أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - توما حميد - حول -فاشية- روسيا و-ديمقراطية- الغرب! رد على رفيق















المزيد.....


حول -فاشية- روسيا و-ديمقراطية- الغرب! رد على رفيق


توما حميد
كاتب وناشط سياسي


الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 10:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نشر أحد الرفاق مؤخراً على صفحته في "فيسبوك" تدوينة جاء فيها: "إن انتصار بوتين في أوكرانيا هو انتصار للفاشية في جميع أنحاء العالم، وتنتظر أوروبا فترة عصيبة بعد استسلام زيلينسكي". كثيراً ما تُستخدم كلمة "الفاشية" بشكل غير دقيق للإدانة السياسية، أكثر من استخدامها كمصطلح علمي لوصف نموذج حكم برجوازي محدد السمات. إلا أن هذه التدوينة لا تندرج في هذا الإطار، بل تساهم في نشر وهم مرتبط بمنظومة الغرب ونموذجه السياسي، مما دفعني إلى الرد على هذا التصور. ليس غريباً أن ينقل أكاديمي أو صحفي، خاصة في الغرب، مثل هذا التصور، ولكن بنظري يستحق أي شيوعي يقوم بتصوير الصراع في أوكرانيا على أنه صراع بين "الفاشية" و"الديمقراطية" أن يمنح وساماً من قبل الطبقة الحاكمة الغربية.
قبل كل شيء، ليست الديكتاتورية والسلطة الاستبدادية وشن الحروب وسلطة القائد المطلقة بالضرورة فاشية. فالفاشية ليست النموذج المفضل للبرجوازية في الحكم، لكنها تلجأ إليها أحياناً كملاذ أخير لإنقاذ نظامها. إنها استجابة البرجوازية وبديلها في زمن الأزمات، وهي محاولة الرأسماليين لحماية النظام الذي يخدمهم عندما يكون عرضة لخطر التفكك والانهيار. في فترات الأزمات الاقتصادية الكبيرة التي تهز المجتمع وتعرض الملايين للبطالة وانعدام الأفق، وعندما تواجه الطبقة العاملة تراجعاً هائلاً وسريعاً في مستوى معيشتها وتتعرض للإذلال، ويخسر الرأسماليون القدرة على تحقيق الأرباح عبر إنتاج وبيع السلع والخدمات، وتتصاعد التوترات والصراعات الاجتماعية والسياسية، وتتشرذم صفوف البرجوازية، وتصبح آليات الحكم التقليدية غير فعالة، وتفقد الأحزاب البرجوازية التقليدية (اليمين الوسط واليسار الوسط) نفوذها وقدرتها على معالجة مشاكل المجتمع، عندها يبرز بديلان رئيسيان: الحركة الاشتراكية والشيوعية الداعية لتجاوز الرأسمالية، والفاشية كبديل يميني متطرف للحفاظ على النظام الرأسمالي، ويتصارع البديلان بشكل شرس. فعندما يصبح النظام الرأسمالي نفسه موضع تساؤل، تكون وظيفة الفاشية هي توحيد الطبقة البرجوازية لمواجهة خطر التحول المجتمعي نحو اليسار والبديل الاشتراكي، خاصة عندما يكون هذا اليسار منظماً وقوياً. هنا تقرر البرجوازية، أو جناح منها، التخلي عن الديمقراطية البرلمانية والانتخابات والممثلين، والتحكم بكل شيء. باختصار، الفاشية هي ملاذ البرجوازية لإنهاء التناقضات وإخضاع الطبقة العاملة وإنقاذ النظام الرأسمالي من خطر الثورة الاشتراكية.
