|
|
فضح مشاريع تفتيت منطقتنا على أسس طائفية وأوهام عرقية
رابح لونيسي
أكاديمي
(Rabah Lounici)
الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 13:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تواجه دول منطقتا تحديات عديدة في كل المجالات، ومنها تحدي التفتيت بإشعال حروب أهلية مدمرة نعيشها يوميا في هذه البلدان والتهديد بتقسيمها إلى دويلات وإمارت صغيرة تتقاتل فيما بينها بدل إنشغال شعوب المنطقة بعملية البناء والتقدم والتنمية الإقتصادية، وعادة ما نحمل الخارج مسؤولية ذلك، وهذا ما لا يمكن أن ننفيه، لكن فلنتساءل كيف يتمكن العدو الخارجي من القيام بذلك لو لم نمهد له نحن في الداخل ونضع في متناوله كل الأدوات والأرضية الخصبة لمشاريعه التفتيتية. وسنوضح في هذه المقالة مختلف هذه المشاريع التفتيتية وتوظيفها لأخطائنا السياسية والثقافية وعصبياتنا التي عجزنا عن التخلص منها منذ قرون. يلاحظ القاريء أننا دائما ما نستخدم مصطلح الوهم العرقي في العديد من مقالاتنا، ويعود ذلك إلى مدى إدراكنا العميق بأن حروب المصطلحات تدخل ضمن إستراتيجيات القوى الكبرى التي تديرها بإحكام، ونجد ضمن هذه الأفكار والمصطلحات فكرة "الأعراق" التي ولدت في مخابر فرنسية وأمريكية، وأصبحت متداولة بقوة اليوم، ففكرة الأعراق في الحقيقة هي نتاج الفكر الأوروبي في القرن19عندما كتب الفرنسي أرثر جوبينو في منتصف هذا القرن كتابه عن عدم المساواة بين الأعراق، وقد ولد بنقل فكرة الداروينية عن تطور المخلوقات وإنقراض بعضها بالقول "أن البقاء للأقوى"، ثم نقل ذلك بالقول بالبقاء للعرق الأقوى، ومنه تولد الإستعمار والعنصرية وإحتقار الشعوب، ومنها النازية والصهيونية وغيرها، ثم أستخدمها الإستعمار الفرنسي في تقسيمه لشعوبنا، ومنها الشعب الجزائري مثلا الذي ما فتأت الأيديولوجية الإستعمارية تردد أنه لا وجود لأمة جزائرية، وأن الجزائر مجرد فسيفساء أو موزاييك من القبائل والأعراق، فشرع منذ البداية في تصنيف هذه القبائل والأعراق التي أخترعها، ويبحث في أصل كل عرق من هذه الأعراق التي خلقها إعلاميا وفكريا بهدف تفتيتيت وتطبيق مبدأ فرق تسد، وعرفت البلدان الأفريقية التي أستعمرتها نفس السياسة، ومنها بلدان الساحل كالنيجر والمالي وغيرها، ثم عاد الإستخدام المفرط للأعراق بقوة اليوم تنفيذا لإستراتيجيات قوى كبرى. فمن الخطورة ترديد هذه المصطلحات، ويجب أن نرفض الإستخدام أو قراءة وتفسير الأزمات والصراعات بالإستناد على فكرة الأعراق، لأنها ليست منطقية، ومؤثر جدا في الأذهان، لأن في الحقيقة فكرة العرق والأصل الواحد هي فكرة وهمية لا وجود لها على أرٍض الواقع في بلداننا، بل ماهو موجود هو تمايزات ثقافية طفيفة نتجت عن أسباب تاريخية وعزلة البعض عن الآخر لأسباب جغرافية وتاريخية وعوامل أخرى، وهي في حقيقة الأمر ليست قوية في دولنا، ثم أعطت الأيديولوجية الإستعمارية لكل مجموعة ثقافية وصف عرق محدد، مما يعقد الصراعات أكبر فيما بينها، فمثلا على الصعيد اللساني فهل المجموعات التي تتحدث بالفرنسية في بلدان الساحل هي فرنسية العرق والأصل أم مجرد تشكل ثقافي بسبب تأثير ثقافي إستعماري، ونجد نفس الأمر بالنسبة للأنجليزية أو العربية وغيرها؟