أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عبد الحسين شعبان - عبد الحسين شعبان ونظريته في تعظيم المشتركات















المزيد.....

عبد الحسين شعبان ونظريته في تعظيم المشتركات


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 8443 - 2025 / 8 / 23 - 13:28
المحور: قضايا ثقافية
    


د. خالد شوكات
كاتب وروائي تونسي وزير ونائب برلماني سابق، رئيس المعهد العربي للديمقراطية

ثمّة هاجسان يشغلانني دائماً عندما يتعلّق الأمر بتقييم مسار كبار الكتّاب والمفكّرين من أبناء أمّتنا العربية، أوّلهما، مدى تطابق القول مع الفعل، مصداقاً للعبارة القرآنية التي تقول: “يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون” (الصف/2)، والعبارة الثانية التي تقول: “أتأمرون النّاس بالبر وتنسون أنفسكم” (البقرة/44)، وثانيهما، وهو غير بعيد عن الهاجس الأوّل، أو هو شقيقه، ويتمثّل في مدى التزام صاحب النظرية بتنزيلها على أرض الواقع، أي أن لا يكون من ذاك الذي يقدّم “علماً لا ينفع”، فكثير من أصحاب الفكر والبحث معتصمون بأبراجهم العاجية متعالون عن النّاس، فلا يؤثرون تأثيراً مباشراً في العامّة باعتبارهم من الخاصّة، ولا يختبرون أفكارهم في مجتمعاتهم على نحو يساعدهم على تقويمها وتصحيحها، خصوصاً إذا كان مبحثهم من العلوم الإنسانية التي تقتضي النقد والمراجعة من خلال التطبيقات العملية والتجارب الاجتماعية.
ومن منطلق هذين الهاجسين، كانت نظرتي التقييمية لمسيرة الدكتور عبد الحسين شعبان الطويلة، التي لا تضمّ ما يقارب المئة كتاب فحسب، فضلاً عن آلاف المقالات والدراسات التي نشرها طيلة عقود من العطاء الفكري الخصيب لهذه الأمّة، حتّى وصفته ذات مرّة في الاحتفالية (احتفالية العرفان) التي أقمناها له في تونس سنة 2016، بأنّه “رجل بمثابة مؤسسة”، بل تشمل كذلك سيرة عملية عامرة بالأنشطة والإنجازات، ساهم من خلالها في تأسيس عشرات المنظمات والمؤسسات في المجتمع المدني، بالإضافة إلى مئات المبادرات والبيانات والمواثيق والرسائل والدعوات التي ساهمت في تأليف المثقفين والنشطاء والعاملين حولها، من جميع التيارات والمشارب الفكرية والسياسية، هذا إلى جانب لمساته الشخصية المحبّة والتفاتاته الودّية الراقية نحو أصدقائه من المعروفين والمهمّشين على السواء، فقد أرشد تواضع العلماء الأصيل في شخصيته “النجفية الحمراء” إلى الكتابة التكريمية عن شخصيات مغمورة ومشهورة على السواء، غير آبه بغير المعنى الإنساني العميق، وبـ”الوفاء” الذي هو أعظم ما يمكن أن تتحلّى به الشخصية البشرية، في زمن قلّ فيه الوفاء، تماماً كما أن “التواضع” أفضل ما يمكن أن يسم سلوك العلماء الأجلاء، كما هو حال عبد الحسين شعبان.
لقد عرفت الدكتور عبد الحسين كما أشرت في مجالات اهتمامنا المشتركة، وفي مقدّمتها قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والوحدة العربية والقضية الفلسطينية، وهو معلّم كبير فيها جميعاً، قولاً وفعلاً، وتنظيراً وتنزيلاً. ومن الأهمّية القول في هذا السياق، بأنني التقيت هذا المعلّم الكبير، وأنا قادم من الضفّة الفكرية المقابلة للضفّة التي أتى منها، لكنّنا التقينا في “دار الوسط” كما يقول المثل الشعبي عندنا في تونس.
لقد جاء الدكتور عبد الحسين إلى هذه الدار من ضفّة “الماركسية” التي قام بـ”تحطيم مراياها” كما لم يفعل مفكّر عربي يساري مثله من قبل، من حيث القيمة النقدية وعمق المراجعات الفكرية، فيما جئت أنا من الضفّة الإسلامية المحافظة، بعد أن نزعت عنّي رداء الجماعة الضيّق ولبست عباءة الناقد المعتصم بالحرّية، هكذا سرت مع الدكتور شعبان طيلة ثلاثين عاماً معاً دون أن أشعر يوماً بأنّه “شيوعي سابق” أو يشعرني هو بأنني “إسلاميّ سابق”، فكلانا مؤمن على نحو لا يتزعزع بأن الرابطة الإنسانية أقوى من أي رابطة ثانوية أخرى، وعلى هذا النحو قمت معه بـ”تعظيم مشتركاتنا”، وهي أكثر بكثير من “مختلفاتنا”، وهي أولى بالعناية والرعاية والتعهّد لو يعلم أبناء جلدتنا.
