أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عايد سعيد السراج - قصة.














المزيد.....

قصة.


عايد سعيد السراج

الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 00:23
المحور: الادب والفن
    


قصة : ( الهوتة )
عايد سعيد السـِّراج
أحملُ رأسي متسكعاً فوق الأرصفة أتابع ُ التسكّع , ولا زلتُ أحمل ُ رأسي , أذهبُ به إلى حاراتٍ بعيدة , أمتعةُ بمنظر البنايات الشاهقة , والأشجار المزروعة بإتقان على الأرصفة , أو في وسط الطرقات , ثم ألوب به إلى حاراتٍ تفوحُ منها رائحة ُ العَطَن ِ , ورَوْثُ الأغنام ِ , والأوادم ِ البشرية ِ , ألفُّ بشكلٍ دائري إلى القرية التي تلطي بجانب المدينة .
في الأيام التي يفتقرُ فيها الناس ُ , وتشحُّ السماء ُ بالمطر , يذهبُ الشيوخ ُ والنساك ُ , لجمع الحصى من نهر الفرات , فيُكوَّمونَهُ تلالاً .. تلالاً , ثم يأتون بالمزامير والدفوف , ويبدأ ون حلقات الذكر , وتبدأ ُ الهوسة يتلاحم الرجال مع السماء , ويتطاولون كالمردة, أو يأخذون هيئات ٍ مختلفة ثم يتوحدون مع الأولياء والصالحين , ويبقرون بطونهم بالدرابيش أو الخناجر , والأفعوانات تُرى تتراقص فوق أكتافهم , ويأكلون الجمر والزجاج , أو يدخلون النار ويخرجون منها برداً وسلاماً , وكأنّهم خرجوا للتو , من غرفة دافئة , تسيلُ قطراتُ العرق على جباههم , وفي مثل هذه السنين , يتحول أبو بشير , إلى سلطان تلفّ أذرُعُهُ المدينة َ , ويحاصرها من كل الجهات , وتظل عمشة معشوقته , هي صاحبة ُ القرار الخفي في كل ما يتعلّق بالمدينة , من شبهاتٍ وقضايا تخفى على اللسان , أعود مجرجراً خطاي , باتجاه باب بغداد (1) فأرى حفرة ً كبيرة ً يغتسل بها الرعاةُ والكلاب ُ والبطُّ البريُّ , فيركب ُ رأسي رأسَهُ , ويغتسلُ بهذه البركة النتنة , وبينما أسيرُ وأنا أحملُهُ , تخرجُ منه حيتان كبيرتان , لهما رأسان عظيمان , وأنيابٌ يقطرُ منها سمٌ لزج ٌ , فيهرب ُ مني رأسي , تفرّ به الحيتان فأحاول اللحاق به , قدماي تَـَهـِـنَان فأخر ّ صريعاً . أتهيب ُ الدخول إلى المدينة , وبعد برهة , أدخلها , فأرى الناس , يمرون بالقرب مني , وهم يتهامسون , ثم ينظرون إليّ بفزع ويتصايحون , إنه الشيطان ,ويتجمعون وهم ينبحون بصوت ٍ واحدٍ , اقتلوه ارجموه , تحّولَ الرجلُ الذي بلا رأس ٍ , إلى كتلة لحمية طرية مهترئة , تسير على الأرصفة بلا مبالاة , بلا عيون , بلا أنف بلا فم , مجّرد هيكلٌ لحميٌ , له عنق طويل , مثل ديك الحبش , له نهايات مدببة , كأنها الأشواك , تسيل على كتفيه , حبيبات ُ دم ٍ وعرق ٍ متجمد , الناس يتصايحون , النساء ُ يركضن , الأطفال يصرخون , الرجالُ خفافيش ُ ليل , الرعب ُ والفزع , يدبّ في المدينة , بيوت ُ " التَنَكْ " تطلّ منها الرؤوس ُ المشرِئّبة , تماماً مثل الرؤوس التي تطل من البنايات العالية , التي لا تطال نهاياتها السلالم المرتفعة , قال الرجلُ الذي بلا رأس , يجب أن أفرّ من هذه الضوضاء , وهذه الأصوات النابحة , ومن هذا الفحيح , عاد إلى البيت , قرع الباب , فتحت له زوجُهُ الباب , أكّدَتْ له , أنّ زوجَها غير موجود , وأنّ بإمكانه انتظارهُ في البيت إذا شاء ذلك , دَلَفَ مسرعاً وعندما رآهُ الأطفال بدأوا يتصايحون بأصوات غير مفهومة, فالطفلة الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها ثلاث سنوات اقتربت منه وقالت : بابا – بابا .. أكد لها أخواها هذا ليس بابا هذا رجل غريب
0 نعم إنه وحش
0 يشبه كرندايزر
0ولكنه بلا رأس
0 خطفوا رأسهُ الحرامية
0 وبدأوا يصرخون
الرجل ُ الذي بلا رأس راح يتسكع من جديد على أرصفة الطرقات متناسياً الضوضاء , والفحيحَ والحشدَ الذي يكبر شيئاً فشيئاً وراء ه , مزمجراً ومصدراً , همساً رهيباً , حيث تتداخل الأصوات مع بعضها , وتشكّلُ نسيجاً هائلاً , من التداخل الصوتي ْ غير المتجانس , الذي يشبه ُ أصواتاً , آتية من مقبرة ٍ هائلة ٍ , تضمُّ ملا يين البشر , الذين قاموا من يوم حشر ٍ بدأ جَسَدُ الرجل الذي بلا رأس , يتحول إلى غيمة ربيعية, الناسُ يتجمعون في الساحات , وهم يحملون لافتات الاحتجاج , على الرجل الشيطاني , الذي تلبّس المدينة , ثم ارتداها بنطالاً ضيقاً مهترئاً , كلّهم يرتدون أقنعة , سوداء وبيضاء وحمراء , بعضهم أقنعتهم ممزقة والبعض الآخر تُظهر وجوههم, التي تتطاول وتتثلث أو تتربع, وأحياناً تأخذ أشكال رؤوس متداخلة فيما بينهما , أو رؤوس رُكّبت فوق رؤوس , وتأخذ أحياناً أخرى شكل رؤوس تشبهُ الرؤوس الآدمية , وأنا لازلت أبحث عن رأسي الذي ولى , وكل ما أخشاه أن يكون قد ارتدى قناعاً , إذ كيف لي أن أعرفه , بين هذه الأقنعة المترامية الأطراف , تركت حشود الأقنعة , وتوجهت متهادياً إلى نهر الفرات الذي استقبلني بفرح طفولي, وهو يربت على كتفي ويهدهدني, ويحكي لي قصصاً مختلفة عن أناس عاشرهم , منذ ملايين السنين , فالبعض أحبّه وقدس أقدامه المائية والبعض ,( بصق على لحيته ), أو قذف في عينيه ِ قاذورات المدن , ومفرزات أحشائها, وحدثني عن النساء والأطفال , عن الشيوخ والصبايا , عن العشاق وليالي السمر , وعن أشجار الغَرَبِ والطرفاء , التي بدأت تهرم , وعن مكافأتهم له ولجلال شيخوخته, ولحيته الوقور البيضاء , وكيف ينظّفُها وأسماكُه , من أدرانهم , هم هكذا دائماً , أبناء البشر يا ولدي , قال : وَحَمَل الرأسَ الذي هو رأسي, من أعماقه, وركّبه تماماً مثلما كان فوق عنقي , وبيديه الحانيتين , أسقاني ماءاً فراتاً , وبعد برهة من التأمل , في عينيه الوادعتين , عدتُ أدراجي إلى المدينة , التي كانت تغرق بالسبات العميق
(1) باب بغداد باب اثري قديم يقابله باب الرقة في بغداد حيث تدخل القوافل منه إلى المدينة في زمن العصر العباسي .



