أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - حسام عبد الحسين - الوظيفة ليست تهمة. قراءة في تحميل الموظف العراقي وزر نظام اقتصادي مشوّه














المزيد.....

الوظيفة ليست تهمة. قراءة في تحميل الموظف العراقي وزر نظام اقتصادي مشوّه


حسام عبد الحسين

الحوار المتمدن-العدد: 8552 - 2025 / 12 / 10 - 14:45
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


لم تعد النار في الخطاب الشعبي والإعلامي معيارا للأداء الوظيفي أو الكفاءة، بل تحولت إلى رمز للظلم الممنهج، والفساد المؤسسي، وسرقة مقدرات البلد وقوت الفقراء. وفي خضم هذا الهجوم العام، يُغيب الكثيرون حقيقة أساسية: أن ما يقارب 90٪ من موظفي الدولة العراقية هم أبناء هذا الوطن، خدموا ويخدمون في ظروف بالغة الصعوبة، داخل جهاز اداري مشلول، ووسط اقتصاد مشوّه، لا ذنب لهم في صناعته.

الوظيفة الحكومية، في جوهرها، ليست خطيئة ولا امتيازا غير مبرر، بل هي حق اجتماعي تحول إلى ملاذ إجباري. لقد فرضته طبيعة التحول الجذري بعد عام 2003، الذي فرضه الاحتلال الامريكي في تخلي الدولة تدريجيا عن دورها الرعوي والتنموي الحقيقي، واتجهت نحو سياسة الاقتصاد الريعي القائم على إيرادات النفط فقط. ولتهدئة السخط المتصاعد ومعالجة البطالة، أغرق الجهاز الإداري بـ "التوظيف العشوائي"، الذي استخدم كمسكن مؤقت، دون بنية تحتية أو تخطيط يحول هذه الكتلة البشرية إلى قوة إنتاجية حقيقية.

ثم جاءت المرحلة التالية، الأكثر قسوة وابتعادا عن العدالة: تحميل الموظف البسيط نتائج هذا الفشل الهيكلي. فبعد أن جرى استخدام التوظيف كأداة لامتصاص الغضب، بدأ الخطاب الرسمي والشعبوي يتجه نحو اتهام الموظف بأنه "عبءٌ على الميزانية"، ومسؤول عن التقصير، بينما تغفل المحاسبة عن المليارات الضائعة في متاهات الفساد الكبرى.

إذن المشكلة الحقيقية، ليست في الموظف، بل في النظام السياسي والاقتصادي الذي حول الدولة من كيان خدمي إلى ما يشبه "الشركة". شركة تدار بمنطق الربح السريع والزبائنية، حيث يتحول المواطن إلى رقم في كشوفات الرواتب أو صفقة محسوبية، وتتحول الوظيفة التي يفترض أن تكون وسيلة للعيش الكريم والإسهام في البناء إلى "تهمة" يلام عليها حاملها.

لقد أدى البدء في التحول القسري نحو "اقتصاد السوق" و"الخصخصة" رأسمالية الشركات (النسخة الامريكية) إلى نتائج عكسية على الجمهور. فمع التراجع المتعمد لدور القطاع الحكومي والنمو المتسارع للقطاع الخاص (غير المنتج في غالب الأحيان)، لم يحصل استقرار معيشي حقيقي للأسر العراقية. بل على العكس، تآكلت الطبقتان الوسطى والفقيرة، وتغير نمط الحياة جذريا نحو مزيد من القلق وعدم اليقين، بينما ترك الموظف وحيدا يواجه تبعات هذا التحول.