لقد وجدت الدكتور عبد الحسين شعبان منذ عرفته في مدن اللجوء الأوروبية أوائل تسعينيات القرن الماضي، يفعل فعلاً ما يقول، فهو داعية ديمقراطية وحقوق إنسان حقيقي، يمارس دعوته في سلوكياته تماماً كما نظّر لها في كتبه ومقالاته. يدافع عن حقوق الشيوعيين والإسلاميين والليبراليين والقوميين والبشر أجمعين، لا ترى في دفاعه ما يجعلك تشكّ في إخلاصه، كما يفعل كثيرون، ممن نراهم يكيلون الكيل بمكيالين، ويزنون الأمور بحسب القرب الأيديولوجي والسياسي، أما تطبيقيّاً، فسيلاحظ كل منصف أن للرجل أصدقاء من نشطاء وقيادات في جميع هذه التيارات، وهو أمر نادر ربّما، فالدكتور يملك صداقات عميقة وثابتة مع مكوّنات الطيف الفكري العربي، يستحقّ الإشادة والاقتداء، في تحدٍّ كبير لهذا الواقع العربي الخاضع كلّياً للانقسام والتشرذم والتناحر والصراع، فكيف وفّق الرجل بين تناقضات المشهد العربي في لوحته السوريالية التي هو بصدد رسمها منذ ما يزيد على نصف قرن، ذلك سرّ من أسرار طويّته المحبّة للخلق الباحثة عن بناء الجسور معهم بصدق، ولولا صدقه ما صدقوه أو صادقوه.
إن هذه الشخصية العراقية العربية ذات الأفق الإنساني الرحب، هي المفسّر أيضاً لهذا التعايش السلمي في ذاته، بين الرجل الذي ولد في الحضرة “النجفية” حيث يزور الناس من كل حدب وصوب أضرحة الأئمة من آل بيت النبي العربي، ثم عاش في الغرب بقسميه الاشتراكي والليبرالي، بكل ما تعنيه هذه العيشة من تشبّع واضح بقيم العقلانية والحرّية والعدالة الاجتماعية، ثم رجع إلى الشرق من حيث أتى، أين نراه “شرقياً” بكل ما تعنيه “روحانية” الشرق من معنى، وذلك في اهتمامه صادقاً بمباحث “التصوّف” و”العرفان” و”التسامح بين الطوائف والأديان”، التسامح الذي يمارسه عمليّاً أيضاً، في سيرته اليومية، من خلال تواصله المحبّ مع أهل الكنائس والرهبان، وحرصه على نصارى أمته الذين وصفهم بـ”ملح الأرض”، بل كذلك على صابئتها المندائية ويزيديّيها وسريانييها وعلوييها وسائر مكوّنات فسيفسائها البديعة، إذ يحرص الدكتور شعبان أشدّ الحرص على التعريف بأصدقائه لدى أصدقائه وعموم النّاس، مديراً أجندته المتنوّعة في تشبّث استثنائي بالوحدة، وكأنّه يقول لتلاميذه، وأنا من بينهم، و”ماذا تعني الوحدة دون تنوّع؟” أيّها السالكون طريق الحبّ والمعرفة.
أما قوميّاً، فقد كان الدكتور عبد الحسين كما عرفته، من أحرص مفكّري الأمّة العربية على وحدتها، فقد كان وما يزال عضواً فاعلاً في كثير من المؤسسات الوحدوية العربية، حرصه على المساهمة في تأسيس الجديد منها، إيماناً منه بأن “التجديد” هو الذي ينهض بالأمم، وما من أمّة جدّدت نفسها إلّا وضمنت لها موقعاً في “لعبة الأمم”، لكن هذا الحرص لا يتناقض برأي المفكر المجدد مع السعي الدؤوب إلى “التكامل الإقليمي”، فالعرب برأي الدكتور شعبان لا بديل لديهم عن تمتين علاقتهم مع شركائهم الأصليين -لا الدخلاء- من أبناء المنطقة الشرقية، وفي هذا السياق تتنزل دعوته النظرية والتطبيقية دائماً إلى “الحوار بين الأمم الأربع”، وعلى هذا النحو اشتركنا معاً طيلة العقد الماضي في عقد جولات حوار بين مثقفي هذه الأمم، العربية والكردية والإيرانية والتركية، في تونس وأربيل وعمّان وبغداد وبيروت، وفي كل مدينة لا تمانع في إقامة حوار بهذا المضمون، وإن اختلفت عناوينه أحياناً، سواء كان حواراً ثنائيّاً أو حواراً جامعاً.
وتجدر الإشارة مجدّداً إلى أن صداقات الدكتور عبد الحسين وعلاقاته المتميزة مع مثقفي الأمم الأربع، كانت خير عون لنا في تنظيم هذه الحوارات واللقاءات، وخير مساعد على تجاوز العقبات والهنات والإشكالات التي عجزت عن تجسيرها دول وأنظمة وحكومات، فتعظيم المشتركات عند الدكتور عبد الحسين ليس مجرّد نظرية أو شعارات، بل هو تطبيقات عملية تجسّدت في عشرات الندوات الجامعة والمؤتمرات الحوارية الناجحة في عواصم ومدن الإقليم المشرقي الواسع.
إن الكتابة عن صديق حميم ورفيق مخلص، ليست بالمهمّة السهلة، فأنت مطالب من جهة بأن تفي الرجل حقّه، ورجل كالدكتور شعبان يصعب أن تفيه حقّه في أسطر وجيزة مهما طالت، كما أنّك مطالب بالتزام الموضوعية والعقلانية في تناول السيرة الشخصية، لأننا كبشر لسنا معصومين عن الأخطاء، بل إن الأخطاء هي من صنعتنا، ولهذا فقد اتبعت في كتابة هذه الشهادة سبيل الصدق، وأردتها شهادة تجمع بين اطلاعي على ما كتبه هذا المفكّر المثابر طيلة عقود، وما عشته معه كصديق ورفيق يزعم أنه يعرفه، معرفة تجمع بين السيرتين الفكرية والسلوكية، وهما في واقع الأمر سيرة واحدة متطابقة، وهو ما يشكّل “فرادة” الشخصية “الشعبانية” أو “المدرسة الشعبانية” إن صحّت العبارة، مدرسة “تعظيم المشتركات” والربط بين الفكر المتجدد والممارسة المخلصة في إقامة الوصل بين الحرية والعدالة، وبين العقلانية والعرفان.

