بهار رضا
(Bahar Reza)
الحوار المتمدن-العدد: 8572 - 2025 / 12 / 30 - 21:25
المحور:
الادب والفن
من التراث الفيلي
عبارة من التراث اللغوي–الاجتماعي الفيلي
تُعدّ عبارة «بێ ناوەد، ئەکەم» من التعابير الراسخة في اللهجة الكردية الفيلية، وتُترجم ترجمة حرفية إلى العربية بـ: «أجعلك بلا اسم». وتندرج هذه العبارة ضمن منظومة التعابير التي تؤدي وظيفة اجتماعية تتجاوز البعد اللغوي المباشر، إذ تُستخدم بوصفها أداة إدانة رمزية قصوى بحق فرد ارتكب فعلًا يُعدّ مخزيًا أو منتهكًا للمعايير الأخلاقية السائدة داخل الجماعة.
ومن منظور أنثروبولوجي، لا يُفهم هذا التعبير على أنه تهديد لفظي فحسب، بل باعتباره فعلًا لغويًا ذا أثر اجتماعي، يُقصد به نزع الشرعية الرمزية عن الشخص المعني. فالاسم في الثقافة الفيلية يُشكّل أحد أهم مكونات الهوية الاجتماعية، إذ يعمل بوصفه رابطًا بين الفرد وتاريخه العائلي، ومكانته داخل البنية القَبَلية أو المجتمعية، وسيرته الأخلاقية المتراكمة في الذاكرة الجمعية.
وعليه، فإن الوعيد بجعل الشخص «بلا اسم» لا يعني محو وجوده الفيزيائي، بل إلغاء حضوره الرمزي؛ أي أن يُنسى اسمه بوصفه اسمًا مستقلًا، وألا يُستدعى في الوعي الجمعي إلا بوصفه دالًّا على واقعة الفضيحة نفسها. وبهذا، يتحوّل الاسم من رمز للشرف والاعتبار إلى علامة على العار، وتُختزل هوية الفرد في فعل واحد يُعاد إنتاجه سرديًا داخل المجتمع.
ويُظهر هذا التعبير كيف تُمارس المجتمعات الفيلية التقليدية آليات الضبط الاجتماعي غير الرسمي، حيث لا تعتمد العقوبة على وسائل مادية أو قانونية، بل على اللغة والذاكرة والتداول الشفهي، بوصفها أدوات فعّالة لإعادة ترسيم الحدود الأخلاقية المقبولة. ففقدان “الاسم” هنا يُعدّ أشد قسوة من العقوبة الجسدية، لما ينطوي عليه من استمرارية زمنية، إذ يمتد أثره عبر الأجيال، وقد يطال سمعة العائلة بأكملها.
وبهذا المعنى، تمثل عبارة «بێ ناوەد، ئەکەم» نموذجًا دالًا على العلاقة الجدلية بين اللغة والسلطة الأخلاقية في المجتمع الفيلي، حيث تتحول الكلمة إلى وسيلة لإنتاج المعنى الاجتماعي، وترسيخ القيم، وحماية النظام الرمزي للجماعة.
#بهار_رضا (هاشتاغ)
Bahar_Reza#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