|
حَواريّو الحارَة *
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2295 - 2008 / 5 / 28 - 09:47
المحور:
الادب والفن
" من الكتاب السريّ " الإيضاح والبيان " ، أنّ جنة عَدَن تعني الدعوة وأنّ إخراجَ آدم يعني تدهوره إلى دركة أحط وأنّ ذريّته هم حَواريّون ليسَ غير "
***
من مدوّنة مجهول /
حينما عادَ ، في الليلة الشتويّة تلك ، المشهودة ، إلى منزله في محلة " الصالحيّة " ، كان أقلّ سعادة مما قدّره لاحقاً مدوّنو السيَر ، الخرقاء . بفراغ الجارية من تغيير ملبسه ، إنصرفَ عن إغواء طرفها ، المُلتهب ، إلى لملمة أوراقه ، المخطوطة ، المُتناثرة حول طاولة الكتابة ، الوطيئة القوائم . متضجراً ، ما كانت لديه رغبة بالعمل ؛ فلمَ لم يستبق إذاً الجارية تلك ، الروميّة ، المُهداة إليه مؤخراً مع اخرى ، حبشيّة ؟ ولكنه آبَ إلى نفسه ، مُسترخياً ، مُسلماً قيادها لمعراج شرّة الصبا ، الغابرة . ربما كان الوقتُ شتاءً ، أيضاً ، لمّا إستهلّ وهوَ فتىً بعدُ بخط السطور الأولى ، المترددة ، من تأريخه الضخم . وقتئذٍ ، ما كان سوى تلميذاً في مدرسة الحديث ، المتركنة بين " القلعة " السلطانية وجزيرة " المرجة " ، والملحقة بالجامع المنيف ، الموسوم بنعت " تنكز " ؛ الأمير الأسفهسالار ، المُعرّف بأعمال الخير ، وعلى الرغم من أنّ إسمه أضحى مشنوعاً بين الشوام ؛ هؤلاء المعرّفون كلّ مغرور ، مُتبجّح ، بلقب " تنكيزي " .
وقعَ إذاً لتلميذنا ما جعله مُستهاماً بموضوعات التاريخ ، حدّ إيثارها على دروسه ، الدينية . هيَ واقعة جرَتْ ، بعد مشيئته تعالى ، بمحض الحلم . مرأى الجارية تلك ، المونقة الحسن ، ما كان له إلا أن يخلبَ لبّه ؛ هوَ الفتى غير الممتحن إذ ذاكَ بتجربة . كانت مستلقية برخاء بين خميلة وصخرة ، فقنع بمتعة النظر حسب . تحركت شهوته مع حركة الفتاة ، والتي ما لبثت أن راحت تنأى عنه . هاله بعدئذٍ أنّ أطرافها وقسماتها تتضخم رويداً ، حتى أمسَتْ ذاتَ أبعادٍ هائلة . قدّر أنّ المسافة بين هضبَتيْ نهديها ، العظيمين ، لا تقلّ عن عدّة فراسخ ؛ أنّ حفرة سرّتها ، البهيّة ، أضحت تضاهي " وادي بردى " . موقناً أنها من العماليق ، هتفَ بها بلا أمل : ـ " من أنتِ ، بالله عليك ؟ " ـ " العذراء " أجابه صدىً ، مبهم ، من صوتٍ ضائع ، متلاش .
هكذا قررَ ، بعدَ إفاقته ، أن يستجلبَ طيفَ تلك الجاريَة ، العظمى . صمّمَ على تأريخ حلمه : إيه ! لو وهبته الرؤيا ، أيضاً ، مَلكة إستنطاق أحجار المدينة وأسوارها . إذاً لكان تاريخه أكثرَ صرامة . دعهم يتحدثون عن المصادر . هذا " الطبري " ، الزاعمُ تأثل أصحّ التواريخ وأثبتها . وماذا ، بعد : ألم يتبَعَ منهجَ " الواقدي " ؛ أول أولئك الرواة ، المتسلسلين في رواية سِفر مدينتنا ، بما كان من إخضاعهم إياها لسحر البيان وإختلاق الخرافة ؟
*** تهيّأ لي ، قبل فترة ، لقاء زميلي المؤرخ ، " البشير الجَبليْ " . كان ذلك عند أحد ورّاقي السوق العتيق ؛ ثمة ، أين كانت معرفتي ، الأولى ، بتأريخه المطوّل . بغض الطرف عن جفاف لغته ، فلطالما جذبني ما في كتبه من صدق رواية وثبوت مراجع . بيْدَ أنّ تطرّف الرجل ، المُعرّف بميله لفرقةٍ من الإسماعيلية الغاليَة ، ما كان له إلا أن يرخي بظله على السطور . وإذاً ، كان " البشير " يومذاكَ ثائراً مُحنقا ، إثرَ مشادةٍ ، عرضتْ له مع رئيس الكتبَة ، في يومه الفائت : " تقول له ، مسؤولية الكاتب ، التاريخية ، فيُنبّهكَ إلى ضرورة مراعاة مقام أولي الأمر " . ثمّ يستطرد ، وكأنما ذاكَ المُجادلُ ، ذو الشأن الخطير ، ما فتأ قدّامه : " ما لي وأولئكَ اللوطيين ، أيّها المركوب ! " . وعلى الرغم من أن عبارته تلك ، الساخطة ، قد توزّعت مفرداتها بيننا ، نحن الحاضرين عند الورّاق ، إلا أنها أصابتني للحق في الصميم : فلطالما راعيتُ ، خلل نصف قرن ، أن يكون تأريخي مرقىً نحوَ المقامات العليا ، الوجيهة . لا غروَ ، والحالة كذلك ، أن يُرضي عملي الضخمُ الأعيانَ والعسكرَ والسلطانَ ، دونما أمل في تهدئة ضميري .
