أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبد الحسين شعبان - البارزاني ثلاث مفارقات وثلاثة دروس... وثمة ذاكرة















المزيد.....

البارزاني ثلاث مفارقات وثلاثة دروس... وثمة ذاكرة


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 20:47
المحور: القضية الكردية
    


حين يلتقي الأدب بالذاكرة يحضر التاريخ ليكوّن مشهدًا مفتوحًا بتجلّيات الوجدان الإنساني، ولعلّ ذلك ما حدث في البرلمان العراقي في توثيق سردية حيويّة لرواية الصديق جان دوست، التي عنوانها "آخر معارك الجنرال"، والتي تناولت الفصل الأخير من رحلة الزعيم الكردي الملّا مصطفى البارزاني.
‏لم أكن قد حدّدت إطارًا لمحاضرتي، لكن عند دخولي قبّة البرلمان، ارتسمت أمامي ثلاث مفارقات وثلاثة دروس، كما قفزت أحداثًا بعيدة ظلّت حاضرةً في ذاكرتي، وهي أقرب إلى جسر بين الماضي والحاضر بالتطلّع إلى المستقبل.
‏المفارقة الأولى - إن الملّا مصطفى البارزاني يحضر في البرلمان العراقي بكل وزنه المعنوي وثقله الأدبي، فمن كان يتصوّر حدوث ذلك قبل ربع قرن من الزمن على أقل تقدير؟ ‏ فقد كان حين يرد اسمه في المحافل الحكومية الرسمية، يوصف بشتى الأوصاف غير السياسية من قبيل "قاطع طريق" و "متمرّد" وزعيم "الجيب العميل" وغير ذلك من الإساءات، لكنه اليوم حين يُذكر اسمه فإن صفاته التي يعرفها الشعب الكردي هي التي تتبعه كزعيم للحركة الكردية وقائد لثورة أيلول/ سبتمبر 1961، التي مثّلت طموح الشعب الكردي وعبّرت عن تطلعاته.
‏المفارقة الثانية - إن هذه العودة جاءت عن طريق الأدب والثقافة، اللذان يوحّدان، في حين أن السياسة مفرّقة. وحسب الروائي الروسي الكبير مكسيم غوركي فالأدباء والفنانون هم من يكتبون التاريخ وليس المؤرخين. والبارزاني وإن كان تاريخًا، فهو مستمرٌ ومتواصلٌ وعابرٌ للجغرافيا كرمزية للشعب الكردي والأمة الكردية.
وكان الجواهري الكبير هو من عبّر عن ذلك في قصيدته الموسومة " كردستان أو موطن الأبطال"، والتي يقول فيها:
قَلبي لكُردِستانَ يُهدى والـــفَمُ ... ولقدْ يَجودُ بِأصـغَـرَيْهِ الـمُـعْدَمُ
إلى أن يقول:
سَلـِّمْ على الجَـبـلِ الأشَــمِّ وأهلـِـهِ ... ولأنتَ تـَـعــرِفُ عـنْ بــنـيهِ منْ هُمُ
ويصف البرزاني بالقول:
صُلبُ الملامحِ تتَّقي نظراتِه ... شهْبُ النُّسورِ ويَدَّريها الضَّيغَمُ
‏المفارقة الثالثة - أننا نجتمع في قاعة الشاعر البرلماني والوزير محمد رضا الشبيبي، وهذه رمزية أخرى، فالشبيبي كان من المناصرين للقضية الكردية، وكان قد كتب مذكّرة إلى الرئيس عبد السلام محمد عارف في العام 1965، طالبه فيها بحل القضية الكردية سلميًا، وحين عاد إلى بغداد بعد زيارته كردستان، توفّي في العام 1966.
‏أما الدروس الثلاثة فهي:
