أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد عبد اللطيف سالم - همرات .. ورعاة .. ومسالخ















المزيد.....

همرات .. ورعاة .. ومسالخ


عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3300 - 2011 / 3 / 9 - 12:13
المحور: كتابات ساخرة
    


همرات .. و رعاة .. و مسالخ



منذ سنوات .. و " جوبَََة ْ الطليان " شاخصة عند المدخل الجنوبي لحي اليرموك ( مقابل جامع أم الطبول سابقا – إبن تيمية حاليا - ) . . بخرفانها البيضاء والبنيّة والسوداء .. وبالطلعة البهية لرعاتها وقصابيها .. وبالرائحة الزكية ل" بعرورها " الذي " يصّم " الأنوف , وثغاءها الذي " يصّم " الآذان .
في قلب بغداد .. مقابل المدخل الغربي القديم لحي القادسية .. بمحاذاة سكة حديد قطار بغداد – البصرة – الحزين .. ثمة خرفان ترعى .. ولها موارد ماء , ومعها أشباه خيام , وأشباه مسالخ ( في الهواء الطلق ) .. ولحوم حمراء , وكروش , و " كراعين " .. تتوسد أرصفة تمت إعادة طلاءها أكثر من مرّة , منذ العام 2003 , وحتى آذار –مارس – من العام 2011 .
ومع قدوم " الطليان الميمونة " , وأستيطانها للساحة .. تم إجبار جميع الكائنات المتحضرة – المندثرة - ( من سكان بغداد ) , وابناء طبقتها الوسطى - الديناصورية – على التعامل مع هذه " الأنعام المبجلة " كحيوانات " مفصولة سياسيا " , او بعدّها الفئات " الأكثر هشاشة " من بين جميع الفقريات المعروفة.
منذ سنوات .. وبغداد قرية كبيرة .. ميادينها اسطبلات .. وأزقتها مسالخ .. وشوارعها مليئة بالروث والحمير , وخيول الجر .
منذ سنوات .. وبغداد ليست لأهلها .. وبيوتها عامرة بسكانها الجدد .
ومنذ سنوات .. كان يجب أن تصبح " الشعلة " و " الثورة " و " حي العامل " و " العبيدي " وغيرها .. مدنا وأحياءاً تصلح للسكن .. فهذا من حق عراقييها الأباة , وليس مّنة من أحد .
ولكن .. ومنذ سنوات أيضا , كان ينبغي لأحياء أخرى - ( مثل المنصور والحارثية وبغداد الجديدة والبلديات واليرموك والقادسية وحي الجامعة والخضراء والعامرية وزيونة ) - ان تتحول الى ماهو أدنى من أحياء " التنك " .. لكي تتقاسم أحياء بغداد كلها أحزان " المحرومية " بالعدل , ولكي نستبدل " المحروميات " القديمة " .. بمحروميات جديدة .. في جمهوريات وممالك وإقطاعيات العراق " الفاضل " الجديد .
منذ سنوات .. وسادة بغداد ليسوا من أهلها .. فحلّ بها .. هذا الذي حل .
وليت الساحات والميادين وباحات البيوت المترعة بالورد , هي التي أختفت من بغداد فقط .. بل أختفت معها كل القيم والسلوكيات والممارسات المتحضرة . وسرعان ماعدنا الى قرانا المقدسة .. بمضاربها , ومضايفها , وشيوخها , وسراكيلها , وحفاتها .. وعبيدها , وسادتها , ودجاليها .. من جديد .
بعد سنوات طوال ... وفي صبيحة يوم 8/3/2011 , قامت مجموعة من الموظفين الحكوميين .. يصحبهم " شفل " همام , وثلاثة " همرات " , بتسوية " إسطبل اليرموك للطليان المقهورة " .. وإجبار قصابيه على مغادرة " المسلخ النقال " الملحق به .
شملت حملة الترحيل هذه , مايقرب من خمسين خروفا .. مدججين ب " ليّاتهم " .. يرعاها أربعة رجال ملثمون " أشداء على المؤمنين " .. يتقاسم كل أثنين منهم , مقاطعة من مقاطعتين , على أمتداد تلك الساحة .
ثلاثة همرات .. وثلاثة سيارات لاندكروزر .. ومايقرب من عشرين جنديا , مدججين بأحدث الأسلحة " الأمريكية الصنع "... ( وكانت رشاشات " البكتا " , على سقوف الهمرات , تدور اوتوماتيكيا , وبقلق بالغ , تحسبا لأي هجوم مضاد ) .. وأكثر من عشرة موظفين " إنتحاريين " .. كل هؤلاء زحفوا , زحفهم المقدس هذا , من اجل ان يزحزحوا مايقرب من خمسين خروفا , وأربعة " رعيان " عن مواقعهم الحصينة , في قلب العاصمة بغداد , وبالقرب من أحد أهم شوارعها " الدولية " .