، ونسجل نفس الملاحظة بالنسبة لتمايز العادات والتقاليد أو الممارسات الدينية وغيرها من المظاهر الثقافية التي تتطور وتتغير عبر العصور بفعل التثاقف والتأثير والتأثر. وعند حدوث أي صراع حول مصالح سياسية وإقتصادية تبرز الهويات التحتية والفرعية كأسلوب للحشد والتجنيد والتوظيف، ثم تعطي لها صفة النزاعات العرقية أو الطائفية، وهو ما يشكل خطرا في المستقبل من إعطاء هذه التفسيرات، ليس فقط لأنها تغطي على الأسباب الحقيقية لها، بل لأنها بإمكانها أن توسع مساحة أي صراع أو نزاع محدود يمكن التحكم فيه إلى نزاع شامل ومعقد يصعب حله، كما هو حاصل مثلا في عدة دول في المنطقة، وأصبحنا اليوم نعيش تضخيما إعلاميا مشبوها ومؤثر جدا على المدى المتوسط لمصطلحات "القبائل العربية" أو "الأمازيغية" أو "التبو" وغيرها، ويبدو أن بعض إستراتيجيات القوى الكبرى تعتمد على ذلك التضخيم الإعلامي لهذه التسميات لخلق الفوضى إما لإعطاء مبرر للتدخل تحت غطاء حماية ما تسميه ب"حماية الأقليات من التطهير العرقي" أو لأهداف إستراتيجية أخرى. إن عدم إكتمال الأسلمة والتعريب في كل هذا الفضاء الذي نعيش فيه تحول اليوم إلى مشكلة عويصة سواء في المشرق العربي بنشوب صراعات دينية وطائفية هي نتاج تاريخي لا أقل ولا أكثر، وأصبحت القوى التي تريد تفجير المنطقة تعتمد على النزعات الطائفية في المشرق بسبب التعدد الديني والطائفي، أما في شمال أفريقيا ثم الصحراء والساحل فيمكن القول أن الأسلمة كانت تامة تقريبا، لكن ما لم يكتمل هو التعريب اللساني، حيث تعربت، ولازالت تتعرب مناطق خضرية على العموم، وتخلت عن لسانها الأمازيغي مقابل حفاظ المناطق الجبلية والصحراوية البعيدة عن المراكز الحضرية على هذا اللسان، وهذا الإختلاف هو لساني فقط، وليس عرقيا، كما يريد البعض إيهامنا، فحوله البعض عندنا تحت تأثير الأيديولوجية الإستعمارية، ومنها بالأخص بعض التيارات الأيديولوجية المشرقية التي لم تتلخص من بعض تصنيفات العصور الوسطى، وكان خطابها الإقصائي وراء إعطاء سلاح لأعداءنا لخلق فوضى عارمة في هذا الفضاء المغاربي والصحراوي والساحل بنشر فكرة وهمية هي الأعراق بدل الحديث عن مجموعات لسانية لها تمايزات ثقافية طفيفة جدا لا أكثر ولا أقل. ولم يكن ذلك التباين إلا بسبب عوامل تاريخية وجغرافية وإقتصادية، وليست عرقية كما يتوهم البعض اليوم، وهو ما يجب تلقينه لأبنائنا في المدارس وفي وسائل الإعلام للقضاء على فكرة الأعراق الوهمية التي غرسها الإستعمار كما قلنا آنفا، لكن بدأت تأخذ هذه الإختلافات في السنوات الأخيرة طابعا وتفسيرا عرقيا خطيرا، وكأنها أعراقا متباينة، وهو ما من شأنه تحويل هذه الإختلافات الثقافية الطفيفة إلى شعور كل مجموعة بأنها تشكل عرقا لذاته، مما يمكن أن يهدد الوحدات الوطنية لمختلف دولنا طبقا لإستراتيجية رسمت بدقة في مخابر قوى كبرى، والتي مهدت لها في دولنا الأيديولوجية الإستعمارية كما سبق أن اشرنا في البداية. فمثلا لم تتخل الولايات المتحدة الأمريكية قط عن فكرة الزعامة على العالم، بل غيرت فقط التكتيك وأساليب تحقيقه، وتسعى إلى إستبدال السيطرة بالقيادة السلسة للعالم، ولا يمكن لها تحقيق ذلك إلا بزرع الفوضى الخلاقة في عدة مناطق تدفعها إلى البحث عن الأمن فقط لا أكثر ولا أقل لتأتي هي لتضمن ذلك بعد ما تعيد رسم الخريطة السياسية والجغرافية لدولنا، ولتحقيق ذلك تستخدم كل من الإرهاب و"الأعراق الوهمية" التي تسمح لها بإنشاء إمارات آمنة تحت نفوذها شبيهة بإمارات الخليج. ويتم التحضير لذلك على الصعيد الفكري والأيديولوجي بالتلاعب بالعقول، حيث تنتشر بقوة اليوم فكرة "دول صغيرة لكنها غنية"، وعادة ما أصبحت الإمارات الخليجية نموذجا للبعض من سكان