أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 7 من رواية كش ملك














المزيد.....

الفصل 7 من رواية كش ملك


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 1853 - 2007 / 3 / 13 - 08:10
المحور: الادب والفن
    


-7-
المساء الثاني

هدية لن أنساها ما حييت، دفعت ثمنها بكارة شفتاي في لحظة خارجة عن العقل، تماهت مع حدود الجنون، فوقعت عليّ وقع الصواعق وأسكنتني حالة من الذهول بصعوبة تخلصت منها. وكانت المرة الأولى التي تلامس فيها شفتاي شفتي فتاة، ولم أكن مهيئاً لذلك في أشهى أحلامي. بادئ الأمر، لم أصدق ما حدث. ضغطت على بطني بإصبعي وعندما شعرت بالألم عرفت أن المسألة حدثت فعلاً.
الآن أتحرج من وصف طعم تلك النشوة، فهي مختلفة عن كل ما لحق بها، طعمها مازال عالقاً في الذاكرة مهما مرت عليه السنون. حدث الأمر دفعة واحدة ودون مقدمات توحي بذلك أو تستنفر الحواس..
جلسنا على نفس الطاولة التي كنا جالِسَيِْن عليها بالأمس، مارست نفس الطقوس من إطفاء الشموع وإشعالها، وأنا أنظر إليها باشتهاء، وقبل أن تهرب الكلمات التي عزمت أمري على قولها تحدثت:
- اشتقت إليك كثيراً وتأخرت عن موعدك أكثر، وفي كل لحظة كنت أتوقع قدومك، ولم تأت، كانت تزودني بإحساس غريب يصعب تفسيره في ظل الغياب المتعمد.
وشددت (الغياب المتعمد) حتى أفتح آفاقاً للحديث لاحقاً، ثم واصلت:
- وكلما تأخرت في القدوم، رددت في سري الكلمات حتى لا تفوتني واحدة منها، وكي أتأكد من سحرها الخاص عندما تصطحبها الابتسامة الناعمة التي تحفز على التجاوب والمناقلة ، وترفع الحواجز من الدروب التي من الممكن أن نسلكها حال التجانس والانسجام الذي يترافق مع طقوس اللحظة.
فاجأتني بالقول:
- ثم ماذا؟
- ثم أقدم إليك الهدية التي أثقلت عليّ ليلة الأمس وأبقتني أغالب النعاس حتى مطلع الفجر.
- أعرفها. ولكن أين هي؟
بسرعة قلت كمن يرمي عن أكتافه أثقالاً:
- فوز اليوم على خصم عنيد هديتي إليك!
وقفت على أطراف أصابع قدميها. وضعت يديها على الطاولة. مدت رأسها إلى الأمام، وأنا مازلت جالساً، اقترب رأسها من رأسي. طبعت قبلة من شفتاها على شفتاي في وقت أحاطت رأسي بإحدى يديها، كأنها تخشى هروبي، فيما غبت من فوري بين صفحات نقاء أحلامي وطهارتها. ثم عادت إلى موضعها الأصلي وهي تقول:
- فوزك يستحق هذه القبلة. فأنا لم أهدها لأحد من قبل!
هنا، المأساة تتجلى بأبسط صورها. جسدان منهكان يعذبهما الحرمان من الانسحاق العذب، التضام وحتمية الفراق بعد لحظات مفعمة بالسعادة ، وضوء الشموع وألق المساءات الهامسة، المتموجة، مع إيقاع أنغام آتية من بعيد.
ومن البعيد تفوح رائحة السنين واحتمالات الفراق، وحالات الابتهاج والتوتر، وقدر كافٍ من القلق، فتختلط الذكريات بالمسافات ويستدعي الحذر أدواته، فتغدو الجلسة، رغم الهدوء، مسكونة بالخطر، ويشوبها الملل واحتمالات انفتاحها على الفضاءات.
ومن البعيد كف تصفق كفاً. يأتي النادل، يستبدل زجاجة بأخرى، وكأساً بكأس، وطبق فارغ بآخر مملوء بالمكسرات، ويحدث التقارب واحتكاك الأجساد بالأجساد، فتسمع أنة هنا وصرخة مكتومة هناك، ضحكة فرس جموح تعلو بينما صهيل حصان شموص يخبو، تستوطنك المربعات ال 64 للعبة الشطرنج، فيتحرك الفرسان المشاركون في البطولة أمامك كأنك في قاعة اللعب.
