أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسام عبد الحسين - الحب في ظل الرأسمالية: عندما تتحول المشاعر الى سلعة














المزيد.....

الحب في ظل الرأسمالية: عندما تتحول المشاعر الى سلعة


حسام عبد الحسين

الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 00:47
المحور: قضايا ثقافية
    


في ظل الهيمنة الرأسمالية، لا ينجو شيء من التحول الى سلعة، حتى أعمق المشاعر الإنسانية. الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل كان أداة عنيفة لإدماج قوى بشرية وموارد جديدة في آلة الاستغلال العالمي، وضمان سيطرة رأس المال الأمريكي وشركائه على منطقة استراتيجية. لكن هذا المشروع لم يقف عند الاقتصاد والسياسة والجغرافية، بل امتد ليُعيد صياغة الوعي والعلاقات الإنسانية ذاتها، محولاً الحب من حلقة تضامن طبيعي الى أداة لإعادة إنتاج النظام الطبقي.

إن العلاقات الإنسانية، بما فيها العلاقات العاطفية والأسرية، تشكلها وتحددها علاقات الإنتاج السائدة التي تديرها الطبقة الحاكمة.

وقبل الانغماس في تحليلنا النقدي، لنقف لحظة أمام الظاهرة ذاتها التي نحاول حمايتها من الاختزال: الحب الرومانسي بكل قدسيته وجماله. هذا الحب الذي ظل عبر العصور أعظم ألغاز الوجود الإنساني، القادر على تحويل الروتين إلى شعر، والعادي إلى استثنائي، والزائل إلى خلود في الذاكرة. إنه ذلك الانفجار الداخلي الذي يجعل الإنسان يرى العالم لأول مرة، ليس بعينيه وحدهما، بل بعينين أخرين تشاركانه النظر. إنه التوحد الغامض حيث يختفي الفرد ليبقى الثنائي، ليس كجمع حسابي، بل ككيمياء تولد كيانًا جديدًا.

أسراره لا تُحصى: كيف يمكن لومضة عين أن تروي تاريخًا؟ كيف تتحول اللمسة إلى لغة أعمق من الكلمات؟ كيف يصبح الصمت حوارًا؟ وكيف يتحول الانكسار في حضوره إلى اكتمال؟ هذا الحب هو الثورة الروحية الأولى للإنسان، حيث يتعلم التحرر من ذاته الضيقة نحو فضاء "نحن" الرحب. إنه مدرسة التضحية غير المحسوبة، والشفافية التي لا تخشى الضعف، والهبة التي تفرح بالعطاء أكثر من الأخذ.

في حضرته، تتعطل قوانين المنطق الرأسمالي: فأغلى الهدايا قد تكون زهرة بسيطة، وأعظم الاستثمارات هو الوقت المهدر في الحضور، وأكبر الربح هو الخسارة الطوعية للذات في بحر الآخر. هذا التناقض الجميل هو ما يجعل منه أقوى مقاومة للاختزال المادي. إنه يذكرنا، في خضم آلة الإنتاج والاستهلاك، بأننا كائنات قادرة على التقديس، على اختيار شيء لا يُسعّر، على الانتصار للغزِ على الحساب، وللجمالِ على المنفعة.

لذلك، حين ندافع عن قدسية الحب الرومانسي، فإننا لا ندافع عن مجرد عاطفة، بل ندافع عن إحدى أعلى درجات الوعي الإنساني، عن تلك القدرة الفذة على خلق عالم مشترك قائم على الحرية المطلقة في الاختيار، والثقة العمياء، والجمال غير المشروط. إنه البرهان الحي على أن الإنسان، رغم كل محاولات تشييئه، يظل قادرًا على الخلق والسمو فوق مادية العالم. وهذا بالضبط ما يجعل استعادته من براثن الرأسمالية ضرورة وجودية، قبل أن تكون نضالًا اجتماعيًا.

الغزو الثقافي الذي رافق الاحتلال، عبر الإعلام والسينما والغناء، لم يكن ترفيهيًا بريئًا. لقد كان أداة إيديولوجية فعالة لغرس قيم الفردية الأنانية والمنافسة والاستهلاك. تم تقديم نموذج "الحب" كمشروع فردي يهدف الى "السعادة الشخصية" المحددة بالرفاه المادي والمنزل الفاخر والاستقرار الاقتصادي. بذلك يتلاشى الانتباه عن العدالة الاجتماعية والصراع الطبقي الى البحث عن "الخلاص الفردي" عبر علاقة خاصة. هذه العملية تُفكك الوحدة الجماعية، مما يخدم مصالح الطبقة الحاكمة التي تسعى لإبقاء الجماهير مشتتة ومنشغلة بصراعاتها الشخصية.

