أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 11 من رواية كش ملك















المزيد.....

الفصل 11 من رواية كش ملك


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 1918 - 2007 / 5 / 17 - 10:32
المحور: الادب والفن
    


-11-
الجولة الثالثة في البطولة

ذهبت إلى قاعة اللعب في الموعد المحدد، دون اكتراث، على غير عادتي المألوفة. فقد استوى الأمران في نظري، الهزيمة والنصر، كان الوضع فيما مضى مختلفاً تماماً، فقد شكلت لي المباريات السابقة قضية حياة أو موت، أما الآن فلم أعد أعبأ بالنتيجة بعد أن رأيت الدماء تغسل أرض المعركة دون وجه حق. الأبرياء يسقطون والبيوت تنهار على رؤوس قاطنيها والخراب يعم وتصبح الأرض جرداء لا تصلح لغير الموت الجماعي والقبور المبعثرة؛ ولم يعد الفرق بين المعارك الحقيقية ورقعة الشطرنج واضح المعالم والتفاصيل، الجندي الذي يزحف على الأشواك ويغوص في المستنقعات لا يختلف كثيراً عن البيدق الذي يدفع حياته ثمناً للدفاع عن الملك وسطوته التي تشمل جميع القطع الحربية.
نعم، استوى الأمر في نظري وبت لا أقوى على اجتياز نهر متسع العرض دون قارب يحمل أحلامي حيث حللت، وأنا لست شاعراً كي أحلق في السماء وانتقل من مكان إلى آخر دون حاجة إلى جناحين.
وكانت الخسارة الذي لم يرف لي رمش عين جرائها من نصيبي. وفي المساء التقيت أنسام في البوفيه كما هي العادة، وكانت عابسة لدرجة أفقدتني صوابي، وعند سؤالها عن الأسباب، ترددت بادئ الأمر، ثم انفجرت فجأة بعد أن تبللت عيناها بالدموع، فقالت:
- ما الذي فعلته بي؟ أهذه هديتك لي بعد إجازة ممتعة؟
وكان صمتي بليغاً!
انفجرت مجدداً!
- قل شيئاً! لماذا أنت صامتاً؟
نظرت إليها برهة. قلبت الأمر على مختلف الأوجه. قلت متسائلاً:
- وهل تعتقدين أن الأمر برمته يساوي عبوسك واختفاء الابتسامة التي تعودت على لقائك بها؟
- لا تحاول تبسيط المسألة على النحو الذي يفقدها أهميتها!
- لا لم أفعل، ولن أفعل...
- لقد تابعت مجريات اللعبة منذ بدايتها وكان بإمكانك الفوز بسهولة، لماذا لم تفعل؟
امتلأ وجهي بالابتسامة، قلت:
- اكتفيت بالفوز عليك!
- وحرمتني من المنافسة منذ اليوم الأول..
- هذا ما تعتقدينه، وهذا ما يثير فيك السخط عليّ جراء الخسارة.
- نعم، هذا هو..
- وحديثنا بالأمس عن البيادق والحصن والفيلة والموت دفاعاً عن الملك ومن أجله فقط، ذهب أدراج الرياح عند أول اختبار!
- لم أفهم عليك..
- بل تفهمين وتناكفين بغرض رد الهدية التي قدمتها لك في الجولة الثانية!
- مستحيل أن تصل بتفكيرك إلى هذا المستوى..
نهضت عن المقعد المقابل، انحنيت بجسدي نحوها، اقترب رأسي من رأسها. لامست شفتاي شفتيها. حاولت أن تعود برأسها إلى الوراء فحاصرته بيدي. أغمضت عينيها، وقالت:
- بهذه الطريقة تستعيد هديتك!
- لا، لم أقصد ذلك.
- إذن، ماذا قصدت..
- الخروج من الموضوع الذي ينغص علينا ويجرفنا صوب التوتر والمناكفة. بانت ابتسامتها العريضة، كما لو أنني أراها لأول مرة، قالت:
- حسناً فعلت!
امتلكنا روحينا بسرعة البرق وعاد الهدوء يخيم على المشاعر ويقذف بها صوب الشاعرية والمناجاة.. سيل جارف يحملنا نحو حب الناس والتماس العذر لمن يستحق طوفان من الأسئلة يقتحم علينا المكان ويلح في الإجابات، وأطياف من الذكريات تمر على أحاسيسنا فتشعل فيها الماضي والحاضر والمستقبل وأمل نحو معركة حقيقية متكافئة، الخيل فيها تناطح الخيل فتسقط البيادق الواحد تلو الآخر، والحصان تلو الحصان، والفيل تلو الفيل، والرخ بعد الرخ، فلا يبقى سوى الملك وفي أحسن الأحوال إلى جواره الوزير الذي لا يملك صلاحية إصدار قرار قابل للتنفيذ بعد أن تجرد من قوته القاتلة التي لا تعرف سوى البطش والدمار وقتل الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة.
