أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عبد الحسين شعبان - الفنان مكي حسين: حين يتعتّق الحزن بالجمال














المزيد.....

الفنان مكي حسين: حين يتعتّق الحزن بالجمال


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 8572 - 2025 / 12 / 30 - 18:50
المحور: قضايا ثقافية
    


تبدو منحوتات مكّي حسين جديدة وطازجة وأسلوبه متجدّد دائمًا وموضوعاته متنوّعة باستمرار، حتى وإن مضى عليها زمن، وكلّ ذلك يفتح آفاقًا جديدةً للحداثةـ، بل يمثّل رافدًا عذبًا من روافدها يستطيع أن ينهل منه مَنْ يريد.
لم يأخذ مكّي حسين فرصته كموهوب كبير، فقد ابتلعته الغربة لسنوات طويلة عجفاء حتى كاد أن يُنسى، وقبل ذلك عاش في الجبل وانشغل بالأعمال الإدارية لحركة الأنصار الشيوعية لنحو أربعة سنوات، وبعد مجزرة بشتاشان الدموية في العام 1983 واستشهاد العديد من رفاقه وأصدقائه اضطرّ إلى الرحيل إلى الشام، وقضى فيها نحو ثمان سنوات، حيث استغرقته الأعمال الصحفية مثل تصميم المجلّات وأغلفة الكتب، ولاسيّما للمقاومة الفلسطينية.
وفي العام 1986 صمّم غلاف كتابي " الجواهري في العيون من أشعاره"، دار طلاس، دمشق، وكان قد التقط عدّة صور تاريخية للجواهري في منزله بالروضة، حيث اصطحبته أكثر من مرّة لهذه المهمّة، وظلّ الجواهري يسألني عنه باستمرار، كيف هو حال صديقك الفنان؟
ولم أنس أن أدعوه لتصميم غلاف كتابي الجديد الموسوم "جواهر الجواهري"، دار سعاد الصباح، الكويت، 2024، اعتزازًا بتصميمه الأول وبالصداقة والمحبة والرفقة التي جمعتنا في الإعلام المركزي في نوكان – ناوزنك، ثم في بشتاشان، حيث نجونا من المجزرة الشهيرة، وبعدها في الشام، وقبل ذلك تعارفنا في بغداد في النصف الثاني من ستينيات القرن المنصرم بواسطة الصديق الفنان اتحاد كريم.
*****
لم يتمكّن مكّي حسين من استعادة وضعه الطبيعي كفنان موهوب والانصراف إلى هواياته الحقيقية، سوى في النصف الثاني من التسعينيات، يوم لجأ إلى ألمانيا، وبعد أن استقرّت حياته في بلدة كوتنغن بدأ وفي محترفه الخاص، بإنجاز كمّ هائل من المنحوتات.
لقد حمل مكّي حسين الشعلة المقدّسة كما يُقال حتى كاد أن يحترق بأوارها، وظلّ على كبريائه عصيًّا على الترويض أو التطويع أو التهميش، بالرغم من الضغوطات العديدة التي مورست عليه في الوطن وخارجه، وتمكّن من تجاوز الكثير من الصعاب ومواجهة العديد من التحديّات بشجاعة وحكمة وبُعد نظر وبما امتلكه من قدرات إقناعية.
كان كلّما أرسل لي صورة جديدة لمنحوتاته أو بروشورًا أو مطبوعًا (وآخرها مطبوعًا مع الفنان يوسف الناصر)، أبدأ بالنظر إليه من زوايا مختلفة، ثم أستعيد مع نفسي تعليقات مكّي حسين وسخريته الحزينة وإضافات أحمد الناصري (أمين) وحين يبدو الصمت كلامًا، فإنه يتجسّد في أعمال حقيقية، حتى لدرجة كدت فيها أن أسمع أصوات تلك المنحوتات. نعم فقد كان لمنحوتاته ورسوماته وحتى أغلفته الفنية، أصواتًا وموسيقى، أكاد أعرفها من نبرتها، بل أحسّ فيها وأستطيع أن أحزر صاحبها صديقي مكّي "أبو بسيم".
وكلّما تمعنّت في تلك المخلوقات المدهشة تزداد دهشتي على قدرته في خلق تلك الحيوات المتنوّعة الزاخرة بالحركة، وهي حركية داخلية ناطقة بالجدل والسؤال.
لقد ذهب مكّي حسين بالنحت إلى فضاء جديد واكتشف من خلاله العالم، والأكثر من ذلك اكتشف نفسه كذلك وقدراته الحقيقية وموهبته في خلق الجمال المفعم بالإنسانية الطافحة التي يمتلكها في مواجهة القبح والظلم، وذلك عبر رفضه كمثقف يعرف وظيفته حق المعرفة، خصوصًا حين تمرّد على النمطية والرتابة ونظام الطاعة العبودي وتبريرات الهزيمة والزيف والنفاق.
كان مكّي موضوعيًا في تقيماته، عادلًا في حكمه، مستقيمًا في سلوكه، وفي كلّ ذلك لم يكن مثاليًا بقدر ما كان واقعيًا كمثقف نقدي عقلاني، بعيدًا عن التبشيرية الساذجة والخلاصية المنتظرة المغمّسة بالحتميات.
*****
أستطيع القول دون افتئات على نقاد الفن، ولاسيّما النحت أن مكّي حسين لم يكن محترفًا، بقدر ما كان هاويًا، على الرغم من أن الفن بشكل عام، والفن التشكيلي والنحت بشكل خاص يحتاج إلى احتراف، بمعنى الدراسة والدربة والمران والتجريب والسعي والمحاولة، وفي كلّ ذلك، ومثل جميع أنواع الفنون والآداب والثقافة والإبداع، يحتاج إلى موهبة حقيقية، وكان مكي حسين موهوبًا بامتياز ويمتلك خيالًا خصبًا بلا حدود وبلا ضفاف، ولأنه فنان كبير فهو عاشق كبير للحريّة التي تمثّل جوهر فلسفة حياته.
خلال دراسته في معهد الفنون الجميلة نال مكّي حسين إعجاب أساتذته الكبار مثل خالد الرحال ومحمد غني حكمت وإسماعيل فتاح الترك، وقد ساهم مع الأخير في إنجاز نصب الشاعر معروف الرصافي في بغداد، وعمل مع صديقه الفنان نداء كاظم على إنجاز تمثال شاعر الحداثة الشعرية الأول بدر شاكر السياب في البصرة.
*****
يستحقّ منّا مكّي حسين أن نعتني بتراثه، وأن نجمع أعماله كمبدع كبير ورمز كبير، فقد فُجعنا حين سمعنا برحيله المفاجئ وحيدًا ومكسورًا في بلدة صغيرة تكاد تكون نائية في ألمانيا، واكتشفت البلدية موته بعد أربعة أيام حين توفاه الله، فقامت بفتح باب شقته لتجده مرميًّا على الأرض. وظلّ في ثلاجة إحدى المستشفيات ينتظر استكمال التحقيقات الجنائية والانتهاء من أعياد الميلاد ليتمّ تشييعه إلى مثواه الأخير.
وتقول بطاقته التعريفية الشخصية أنه ولد في البصرة العام 1947 وتخرّج من معهد الفنون الجميلة في العام 1968، وانتخب عضوًا في جمعية التشكيليين العراقيين العام 1971، وكان عضوًا في رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين في كردستان والشام.
• من أعماله الأخيرة تمثال "صرخة بشتاشان – من أعماق الجبال"



