أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - غالب المسعودي - الوعي القاتل: مقاربة تكاملية للقفزة المعرفية، القلق الوجودي، والأسس البيولوجية للنزعة السلطوية















المزيد.....

الوعي القاتل: مقاربة تكاملية للقفزة المعرفية، القلق الوجودي، والأسس البيولوجية للنزعة السلطوية


غالب المسعودي
(Galb Masudi)


الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 22:07
المحور: المجتمع المدني
    


التناقض الأساسي للوجود البشري
يمثّل التطور المعرفي البشري، أو ما يُعرف بـ "القفزة المعرفية"، قوة مزدوجة في تاريخ الوجود الإنساني. فبينما وفّر هذا التطور آليات متقدمة للتحرر والاستدلال، فقد أنتج في الوقت ذاته شروط العبودية الوجودية. وهذه القفزة، التي مكّنت من العمليات المعرفية العليا كالتفكير المجرد واللغة، حملت معها إدراكاً لا مفر منه لحتمية الفناء الذاتي، وهو ما يشكّل مصدر "الإرهاب الوجودي" الكامن في صميم التجربة البشرية.
يكمن التناقض المركزي للوجود الإنساني في الصدام بين الدافع الغريزي القوي والساحق للاستمرار في الحياة، وبين الوعي المعرفي اليقيني والمفاجئ بضرورة وحتمية الموت الكوني، ما يُعرف بـ "مبدأ الفناء المتناقض". وهذا الصدام ينتج خزانًا من القلق يمكن أن يؤدي الى تعطيل الحركة إن لم تتم إدارته. ولأن هذا الإرهاب الكامن لا يمكن مواجهته بشكل مستمر وواعٍ، فقد تطورت آليات نفسية واجتماعية معقدة، تعمل في ميكانيزمات اللاوعي الدقيقة، بهدف إدارته وقمع وعيه المباشر.

القفزة المعرفية والقطيعة الفلسفية
تُعرّف القفزة المعرفية بأنها تجاوز نوعي في القدرات العقلية، يسمح بالانتقال إلى التفكير النظري في القضايا الفلسفية والأخلاقية. وتُشبّه هذه القفزة بـ "القطيعة المعرفية" التي تحدث عند قلب المفاهيم السابقة، كما حدث مع نظريات كوبرنيكوس وداروين، مما يُوهم بكسر قانون التراكم. ومع ذلك، فإن هذه القفزة، في سياق التطور المعرفي البشري، هي "تجاوز إيجابي" يمتص ويتمثّل ما في القديم من إيجابيات، ممهِّدة بذلك للوعي بالفناء كظاهرة وجودية وليست بيولوجية بحتة.

آلية اللاوعي الدقيقة
يشير هذا المفهوم إلى الآليات العصبية والنفسية الدقيقة التي تعالج إرهاب الموت قبل أن يتمكن من شل حركة الفرد. هذه الآليات تهدف إلى منع الإرهاب من الدخول إلى الوعي اليومي، وتشمل عمليات القمع البيولوجي، وتوجيه الغرائز، وتفعيل الآليات الدفاعية المعرفية المعقدة.

الجذور الفلسفية للوعي القاتل
القفزة المعرفية تُنتج ما يُسمى "الوعي القاتل" لأنها هي التي تمكّن قدرة التنبؤ والتفكير في المستقبل البعيد. هذه القدرة تنمو مع تطور آليات التفكير المجرد والاستنباط التي تظهر في مرحلة المراهقة النضيجة. هذا الإدراك المعرفي يسمح للوعي ببناء تمثّلات تشمل المعارف والاعتقادات المبرهنة وغير المبرهنة.
هذا التجاوز المعرفي هو الذي سمح للإنسان بإدراك حدود وجوده الفاني. وعندما نقضت النظريات العلمية الأصول الفلسفية القديمة، انفتح المجال أمام الوعي الذاتي لاستكشاف الوجود بمعزل عن الماهيات المسبقة، ما دفع فلاسفة الوجودية لوضع الموت في صميم التجربة البشرية.

