بديعة النعيمي
كاتبة وروائية وباحثة
(Badea Al-noaimy)
الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 18:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في غزة اليوم تغلق نوافذ الرؤية الإنسانية ويجهض كل بصيص أمل في الشفاء بسبب نقص الأدوية والمعدات اللازمة للعلاج، وهنا تنقلب القضية لتصبح قضية حياة أو موت للعين لآلاف المرضى الذين أصبحوا على حافة العمى الكامل.
أكثر من ٤ آلاف شخص، بحسب مصادر طبية فلسطينية، معرضون لخطر فقدان البصر، في حين أن المئات، فقدوا بالفعل رؤيتهم بسبب تعطل القدرة على إجراء العمليات الجراحية والعلاجية الضرورية، مثل جراحات الشبكية أو علاج أمراض الجلوكوما المزمنة.
أما المستلزمات الحيوية مثل الخيوط الجراحية الدقيقة والأدوية المضادة للالتهاب وكذلك قطرات العين الأساسية فهي موجودة بنسب شبه صفرية داخل المستشفيات، بينما الأدوات الجراحية المتبقية يعاد استخدامها بشكل متكرر، مما يزيد من خطر تدهور الحالات الصحية.
ومن البديهي أن سياسة الحصار وإغلاق المعابر وقيود إدخال المواد الطبية التي يفرضها الاحتلال الفاشي الصهيوني هي المتسبب في انهيار القطاع الصحي. فالنقص الحاد في المستلزمات الطبية يتجاوز في بعض المجالات أكثر من ٧٠%، بما في ذلك تلك الخاصة بعلاج العيون، بحسب بيانات وزارة الصحة في غزة.
ومن هنا فإنه لا يمكن أن نغفل البعد السياسي للقضية، فعندما يستخدم الاحتلال الحدود كأداة ضغط، يصبح المربض رهينة سياسة حصار حقير، وكأن الهدف من وراء ذلك، حجب الرؤية عن أهل غزة بجميع أوجهها بدءا بعيونهم وانتهاءا بأفقهم الإنسانية.
فالعين من الناحية الفلسفية، موضع الوعي والمعرفة والارتباط بالعالم. ويقال بأن الفلاسفة قديما شددوا على أن إدراك الإنسان للعالم يرتكز على البصر، الذي إن فقده، فإنه يفقد جزءا من عقله المتصل بالآخرين وبالوجود. وهذا ما يسعى إليه الاحتلال اليوم في غزة، إقصاء فاقد البصر عن إمكانات معرفية وروحية كانت تمنح من خلال النظرة إلى العالم وإلى الآخرين. بمعنى حرمان الفلسطيني من عنصر أساسي في كينونيته الإنسانية حيث يحول الضوء إلى ألوان صارخة دائمة بعيدة عن ألوان الحياة، في عيون آلاف المرضى، وهو أقسى صور الحرمان.
وهذا ليس بالأمر المستغرب فعدونا، بوصفه نظاما فاشيا فاقدا لأي جوهر إنساني، لا يرى في الإنسان سوى أداة إخضاع. وكنتيجة فهو يتغذى على نزع الحياة، وعلى تحويل آلام المرضى إلى سياسة، والمرض نفسه إلى وسيلة عقاب جماعي. وكلها ممارسات ذات جذور مغروسة في "تلاميد يهوه"، تروج لها تيارات حاخامية متشددة تشرعن العنف وتسوغ التلذذ بتعذيب الضحية باسم التفوق والاصطفاء.
#بديعة_النعيمي (هاشتاغ)
Badea_Al-noaimy#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