للفاشية عشرات السمات، لكن السمة الجوهرية هي تدخل حكومة يتحكم بها جناح سياسي يمثل أقصى اليمين البرجوازي، في وقت تبلغ فيه الأزمات والتناقضات درجة لا يمكن حلها بالطرق التقليدية، لدعم وتعزيز واستقرار واستمرارية الرأسمالية – رأسمالية القطاع الخاص – والتي تصل أحياناً إلى حد الاندماج بين الحكومة ورأس المال الخاص. يطلب كبار الرأسماليين والاحتكارات الدعم من الحكومة، وفي المقابل يدعمون الحكومة. تساعد الحكومة القطاع الخاص والرأسماليين، خاصة الكبار والشركات الاحتكارية، عبر تشديد الاستغلال داخلياً وخارجياً عن طريق:
1-
قمع والتخلص من النقابات أو استبدالها بـ"النقابات الصفراء
2-التدخل في التجارة الدولية لصالح الرأسماليين المحليين، وتسهيل التصدير وعرقلة الاستيراد عبر وسائل مثل التعريفات الجمركية أو شن حروب لفتح أسواق جديدة أو الاستيلاء على موارد دول أخرى بالقوة.
3-
التخلص من القوانين المكلفة للرأسماليين مثل قوانين البيئة والرفق بالحيوان.
4-
دعم نمو الاقتصاد عبر الإنفاق على التسلح والعسكرة.
5-
القضاء على الشيوعية والاشتراكية ومحاربة البديل الاشتراكي وتشويهه إلى أقصى الحدود، خاصة إذا كان تياراً قوياً قادراً على تحويل الوضع إلى وضع ثوري. فالفاشية هي محاولة لقمع الطاقة الثورية ورد فعل ضد الشيوعية والاشتراكية.
فرض هذا النموذج من الحكم، الذي هو عقد بين جناح برجوازي سياسي متطرف رجعي وبين رأس المال الخاص، للتغلب على إخفاقات النظام الرأسمالي، يتطلب أيديولوجية تستند إلى الوطنية المفرطة وأحياناً الوطنية العرقية، تدعو إلى "توحيد الأمة" و"حماية الأمة" و"تنقية الأمة" و"إعادة عظمة الأمة" و"العودة إلى تقاليد وقيم الأمة" و"حماية الهوية الحقيقية للأمة" و"تجديد طاقة الأمة" و"إعادة قوة الأمة عبر الوحدة" و"تطهير العرق" عبر القضاء على "الأعداء" في الخارج والداخل.
تقوم الفاشية بتقديس ماضٍ أسطوري. ويتم تلفيق تاريخ مليء بالعظمة والبطولة والتفوق الأخلاقي وإهمال الجانب المظلم للتاريخ، وتتحدث أحياناً عن عصر ذهبي في تاريخ البلد يجب السعي للعودة إليه. وتركز الفاشية على أن البلد هو أعظم بلد بين كل البلدان ولذلك من حقه سحق كل من يقوض عظمته. تقوم الفاشية بخلق وتقديس رموز محلية. يقدم النظام الفاشي نفسه كمنقذ ومخلص للوطن من المشاكل التي يواجهها والعودة للعصر الذهبي.
تحتاج الفاشية إلى القمع السافر لكل صوت معارض، خاصة الاشتراكيين والشيوعيين، وإعطاء صورة نمطية عن شرائح معينة في المجتمع وتحويلهم إلى كبش فداء (مثل اليهود والغجر والمهاجرين وأصحاب العاهات والمثليين وغيرهم) باعتبارهم مسؤولين عن أمراض المجتمع. والفاشية حركة عنيفة تبرر العنف والحرب بحجة الأمن القومي والصراع مع الشر. وتقوم بتوظيف الخوف والإقصاء وشيطنة "الأعداء" بشكل منهجي ومبرمج. تلجأ إلى خلق أعداء خارجيين على شكل دول أو حركات أو حتى شخصيات، وتشن حروباً عسكرية أو اقتصادية أو سياسية على دول أخرى، فالحرب جزء مهم من الأيديولوجية والحكم الفاشي لأنها تحل مشاكل لا يمكن حلها سلمياً. تحول الفاشية الصراع ضد "الأعداء" إلى صراع من أجل الوجود، وعادة ما تصور البلد كضحية. تعطي صورة نمطية عن سكان البلدان الأخرى في أحسن الأحوال على أنهم عدائيون أو يسيئون الحكم أو يسيئون استخدام أراضيهم ومواردهم الأولية.
