أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علاء اللامي - ضحايا القمع في العراق : بين طلب العدالة المشروع والنزعة الثأرية الانتقامية المرفوضة !















المزيد.....

ضحايا القمع في العراق : بين طلب العدالة المشروع والنزعة الثأرية الانتقامية المرفوضة !


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 565 - 2003 / 8 / 16 - 01:39
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


 

                                                                         
  في أعقاب انهيار النظام الشمولي الحاكم واحتلال العراق من قبل قوات التحالف الأمريكي البريطاني تكشتفت العديد من مظاهر ونتائج عمليات القمع العنيف التي قام بها النظام ضد معارضيه ومخالفيه السياسيين  وحتى ضد مواطنين أبرياء لا علاقة لهم بالسياسة وقد شملت تلك الحالة المرعبة العشرات إن لم يكن المئات من المواطنين العرب من مصر ولبنان وسوريا وبعض أقطار المغرب العربي والخليج . لقد تم الإعلان عن قوائم بأسماء الآلاف من ضحايا القمع وعمليات الإعدام الجماعي  ، كما اكتشفت عشرات المقابر الجماعية ، ويتم الاحتفاظ سرا بمواقع أكثر من مائة وخمسين مقبرة أخرى كما صرح بذلك حزب "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية " الذي يرى إن الظروف الحالية غير مناسبة للكشف عن تلك المقابر ورصد محتوياتها وتوثيق معطياتها بشكل سليم علميا وقانونيا ، وهذه وجه نظر صائبة ترجحها  تفاصيل الفوضى العارمة التي اندلعت  عندما اكتشفت المقابر الجماعية الأخرى فعلا ومن أكبرها المقبرة الجماعية في منطقة " المحاويل " التابعة لمحافظة الحلة " بابل " . وقد أثارت هذه الأحداث والكشوفات  نقاشات وسجالات بين الناس العادين وبخاصة من ذوي الضحايا والمتضررين كما بين أفراد النخبة من سياسيين ومثقفين وعلماء ورجال دين في العراق وخارجه .وقد انصب النقاش على محور يمكن تلخيصه بالتساؤل التالي :
هل يمكن اعتبار مطلب تحقيق العدالة عبر القضاء الذي سيقرر نوع العقاب بحق  المجرمين الذين أمروا ونفذوا تلك الممارسات القمعية الدموية بحق العراقيين طوال أكثر من أربعة  عقود مطلبا ثأريا ينطوي على نزعة انتقامية مرفوضة ؟ بعبارة أكثر ابتسارا ووضوحا ، هل يعتبر تحقيق العدالة أمرا ثأريا وانتقاما من المهزومين ، أم إن الأمرين ( العدالة والانتقام الثأري ) محمولان مختلفان بل ومتناقضان في العمق ؟ ويمكن لنا أن نأخذ فكرة واضحة عن مقدار التشنج والانفعال اللذين يلفان هذا الموضوع حين نعلم إن الأمر بلغ بقاض عراقي معارض و يعيش في المنفى ومحسوب على صفوف اليسار العراقي كتب مقالة  يتساءل فيها بنبرة تحريضية واضحة  عمن  سيقطع أذن أحد رجال النظام هو "عبد حمود " الذي يقال بأنه هو من اقتراح على صدام حسين تلك العقوبة البدنية الهمجية التي نفذت بحق المئات من العراقيين ( مقالة بهذا المعنى نشرت في جريدة الزمان 21/6/ 2003 بقلم القاضي زهير كاظم عبود ) فإذا كان القاضي التقدمي يفكر على هذا المنوال الثأري فعلى أي منوال سيفكر الفلاح العراقي البسيط و المفجوع بإعدام  أربعة من أولاده ؟
  إن القارئ للتاريخ البشري بعقلية علمية وليست خرافية يمكنه التمييز بين الثأر كنتاج مجتمعي في مرحلة تاريخية بدائية ووحشية سادتها الفوضى وانعدام النظام حتى صار الثأر كابحا موضوعيا لأعمال القتل والمماسات المتوحشة الأخرى وبينه كظاهرة سلبية ورجعية تاريخيا تستعيض عن العقل بالغريزة والانفعال . إن الثأر يتحول إلى فعل حماية في ظروف غياب القانون والمؤسسات والتنظيم العقلاني للحياة المجتمعية  لأنه يجعل القاتل والمعتدي يفكر مرتين وأكثر قبل أن يرتكب أفعاله ويحسب حساب الانتقام من ذوي القتيل . ومع تطور البشرية الحثيث وتأنسن المجتمع البشري وسيطرة الدولة الحديثة  تحول الثأر إلى ممارسة تحيل إلى نزعة انتقامية خالية تماما من أية إيجابيات بل هي تؤجج النار كمقدمة لكوارث قادمة .
   وإذا كان  الثأر المشفوع بالنزعة الانتقامية قد فقد مبرراته  الوظيفية  في العصر الحديث وأصبحت دساتير العديد من الدول المتطورة والديموقراطية تجرم الدعوة إلى الثأر والانتقام فإن ذلك تساوق مع تعزيز الجانب القانوني المتعلق بتحقيق أقصى قدر ممكن من العدالة والدفاع عن الإنسان الضحية لا بل أن بعض قوانين تلك الدول – كما هي الحال في القانون البلجيكي – أصبح ذا طابع شمولي  و عالمي يمكن لأي إنسان على الأرض البلجيكية أن يقيم الدعوة ضد أي شخص أو مجموعة أشخاص في بلجيكا أو خارجها .*
