بديعة النعيمي
كاتبة وروائية وباحثة
(Badea Al-noaimy)
الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 13:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أثناء انتفاضة ١٩٨٧ التي واجه فيها الفلسطيني الدبابة بالحجر، كانت قد تشكلت معادلة غير متكافئة تختصر جوهر الصراع، قوة عسكرية منظمة في مواجهة شعب أعزل إلا من أدوات رمزية للمقاومة. إنه الحجر، الذي كان وما يزال يعبر عن فعل تلك المقاومة، والذي قوبل عبر عقود بسياسة قمعية، بعيدة عن اعتباره سلاحا يبرر القتل الفوري. ولكن اليوم، تعود هذه المعادلة لتنكسر أخلاقيا وقانونيا مع إعلان غير مباشر عن تغيير قواعد إطلاق النار في الضفة الغربية، كما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية قبل أيام من كتابة هذا المقال.
وبحسب ما نشر فإن قيادة جيش الاحتلال في الضفة الغربية أبلغت جنودها بأنه "يجب قتل أي إرهابي يحاول إلحاق الأذى، حتى لو كان يرمي الحجارة".
الضوء الأخضر الذي أعطي لجنود الاحتلال، إنما يفتح الباب على وسعه أمام استخدام الرصاص الحي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، ضمن سياسة جديدة تزيد من سقوط ما يسمى ب "الضوابط الأخلاقية" الساقطة في الأصل والتي كانت نظريا تحكم سلوك الجيش في الأراضي المحتلة.
تاريخيا، كانت دولة الاحتلال تتعامل مع رمي الحجارة باعتبارها "مشكلة أمنية" منخفضة المستوى، حتى في ذروة الانتفاضتين الأولى عام ٨٧ والثانية عام ٢٠٠٠. وكان الخطاب ولو شكليا يميز بين التهديد المسلح والاحتجاج الشعبي، أما اليوم، فقد تم محو هذا التمييز عن قصد، ليعاد تعريف الفعل المقاوم، حتى لو كان رمي الحجارة، واعتباره فعل "إرهابي" يستوجب القتل.
إن الجيش الذي يمنح جنوده صلاحية القتل الواسع دون خوف من المحاسبة، إنما يتصرف كسلطة احتلال تستخدم العنف كأداة ضبط جماعي. حيث القتل أداة ردع وعقاب، تمارس على أساس الاشتباه والانطباع الشخصي للجندي في الميدان. وهذا يتناقض تماما مع مبادئ ما يسمى ب "القانون الدولي الإنساني"، الذي يفرض التمييز بين المدني والمقاتل، غير أن هذا القانون كما بقية القوانين للأسف لا تطبق على دولة الاحتلال مهما انتهكت وارتكبت من جرائم، بل وتغطي عليها حين يلزم الأمر.
وكأن حياة الفلسطيني فقدت قيمتها القانونية بالكامل. وكيف لا والقوانين غربية لا تقيم وزنا لسكان ما يطلقون عليه بالعالم الثالث.
ولكن هذه السياسة التي تظن دولة الاحتلال بأنها تطيل من عمرها بتوفير "الأمن" لها، إنما تؤسس لمزيد من الانفجار. فحين يقابل الحجر بالرصاص، الذي ينتهي بالموت دون تحقيق، فإن ذلك يراكم الغضب الذي ينتهي بثورة تركل أية حلول سياسية في القادم من الأيام.
.
#بديعة_النعيمي (هاشتاغ)
Badea_Al-noaimy#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