أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - علاء اللامي - مئوية بورقيبة : محاولة للتمييز بين المستبد العادل والمستبد الدموي !















المزيد.....

مئوية بورقيبة : محاولة للتمييز بين المستبد العادل والمستبد الدموي !


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 588 - 2003 / 9 / 11 - 03:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


   مرت خلال شهر آب / أغسطس الماضي  الذكرى المئوية لميلاد الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة . وقد احتفلت الأوساط الرسمية التونسية بهذه المناسبة  بصورة باهتة لا تخلو من الشعور بالواجب . أما على المستوى الشعبي فقد مرت الذكرى مرور الكرام ولم يكد ينتبه لها الجمهور والنخبة والفعاليات الأدبية والفنية لو  لم تذكرها أجهزة الإعلام الرسمية ، ومع ذلك فقد  بُرمجت بعض النشاطات والفعاليات المحتفية بصاحب المئوية ولكن بشكل مرتجل  .
  مهما يكن من أمر ، وحتى لو حاول البعض التأكيد على  أن الاحتفالات التي جرت كانت في مستوى يليق بالمحتفى به ، فليس هنا جوهر الموضوع  الذي أردنا التوقف عنده ، و قد يكون مفيدا تسليط الضوء على نوع آخر من "المآثر"  التي ظلت في الظل لهذا الزعيم السياسي الذي أثار كثيرا من الجدل وترك بصماته الكبيرة على تاريخ بلاده وذاكرة مجتمعه فكان بحق المثال الأجدر للمستبد العادل والرحيم نسبيا في مواجهة مثال عربي انتشر في زمانه للمستبد الدموي  ، وسيكون من العبث العثور على تلك المآثر في التاريخ الرسمي المكتوب لأنه يتعلق بالجانب الإنساني العميق وغير الملحوظ غالبا  .
  في صيف 1982 كنت مسافر في حافلة لنقل الركاب من الجزائر حيث كنت أعمل إلى تونس  لقضاء العطلة السنوية . وفي الطريق البري وبعد إن تجاوزنا  مدينة  " باجة " تقدمت باتجاهنا كوكبة من رجال الشرطة ركبي الدراجات النارية فتوقفت السيارات ومنها حافلتنا على جانبي الطريق .وما هي إلا هنيهة  حتى مرت حافلتان تقلان أطفالا من تلاميذ المدارس  ينشدون الأغاني والأناشيد . وبعد أن مرت الحافلتان انطلقت السيارات لمواصلة طريقها في كلا الاتجاهين . التفت إلى زميلي المسافر في المقعد المجاور وسألته :
- ولكن أين سيارة الرئيس أو الوزير ؟
- أي رئيس أو وزير ؟
- ذاك  الذي كانت تتقدم موكبه كوكبة رجال الشرطة على الدراجات ؟
ضحك الرجل  و وضح لي إن هذه الكوكبة من رجال الشرطة كانت تتقدم الحافلتين اللتين تقلان التلاميذ الصغار الذاهبين إلى المصيف حفاظا على سلامتهم من حوادث الطرق ، وهذا تقليد بدأ منذ استقلال تونس ووصول الحبيب بورقيبة إلى الرئاسة وإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية سنة 1957 .
  بعد عدة سنوات سمعت حكايات كثيرة من أهالي مدينة " عين دراهم "  الجبلية  والتي لبورقيبة قصر فيها كان يقضي فيه عطلته الصيفية ،سمعت  حكايات عن الرئيس الذي كان يتجول وحيدا أو مرصودا من حرسه الخاص عن بعد في المدينة والغابات المحيطة بها ويختلط بالناس وخاصة بالنساء ويستلم رسائلهم وشكاويهم ، وبالمناسبة فقد كان  بورقيبة رياضيا يمارس السباحة يوميا و رياضة المشي لمسافة ثلاثة كيلوميرات كل صباح  . لسنا بإزاء مناقبية رثة تحاول التلميع والترويج خصوصا وإن الرجل قد رحل عن عالمنا ، وهو لم يكن يبدد قرشا واحدا على المداحين وماسحي جوخ الحكام من مثقفي هذه الأيام حين كان على قيد الحياة ، ولكننا بصدد وضع بعض اللمسات اللونية على اللوحة الكبيرة التي صنعها له الزمن .
تروي زوجته الراحلة " وسيلة بن عمار  " لأحد الصحفيين بأنه  لم يكن يعلم، وبعد عشرين سنة من ممارسته مهام الرئاسة ، بأن صورته كانت مطبوعة على العملة التونسية وبأنه فوجئ بالأمر حين رآها .
لقد كتب وقيل الكثير عن تسامح الحبيب بورقيبة ،والتسامح حين يصدر عن بطريارك ارتبط اسمه انتزاع الاستقلال لا يحمل قيمة معيارية ذات فرادة خاصة فأغلب هذا النمط من الحكام مارس هذا " التسامح " ولكن ممزوجا بمقتضيات الحاكم الفرداني الشمولي ذي الطبيعة  البطريركية  ، أي إنه سيكون  مزيجا من التسامح والقسوة . ولكن قسوة بورقيبة  تعلن نقيضها حين نعلم أن عدد من حكم عليه بالإعدام ولكافة أنواع القضايا السياسية أو الجنائية وطوال فترة حكمه التي امتدت لثلاثة عقود بالتمام والكمال لا تتجاوز ما أصدره حاكم آخر من ذات النموذج من إعدامات في ثلاثة أشهر ،فهل يمكن أو يصح أخلاقيا مقارنته  بحكام آخرين  خلفوا ورائهم عشرات المقابر الجماعية كصدام  أو ميلوسوفيتش !  والعبرة ليست في العدد بحد ذاته ، كما لا يمكن أيضا تناسي المدنيين الذين سقطوا برصاص قوات الأمن التونسية خلال  انتفاضة الخبز الشهيرة في كانون الثاني 1984 . ولكن حين نضع كل هذه التفاصيل  في موازنة الوقائع التي تقول إن نظام بورقيبة كان يعتقل الناشطين السياسيين والداعين منهم لتغيير النظام عن طريق العنف ثم تصدر ضدهم أحكام بالسجن تصل إلى عشرين عاما وبعد ذلك  ، وما أن يمضي السجين من ثلاثة أشهر إلى ستة في السجن ، حتى يصدر بورقيبة  عفوا رئاسيا عنهم ثم يدعوهم إلى الغداء على مائدته في قصر "قرطاج" ويعيدهم إلى وظائفهم التي فصلوا منها . بل ثمة واقعة مؤكدة تتعلق بالسيد "حمه الهمامي"  الأمين العام لحزب العمال الشيوعي الذي اعتقل وتعرض للتعذيب في الثمانينات ثم صدر بحقه حكم بالسجن وحين ساءت صحته كثيرا  وبلغ الخبر سمع الرئيس بورقيبة فقد  أمر بنقله  إلى إحدى المشافي السويسرية و معالجته هناك  على نفقة الدولة ! إذا ما وضعت هذه التفاصيل في مقابل ثيمة القسوة الحكومية التي تشكل جزءا من قسمات البطريارك العالمثالثي  فإنها ستكون بحق ذات قيمة معيارية لصالح بورقيبة  وليس ضده ، ولكنها بالطبع لن تحوله من مستبد عادل أو بطريارك أوحد    إلى ملاك  وإنما ، وكحد أدنى ، ستجعل منه بطرياركا مختلفا ومستبدا شعبويا ، مقاوما للنسيان ،وجديرا بالاحترام بعكس نماذج أخرى لمستبدين قساة ودمويين ستتبخر أسماؤهم من ذاكرة الناس بمجرد اختفائهم سياسيا ولن يتبقى من تراثهم غير الكوارث ووقائع الدم القسوة وعظام البشر المظلومين  . ومع ذلك ، وفي كلا الحالتين أو النموذجين ، فنحن لم نبرح بعد دائرة الاستبداد وننتقل إلى ملكوت الحرية وفي هذه الخلاصة يكمن الجحيم الخاص والعام .