يرافق هذا كله حملة إعلامية ضخمة تقدم الحركة الفاشية كحركة فوق-طبقية تتحدث باسم الوطن وحبه وباسم "الشعب" أو عرق معين، أي تجعل من "الوطنية" و"حب الوطن" و"العرق" غطاءً يحجب الحقيقة المتمثلة في حماية النظام الرأسمالي من الانهيار وحماية مصالح الرأسماليين. هذه الدعاية مهمة جداً، لأن مشاكل المجتمع الحقيقية لا علاقة لها بالعدو الذي تحدده الفاشية، سواء كان أجانب أو شرائح مجتمعية، كما حدث في ألمانيا تحت حكم هتلر، وإيطاليا تحت حكم موسوليني، وإسبانيا تحت حكم فرانكو.
إن إحضار البديل الفاشي للتعامل مع الأزمة وتوحيد البرجوازية وإنهاء التوترات يتطلب "رجلًا قويًا"، قائداً ديماغوجياً يتجاوز المؤسسات، لأنه – حسب الدعاية الفاشية – هو القادر على التغلب على المشاكل وإنقاذ المجتمع من الخطر، وهو الذي يعرف الصحيح من الخطأ. فحسب هذه الرواية، القادة العظام هم مصدر كل تغيير في التاريخ ويتم محو دور الحركات الاجتماعية. يصل الجنون الأيديولوجي أحياناً إلى مراحل ترتكب فيها الفاشية فظائع غير ضرورية لحماية سلطة رأس المال، وتستخدم عنفاً بلا أي قيود أخلاقية أو قانونية.
الفاشية هي حركة شعبوية تهدف إلى إخضاع الصراع الطبقي – فهي لا تعترف بالطبقات، بل ولا تعترف باليمين واليسار أصلاً – وهي عدو لدود للاشتراكية، تقسم البشر إلى مراتب وتقدس الهرمية الاجتماعية، وهي في معظم الأحيان عنصرية تقدس العرق وتقسم البشر إلى أعراق "عليا" و"دونية".
تدعم الفاشية النزعة المحافظة والمحلية والدينية والذكورية، وتشيطن حياة المدينة وتقدس حياة القرية حيث يتم "العمل الحقيقي". تدعي الفاشية معاداة "النخبة" وهي ضد التغيير وضد الفن والثقافة والمفكرين والنخبة الثقافية والتعليم وخاصة التعليم العالي والعلم (خاصة العلم الذي لا يخدم مصالحها). ترفض التفسير المعقد والجدلي والديالكتيكي للأحداث والظواهر وحتى ترفض الحقيقة فالحقائق تخضع للاعتقادات.
لا تعترف الفاشية بعالمية حقوق الإنسان أو بأن للبشر قيمة متساوية، بل تعتبر المساواة (مثل مساواة المرأة) مشكلة، وتنظر للإنسان كأداة للعمل والإنتاج تخضع مصالحه لمصالح "الوطن". تعتبر أن دور المرأة هو في البيت لإعادة إنتاج سكان البلد "العظيم" أو العرق المسيطر والمفضل. تقدس الاستغلال والملكية الخاصة وتعادي المنفعة العامة والخدمات الاجتماعية مثل التعليم الحكومي. تركز على محاربة الجريمة التي تصبح فرصة لقمع المجتمع.
بعد هذا الشرح، يتضح مدى سطحية الفكرة الواردة في تلك التدوينة. فأي انتصار للفاشية يمكن الحديث عنه في حرب أوكرانيا؟ المسائل أعقد من أن نصور انتصار روسيا على الغرب على أنه انتصار للفاشية.