‏أولها - الواقعية السياسية وبُعد النظر الذي تحلّى بهما، وبقدر ما امتلك من صلابة مبدئية، فقد تمتّع بمرونة سياسية، تلك التي أمْلت عليه البحث عن حلول واقعية في ظلّ الدولة العراقية، بدءًا من المواطنة المتساوية والمتكافئة، إلى الحكم الذاتي في إطار حق تقرير المصير للشعب الكردي.
‏وينطلق البارزاني في ذلك من إيمانه الحقيقي بالعلاقة التاريخية العربية - الكردية، حيث كان مُستعدًا في جميع الأوقات والظروف إلى الحوار مع الحكومات العراقية المتعاقبة، وكان دائمًا ما يميّز بين مواقف الحكومات وبين مواقف العرب، ولذلك كان يعتزّ بصداقاته العربية، ونستذكر هنا أسماء شخصيات لامعة كان يكّن لها شديد الاحترام مثل: عزيز شريف وكامل الجادرجي وإبراهيم كبة وحسين جميل والسيد محسن الحكيم وجمال عبد الناصر وكمال جنبلاط وغيرهم.
‏وثانيها - إن تحالف القوى والحكومات المعادية للكرد لابدّ أن يواجَه بتحالف من جانب أصدقائهم. وكان قد حُكم على البارزاني بالإعدام في كل من العراق وإيران في أواسط الأربعينيات من القرن الماضي، وبالطبع فإن موقف تركيا لم يكن بأحسن حال من مواقف الحكومات التي تتنكّر لحقوق الشعب الكردي. وقد اضطر البارزاني إلى اللجوء إلى الاتحاد السوفيتي بعد فشل جمهورية مهاباد في العام 1946، وإعدام القاضي ملّا محمد، وهو الأمر الذي أدرك فيه أهمية التضامن مع الشعب الكردي، أي تحويل الجغرافيا لصالحه وليس ضدّه.
‏ ثالثها - أدرك البارزاني أن اتفاقية 6 آذار/ مارس 1975 (اتفاقية الجزائر)، والتي تنازل فيها العراق عن نصف شط العرب حسب خط الثالويك لصالح إيران، أدّت إلى انهيار الحركة الكردية المسلحة، وذلك بسبب تواطؤ القوى الخارجية وتقديم مصالحها الأنانية الضيقة عليها، لذلك لابدّ من اعتماد الكرد على أنفسهم وعلى أصدقائهم الحقيقيين من أبناء المنطقة، ولا سيّما من العرب، لأن القوى الخارجية مهما أبدت من استعدادات لدعم الكرد، إلّا أنها في نهاية المطاف لا يهمّها سوى مصالحها، وقد يكون من بين أهدافها إضعاف الجميع لتبقى متحكّمة بهم.
ونستعيد هنا ما ورد على لسان هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة في العام 1975، من مبررات لتخلّي واشنطن عن دعم الكرد بناءً على طلب طهران تمهيدًا لاتفاقية الجزائر المذلّة، كما ونستذكر هنا ما أكّده تقرير بايك المقدّم إلى الكونغرس بجلسة سرية العام 1976 من حجج وذرائع لذلك الموقف المتواطئ.
أمّا الذاكرة، فهي اللقاء التاريخي الذي جمعني بالملّا مصطفى البارزاني في مطلع شهر أيار / مايو 1970 وبعد بيان 11 آذار / مارس بين الحكومة العراقية والثورة الكردية، فقد زرته على رأس وفد إلى كلالة بصحبة الصديق ملازم خضر (الفريق سهيل نعمان التميمي)، وقد حضر اللقاء علي عبد الله وصالح اليوسفي وعلي السنجاري ومحمود عثمان، ثم وصل بعد ذلك عزيز شريف، وقد استقبلنا فرنسوا حريري.
