أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 10 من رواية كش ملك















المزيد.....

الفصل 10 من رواية كش ملك


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 1915 - 2007 / 5 / 14 - 05:56
المحور: الادب والفن
    


-10-
الطفل/ الرجل الذي مازال حياً

لا أعرف على أية حال، كيف دخل الرجل الذي تعلمت منه قواعد اللعب، إلى مسارب القصة وجمع تفاصيلها الدقيقة، كأنها حدثت للتو، وفقط كل ما أذكره، أنه توقف عن اللعب ذات مرة، عندما كنا وحدنا، ثم وضع رأسه بين يديه برهة، كأني به يعتصره، ما لبث بعدها أن تحدث فقال:
- ربما سمعت ذات يوم، من صديق أو قريب، أو رجل طاعن في السن، عن الطفل الذي مات إكلينيكياً بعد عامين من ولادته، في حين بقيت أنفاسه تتصاعد حتى هذه اللحظة، وعيناه تتحرك في كل الاتجاهات ترقب ما يدور حوله، غير أنه ممدد على سريره الذي استمر كما هو منذ أن جاءت به أمه في أعقاب الفطام.
وقد أجمع علماء الطب على موته منذ ذلك الحين، بيد أن استمراره على قيد الحياة أربك مختلف المدارس بما فيها تلك التي تخضع سلوك البشر لتعدد التجارب، وما زاد في حيرة العلم، نمو شعر الذقن عندما بلغ من العمر ثمانية عشر عاماً، فذهب بعضهم في القول إلى أن كل مائة عام تحدث معجزة، ومعجزة هذا القرن إنما هي بقاء الطفل على قيد الحياة ، وربما استمراره إلى أن يمر بكل المراحل التي يمر بها الإنسان الطبيعي حتى نهاية العمر.
وفعلاً هذا ما حدث. فقد اقترب في عمره من العقد السادس وهو مازال على هذا الوضع، لم يحدث تغير في حياته إلا نادراً ما يلبث أن يعود إلى وضعه السالف. فمثلا، كلما جاءت الأحداث بفاجعة جديدة، تحرك بشكل غير طبيعي إلى أن تنجلي الأمور، فيعاود الصوم عن الحركة حتى تلوح في الأفق تباشير حدث مهم، وهذا ما جعل منه معجزة القرن.
وهكذا، كلما ركن إلى الهدوء وعدم الحركة، ذهب الناس والطب إلى الجزم بأنه ميت، لاسيما عندما لا تبدر منه إشارة تدل على بقائه على قيد الحياة، ولكن ما أن يوشكوا على تعميم الرِأي، حتى يفاجئهم بما يدل على معرفة ما يحدث من حوله، فيبدو الناس كالعاجزين أمام حل اللغز.
وعليه، أجمع العلماء على موته بالمعنى الطبيعي، وبقائه على قيد الحياة بالمعنى الفيزيائي، الأمر الذي لم يجد أحد تفسيراً مقنعاً لهذه الظاهرة حتى الآن، فغدا الأمر معلقاً بين أنياب الواقع والتوقعات.
صمت لحظة ثم تابع:
- إن هذا الطفل/ الرجل، حيرني كثيراً عندما جلست إليه أتابع مراحل حياته، خاصة في أعقاب إحالتي إلى التقاعد، الأمر الذي دفعني إلى البقاء جواره ساعات طويلة على أمل الوصول إلى معرفة أكون صاحب السبق فيها، ويصبح بالتالي اسمي محل تداول مختلف إذاعات العالم وفضائياتها، ولكن لم يحدث أبداً، كأني به يعرف بماذا أفكر وماذا انتظر من وراء قدومي إليه والبقاء ساعات.
وأغلب الظن، أن أمه هي الشخص الوحيد الذي يعرف ماذا يدور في خلده عندما تنظر إليه ومع ذلك، لم تتصرف مرة واحدة تعكس هذه المعرفة، كأن أمور الناس لا تعنيها ويرجع السبب، ربما لأن الناس لم يعتنوا بأمرها.
وذات مساء، التقينا في بيت الطفل/ الرجل، عدد من الأشخاص الذين أحيلوا إلى التقاعد في نفس الفترة تقريباً، فكان شاغلهم الوحيد، بالإضافة إلى إضاعة الوقت والتسلي به، تحليل ظاهرة هذا الطفل، وقد كان هناك شبه إجماع على أن الطب، رغم ما وصل إليه من تقدم، مازال عاجزاً عن تقديم التفسير المنطقي، لدرجة بات معها تفسيرنا أقرب إلى المنطق من الصمت وعدم إبداء الرأي.
وكان تفسيرنا يستحق التوقف أمامه:
عندما حلت النكبة على أهل فلسطين، كان الطفل قد بلغ من العمر عامين اثنين بالتمام والكمال ولما فطمته أمه عن حليب صدرها ترددت كثيراً، خشية أن يصبح سابقة، أول الغيث قطر، الأمر الذي دفع الطفل للصوم عن الحركة احتجاجاً على الأمرين معاً: الفطام والنكبة، وبعد أسبوع من الاحتجاج، تنازلت الأم وعرضت على طفلها إرضاعه مرة أخرى علّ ذلك يغير الوضع، ولكنه رفض فانصبت مرارة الحلق دموعاً تكفي لإطفاء عطش جموع اللاجئين الفارين من هول المجازر وبشاعتها.
وكررت العرض عليه مرات ومرات، ولكن أبداً لم يستجب، غير أنها مازالت تعتقد أن صوم الطفل عن الحركة فيه جزء من العقاب لها رغم أنها أسالت من الدموع ما يكفي لغسل ذنوب طابور طويل من صفوف اللاجئين الذين يقفون أمام بوابات الإعاشة التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، ولكن دون جدوى، لا هي توقفت عن البكاء والدموع، ولا هو عاد إلى حركته الطبيعية.
وكان كلما وقع حدث جلل، أدخل المنطقة وفلسطين في تفاصيله اليومية، انتفضت أطرافه في حركة شبه طبيعية ما يلبث بعدها أن يتوقف من جديد، لاسيما بعد وقوف أهل فلسطين أمام الانعطافات الحرجة التي يتعين عليهم فيها اختيار أمر من اثنين كلاهما مر.
على أية حال، ذهبنا بعيداً في قراءاتنا، فاعتبرنا حدث النكبة وما ترافق معها هو السبب وراء عدم الحركة، وأما عقدة الذنب التي تعاني منها الأم لا تعدو كونها عدم قدرة دقيقة على ربط العوامل الصدفية التي تضافرت فشكلت عبئاً إضافياً لم تستطع الخلاص منه حتى هذه اللحظة.
صحيح أنه اقترب الآن من العقد السادس وملامحه العامة رجولية، غير أن الجسم الطفولي مازالت براءته تطفو على سطح وجوه الذين يلتقون به يومياً ومن كافة مناطق الوطن المنكوب أملاً في رؤية معجزة القرن والتعرف عليها عن قرب، بيد أنهم لم يستخلصوا النتيجة الواحدة التي ربما كانت الأكثر صوابية، علماً بأن معظمهم يميل نحو هذا الاعتقاد.
صمت لحظة ثم واصل:
هل ترغب في رؤيته قريباً؟
- لم أفكر بالأمر، ولكن أعدك أن أتخذ القرار المناسب سريعاً!
- متى أردت ذلك، أبلغني وسأصطحبك إلى هناك..
- عند اتخاذ القرار سأفعل!
- رتب الأسئلة التي تنوي طرحها عليّ وعلى نفسك، بعد اللقاء، ترتيباً جيداً كي تتمكن من الوصول إلى أبعد مما وصلنا إليه.
- إن فعلت ذلك، لا تخشَ عليّ!
بعد أيام، سرت الشائعة في مختلف المناطق وعلى معظم الألسن والصعد: الطفل المعجزة بدأ يمشي مع تباشير الفجر! البعض أوٌّل الكلام فأصبح: الطفل المعجزة أنهكه السير طوال الليل وشوهد لدى عودته من المنطقة التي ذهب إليها عند تباشير الفجر، بينما أولتها أنا فصارت: نحن مقبلون على مرحلة تتسع لكل الاحتمالات بما فيها المخاطر التي تحفها من كافة الاتجاهات وينبغي الحذر منها حتى لا نقع فريستها ونعلق الأمر على خطاف الأقدار وما تفعله بنا، رغم علمي المسبق أن هذه الأقوال لا تعدو كونها شائعة أنا أحد الضالعين فيها!
ومع ذلك، هدأت اللجة وبقى كل شيء على حاله. لا الطفل/ الرجل عاد إلى مشيه، ولا الأم توقفت عن ذرف الدموع، ولا الشائعة صمدت طويلاً. لعل المعجزة الحقيقة على أبواب المخاض!