الموت بنية أساسية للوجود لدى هايدغر
قدّم مارتن هايدغر تحليلاً أساسياً لدور الموت في الوجود البشري، مؤكداً أنه إذا كان هناك شيء يشكّل جوهر وجود الإنسان، فهو الموت.
يفرّق هايدغر جوهرياً بين موت الإنسان وموت الحيوان؛ فالإنسان يعي يقينًا بأنه سيموت، بينما الحيوان يفتقر إلى هذا الوعي. الحيوان يدرك الموت كحادثة أو خطر خارجي يمكن الفرار منه. أما الإنسان، فيدركه كوجهة نهائية لا مفر منها تحدث في أي وقت. هذا الوعي يشكّل الهيكل الجوهري للوجود الإنساني، ولكنه يولد قلقاً مستمراً ومفزعاً، يدفع الإنسان نحو "هروب ضخم، فردي وجماعي، من أمام هذا القلق."
إن هذا الوعي المعرفي المتقدم هو أصل الإرهاب الوجودي، إذ يضع القدرة على التنبؤ (الناتجة عن القفزة المعرفية) في صدام مع الدافع الغريزي للبقاء. وهذا الصدام هو الشرط الذي يجعل الوجود يتأثر بشكل أساسي بهذا الوعي الصادم.

التحليل النفسي الفرويدي: صراع إيروس وثاناتوس
قدّم سيغموند فرويد نموذجاً لآليات اللاوعي، مؤكداً أن السلوك البشري كما تشير عبارة التحليل النفسي الفرويدي: صراع إيروس وثاناتوس إلى نظرية أساسية في علم النفس طورها سيغموند فرويد، والتي تفترض وجود صراع دائم داخل النفس البشرية بين قوتين متعارضتين،
إيروس يمثل غريزة الحياة، الحب، والترابط. يُعرف أيضًا باسم "الليبيدو"، وهو يشمل الرغبة في البقاء، والتكاثر، والإبداع، والاتصال بالآخرين وهو القوة الدافعة وراء العلاقات الاجتماعية الإيجابية، والتنمية الشخصية، وثاناتوس يمثل غريزة الموت، التدمير، والعدوان.
يمثّل ثاناتوس الدافع الكامن للعودة إلى حالة اللاعضوية، متوافقاً مع مبدأ الإنتروبيا و"مبدأ النيرفانا". هذا الدافع هو القوة التدميرية الكامنة. يشير فرويد إلى أن الصراع المستمر بين القوتين يوجّه طاقة الموت (التي تسعى للتدمير الذاتي والرجوع إلى حالة العدم) نحو الخارج في شكل عدوان.
إن قلق الموت يغذّي هذا الصراع. بالتالي، فإن توجيه طاقة ثاناتوس إلى الخارج في شكل عدوان ودفاع عن الذات هو ميكانزيم أساسي يغذّي العنف بين المجموعات والدفاع القسري عن الحدود الثقافية، وهي الأرضية النفسية التي تتأسس عليها النزعة السلطوية.