لذلك عندما يصبح الزواج مؤسسة اقتصادية قبل كل شيء، وعندما تُقاس قيمة الصداقة بمنفعة كل طرف، فإن أساس التضامن الاجتماعي ينهار. الرأسمالية تفضل الأفراد الانانيين، لأنهم أضعف في مواجهة نظام الاستغلال، وأكثر استهلاكًا كوحدات منفصلة، وأقل ميلاً لتنظيم أنفسهم للمطالبة بحقوق جماعية. إن انهيار العلاقات الإنسانية الحقيقية يؤدي لاستمرار تراكم رأس المال، لأنه يحول المجتمع الى مجموعة من ذرات متفككة يمكن استغلالها والسيطرة عليها بسهولة أكبر.

في المقابل، أن الحب الحقيقي هو شكل من أشكال التضامن الإنساني الخالي من المنفعة. إنه تعبير عن الطبيعة الاجتماعية للإنسان، عن حاجته للارتباط والتعاون والعطاء غير المشروط. هذا الحب موجود في قلب الصداقة، في العلاقات الأسرية الحقيقية الخالية من حسابات الميراث والمنفعة.

تحرير الحب لا يمكن أن يتم بمعزل عن تحرير المجتمع بأسره. وتحرير المجتمع بحاجة الى نظام سياسي يرعى هذا الهدف، حيث يُلغى منطق الربح والمنافسة كقانون رئيسي للحياة، تُفك العواطف من قيود التبادل السلعي. عندها فقط يمكن للحب أن يزهر كعلاقة إنسانية خالصة، قائمة على التقدير المتبادل والتكامل والحرية الحقيقية، وليس على الخوف من الفقر أو البحث عن المنفعة.

الدفاع عن الحب الحقيقي اليوم، في ظل هجمة الرأسمالية المعولمة، هو فعل ثوري بحد ذاته. عندما نرفض أن نحب أو نختار شريك الحياة بناءً على "مصلحتنا"، وعندما نبني علاقات صداقة قائمة على التضامن الحقيقي، فإننا نقاوم منطق النظام السائد. نضالنا من أجل عالم أكثر عدلاً، حيث توزع الثروة بشكل عادل وتُلغى فيه علاقات الاستغلال، هو في النهاية نضال من أجل عالم نستطيع فيه أن نحب بحرية.
الحب هو شرارة اندلاع الثورة كما قال جيفارا.



#حسام_عبد_الحسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوظيفة ليست تهمة. قراءة في تحميل الموظف العراقي وزر نظام اق ...
- المنافسة مرض وليست فضيلة
- الأمن مشروط في العراق، السليمانية أنموذجا
- عندما تصبح الثقة بالنفس تهمة التكبر
- بالسلاح والسيادة تركيا تحول الماء الى سعلة
- اجتماعات ستوكهولم بين حروب الدول القادمة والنزاعات المسلحة ا ...
- مخطط واحد بين قناة بنما والعراق
- توحيد الاقتصاد واختلاف الشعار، الجمهوري والديمقراطي الامريكي ...
- وغدا تنتهي الحياة
- ليل غير مؤدب
- أغلال مبعثرة
- التنافس والتسابق والغيرة بين أفراد المجتمع
- لولا ايران، ماذا تصنع امريكا للعراق؟
- هنية وشكر وجرف الصخر وأبعاد اسرائيلية
- غاية أردوغان من الهجوم العسكري على شمال العراق
- لماذا نتدخل بالسياسة؟
- مالنا من إنتخاب رئيس البرلمان الجديد
- ماهية الطبقة العاملة في الأول من أيار
- حوار بين مسؤول وصديق وأنا مستمع
- مسلسل ولاد بديعة تتمرد على الليبرالية.. وسلافة معمار تستحق ا ...


المزيد.....




- وزيرة أمريكية تنشر فيديو اعتراض ناقلة نفط بفنزويلا
- عدد الغواصات في -المحيط الهادئ- يفوق عدد الغواصات الأمريكية. ...
- نبذة عن فنّانين رحلوا في 2025 من نجوم هوليوود والعالم العربي ...
- المغرب.. مصادر: صور تظهر إبستين بحفل زواج الملك محمد السادس ...
- أ.ف.ب عن الشرطة: مقتل 10 أشخاص وإصابة 10 آخرين بإطلاق نار قر ...
- منشور أميركي -مستفز- وردّ روسي سريع.. سجال بشأن -غزو أوروبا- ...
- مظاهرة لأبناء الجنوب اليمني أمام مقر الحكومة البريطانية
- انقطاع الكهرباء عن عشرات الآلاف من المنازل في سان فرانسيسكو ...
- الكرملين: بوتين -مستعد للحوار- مع ايمانويل ماكرون
- اختفاء 16 ملفا من ملفات إبستين من موقع وزارة العدل الأميركية ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسام عبد الحسين - الحب في ظل الرأسمالية: عندما تتحول المشاعر الى سلعة