وبالتدقيق في الحالة العراقية المشدودة إلى أرضية مجتمعية مازالت تفعل فيها الأعراف والتقاليد القبلية فعلها وقد عاث فيها فسادا نمط الحكم الاستبدادي لأربعة  عقود يمكن لنا أن نميز بين أمرين :
الأول هو أن موضوع طلب العدالة والإنصاف القضائي  لضحايا عمليات القمع الحكومي لم يعد قضية سياسية في المقام الأول قد يحاول البعض تحويلها إلى جسر نفعي لتحقيق أهداف معينة ذات طبيعة ذاتية وحزبية بل إن هذا الموضوع هو قضية قانونية وقضائية وأخلاقية تهم بالدرجة الأولى الضحايا وذويهم ومن ثم فهي شأن مجتمعي وتاريخي تهم المجتمع ككل وتؤثر على مستقبله . وبهذا المعنى فإن فقدان التقاليد الديموقراطية في الدولة العراقية وانعدام تراكم موضوعي في ميدان القضاء المستقل والنزيه بسبب سيطرة نمط الحكم الاستبدادي تجعل من الصائب والذي لا مندوحة منه  الاستعانة بالقدرات والكفاءات والتجارب العربية والعالمية والمؤسسات الإنسانية المستقلة وغير الحكومية مع ترصين الأداء القضائي العراقي وترسيخ جهازه الجديد المحكوم بآليات الاستقلال والشفافية والنزاهة .
الأمر الثاني يتعلق بالجانب الإنساني والمجتمعي لهذا الملف الحساس والشائك حيث يقاس النجاح في عملية تحقيق العدالة ليس فقط بإنصاف المظلومين والمقموعين من أحياء وموتى ومشوهين ومعاقين وتطبيق القانون على جلاديهم والتعويض على الضحايا  بفعل ممارسات القمع بل يقاس النجاح أيضا بعدم إيقاع الظلم بالطرف الآخر وإخضاعه لعملية انتقامية هدفها تجريده من حقوقه الدستورية والاجتماعية . إن من  الخيالي والمبالغة أن نعتقد بأن الأمور سوف تسير على أحسن ما يرام وإن تشجنات وردود أفعال لن تحدث ولكن من الواقعي أن يبدأ ذوو الاختصاص والمثقفون بتمهيد المسرح وفتح النقاشات الشفافة والموضوعية بغية تحقيق هدفين الأول : تنفيس الاحتقان الناجم عن الإحساس بالظلم الفادح لدى الضحايا وذويهم وثانيا ترشيد الأداء العملي والنظري في ميدان القضاء المستقل الذي سيتولى القيام بمهامه لتصفية هذا الملف .
كما إن من الممكن طرح مجموعة من التصورات والاقتراحات للنقاش التي تستشرف موضوع ضحايا القمع في العراق وتحاول تفسيرها وتسهيل استيعابها وحسمها ومن تلك الاقتراحات والتصورات يمكن الكلام عن :
      -مكافحة النزعات الانتقامية والثأرية البدائية  بدأب وصبر عن طريق برامج تربوية وتدريسية وإعلامية قائمة على أسس علمية ومعاصرة والتأسي أو اجتراح صيغة مشابهة لتجربة لجنة "الحقيقة  والمصالحة " التي قامت بتصفية ملفات القمع العنصري في جنوب أفريقيا وقادها الأب تيتو .
- التفريق بين الأشخاص  المدانين بالممارسات القمعية وأعمال الاضطهاد من رجال النظام المنهار  وبين أسرهم وذويهم  و إدانة أي استهداف لتلك الأسر تحقيقا للمعنى النبيل الذي تضمنته الآية القرآنية التي تقول ( ولا تزر وازرة وزر أخرى )
-  حسم موضوع العقوبة القصوى في  قانون العقوبات العراقي أي عقوبة الإعدام وطرح اقتراح إلغاء تلك العقوبة واستبدالها بعقوبة السجن المؤبد على الاستفتاء الشعبي لاعتبارات تاريخية كثيرة جعلت الشعب العراقي واحدا من أكثر شعوب العالم تأذيا وتضررا من تلك العقوبة .
- الحيلولة دون تسيس ملف ضحايا القمع السياسي الطويل في العراق  واعتبار أي محاولة من هذا القبيل مسيئة لذكرى الشهداء وذويهم .
-  تدقيق  ومناقشة  مضمون المبدأ غير الرسمي  الذي رفعه وطبقه مؤسس الجمهورية العراقية  عبد الكريم قاسم والذي يقول ( الرحمة فوق العدل ) فلم يمر العراق في مرحلة من تاريخية يكون فيها  أحوج  إلى الرحمة وإلى مثل هذا الشعار كهذه المرحلة التي تعيشها اليوم  .
- اعتبار كارثة ومخلفات القمع الاستبدادي مأساة وطنية وإنسانية إضافة إلى كونها مأساة أسرية وشخصية لذوي الضحايا والعمل على ترسيخ هذا البعد الوطني والإنساني  لها في الذاكرة الجماعية .
- إحياء ذكرى ضحايا القمع عن طريق إقامة نصب فني أو مجموعة أنصاب وتحقيق قائمة بأسمائهم على مستوى كل مدينة وقرية وتخصيص يوم للاحتفال بذكراهم يكون يوما للحِداد العام و يمكن أن يصادف الثامن من شهر شباط / فيفري الذي وقع فيه الانقلاب العسكري الدموي سنة 1963 والذي أوصل النظام الشمولي والاستبدادي إلى الحكم في العراق . 