#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دروس في النحو الإملاء .الدرس الرابع : مواضع همزتي الوصل والق ...
- دروس في النحو والإملاء : الدرس الثالث : مواضع جواز فتح وكسر ...
- أصابع المخابرات الإقليمية في مجزرة النجف !
- دروس في النحو والإملاء : الدرس الثاني : مواضع فتح همزة أن
- وقفة عز عراقية من سنة 1922 : العراقيون السنة والشيعة ضد الإج ...
- نداء إلى أهالي النجف الكرام وإلي كل عراقي شريف !
- الاختراق الإيراني يتفاقم في العراق : هل حاولت المخابرات الإي ...
- دروس في النحو والإملاء :الدرس الأول : مواضع كسر همزة إن
- خيط الدم العراقي من كركوك إلى النجف: حذار من أمراء الحرب ومغ ...
- تحية واعتذار إلى القاضي زهير كاظم عبود !
- ضحايا القمع في العراق : بين طلب العدالة المشروع والنزعة الثأ ...
- مجزرة السفارة الأردنية بين الجلبي و-أنصار الإسلام - !
- جلاوزة حزب الجلبي والديموقراطية العوراء !
- تفجير السفارة الأردنية والأمر بإعادة محاكمة أحمد الجلبي ..ما ...
- الحكم الاتحادي - الفيدرالي - القسري يتناقض وجوهر الديموقراطي ...
- بضائع جيل السقوط : معاداة الصحافة والفضائيات والجامعة العربي ...
- ما هذا العهر السياسي يا فاضل الربيعي !
- مجلس الحكم الانتقالي حل تلفيقي لمأزق الاحتلال ومصدر لكوارث ج ...
- الجلف الكويتي أحمد البغدادي وهمجية الإنسان العراقي !!
- انتخابات بلدية وهمية ومطرقة خشبية وغوار بريمر وطرائف أمريكية ...


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - علاء اللامي - مئوية بورقيبة : محاولة للتمييز بين المستبد العادل والمستبد الدموي !