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية والسلطوية.. هل يجتمعان؟
- أيقونة اليسار العربي
- (ثلاث حلقات) أين مشروع اليسار العربي؟
- أين مشروع اليسار العربي؟ (الحلقة الثالثة)
- جامعة القاضي عياض بمراكش تكرّم خمسة مبدعين
- أين مشروع اليسار العربي؟ (الحلقة الثانية)
- وضوح الرؤية وروح الوفاق
- حقوق الإنسان من منظور متعدّد الأبعاد
- حين يعاقب الجاني القضاء
- المثقّف العضوي وهموم الناس
- حوار مع المفكّر الأديب العراقي الكبير عبد الحسين شعبان/ النا ...
- أين مشروع اليسار العربي؟ (الحلقة الأولى)
- حين توجد إرادة توجد طريقة
- واحة اسمها شعبان
- جيل الستينيات: رؤية جديدة
- البارزاني ثلاث مفارقات وثلاثة دروس... وثمة ذاكرة
- قطر بين فاعلية القانون الدولي وتفعيله
- الثقافة مزهرة من بغداد إلى بغداد
- أرادنا نسخة أفضل من أنفسنا
- عودة إلى -مزرعة الحيوانات-


المزيد.....




- وسط تصعيد وضربة سعودية.. الإمارات تعلن سحب قواتها من اليمن
- سرقة بالملايين من خزائن بنك ألماني.. في واحدة من أكبر عمليات ...
- اعتراف إسرائيلي بأرض الصومال .. هل وُلِدت دولةٌ جديدة؟
- فرنسا وتسع دول أخرى تعرب عن قلقها إزاء -تدهور الوضع الإنساني ...
- استشهاد طفلتين وعمليات نسف متزامنة برفح ومدينة غزة
- نصائح للوقاية من العدوى المنقولة بالغذاء
- عبر الخريطة التفاعلية.. تفاصيل المشهد اليمني عبر الخريطة الت ...
- فيديو لغارة أمريكية على قارب بشرق المحيط الهادئ يثير تساؤلات ...
- السعودية: المملكة لن تتردد في مواجهة أي مساس أو تهديد لأمنها ...
- تصاعد موجة الاحتجاجات في إيران بسبب ارتفاع الأسعار بشكل حاد ...


المزيد.....

- قواعد الأمة ووسائل الهمة / أحمد حيدر
- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عبد الحسين شعبان - الفنان مكي حسين: حين يتعتّق الحزن بالجمال