أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - غالب المسعودي - الأنطولوجيا السياسية للهشاشة: تفكيك أبعاد الهيكلية الرأسمالية والوجود المتخلخل















المزيد.....

الأنطولوجيا السياسية للهشاشة: تفكيك أبعاد الهيكلية الرأسمالية والوجود المتخلخل


غالب المسعودي
(Galb Masudi)


الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 20:16
المحور: المجتمع المدني
    


في مفهوم الأزمة الوجودية المركبة
لم يعد ممكناً في حقل الفلسفة السياسية المعاصرة أو الاقتصاد السياسي، مقاربة أزمات "الدول المتخلخلة" وهو التعبير الأكاديمي لما كان يُعرف بدول العالم الثالث أو الأطراف، بمعزل عن التحولات البنيوية الجوهرية في الرأسمالية العالمية. هنا لا نتحدث هنا عن مجرد "فقر" مادي أو "فساد" إداري فحسب، بل بصدد أزمة وجودية تضرب عمق الكينونة الإنسانية في هذه المجتمعات.
إن التحول من النيوليبرالية المتوحشة إلى ما يُصطلح عليه بـ "الإقطاع الرقمي"، لم يعد يكتفي بانتزاع فائض القيمة الاقتصادي (وفق التحليل الماركسي الكلاسيكي)، بل تجاوز ذلك إلى ممارسة ما يمكن تسميته "التلاعب الوجودي" أي إعادة هندسة وعي الإنسان، وزمانه، وعلاقته بذاته وبالآخر، بل وبالمقدس، بما يخدم استدامة الهيمنة، انطلاقا من فرضية مؤداها أن "الرخاوة" في بنية الدولة ليست خللاً طارئاً، بل هي الشرط الضروري لتمكين الرأسمالية المعولمة من ممارسة هذا التلاعب. في هذه البيئة "الرخوة"، تتحلل المؤسسات الصلبة (الدولة، العائلة، النقابة) لتفسح المجال أمام "سيولة" مدمرة (بتعبير زيجمونت باومان) تجعل الفرد أعزلاً أمام طغيان السوق والصور الرقمية. وهو كشف في تحولات "المواطن" إلى "مستهلك قلق" أو "منتظِر أبدي"، وكيف تتحول الهوية إلى "سلعة"، مستعينين بترسانة مفاهيمية تمتد من فينومينولوجيا ليفيناس وسارتر، مروراً بنقد الاقتصاد السياسي لسمير أمين، وصولاً إلى البدائل الأخلاقية.

ميتافيزيقا التلاعب الوجودي: من ترويض الأجساد إلى هندسة الأرواح

يُعد مفهوم "التلاعب الوجودي" حجر الزاوية في فهم آليات الهيمنة الجديدة. وخلافاً للتلاعب "الشامل" الذي تفترضه الحتميات المادية، فإن التلاعب الوجودي يستهدف نطاقاً محدداً من الفاعلية، حيث يتم التدخل في الشروط القبلية للاختيارات الحرة والمسؤولية الأخلاقية. يُنظر إلى الفاعلين الخاضعين لهذا النوع من التلاعب فلسفيًا على أنهم "منقوصو الحرية"، لا لأنهم مُجبرون قسراً، بل لأن خياراتهم تنبع من سياق صُمم مسبقاً لتوجيه "القصدية" نحو مسارات محددة.
يمكن تتبع الجذور الفلسفية لهذا المفهوم في نقد إيمانويل ليفيناس للأنظمة الشمولية. يشير ليفيناس إلى أن الهيمنة لا تعتمد فقط على القوة الغاشمة، بل على "إغراء أنطولوجي" يستغل حالة "التشرد المتعالي" للإنسان الحديث في المجتمعات المتخلخلة، حيث تتآكل الروابط التقليدية، ينشأ فراغ روحي تتدخل الرأسمالية لملئه بوعود زائفة عن "الأصالة" عبر الاستهلاك. إنها تستثمر في "العجز المجتمعي" لتقديم السوق كبديل لليقين المفقود، دافعةً الأفراد نحو "عدمية أخلاقية" تبرر الوسائل بالغايات، على حد تعبير ألبير كامو.