القمع الاجتماعي للوعي الفردي
تُستخدم "الجمعنة" كآلية دفاع وجودي تفرض التجانس الثقافي على الأفراد. إن الأنظمة السلطوية تدرك أن الوعي الفردي، الذي هو أقرب للصدق، يولد القلق الوجودي الذي تسعى الأيديولوجية لإدارته.
لذلك، يتم طمس معالم الشخصية الفردية وتأجيل تطوير الوعي الفردي لصالح "الأنا الجمعي المجبول على فرض التجانس". هذا التحول ضروري للسلطة لأن الوعي الجمعي يدمج الفرد في بنية خلود رمزي أكبر منه (الدولة، الأمة، الأيديولوجيا). النزعة السلطوية، من هذا المنطلق، لا توفّر القوة فحسب، بل تبيع الغياب المنظَّم للقلق، عبر إعادة الفرد إلى حالة "الغفلة والتسطّح" (ما قبل الوعي)، ولكن ضمن إطار اجتماعي مقبول.
يُفسّر هذا على أساس الدوافع التطورية والجينية، حيث يُعد نقل الجينات والشعور بالذات إلى النسل آلية لـ "الخلود الرمزي". هذا يربط بين الدافع الجيني للنجاة وبين دعم الأيديولوجيات الثقافية. تستغل النزعة السلطوية هذا الأساس البيولوجي بتوفير نظام اجتماعي قوي يُفترض أن يضمن استمرار النسل والمجموعة، وبالتالي يُستخدم الدافع الجيني غير الواعي لتعزيز التماسك الأيديولوجي والسلطوي.
---------------------
المراجع
بيكر، إرنست. إنكار الموت (The Denial of Death). (مصدر أساسي لفهم الإرهاب الوجودي والخلود الرمزي)
بياجيه، جان. نشأة الذكاء عند الطفل. (لتعزيز الجزء المتعلق بالقفزة المعرفية والتفكير المجرد في المراهقة)
هايدغر، مارتن. الكينونة والزمان (Being and Time). (لتعميق تحليل دور الموت كبنية للوجود)
فروم، إريك. الهروب من الحرية. (لتحليل الجانب الاجتماعي والنزعة السلطوية كهروب من الوعي الفردي)



#غالب_المسعودي (هاشتاغ)       Galb__Masudi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماهية الفن في زمن الأضداد
- اقتصاديات الهامش الأقصى: مقاربة فلسفية نقدية
- الذات: جسد عارٍ في عصر النسبية التكنولوجية للخصوصية
- أبولوجيا التدجين والسلطة: من الإخضاع البيولوجي إلى الترويض ا ...
- الذات، المكان والكلمة: تحليل العلاقة التعاضدية في بناء الهيك ...
- الأنوقراطية الزومبي وفلسفة النيوكولونيالية في الألفية الثالث ...
- ثورة الجمال: قصة سريالية
- الهرمسية الحديثة والسيطرة النخبوية: جدلية -نزع السحر- و-إعاد ...
- الحداثة: المعرفة، القوة، والأخلاق: نقد جنيالوجي للانفصال الق ...
- الوعي والمعنى الفلسفي للموجودات
- الماهية والوجود: إعادة تعريف منهجي عبر الحاضرية الوجودية الش ...
- التكلفة اللغوية للتماهي الفلسفي: تشكيل الوعي بين المتخيل وال ...
- ثلاث قصص سريالية
- جدلية السلطة النصية: من القدسية إلى النسبية
- تفكيك العلاقة بين الإبادة المعرفية وتواطؤ النخب
- صداع على حبل الغسيل -قصة سريالية
- التسييس والتأنيس في الخطاب الأخلاقي: مقاربة فلسفية
- الدور الإقصائي للمرجعيات الثقافية الشرق أوسطية
- الشر الكامل في سياق النيوكولونيالية
- إخفاقات البراغماتية والفلسفة التجريبية: القاسم البنائي المشت ...


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تداهم مقر الأونروا في القدس الشرقية
- اعتقال فائق أيوب مياسة: تطورات في نظام الأسد
- الأمم المتحدة تخفّض نداءها للمساعدات الإنسانية لعام 2026
- إصابات واعتقالات في مداهمات للاحتلال بالضفة والقدس
- الأمم المتحدة: تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي حول حدود غزة ...
- أبو حمزة: سرايا القدس تغلق ملف الأسرى الإسرائيليين
- منظمات حقوقية تطالب بإنهاء احتجاز المهاجرين في معسكر -إيست م ...
- المغرب: بنعليلو يؤكد أن مكافحة الفساد -معركة وجود-
- تركيا تدين اقتحام إسرائيل لمقر الأونروا في القدس وتعتبره انت ...
- بسبب انتهاكات جسيمة.. دعوات حقوقية لإغلاق مركز احتجاز أميركي ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - غالب المسعودي - الوعي القاتل: مقاربة تكاملية للقفزة المعرفية، القلق الوجودي، والأسس البيولوجية للنزعة السلطوية