- مساهمة الدكتور خالد شوكات في كتاب جمر الحروف الذي صدر عن دار سعاد الصباح تكريمًا لدكتور عبد الحسين شعبان في يوم الوفاء 2024.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاجتماع الديني وثقافاته في خطاب المفكر العربي الكبير الدكتو ...
- ساعة توقّف الزمن
- أصبوحة شعرية لسنا شعبان
- باهرون... حقًا باهرون
- السياسة في مواجهة العنف
- الشعر والاغتـراب - خصوصية حالة السيّاب
- قراءة في كتاب فقه التسامح
- -سلعنته- التعليم أم -أنسنته-؟
- السويداء وممر داوود
- عبد الحسين شعبان.. المُتفرّد فكراً وسلوكاً
- غزّة و-الثمرة المرّة-
- الرابطة العربية للقانون الدولي إدانة العدوان الإسرائيلي - ال ...
- عبد الحسين شعبان.. اسم مُشرِّف في سورية
- فوردو والصبر الاستراتيجي
- هي النجف التي كانت وستكون...
- النجف -الغري- والذاكرة والميتافيزيقيا
- مجلس -دزئي- العامر
- تقريظ لكتابي الدكتور عبد الحسين شعبان - الهولوكست صانع إسرائ ...
- عبد الحسين شعبان. إلّا فلسطين!!
- عبد الحسين شعبان واللّاعُنف


المزيد.....




- -ستعيشان حبًا عظيمًا-..بريطاني وأمريكية يجمعهما القدر على طا ...
- روسيا تعلن السيطرة على قريتين في دونيتسك.. وزخم الوساطة يترا ...
- نهاية الحرائق المدمرة في إسبانيا -أصبحت وشيكة-
- معاريف: نتنياهو مُصر على المضي في العملية العسكرية
- تأجيل الانتخابات البرلمانية في 3 محافظات سورية
- وزير الخارجية النرويجي: الوضع بغزة كارثة من صنع الإنسان
- ناج من الهولوكوست: وسائل الإعلام الغربية شريكة في إبادة غزة ...
- -تأثير أحمر الشفاه-.. لماذا لا نتخلى عن الرفاهية رغم ضيق الح ...
- شريكة جيفري إبستين عن ترامب: لم أر أي شيء غير لائق منه.. وكا ...
- كارثة جوية كادت تقع.. كاميرا توثّق انكسار جناح طائرة دلتا


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عبد الحسين شعبان - عبد الحسين شعبان ونظريته في تعظيم المشتركات