تسأل أنسام:
- ماذا حل بك؟
- لا شيء..
ظلال تتحرك لا تستطيع تمييزها على ضوء الشموع الخافت، بعضها على الأرض وبعضها الآخر على ستائر الجدران فتنقسم إلى مربعات ومستطيلات ومثلثات تبعاً لانعكاس الضوء وقرب الأجسام وانثناءات الستائر.
أعادت أنسام السؤال من جديد:
- ماذا حل بك؟
الغياب المفاجئ، وربما المتعمد، في بعض الأحيان، في متاهة البؤس وبين ضلوع الماضي غالباً ما يقود إلى نهاية غير مألوفة، وقد تشكل بداية مرحلة لم نخطط لها بإتقان.
- لا شيء..
- لم أرك تنظر إلىّ! ثم تقول لا شيء، فسر لي الأمر على نحو جاد!
- كيف أنظر إليك وفيّ من الأوجاع ما يكفي لعمل العديد من الأطباء..
- أوجاعك هي أوجاعي، ومع ذلك، هأنذا أنظر إليك كما لو أنني أراك لأول مرة.
- قبل الهدية!
- قبل الهدية إذا كان هذا يرضيك ويخفف عنك وقع تأثيرها.
دارت الدنيا دورتها الجنونية وعلقت مصيرينا على سنان رماحها، فبتنا في مهب الريح تعصف بنا الأهواء والألحان واللحظات التي تمنينا من قلوبنا أن نبقى في أحضانها إلى أبد الآبدين.
هي تنشر ضفائرها بين الحقول وفي وجه الريح، شكلها مخروط ووجهها يبعث الانتشاء. هو جعجعة الوجع تبعده من جديد، تحمله وتنظر في المدى، أية رهبة موحشة تسكن قلبه، أية تقاطع للملامح ترسمه الخطوط والظلال.
تصعد الروحان إلى السماء، تعانق الذرات وتنتشر في الفضاء؛ لا شيء يعادل هذا الانسياب البريء الذي يتخلل المسام، ويحكي حكايته التي لا تنتهي ثم تنتهي ويبدأ الكلام.
هما، كانا مشدوددن من زمان على وتر ضاع منهما، وعلى موعد مع سرعة الهدوء، فجاءت العاصفة على غيوم بعثرتها في الفضاء وأعادت تشكيلها الريح، فصارا بقايا من احتمال.
وجع الانتظار يفسد على العشاق حالة الاكتمال، يجعل الجفون تطبق على العيون كي تحتفظ بصورة المشهد الأخير. العناق لا يطفئ الظمأ ، يرسم على الشفاه لهيب المشاعر.
الحقول الخضراء تتراقص في البعيد، حلج ثم خيط فملابس ناعمة تتناغم مع الجسد الطري، وشيء من النظرات يثقب المكان ويستبيح عراء الفضاء البكر.
هي، كالحقول الخضراء، تنشر ضفائرها مع هدير المحركات التي تمشط ما تبقى من ذرات فتنقيها من الشوائب حتى تصبح ملابس جاهزة، ناعمة، تدغدغ الحواس. أنا، أراقب المشهد كما لو أنني الضحية والجلاد، القطن والخيط ويد العامل في المصنع!



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 8 من رواية كش ملك
- صدور حكم الإعدام بحق كتاب -قول يا طير-
- الفصل 6 من رواية كش ملك
- الفصل 5 من رواية كش ملك
- الفصل 4 من رواية كش ملك
- رسائل حب إلى أطفال لبنان
- هل نحن إزاء ضربة أمريكية ترجيحية واحدة ؟
- الفصل 3 من رواية كش ملك
- الحكومة الفلسطينية .. عشرة شهور على الأزمة
- الفصل 3 من رواية :كش ملك
- اتفاق مكة الثنائي
- إيران والعد التنازلي للحرب
- الفصل 2 من رواية : كش ملك
- الفصل الأول من رواية :كش ملك
- فرصة اللحظات الأخيرة
- مسرحية جديدة -نحكي وإلا ننام
- الحب الفجيعة :قصة قصيرة
- الراقص المقعد :قصة قصيرة
- قلعةلبنان تقتحم من الداخل
- قصة قصيرة


المزيد.....




- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 7 من رواية كش ملك