قبل كل شيء، الصراع في أوكرانيا هو صراع بين روسيا والغرب، وليس بين روسيا وأوكرانيا فقط، كما يعترف فولوديمير زيلينسكي نفسه وقادة الغرب. إنه صراع متعدد الأوجه بين قوى رأسمالية لإعادة صياغة خريطة القوى العالمية. إبان انهيار الاتحاد السوفيتي، حدث اتفاق بين روسيا (الاتحاد السوفيتي) والغرب على وحدة ألمانيا، مقابل ألا يتقدم الناتو شبراً واحداً شرقاً، لكن الناتو ضم 13 دولة بعد ذلك. قادة روسيا كانوا يحذرون على مدى 20 سنة أنهم لن يقبلوا بوجود صواريخ الناتو على حدودهم، وأن دخول أوكرانيا وجورجيا للناتو هو خط أحمر
هل يستطيع هذا الرفيق أن يفسر لنا لماذا كل هذا الإصرار من الغرب على ضم أوكرانيا ونشر قواته فيها؟ ولماذا دبر انقلاب 2014 في أوكرانيا؟ ولماذا افتتحت السي آي إيه عشرات المراكز السرية في أوكرانيا، بما فيها منطقة دونباس؟ المسألة واضحة: هي محاولة من الغرب لمنع بروز أقطاب جديدة وإدامة هيمنته على العالم.
كان للغرب تكتيكان لتحقيق هدفه الأساسي المتمثل في الاستفراد بالصين وخنقها: الأول هو إضعاف روسيا وتفتيتها. لقد جرّوا روسيا عمداً إلى الحرب في أوكرانيا. هذه ليست نظرية مؤامرة، فقد تحدث أكثر من قائد غربي بارز، خاصة في أمريكا، عن هذا وعن تقسيم روسيا إلى 150-200 دويلة. هل نتذكر قول السياسي الأمريكي جون ماكين: "روسيا هي محطة بنزين تمتلك أسلحة نووية تتنكر كدولة، ويجب هزيمتها وتدميرها"؟ الغرب يريد روسيا ضعيفة كروسيا بوريس يلتسين تستسلم له. يتحدثون بصراحة عن أن أمريكا هي من أشعلت الحرب في أوكرانيا. يقولون: "يجب أن نحارب روسيا إلى آخر أوكراني". ويقول السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام: "الأموال التي صرفت على الحرب الأوكرانية هي أفضل استثمار قامت به أمريكا، لأن أمريكا تحارب روسيا وتضعفها دون أن تقدم أي دماء". وعندما فشل هذا التكتيك وظهرت بوادر هزيمة الغرب، صاروا يحاولون استمالة روسيا. ليس للإدارة الأمريكية مانع من تقديم أوكرانيا ككبش فداء مقابل كسب ود روسيا وبوتين لفصلها عن الصين.
من ناحية أخرى، هل ما يقوم به الغرب أقل فاشية مما تقوم به روسيا؟ هل رأينا ما تقوم به إسرائيل بدعم من الغرب؟ ما يحدث في فلسطين هو نتاج قناعة بتفوق عرق على آخر. الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في فلسطين لا يختلفان عن الهولوكوست. ألا نسمع عن نية أمريكا مهاجمة فنزويلا؟ هل الموضوع متعلق حقاً بالمخدرات؟ هل مادورو رئيس عصابة مخدرات؟ لماذا أوصلوا داعش إلى الحكم في سوريا؟ لماذا يتدخلون في أرمينيا وأذربيجان؟ هذه هي الفاشية بعينها، وهي عودة للاستعمار القديم. يعيش 60% من سكان الدول الفقيرة تحت نوع من الحصار الاقتصادي الغربي.
يتم في الغرب اعتقال المحتجين ضد الإبادة الجماعية أو لمجرد تأييد فلسطين أو ارتداء الكوفية الفلسطينية. ويستخدمون "الموالات" للفلسطينيين كشتيمة وتهمة. يقومون بتوقيف الصحفيين بمجرد السفر إلى دول غير مرغوب بها مثل روسيا. أول إجراء قام به الغرب بعد حرب أوكرانيا هو منع كل وسائل الإعلام الروسية، سواء المؤيدة أو المعارضة للنظام.
