بهار رضا
(Bahar Reza)
الحوار المتمدن-العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 21:42
المحور:
قضايا ثقافية
بينما كان اليهود في الشرق جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وتولّوا مناصب مهمة وصلت أحيانًا إلى مواقع وزارية، كان إخوتهم في الدين في أوروبا يواجهون اضطهادًا قاسيًا منذ القرون الوسطى، ما ولّد شعورًا متزايدًا بالحاجة إلى ملاذ آمن. ومع صعود القومية الأوروبية، رأى المفكّرون الصهاينة، وفي مقدّمهم ثيودور هرتزل، أن الحل يكمن في إقامة "دولة قومية لليهود"، وهو ما مهّد لاحقًا لفكرة إنشاء إسرائيل، حيث استُخدمت معاناة اليهود تاريخيًا بوصفها مبرّرًا سياسيًا وأخلاقيًا للمشروع.
وتكشف الثقافة الأوروبية هذا التمييز بوضوح، إذ عكست الأعمال الأدبية والفنية الصورة النمطية عن اليهود. ففي مسرحية شكسبير تاجر البندقية—والتي كُتبت في زمن كانت فيه أول "غيتو" في البندقية (1516)—تظهر شخصية "شايلوك" مجسّدة بصورة سلبية، بوصفه التاجر الجشع والمعزول والمُحتقر. مثل هذه الصور لم تُكافح الكراهية، بل ساهمت في تكريسها، وصولًا إلى المذابح والإبادة الجماعية في الهولوكوست.
ورغم أن أوروبا تقدّم نفسها اليوم بوصفها رمزًا لحقوق الإنسان، فإن تاريخها حافل بسياسات الإقصاء والتطهير العرقي تجاه اليهود، تمامًا كما فعلت لاحقًا مع المسلمين ومع شعوب المستعمرات. هذه المفارقة تكشف كيف تُرفع شعارات الحرية والمساواة، لكنها غالبًا ما تُفرَّغ من معناها عندما يتعلق الأمر بالـ"آخر" المختلف.
واليوم، لا يمثّل اليهود مجرد أداة في مشروع الاحتلال؛ بل هم أيضًا ضحية جديدة لأطماع الغرب. فقد زُجّ بهم في مشروع إبادة شعب غزة، وأُعيد تصويرهم مجددًا كجماعة معتدية، بينما كان بإمكان أوروبا أن تسلك الطريق الصحيح: استكمال مسار أوسلو، ودفع الاحتلال نحو حلّ عادل بدلاً من تغذيته. لكن الغرب، كعادته، اختار المسار الأقسى والأكثر دموية: أن يجعل من اليهود مرة أخرى ضحايا لقبحه، تمامًا كما فعل خلال الحرب العالمية الثانية.
إنّ التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه يُساق بالقوة كي يخدم السادة أنفسهم. فطرد اليهود من أوروبا لم يكن نهاية المأساة بل بدايتها؛ إذ عملت القوى الاستعمارية على تفريغ الشرق من يهودِه، لا لإنصافهم، بل لإقحامهم في مشروع استيطاني يضمن مصالح الغرب ويُكرّس هيمنته. وهكذا تحوّلت معاناة اليهود إلى وقود لمشروع استعماري جديد، لا يخلّصهم من المأساة، بل يعيد إنتاجها على أرض أخرى.
#بهار_رضا (هاشتاغ)
Bahar_Reza#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