استمعت إلى البارزاني وكأنه صوت من التاريخ، فهذا الذي أجلس إلى جانبه سليل أسرة عريقة، وهي صاحبة الطريقة النقشبندية، وكوني من عائلة دينية أعرف ماذا يعني ذلك، وهي أسرة مكافحة وشجاعة. وروى لي كيف تمّ استباحة منطقة كردستان 17 مرّة، وأنه اعتُقل هو ووالدته في سجن الموصل وعمره 3 سنوات، وأعُدم شقيقه عبد السلام، وقد شارك مع الشيخ أحمد شقيقه في انتفاضة الشيخ محمود الحفيد (1919)، وعاش في الاتحاد السوفيتي نحو 12 عامًا.
وأتذكّر أنه كتب رسالةً (خطّها صالح اليوسفي) نشرناها في جريدة طريق الشعب السريّة (عدد حزيران / تموز 1970)، بخصوص سعيه لإطلاق سراح المعتقلين، وعمله من أجل جبهة وطنية تضمّ الجميع، وختمها بالآية القرآنية "ولا يكلّف الله نفسًا إلّا وسعها" [البقرة: 286]، وفي نهاية اللقاء أهداني مسبحة (صناعة يدوية) ومبسم سيجارة من صنعه، وبقيت أحتفظ بهما لسنوات، إلّا أنهما صودرا عند كبس أجهزة الأمن منزلي، مثلما صودرت مكتبتي الخاصة.
أختم بالقول، إذا كانت الرواية الروسية قد خرجت من معطف غوغول، فإن الحركة الكردية المعاصرة قد خرجت من جمداني (غطاء الرأس عند الرجال) البارزاني.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطر بين فاعلية القانون الدولي وتفعيله
- الثقافة مزهرة من بغداد إلى بغداد
- أرادنا نسخة أفضل من أنفسنا
- عودة إلى -مزرعة الحيوانات-
- ‏لا نقول وداعًا إنما نقول اشتياقًا - محمد بن عيسى: للحياة مع ...
- نموذج المفكر الراقي.. نموذج الفكر النشط
- ‏داوننغ ستريت ووعد بلفور
- الإنسان والمفكر
- صفاء الحافظ وصباح الدرّة: دائرة النسيان ودائرة الضوء
- المفكّر عبد الحسين شعبان.. نظرة شخصيّة
- عبد الحسين شعبان لجريدة المستقل: أنا حزين وحزني لا يعادله ثق ...
- مبادرة -أوجلان- تاريخية... والكرة الآن في ملعب الأتراك
- الهوّية وأدب المنفى
- شعبان.. من ثِمارِه تعرفونه
- سناء شامي: في تقريظ كتاب -دين العقل وفقه الواقع-
- أمسية البنفسج
- فيض فكري في عصر القحط الثقافي
- عبد الحسين شعبان ونظريته في تعظيم المشتركات
- الاجتماع الديني وثقافاته في خطاب المفكر العربي الكبير الدكتو ...
- ساعة توقّف الزمن


المزيد.....




- الحوثيون يحتجزون 20 موظفا في الأمم المتحدة والولايات المتحدة ...
- مندوب فلسطين بالجامعة العربية يزور الأسرى المبعدين إلى مصر
- إيران تعلن إعدام شخص بتهمة التجسس لصالح إسرائيل
- غارات للاحتلال الإسرائيلي على غزة: استهداف البريج وخيام النا ...
- ايران تعلن إعدام جاسوس للموساد في مدينة قم
- الاحتلال يقصف خيام النازحين في -مناطق آمنة- .. بالتزامن مع إ ...
- الأمم المتحدة تبدأ إزالة أنقاض غزة في محاولة لإعادة فتح الطر ...
- طلب عاجل للمجلس القومي لحقوق الإنسان للتدخل لإنقاذ حياة السي ...
- ما وجهات الأسرى المبعدين عن الأراضي الفلسطينية؟
- حراك مناهض للمهاجرين غير النظاميين في ليبيا


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبد الحسين شعبان - البارزاني ثلاث مفارقات وثلاثة دروس... وثمة ذاكرة