وفجأة، وضعت يدها فوق يدي وهي تسأل:
- لماذا حبك الكبير للناس يقابله بغض شديد وبنفس المقدار؟
بعد لحظة صمت، نظرت إليها فوجدتها تنتظر الإجابة، قلت:
- لا أملك سوى قلباً واحداً لا يتسع سوى لحب نصف الناس!
- والنصف الآخر..
- لا أبغضه، ولكن ليس له مكان في قلبي.
داعبت أصابعها يدي، أخذتني النشوة إلى مداراتها، وحملتني أجنحة الشعراء إلى السماء فحلقت بعيداً في المدى، أنظر إلى الكون من خارجه الحيادي، فأرى الأشياء على غير ما كانت عليه قبل.
آه.. يا إلهي، كم أنت حكيماً بتصرفك، تمنح الشخص الواحد قلباً ثم تطلب منه أن يحب الناس جميعاً كي يبقى على صراع دائم بين الخير والشر! لو كنت منحته قلبين لأرحته من عناء السعي الدءوب نحو توسيع صدره حتى يغدو حليماً لا يتأثر بردود الأفعال سريعاً، ومع ذلك، أعطني قلبين وسترى أنني لن أتمنع عن حب الناس جميعاً مهماً كانت صفاتهم، سأبحث عن الخصال الحميدة في أي شخص كي أنظر إليه من خلالها حتى لا تنتابني لحظة واحدة من البغض تجاه الآخرين!
أعطني قلبين كي ترى، أن أنسام التي بين يدي الآن، سأمنحها بمفردها قلباً حتى تصبح من حيث الحب والأهمية مساوية لنصف الكون!
أعطني قلبين وليقل عني الآخرون: مازال يمشي على جمرات عشق الليالي الماضية!
أعطني قلبين كي أستطيع العيش ضعف زمن القلب الواحد وحتى أرى ما لا يراه الآخرون من نفس الفئة العمرية!
وعلى غير توقع، تدخلت أنسام ، فقالت متسائلة:
- وهل تعتقد أن القلبين يضاعفان زمن العمر الافتراضي؟ قد يصيبهما التلف في نفس الفترة الزمنية الواحدة، خاصة إذا عملا معاً في نفس الوقت..
- لم أقصد ما وصلتِ إليه في التفكير، لأنه صحيح تماماً، ولكن ما قصدته كان أبلغ دلالة على حبي الكبير لك وللناس جميعاً، بل هو بوح مباشر للمشاعر في لحظة صفاء خالصة لا تعكرها الخسارة في مباراة لم تعد محل اهتمامي لاسيما بعد أن تعرفت عليك وأدمنت النظر في عينيك اللتين أيقظتا حواسي من سباتها العميق، ففجرت في داخلي ينابيع الاشتهاء الدائم الذي لا يتوقف عند حدود الارتواء.
نظرت إليّ وهي تقول:
- أحسب أن الاشتهاء لا ارتواء منه!
- نعم، هو كذلك..
اشتبكت أصابعها مع أصابعي ونهضنا متوجهين إلى الغرفة بعيداً عن أنظار الآخرين. بضع خطوات قطعناها، فلتقينا الأصدقاء يقطعون علينا الطريق:
- إلى أين تذهبا معاً ؟ سنذهب معكما!
- هيا بنا نمشي سوية أمام الفندق نتحدث ونرقب الآتي..
ومشينا في الساحة أمام الفندق الذي يقع في منتصف المسافة لسلسلة جبال ترتفع مئات الأمتار عن سطح البحر وتنخفض بنفس المقدار عند نقطة الصفر، في منطقة تبتعد عن الشارع الرئيس عشرات الأمتار فقط، الأمر الذي يمكنك من مشاهدة الناس والمحال التجارية وحركة السيارات من مكانك في قاعة الاستقبال داخل الفندق مما يجعل موقعه مميزاً في الوقت الذي يتمتع بالهدوء والطمأنينة، فضلاً عن توفير مختلف الخدمات.
مشينا، نتبادل أطراف الحديث والضحكات دون إيقاع منتظم، وفي حرية مطلقة تكاد تكون متنصلة من الكابح الذي غالباً ما يمنع الانطلاق على السجية. وفجأة، تقدم أحد الأصدقاء من أشجار الورد التي تصطف على جانبي الفندق وقطف وردة بيضاء حملها بين يديه، قربها من أنفه، فأخذ نفساً عميقاً ملأ به الرئتين وهو يبتسم.
تقدم بتؤدة نحونا بعد أن أصبح بالاتجاه المقابل جراء ذهابه إلى الأشجار، وعندما أضحى مقابلنا تماماً، توقف أمام أنسام في حركة لا تخلو من الفكاهة، ثم اقترب من رأسها وغرس الوردة بين خصلات الشعر المصفف بطريقة متقنة وهو يقول بعد أن علت الحمرة وجنتيه:
- هذه هي أجمل الأشياء التي يمكن لمثلي أن يقدمها لك!
ضحكت بإغماء ومالت بجزعها على صدري، فتجلت البراءة بأجمل صورها. قالت:
- أشكر لك لفتتك الطيبة..
ذهب الأصدقاء جميعاً صوب أشجار الورد، فيما بقيت أنا واضعا راحتي على كتفها، بينما الكتف الآخر كان ما يزال متكئاً على صدري.
عاد الأصدقاء وفي يد كل واحد منهم وردة مختلفة في الشكل واللون، بدأوا بغرس ورودهم بين خصلات الشعر تباعاً، فصار الرأس بستاناً.
نظرنا جميعاً إلى بعضنا، أخذنا الضحك إلى مداراته، بعد أن استقرت عيوننا على أنسام التي مازالت تحت تأثير هذا التصرف الذي لم تكن تحلم به يوماً.
طبعت قبلة على يدها وذرتها في الريح كي يتقاسمها الأصدقاء، وأخرى على صفحة وجهي الموازي لها!
عدنا إلى قاعة الاستقبال داخل الفندق بعد أن نال منا التعب، فخيم الصمت علينا لحظة مالبثت أن كسرته عندما طلبت من أحد العاملين إحضار شيء نشربه.
جاءنا عامل البوفيه بما طلبناه، وكنت الوحيد الذي طلب القهوة المرة، وضعها أمامي وإلى جوارها كوباً من الماء البارد، وكانت أنسام تجلس بالقرب مني بستاناً من الورد اعتنى صاحبه به ونسقه على أحسن ما يكون.
شربت كوب الماء دفعة واحدة.. انطفأت النار داخلي. نظرت أنسام إليّ باستغراب. اقترب رأسها من أذني. قالت:
- سمعت صوت الجمرات داخلك وهي تنطفئ!
- نعم، بت أحب الوحدة! آه.. لو لم يفاجئنا الأصدقاء، رغم تصرفهم اللبق، لكنا الآن نتمتع معاً بوحدتنا!
- ومع ذلك، مازال أمامنا متسع من الأيام قبل اختتام البطولة.
- صحيح، ولكن كيف لي أن أقوى على فراقك بعد كل هذا؟
- إلى أن يحين وقت الفراق لا تفكر فيه. أعرف مقدار ما يخلفه من حسرة، غير أنه من السابق لأوانه حمل الكآبة في نفوسنا ونحن في ذروة السعادة!
- نعم، معك حق.
قطع أحد الأصدقاء همسنا قائلاً:
- أشركونا في الحديث معكم!
- حديث خاص، انفردنا به لقول جملتين، أحسب أنه من غير اللائق قولهما أمام الجميع..
- لا بأس..
تدخل صديق آخر لإبقاء أبواب الإحراج، مغلقة قبل أن تنفتح، فقال:
- في معظم الجلسات الجماعية يكون هناك اختلاء بالحديث بعض الوقت؛ تتفتح، المدارك فتنفذ الذكريات منها بعد تداعي الأفكار، ولكن سرعان ما تخيم الروح الجماعية على محاور الحديث ويشترك به الجميع.
- تدخلك موفق وتشخيصك دقيق. دائماً تجيد التصرف في الوقت المناسب.
- إذن، فأنت تشكر لي هذا التدخل!
- لا تبالغ كثيراً في حسن تصرفاتك حتى لا يصيبك الوهم.



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 10 من رواية كش ملك
- اضاءات على مسرحية -من أكبر-
- العراق في خط الدفاع الأول
- الفصل 9 من رواية كش ملك
- على أمريكا أن تكون أكثر عقلانية ..
- الفصل 7 من رواية كش ملك
- الفصل 8 من رواية كش ملك
- صدور حكم الإعدام بحق كتاب -قول يا طير-
- الفصل 6 من رواية كش ملك
- الفصل 5 من رواية كش ملك
- الفصل 4 من رواية كش ملك
- رسائل حب إلى أطفال لبنان
- هل نحن إزاء ضربة أمريكية ترجيحية واحدة ؟
- الفصل 3 من رواية كش ملك
- الحكومة الفلسطينية .. عشرة شهور على الأزمة
- الفصل 3 من رواية :كش ملك
- اتفاق مكة الثنائي
- إيران والعد التنازلي للحرب
- الفصل 2 من رواية : كش ملك
- الفصل الأول من رواية :كش ملك


المزيد.....




- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
- الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا ...
- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 11 من رواية كش ملك