لقد وصل الأمر بـ دونالد ترامب وحركة "ماغا" إلى إنكار الإبادة الجماعية ضد السكان الأصليين والعبودية والعنصرية المنهجية. إن انهيار الوضع المعيشي لأبناء العرق الأبيض في أمريكا ليس بسبب النمو غير المتكافئ للرأسمالية ونقل الإنتاج إلى الصين والبلدان الأخرى بل بسبب سياسة "التنوع والمساواة والشمول" أي بسبب إعطاء الفرص للنساء والسود وذوي العاهات. يقوم ترامب بإرسال مليشيات (آي إس) لاحتلال المدن لأن المدن التي تدار من قبل المعارضة هي في "فوضى".
يتحدث ترامب وكثير من قادة الغرب عن المهاجرين كغزاة، ومجرمين، وتجار المخدرات وإرهابيين ومغتصبي النساء والأطفال.
نتذكر كيف قال جوزيف بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي: "إن أوروبا حديقة، لقد بنينا حديقة، أفضل مزيج من الحرية السياسية والرخاء الاقتصادي والترابط الاجتماعي استطاعت البشرية أن تبنيه، لكن بقية العالم ليس حديقة تماماً، بقية العالم.. أغلب بقية العالم هو أدغال". وأضاف: “الأدغال يمكن أن تغزو الحديقة، وعلى البستانيين أن يتولوا أمرها، لكنهم لن يحموا الحديقة ببناء الأسوار، حديقة صغيرة جميلة محاطة بأسوار عالية لمنع الأدغال لن تكون حلاً، لأن الأدغال لديها قدرة هائلة على النمو، والأسوار مهما كانت عالية لن تتمكن من حماية الحديقة، على البستانيين أن يذهبوا للأدغال، على الأوروبيين أن يكونوا أكثر انخراطاً مع بقية العالم، وإلا فإن بقية العالم سوف تغزو أوروبا".
من ناحية أخرى، ما الجيد في نظام زيلينسكي؟ أعلنوا أن قيمة المساعدات الغربية لأوكرانيا بلغت 385 مليار دولار، لكنها في الحقيقة تقترب من التريليون دولار، وتم اختلاس ما بين 50 إلى 108 مليار دولار منها حسب الإعلام الرسمي الغربي. والآن أعلن الغرب عفوًا عامًا عن القيادة الأوكرانية عن كل فساد، لأنه يريد موافقة أوكرانيا على خطة ترامب. أمريكا تريد تجنب "لحظة سايغون" أو "لحظة كابول" جديدة. هل نعتقد أن ترامب يحب السلام؟ إنهم على يقين من أن الغرب سينهزم في أوكرانيا، ويريدون تفادي هذه الهزيمة وتسويتها بأي شكل. لذلك نجد ترامب يتملق لبوتين قائلاً إنه رجل ذكي وقوي... إلخ. إنه يريد التخلص من هذه الورطة. يريدون تطبيق خطة كيسنجر المعاكسة: استمالة روسيا من أجل الاستفراد بالصين، كما فعل كيسنجر في السبعينيات باستمالة الصين من أجل الاستفراد بالاتحاد السوفيتي.
رفيق، بلغت الديون السيادية الأمريكية 38 تريليون دولار، الطبقة الحاكمة مرعوبة من هذا الوضع، وخائفة من يوم قد لا يقرضهم فيه أحد، فينهار اقتصادهم. هدفهم هو العودة إلى الفاشية وإخضاع الطبقة العاملة الأمريكية، واستعمار دول غنية بالموارد مثل فنزويلا. يتحدثون بشكل علني: "إذا سيطرنا على نفط وذهب ومعادن فنزويلا النادرة، سنجني 18 تريليون دولار" – أي نصف ديون أمريكا تقريباً. ويريدون احتلال غزة. هذه خطتهم. الاتحاد الأوروبي يريد تشنجاً مع روسيا من أجل زيادة الإنفاق العسكري وقمع الطبقة العاملة.