ومع ذلك ... ورغم ان الحشود ( العسكرية وغير العسكرية ) ترهبني عادة , فقد انتابتني سعادة غامرة . ترجلت من سيارة " الكيا " .. وهتفت لأمين بغداد .. ومحافظها .. ورئيس مجلس المحافظة .. حتى بحّ صوتي .. وزدت على ذلك بأن بغداد ليست قندهار .. وليست مقاديشو .. وها قد جاءك الفرج أيتها الأحياء البغدادية الأخرى .. المحرومة حتى النخاع .. منذ مايقرب من خمسين عاما .. بل واكثر من هذا بكثير .
ولاأتذكر بالضبط , ماالذي دفعتني نوبة الجنون هذه , الى تقيؤه من هذيانات أخرى .. غير أنني أتذكر أن الجيش أرتبك .. والهمرات أزّت وأهتزّت .. و " البكتات " التفتت نحوي .. وكاد " الرعيان " الأربعة أن يمزقوني إربا .. وتوعدتني العيون الحمر لأكثر من أربعين " طليّا " بالقتل على الهوية .. ( أيا ماكانت هويتي , وهوية أجدادي .. حتى الظهر السابع من السلالة ) .

ذهبت منتشيا الى " الدائرة " . قلت لزملائي الموظفين , وزميلاتي الموظفات : لقد انتصرت الحضارة .. وان المسؤولين " القرويون " عن نظافة مدينتنا " المدنسّة " يمهلون ولايهملون .. وان نسيم الحرية النقي , عاد " يلعلع " في شوارعنا وساحاتنا المترعة بالبيرة المستوردة " و " حليب السباع الوطني " .. وانها تحررت من الروث والبعرور والثغاء .. وستعود اليها الأشجار القديمة .. ونباتات الظل .. والورد الجوري ّ .. والياس والثيل والنافورات .. وزهور الدفلى في الجزرات الوسطية .
وأخذتني الحماسة فزدت : أخواني وأخواتي .. لن تشاهدوا بعد اليوم ثورا هائجا , عازبا , أو " بقرة مطلقة " تنهشها التعاسة , أو تيسا أرملا , أو نعجة غير حلوب .. أو حمارا مضطهدا , أو عنزة شاردة الذهن ... يلوكون بحبور نباتاتكم المقدسة .. بل والأكثر قدسية بالنسبة لكم , حتى من رغيف الخبز .

قاطعني أحد اكثر الموظفين خبثا , قائلا : هل يستحق خمسون خروفا , واربعة رعاة , هذه " القوة القاتلة " كلها ؟
وسألني أحد أفراد الجيش العراقي المنحل ( ممن تم تعيينهم خلسة .. وسيتم فصلهم عما قريب ) : هل تعلم ان عدد " الأفواه النارية " التي تواجدت في " الميدان " , كان أكثر من عدد الأفواه المجترّة , وغير المجترّة , فيه ؟
وسألني " رفيق قديم " كان بدرجة " مؤيد " في حزب البعث المنحّل ( ولم يتم إجتثاثه بعد ) : اذا كان خمسون خروفا , واربعة رعاة يحتاجون الى ثلاثة همرات , وعشرون جنديا , وثلاثة سيارات دفع رباعي , وعشرة موظفين حكوميين , لزحزحتهم من أماكنهم .. فكم فرقة ولواء وقيادة عمليات , ومجالس إسناد , وصحوات , ولجنة مساءلة وعدالة , وهيئة مصالحة وطنية , سنحتاج .. لكي نجبر خمسين مسؤولاً فاسدا ( يرعى مصالحهم اربعة رعاة اشداء , من كبار قادة العملية السياسية ) على مغادرة مسالخهم الممتدة على كل شبر من أرض العراق المستباحة ؟

قلت لنفسي : لابأس .. فالعراقيون متذمرون بطبعهم .. ولن أسمح لهذه المداخلات المغرضة بأفساد فرحتي بهذا " التغيير " غير المتوقع ..
ونكاية بالقاعدة والتكفيريين , وأزلام النظام السابق , والخاسرون في الأنتخابات .. فأنني ومعي أهل الشعلة , واليرموك , وزيونة , والمنصور , ومدينة الثورة .. وحي العامل .. سنقف ( بالقوة الناعمة ) ضد أستقالة أي مسؤول عن نظافة وتنظيم عاصمتنا الحبيبة .... فنحن العراقيون لاننتحر .. ولانستقيل .. و " هيهات منا الذلة " .. حتى لو طال الذل تراب أجدادنا .. في قبورهم الجديدة .