 

* كتبت هذه المقالة المنشورة اليوم 15/8/ في جريدة "السفير" اللبنانية  قبل صدور قرار البرلمان البلجيكي القاضي بالتخلي عن ذلك المبدأ الشامل بسبب ضغوطات أمريكية وصهيونية .




#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجزرة السفارة الأردنية بين الجلبي و-أنصار الإسلام - !
- جلاوزة حزب الجلبي والديموقراطية العوراء !
- تفجير السفارة الأردنية والأمر بإعادة محاكمة أحمد الجلبي ..ما ...
- الحكم الاتحادي - الفيدرالي - القسري يتناقض وجوهر الديموقراطي ...
- بضائع جيل السقوط : معاداة الصحافة والفضائيات والجامعة العربي ...
- ما هذا العهر السياسي يا فاضل الربيعي !
- مجلس الحكم الانتقالي حل تلفيقي لمأزق الاحتلال ومصدر لكوارث ج ...
- الجلف الكويتي أحمد البغدادي وهمجية الإنسان العراقي !!
- انتخابات بلدية وهمية ومطرقة خشبية وغوار بريمر وطرائف أمريكية ...
- المقاومة العراقية تتصاعد والجميع في انتظار الفتوى الذهبية
- شهر العسل الأمريكي الكردي ، لماذا انتهى سريعا ؟
- والاحتلال يأكل أبناءه أيضا : مأزق الاحتلال الأمريكي وحلفائه ...
- بين عرب صدام وعراقيي بوش ، هل تضيع دماء الأبرياء ؟
- العراق المحتل : مأزق مركّب وظواهرُ خطيرةٌ تتفاقم!
- رابطة الدفاع اليهودي تفضح حلفاءها: الجلبي ومكية وعبد الرزاق ...
- هلوسات الكبيسي الطائفية : ملك سني ولا رئيس شيعي !
- حول الظاهرة الفاشية : 2- هل كان نظام صدام فاشيا أم بونابرتيا ...
- البعثيون يواصلون إهانة الشعب العراقي : الجنابي يرفض إدانة جر ...
- حول الظاهرة الفاشية : 1- حكم البعث فاشية من طراز خاص ، نعم و ...
- رابع المستحيلات الممكن : حوار ومتمدن وعراقي ويساري !


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علاء اللامي - ضحايا القمع في العراق : بين طلب العدالة المشروع والنزعة الثأرية الانتقامية المرفوضة !