في سنيّ هذه ، المتأخرة ، أحسّني بصحةٍ طيّبة تدفعني للمزيد من الكتابة . قبلَ بضعة ليال ، إقتحمَتْ إمرأتي الخلوَة ، وكنتُ عندئذٍ مُعتنقا الجاريتيْن ، الحديثتيْ العهد بمنزلنا . هاجسي ، الموصوف ، كان قد ضافرَ إلحاحه عليّ في الآونة الأخيرة . جازَ لي ، إذاً ، التلهيَ عنه بالإنغماس في اللهو والطرب . ربما دخلَ في وهم إمرأتي ، أنني أعوّض بذلك ما فاتني من مِتع ، خلال إنكبابي ، المديد ، على مؤلفي الكبير : ولكن هل يعرف نعمة الشكر والرضا ، أيّ من النساء ؟
*** في ذلك المساء الشتويّ ، المشهود ، إستسلم مؤرخنا لإغراء هاجسه . هوَ ذا هنا ، في خلوَة حجرته ، يستهلّ خط الكلمات الأولى من سيرةٍ ، سريّة ، للجاريّة العظمى ، الما فترَ تعلقه بطيفها ، الغامض . رغبَ أن يرقشَ تاريخها ، الأزليّ ، مذ يوم الخليقة ، وليسَ فقط إعتباراً من ليلة الحلم تلك . ولأنه حائزٌ ، ولا شك ، على ثقة العامّة والخاصّة ، فلا تثريبَ عليه من إعداد المخطوطة بتأنّ ، ومن ثمّ الزعم عند الفراغ منها ، أنها وقعتْ مُصادفة ً بين يديه عن طريق تاجر غريب أو رحّالة : لآنّ السيرة هذه ، شاءَ لها مقدورها أن تحمِلَ إسمَ مدوّن مجهول .
* مُستهلّ الفصل الرابع من رواية " برج الحلول وتواريخ اخرى "
[email protected]
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مَسْرىً آخر لمَغاورها
-
أقاليمٌ مُنجّمة 10
-
أقاليمٌ مُنجّمة 9
-
غربُ المَوت ، للشاعر الكردي دانا صوفي
-
أقاليمٌ مُنجّمة 8
-
عزلة المبدع ، قدَر أم إختيار ؟
-
مسْرىً لمَغاورها
-
أقاليمٌ مُنجّمة 7
-
قراصنة في بحر الإنترنيت
-
أقاليمٌ مُنجّمة 6
-
النصّ والسينما : - كرنك - علي بدرخان
-
أقاليمٌ مُنجّمة 5
-
أقاليمٌ مُنجّمة 4
-
كما كبريتكِ الأحمَر ، كما سَيفكِ الرومانيّ
-
أقاليمٌ مُنجّمة 3
-
أقاليمٌ مُنجّمة 2
-
آية إشراق لنبيّ غارب ٍ
-
أقاليمٌ مُنجّمة *
-
مَناسكٌ نرجسيّة 6
-
سطوٌ على المنزل الأول
المزيد.....
-
مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية تعقد دورتها الثانية في ا
...
-
-المتحري- وخفايا تجارة المخدرات في سوريا.. آل الأسد على رأس
...
-
رفض المبعوث الأفغاني الوقوف أثناء عزف النشيد الإيراني بسبب ا
...
-
5 أفلام عربية تخوض سباق الأوسكار لأفضل فيلم دولي
-
أحمد مزيد البوني.. الرجل الذي رَقْمنَ المحظرة الشنقيطية
-
تقنية الرنين المغناطيسي تكشف كيف نفضل الأفلام على نتفليكس
-
نجمة السينما الإيطالية صوفيا لورين الحائزة على جائزتي أوسكار
...
-
روسيا.. إطلاق مشروع -أصوات المستقبل- المسرحي
-
صحفيون عرب يشاركون في ورشة عمل نظمتها RT (صور)
-
-أخشى الموت-.. فنان مصري مشهور يستغيث
المزيد.....
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
-
تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|