كانت فرحتي لاتطاق .. لقد تحررت أخيرا من وهم مفاده : أن أبناء الريف لايجيدون إدارة مدينة كبغداد .
ثم ماذنب هذا المسؤول أو ذاك .. اذا كان عبد الكريم قاسم , هو أول من قام "بترييف " المدن .. وكان صدام حسين , هو اول من قام " بترييف " السلطة ؟

وحتى نهاية الدوام الرسمي ... لم يغادر فرح " المناسبة التاريخية " مساماتي .
وتركت " الدائرة " متوجها صوب الساحة الموعودة ذاتها .. لكي أمتّع ناظري بما تركه المهندسون الأشاوس عليها ( منذ الصباح ) من لمسات , وارادات " حرة مستقلة " .. وآمال عريضة .. بمستقبل غير عريض بالمرّة .
وعند أول إستدارة " لكيّة الأياب " ( بعكس السير طبعا ) .. داهمتني جلطة عشبية مزلزلة .......
لاأثر للهمرات .. ولا لسيارات الدفع الرباعي .. ولا للمقاتلين الأشاوس .. ولا للمهندسين .. ولا حتى " الشفل " المسكين كان حاضرا ...
لقد وجدت نفسي في مواجهة مباشرة ... عاريا كما ولدتني أمي .. مع مايقرب من مائة خروف ( لاأحد سيجرؤ بعد هذه الواقعة على تسميتهم " طليانا " .. لا ورب الكعبة ) , وثمانية رعاة غير ملثمين , وكمية هائلة من الشعير " المطور جينيا " ( اكثر بكثير من مفردات البطاقة التموينية " للشعوب العراقية " بأسرها ) .
ورغم السكتة الدماغية اللاحقة .. فقد تمكنت , وبصعوبة بالغة من اقناع سائق "الكيا " بالعودة المظفرة , مندحرا , ( عكس السير طبعا ) , صوب الجهة الأخرى من الشارع .. بأتجاه ساحة قحطان ( أو عدنان .. لم أعد ادري ايهما بالضبط ) .. ومنها الى ساحة النسور ( التي تكثر فيها الأغتيالات بالمسدسات الكاتمة للصوت ) .. لاألوي على شيء .. ومن خلفي تتقافز مئات الخراف الملونة " كشدّة الورد " .. في دروب قندهار الموحشة .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفساد والمناصب : ريع الفساد .. وريع الراتب
- الشرق الأوسط الجديد : من مملكة المغرب .. الى سلطنة عمان
- مختارات من الكتاب الأخضر , للرجل الأخضر , القادم من - جهنم -
- ذل ٌ بارد ٌ .. ذل ٌ حار ْ
- حمّى الوديان المتصدّعة
- عندما لاتنخفض السماوات .. في الوقت المناسب
- لماذا راحتْ .. ولم تلتفتْ ؟
- وطن من صفيح .. وطن من ابل
- الرفاهية والأمثلية في الدولة الريعية الديموقراطية ( أعادة تو ...
- الأقتصاد السياسي للفصل السابع ( صندوق التعويضات , وصندوق تنم ...
- مواسم الهجرة من النهار الى الليل
- دفاتر الحرب ( مقاطع من هذيان جندي مسن من بقايا الحرب العراقي ...
- صحراء الربع الخالي
- الحوار الممكن .. بين الظلمة والنور
- مباديء الأقتصاد السياسي
- وطن الوجع .. ووجع الأمكنة
- ميكانزم الحب الأول
- ميكانزم الحب الأخير
- العراق وأشكاليات الفصل السابع :الابعاد الاقتصادية والسياسية ...
- الفساد في العراق : البنية والظاهرة ( محاولة للخروج من الحلقة ...


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد عبد اللطيف سالم - همرات .. ورعاة .. ومسالخ