موقف هذا الرفيق من حرب أوكرانيا يشبه موقف اليسار الهامشي من حرب الخليج، حين قالوا إن الحرب كانت بسبب احتلال العراق للكويت. هذا تصوير سطحي.
العالم أكثر تعقيداً من وصف روسيا بالفاشية والغرب بالديمقراطية. يبدو أن هذا الصديق مقتنع بالدعاية الغربية القائلة إن روسيا ستهاجم أوروبا بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا. في الحقيقة، هذه بروباغندا سخيفة. فقبل أيام، كانوا يقولون إن روسيا تنزع أشباه الموصلات من الثلاجات والغسالات لتشغيل صواريخها! إنهم يخسرون الحرب، وجيشهم منهار، وقيادتهم سيئة... إلخ، وفي نفس الوقت يقولون إن روسيا تخطط لغزو أوروبا! كيف لروسيا أن تغزو أوروبا؟ أعتقد أن القيادة الروسية ذكية بما يكفي لتعرف أنه ليس من مصلحتها وليس لديها القدرة على غزو أي دولة أوروبية. هذه حجة الطبقة الحاكمة في الغرب للانتقال إلى اقتصاد الحرب والخروج من الأزمة الاقتصادية.
من المؤسف أن نصور انتصار طرف على أنه انتصار للفاشية، بينما انتصار الطرف الآخر انتصار ضد الفاشية، أي لـ "الديمقراطية". هل علينا أن نبكي على هزيمة أحد هذين الوحشين، روسيا أو الغرب؟ كلا.
ما الذي صدر عن الطبقة الحاكمة الغربية في العقود الثلاثة الماضية يمكن أن يكون موضع دفاع من الشيوعيين؟ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وضعف خطر الاشتراكية، تمت مصادرة حتى حرية التعبير في الغرب. وصلت المراقبة الأمنية والرقابة إلى حد مخيف. هناك هجمة مرعبة على حقوق الطبقة العاملة. والآن هناك محاولة للعودة إلى الاستعمار التقليدي، أي غزو الدول الأخرى والاستيلاء على مواردها وأسواقها. نحن على أبواب حرب عالمية بسبب الطبقة البرجوازية في الغرب التي تريد الحفاظ على هيمنتها العالمية.
هناك محاولات عديدة لإخفاء حقيقة أن الفاشية أداة طبقية، ونموذج حكم تستخدمه البرجوازية لحماية نظامها عبر إخضاع الطبقة العاملة. يتم الحديث عن الفاشية باعتبارها "فكرة" وليس "عملاً" طبقياً. أحياناً يتم استخدام الفاشية كمرادف للاشتراكية أو الشيوعية. الإعلام الأمريكي ماهر خاصة في هذا المجال. لكن هناك أيضاً محاولات لاختزال الفاشية إلى مجرد استبداد أو نظام "الرجل القوي" بشكل عام.
ليس هناك شك بأن الغرب في أزمة عميقة، وهناك خطر حقيقي للتوجه نحو الفاشية للخروج من هذه الأزمة. إن الطريقة التي يتحدث بها ترامب والعديد من قادة الغرب عن المهاجرين والأجانب و"دعاة العالمية" لا تختلف عن الطريقة التي تحدث بها هتلر عن اليهود والغجر والروس. الأوصاف المهينة للأجانب هي نفسها. العداء للشيوعية والاشتراكية والماركسية والنقابات والأجانب والأقليات والنساء هو نفسه. دعوة "إعادة عظمة الوطن" و"تحرير" مؤسساته ونظامه التعليمي وإعلامه من اليسار والماركسيين هي نفسها. الدعوة إلى إعادة الماضي الذي دمره الشيوعيون واليسار هي نفسها. الحديث عن تدمير الحياة الأسرية عبر المثلية وطريقة تربية الأطفال وتعليمهم هو نفسه. الحديث عن بعض الأعراق باعتبارها مصدراً للجريمة والكسل هو نفسه. الحديث عن العمل الشاق كفضيلة هو نفسه. يقوم الغرب اليوم بإعادة كتابة التاريخ كما يحدث مع كل الحركات الفاشية. تقول كايا كالاس، الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي: "الجانب الروسي هو المشكلة، أعني روسيا هاجمت أكثر من 19 دولة على مدى المائة عام الماضية، وهاجمت بعضها ثلاث أو أربع مرات"، بينما لم تهاجم أي من هذه الدول روسيا".