#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ياقلبي الذي ليس لي
- الأديب السوري غير المعروف.
- اغنيلك لو تحزن
- الياء ترامت كغيم مشتاق
- أنا روح من ضمير
- ياحلوة يالرقة.
- قلبي للحزن مهرجان
- النجوى
- مطر هولندي
- مات الغالي
- ماهية الأدب
- أندريه بروتون. ومفهوم الشعر.
- قبر
- جوهر المعنى
- من ورد قلبك أيتها الأنثى
- أمٌ تلتقط بقايا أقدام الأطفال
- حزن المشتاق
- كن كما تريد
- أمي وتوحش السرطان
- راح العمر يازغيرةْ


المزيد.....




- منظمة مغربية تطالب بتمكين اللغة العربية ووضع حد لتغول الفرنس ...
- 4 أفلام عربية من بينها العراقي كعكة الرئيس مرشحة لجائزة الأو ...
- حريق مفتعل أم قضاء وقدر؟ جدل حول وفاة الفنانة المصرية نيفين ...
- -صوت هند رجب- يمضي لمسافة أبعد في منافسات جوائز الأوسكار الـ ...
- -صوت هند رجب- و3 أفلام عربية أخرى تقتحم سباق الأوسكار
- الأوسكار في دورته الـ98.. قائمة بأبرز الأفلام المرشحة لنيل ا ...
- ضايل عنا عرض لمي سعد وأحمد الدنف: فيلم يروي يوميات سيرك غزة ...
- -صوت هند رجب- يتصدر ترشيحات الأوسكار بعد جائزة -الأسد الفضي- ...
- بالصور.. مهرّج مكلوم يرسم الابتسامة على وجوه أطفال غزة
- نجوم الغناء ضحايا الاصدارات الزائفة باستخدام الذكاء الاصطناع ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عايد سعيد السراج - قصة.