُ قبلتها على بقايا الوجه النابت ِفي غبار الجدار وتمضي بأحفادها بعيدا ً عن الحبيب العتيق .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
همرات .. ورعاة .. ومسالخ
-
الفساد والمناصب : ريع الفساد .. وريع الراتب
-
الشرق الأوسط الجديد : من مملكة المغرب .. الى سلطنة عمان
-
مختارات من الكتاب الأخضر , للرجل الأخضر , القادم من - جهنم -
-
ذل ٌ بارد ٌ .. ذل ٌ حار ْ
-
حمّى الوديان المتصدّعة
-
عندما لاتنخفض السماوات .. في الوقت المناسب
-
لماذا راحتْ .. ولم تلتفتْ ؟
-
وطن من صفيح .. وطن من ابل
-
الرفاهية والأمثلية في الدولة الريعية الديموقراطية ( أعادة تو
...
-
الأقتصاد السياسي للفصل السابع ( صندوق التعويضات , وصندوق تنم
...
-
مواسم الهجرة من النهار الى الليل
-
دفاتر الحرب ( مقاطع من هذيان جندي مسن من بقايا الحرب العراقي
...
-
صحراء الربع الخالي
-
الحوار الممكن .. بين الظلمة والنور
-
مباديء الأقتصاد السياسي
-
وطن الوجع .. ووجع الأمكنة
-
ميكانزم الحب الأول
-
ميكانزم الحب الأخير
-
العراق وأشكاليات الفصل السابع :الابعاد الاقتصادية والسياسية
...
المزيد.....
-
الهوية المسلوبة.. كيف استبدلت فرنسا الجنسية الجزائرية لاستئص
...
-
أربعون عاماً من الثقافة والطعام والموسيقى .. مهرجان مالمو ين
...
-
غزة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي
-
السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو
...
-
-مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف
...
-
السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا
...
-
المخرج علي كريم: أدرك تماما وعي المتلقي وأحب استفزاز مسلمات
...
-
وفاة الممثلة كيلي ماك عن عمر ناهز 33 عامًا بعد صراع مع السرط
...
-
ليدي غاغا تتصدر ترشيحات جوائزMTV للأغاني المصورة لعام 2025
-
عشرات الإعلاميين والفنانين الألمان يطالبون بحظر تصدير السلاح
...
المزيد.....
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|