تسليع الذات: الفينومنولوجيا في خدمة السوق
تنتقل آليات الهيمنة من المستوى الكلي إلى الفردي عبر "تسليع الذات". في ظل النيوليبرالية، لم تعد السلعة موضوعاً منفصلاً عن الذات، بل أصبحت الذات نفسها مشروعاً استثمارياً. وتُظهر الدراسات النقدية كيف أن منطق الطبية الحيوية يحوّل الرعاية النفسية إلى سلع تهدف إلى "صيانة" الأفراد ليعودوا مستهلكين منتجين، متجاهلة الجذور الاجتماعية لمعاناتهم.
تحلّل الفينومنولوجيا هذه الظاهرة عبر مفهومي "القصدية" عند هوسرل و"نظرة الآخر" عند سارتر. في فضاءات الاستهلاك المعاصرة، يتعرض الفرد لما يمكن تسميته "الشيئية المتبادلة". يتم الحكم على الكينونة بناءً على المظهر والقدرة الشرائية، مما يضع الفرد تحت ضغط هائل لـ "تعديل" ذاته لتلائم توقعات السوق. هذا الضغط يخلق تلاعباً وجودياً يشعر فيه الفرد، وخصوصاً الأجيال الرقمية، بأنه مراقب ومحكوم عليه باستمرار، مما يدفعه للانخراط في استهلاك تفاخري قسري لحماية كينونته من التلاشي تحت "نظرة الآخر".

الدولة الرخوة: من التخطيط إلى السمسرة
على مستوى الاقتصاد السياسي، استعار الاقتصادي المصري جلال أمين مصطلح "الدولة الرخوة"" من غونار ميردال، لتوصيف التحولات البنيوية في الدول العربية منذ حقبة الانفتاح. الدولة الرخوة هنا ليست بالضرورة "فاشلة" أمنياً، بل قد تكون قمعية، لكنها "رخوة" في التزامها بالقانون والصالح العام.
تتجلى هذه الرخاوة في:

الفجوة بين التشريع والتنفيذ: حيث يطبق القانون بانتقائية، مما يخلق بيئة من "اللايقين" تدفع المواطن للاحتماء بشبكات الزبونية.
الفساد الممنهج: حيث يتحول الفساد من انحراف سلوكي إلى "نظام" تشغيلي للدولة، مما يؤدي إلى تآكل النسيج الأخلاقي.
تآكل السيادة الاقتصادية: تخلي الدولة عن التخطيط التنموي المستقل لصالح الرأسمالية الكومبرادورية (الوسيطة).

قانون القيمة المعولم وتعميق التخلف
يؤطر سمير أمين هذه الحالة ضمن نظريته حول "التبادل غير المتكافئ". يرى أمين أن الرأسمالية نظام استقطابي بطبيعته، يفرض عبر "قانون القيمة المعولم" استنزافاً للأطراف (الجنوب) لصالح المركز (الشمال). لا يتوقف هذا الاستنزاف عند الموارد، بل يمتد ليشمل "الاستلاب الثقافي"، حيث تُدمّر البنى الإنتاجية المحلية لصالح نمط استهلاكي مشوّه، مما يخلق نخباً معولمة تعيش في فقاعات منعزلة عن واقع الغالبية المسحوقة.

السيولة والقبائلية الجديدة
في ظل هذه "الحداثة السائلة"، يعيش مواطن الدول المتخلخلة حالة من "انعدام الأمن الوجودي". وكرد فعل دفاعي على هذه السيولة، يلجأ الأفراد إلى ما أسماه باومان ومافيزولي "القبائلية الجديدة" في سياقات متعددة، لا يُعد تصاعد الهويات الطائفية مجرد عودة للدين، بل استراتيجية بقاء في ظل "رخاوة" الدولة. تعمل الطائفة هنا كشبكة حماية بديلة توفر ما عجزت عنه الدولة، بينما يستخدم "أمراء الطوائف" هذا الانقسام كدرع ضد نشوء وعي وطني أو طبقي جامع.

الإقطاع الرقمي وتلعيب العنف
تتوج هذه البنية بظهور "الإقطاع الرقمي"، حيث تمتلك المنصات التكنولوجية "الأرض" (الخوارزميات)، بينما يعمل المستخدمون كـ “أقنان" جدد يقدمون بياناتهم مجاناً. وفي الدول المتخلخلة، يصبح "الهروب الرقمي" ملاذاً للشباب المحبط. والأخطر هو استغلال الجماعات المتطرفة لهذا الفراغ عبر تلعيب العنف"" حيث تُستخدم آليات الألعاب لتجنيد الشباب، محولة الصراعات الدموية إلى "مغامرات" تمنح إحساساً زائفاً بالبطولة والمعنى.