إن الاستنتاج الخاطئ الذي قد يُستخلص من هذه التدوينة هو أن على الشيوعيين الاصطفاف مع الغرب ضد روسيا. هذا وهم. هذه ليست شيوعية. الفاشية لا تُهزم بالوقوف مع الغرب. فقط طبقة عاملة منظمة بقيادة تيار شيوعي واشتراكي يمكنها هزيمة الفاشية في كل مكان.



#توما_حميد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطة ترامب حول غزة، عودة الى الاستعمار التقليدي!
- حوار حول التحولات العالمية والوضع في الشرق الاوسط!
- العدوان الأمريكي على فنزويلا: بين ذريعة مكافحة المخدرات وأجن ...
- الإسلام السياسي: أقذر أنواع الحكم البرجوازي - العراق نموذجًا ...
- تصاعد الصراع بين الأقطاب الرأسمالية: مخاطر جديدة تهدد البشري ...
- عواقب فشل الحرب على إيران
- حول الهجوم الإسرائيلي على إيران!
- منصور حكمت وحقوق الاطفال
- في ظل الإبادة الجماعية، يجب أن يهدف النضال نحو إسقاط النظام ...
- ملامح إدارة ترامب الواضحة!
- المفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا: استراتيجيات أمريكية وصرا ...
- خطة ترامب حول غزة: عرض شخص معتوه ام استراتيجية إمبراطورية آف ...
- بماذا تخبرنا حرائق لوس انجلس؟!
- حول الصراع الدائر داخل حركة -ماغا- الشعبوية التي يقودها ترام ...
- ماذا حدث في سوريا، وماذا ينتظر الطبقة العاملة في المنطقة وال ...
- ويستمر الكابوس الذي تعيشه البشرية!
- عودة ترامب للحكم والآمال الكاذبة!
- حول تشكل الجبهة العمالية الموحدة للدفاع عن الشعب الفلسطيني!
- يجب فضح حملة الغرب الاخيرة ضد حرية التعبير!
- مشروع -تعديل- قانون الأحوال الشخصية العراقي يعكس إنحطاط الاس ...


المزيد.....




- إيقاف -بابا نويل وزوجته- بسبب السرعة الزائدة
- من بينها -لابوبو-.. هؤلاء أبرز -الرابحين والخاسرين- في سوق ا ...
- ألوان حياديّة وقصّات كلاسيكيّة.. أزياء ميلانيا ترامب في فترة ...
- وفاة المحتجز طارق أشرف محفوظ بقسم الهرم والتشريح يثبت إصابات ...
- حديث عن -التطبيع- يثير جدلًا واسعًا في العراق.. والسوداني: - ...
- تركيا تحبط مخططات -داعش- ليلة رأس السنة وتعتقل 115 مشتبهًا ب ...
- البابا يدعو إلى يوم سلام عالمي بمناسبة عيد الميلاد
- قضية إبستين: وزارة العدل الأمريكية تفحص أكثر من مليون وثيقة ...
- أعياد الميلاد: الاحتفالات تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحر ...
- باريس تعتبر قانون تجريم الاستعمار منافيا لإرادة الحوار


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - توما حميد - حول -فاشية- روسيا و-ديمقراطية- الغرب! رد على رفيق