وهذا النظام الاقتصادي المشوّه أنتج ممارسات إدارية تعكس فساده:

- سلم الرواتب المجحف الذي لا يتلاءم مع القوة الشرائية الحقيقية، مما يفقد الوظيفة معناها الأساسي في تأمين العيش.
- تقويض الحقوق عبر منع حق الإضراب أو المطالبة المشروعة.
- انتقائية المحاسبة، حيث يحاسب الموظف البسيط على أدق الهفوات، بينما يفلت كبار الفاسدين من أي مساءلة.
- ثقافة التسقيط ومحاربة المتميزين، ليبقى النظام على حاله، وتحفظ مواقع النفوذ.
- تحويل الدوائر الحكومية إلى إقطاعيات شخصية، حيث يتصرف المدير بمنطق "مالك الشركة"، لا مسؤول في مؤسسة دولة تخضع للقانون.

لذا من يريد الإنصاف، فليوجه سهام نقده إلى من صنع هذا الواقع المرير، لا إلى من وقع ضحيته. ان تحميل الموظف العراقي الذي يعيش على راتب بالكاد يكفيه لأسابيع وزر اختلالات نظام كامل، هو إمعان في الظلم.

إن الإصلاح يبدأ بالاعتراف بأن المعضلة ليست في أعداد الموظفين، بل في غياب الرؤية الاقتصادية الحقيقية، وهيمنة الفساد، واختزال الدولة إلى آلة للريع والتوظيف السياسي.

لقد آن الأوان لوقف تحويل الوظيفة من حق إلى تهمة، والبدء بمحاسبة من حولوها من أداة بناء إلى أداة هدم للوطن ولحياة ملايين العراقيين الأبرياء.



#حسام_عبد_الحسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنافسة مرض وليست فضيلة
- الأمن مشروط في العراق، السليمانية أنموذجا
- عندما تصبح الثقة بالنفس تهمة التكبر
- بالسلاح والسيادة تركيا تحول الماء الى سعلة
- اجتماعات ستوكهولم بين حروب الدول القادمة والنزاعات المسلحة ا ...
- مخطط واحد بين قناة بنما والعراق
- توحيد الاقتصاد واختلاف الشعار، الجمهوري والديمقراطي الامريكي ...
- وغدا تنتهي الحياة
- ليل غير مؤدب
- أغلال مبعثرة
- التنافس والتسابق والغيرة بين أفراد المجتمع
- لولا ايران، ماذا تصنع امريكا للعراق؟
- هنية وشكر وجرف الصخر وأبعاد اسرائيلية
- غاية أردوغان من الهجوم العسكري على شمال العراق
- لماذا نتدخل بالسياسة؟
- مالنا من إنتخاب رئيس البرلمان الجديد
- ماهية الطبقة العاملة في الأول من أيار
- حوار بين مسؤول وصديق وأنا مستمع
- مسلسل ولاد بديعة تتمرد على الليبرالية.. وسلافة معمار تستحق ا ...
- احداث واقعية لمتغيرات سياسية مستقبلية والفرد العراقي يصارع ا ...


المزيد.....




- Eurof – WFTU on the International Human Rights Day
- اجتماع عمالي حاشد في بطحاء محمد علي الحامي : اضراب ناجح في ق ...
- PAME: Panergatiki, dedicated to the ongoing struggles of the ...
- صدمة في مصر: زيادة كبيرة في إيجارات الأوقاف تهدد آلاف المزار ...
- البرتغال تستعد لأول إضراب عام منذ 12 عامًا احتجاجًا على حزمة ...
- وراء براعة الذكاء الاصطناعي...استغلال العمال في بلدان الجنوب ...
- إحالة أوراق عامل بمدرسة في الإسكندرية إلى المفتي بعد إدانته ...
- وقفة احتجاجية في خان أرنبة بريف القنيطرة تنديدا بالتوغل الإس ...
- الإضراب في الساحل يدخل يومه الثاني وسط استجابة واسعة
- الإضراب في الساحل السوري يدخل يومه الثاني وسط استجابة واسعة ...


المزيد.....

- ملامح من تاريخ الحركة النقابية / الحاج عبدالرحمن الحاج
- تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الحركة النقابية / الحزب الشيوعي السوداني
- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - حسام عبد الحسين - الوظيفة ليست تهمة. قراءة في تحميل الموظف العراقي وزر نظام اقتصادي مشوّه