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اضاءات على مسرحية -من أكبر-
- العراق في خط الدفاع الأول
- الفصل 9 من رواية كش ملك
- على أمريكا أن تكون أكثر عقلانية ..
- الفصل 7 من رواية كش ملك
- الفصل 8 من رواية كش ملك
- صدور حكم الإعدام بحق كتاب -قول يا طير-
- الفصل 6 من رواية كش ملك
- الفصل 5 من رواية كش ملك
- الفصل 4 من رواية كش ملك
- رسائل حب إلى أطفال لبنان
- هل نحن إزاء ضربة أمريكية ترجيحية واحدة ؟
- الفصل 3 من رواية كش ملك
- الحكومة الفلسطينية .. عشرة شهور على الأزمة
- الفصل 3 من رواية :كش ملك
- اتفاق مكة الثنائي
- إيران والعد التنازلي للحرب
- الفصل 2 من رواية : كش ملك
- الفصل الأول من رواية :كش ملك
- فرصة اللحظات الأخيرة


المزيد.....




- طهران تحقق مع طاقم فيلم إيراني مشارك في مهرجان كان
- مع ماشا والدب والنمر الوردي استقبل تردد قناة سبيس تون الجديد ...
- قصيدة(حياة الموت)الشاعر مدحت سبيع.مصر.
- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 10 من رواية كش ملك