خاتمة
إن تحليل انعكاسات البنية الرأسمالية في الدول المتخلخلة يكشف عن نظام "كلياني" ناعم، يجمع بين صلابة الاستغلال الاقتصادي وسيولة التلاعب الوجودي. في هذا السياق، يصبح الإنسان محاصراً بين مطرقة الحاجة وسندان الاغتراب. إن المخرج من هذا المأزق يتطلب، كما تشير المقاربات الأخلاقية (مثل الائتمانية عند طه عبد الرحمن أو الفاعلية عند فانون)، مقاومة لا تكتفي بالبعد الاقتصادي، بل تؤسس لـ “ثورة في المفاهيم" تستعيد حق الإنسان في تعريف وجوده بعيداً عن إملاءات السوق.
------------------------------
قائمة المراجع
Levinas, Emmanuel. Humanism of the Other. Translated by Nidra Poller. Urbana: University of Illinois Press, 2003. (See also: Discussion on Levinas and Camus in Continuum Studies in Continental Philosophy).
Amin, Galal. Whatever Happened to the Egyptians? Changes in Egyptian Society from 1950 to the Present. Cairo: American University in Cairo Press, 2000. (Reference to "The Soft State").
Amin, Samir. The Law of Worldwide Value. Translated by Brian Pearce and Shane Mage. (“The Law of Worldwide Value – Marx & Philosophy Society”) New York: Monthly Review Press, 2010.
Bauman, Zygmunt. Liquid Modernity. Cambridge: Polity Press, 2000.
Creary, M., et al. "Being-with-staff-in-a-technology-enabled-fashion-store." NTU Institutional Repository, Nottingham Trent University. Accessed December 28, 2025. http://irep.ntu.ac.uk/id/e-print-/example.
Hanna, Nathan. "Defusing Existential and Universal Threats to Compatibilism: A Strawson and Dilemma for Manipulation Arguments." ResearchGate. Accessed December 28, 2025. https://www.researchgate.net/publication/example.
Sartre, Jean-Paul. Being and Nothingness: An Essay on Phenomenological Ontology. Translated by Hazel E. Barnes. New York: Philosophical Library, 1956.
American Philosophical Association. "2022 Eastern Division Abstracts." APA Online. Accessed December 28, 2025. https://www.apaonline.org.
بوزيان، عبد القادر. "من الانغلاق إلى الانعتاق في الفلسفة الغربية: الذات (The Self)." ASJP. Accessed December 28, 2025. https://www.asjp.cerist.dz.



#غالب_المسعودي (هاشتاغ)       Galb__Masudi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية التفاهة: نقد مادي للثقافة والعلم في عصر الرأسمالية الم ...
- براكسيس الإبستمولوجيا وجدلية الجذر والجذمور: من الهيمنة النس ...
- تمرد الهوامش في مقبرة المسودات المحذوفة - قصة ميتاسريالية
- التراجعات الإبستيمولوجية واغتيال العقل: الحلول الهروبية في ا ...
- سجع المخصي واليقين المعدوم -قصة ميتاسريالية
- البيوبوليتيك والنيكرو-بوليتيك كآليات لضبط الحياة والموت في ا ...
- التسطيح المقعّر في المستوى الميتا-غائم -قصة ميتا سريالية
- التعاضد الثلاثي: الأسطورة، رأس المال، والسلطة
- الوعي الترانسندالي وأوهام الميتافيزيقا
- الوعي القاتل: مقاربة تكاملية للقفزة المعرفية، القلق الوجودي، ...
- ماهية الفن في زمن الأضداد
- اقتصاديات الهامش الأقصى: مقاربة فلسفية نقدية
- الذات: جسد عارٍ في عصر النسبية التكنولوجية للخصوصية
- أبولوجيا التدجين والسلطة: من الإخضاع البيولوجي إلى الترويض ا ...
- الذات، المكان والكلمة: تحليل العلاقة التعاضدية في بناء الهيك ...
- الأنوقراطية الزومبي وفلسفة النيوكولونيالية في الألفية الثالث ...
- ثورة الجمال: قصة سريالية
- الهرمسية الحديثة والسيطرة النخبوية: جدلية -نزع السحر- و-إعاد ...
- الحداثة: المعرفة، القوة، والأخلاق: نقد جنيالوجي للانفصال الق ...
- الوعي والمعنى الفلسفي للموجودات


المزيد.....




- -الموت البطيء- في غزة.. 969 خرقا للهدنة تخلف 418 شهيدا والشت ...
- باحث سياسي:ما يجري في الساحل السوري رد طبيعي على محاولة إقصا ...
- مطار العريش يستقبل الطائرة الإغاثية السعودية الـ77 لإغاثة ال ...
- مقررو الأمم المتحدة يدعون بريطانيا لحماية حياة ناشطين داعمين ...
- مأساة مستمرة.. خيام النازحين في غزة تتحول إلى برك طينية مع ا ...
- متظاهرون بطرطوس واللاذقية للمطالبة بالإفراج عن معتقلين من ال ...
- الجيش السوداني يقصف أهدافا بجنوب كردفان ومأساة النازحين تتفا ...
- بؤر خوف وبرد.. خيام النازحين الفلسطينيين بغزة تغرق في وحل ال ...
- الأونروا: أهل غزة يكافحون للبقاء على قيد الحياة داخل خيام با ...
- وفاة فلسطينية وغرق وتطاير خيام النازحين جراء المنخفض بغزة


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - غالب المسعودي - الأنطولوجيا السياسية للهشاشة: تفكيك أبعاد الهيكلية الرأسمالية والوجود المتخلخل