فضاء الساحل والصحراء المحيطة بالمناطق الغنية بالنفط أو اليورانيوم أو الذهب، ويعتقدون أن بإنفصالهم وإقامة دول صغيرة حول هذه الثروات، سيتحولون أغنياء مثل إمارات الخليج، وأختلط ذلك مع مصالح لأمراء الإرهاب في هذا الفضاء في إقامة دولة فيها تكون منطلقا للسيطرة على كل الفضاء المغاربي ثم العربي والإسلامي بهدف تحقيق ما تعتقده "حلم إحياء الخلافة الإسلامية". فمنذ أن برزت نظرية هننغتون حول صدام الحضارات، أصبحت الولايات المتحدة لا تهمل هذه التمايزات الثقافية والدينية في رسم إستراتيجياتها، خاصة وأن الحركات الدينية التي توظفها الولايات المتحدة قد رحبت بهذه النظرية، وأخذتها كدليل إقناع الكثير من المسلمين بأن الغرب عامة هدفه الإسلام، وأن الصراعات هي صراعات دينية، وليس حول مصالح إقتصادية وسياسية وإستراتيجية، مما أعطى لهذه الحركات البعض من الشرعية لتجنيد الكثير من المسلمين على أساس الدفاع عن الإسلام وقيمه في مواجهة الحضارة الغربية وقيمها. كما عانت دولنا من تأثر الكثير من نخبها بالفكر السياسي الفرنسي اليعقوبي المبني على المركزية والأحادية، خاصة في مجال الهوية والثقافة، مما أدى إلى تهميش جزء كبير من شعوبها، مما أنتج ردود فعل ثقافية زادتها حدة التهميش الإقتصادي والإجتماعي، مما أدى إلى بروز جماعات ثقافية وهويات تحتية كردود فعل على الإقصاء والإحتقار، وقد ثبت نفسيا أن أي محاولة لإقصاء ثقافة أو إحتقارها يؤدي إلى تقويتها أكثر، وأزداد بروزهذه الهويات الفرعية مع التوسع الرأسمالي والعولمة الثقافية التي دفعت إلى التعصب الهوياتي، وكل تعصب ينشأ ردود فعل وتعصبات أخرى، مما أصبح يهدد وحدة الدول، ويدفعها إلى صدامات ثقافية، ويظهر ذلك بالخصوص في الدول التي لا تعترف بالتعددية الثقافية أو عجزت عن إيجاد تنظيم سياسي وثقافي يسير هذه التعددية، أو عجزت عن تحقيق بناء وطني مبني على هوية وطنية مركبة تضم كل المكونات الثقافية للأمة دون أي إقصاء أو تهميش، وقد كان للنموذج الفرنسي اليعقوبي الممركز على الصعيد السياسي والثقافي مسؤولية كبرى في إنشاء هذا الوضع الذي يعد بالإنفجار والتفتت للعديد من دولنا اليوم خاصة في شمال أفريقيا. لكن في الوقت الذي بدأت تدرك بعض نخب هذه الدول أخطائها في عملية البناء الوطني، وترى ضرورة إعادة النظر في سياساتها الثقافية وبناء هويات مركبة تكون أساسا لبناء وطني جديد وسليم، يظهر أمامنا منظر صدام الحضارات هننغتون بنظرية جديدة تقوض هذه الحلول الجديدة في كتاب له عام2004 بعنوان"من نحن؟ّ-الهوية الوطنية وصدام الثقافات-"، أين يريد إقناعنا أن التعدد الثقافي للولايات المتحدة خطر عليها وضرورة الدفاع عن ما يسميها الهوية الأمريكية المبنية على الثقافة الأنكلوساكسونية فقط دون الأخذ بمكوناتها الأخرى، وكأنه مرة أخرى يظهر أمامنا هننغتون في إطار مخطط إستراتيجي مدروس بدقة لإعطاء دفع جديد للبعض من المنغلقين ثقافيا وذوي الأيديولوجيات المشرقية عندنا بسلامة طروحاتهم الإقصائية لمختلف المكونات الثقافية لشعوبنا، ويتحمل هؤلاء المنغلقين مسؤولية كبرى لخطر التفكك التي تعاني منها دولنا خاصة بإقصائهم للبعد الأمازيغي كمكون رئيسي لهوية أممنا في المنطقة، فكأن هننغتون أراد إعطاء شرعية جديدة تحت غطاء أكاديمي مشبوه للمنهج اليعقوبي المركزي الفرنسي الذي أضر بوحدة دولنا، وكأن هناك حرب تدار في العقول والأفكار لخلق الفوضى في دولنا بهدف تحقيق الهدف الإستراتيجي الأمريكي، والمتمثل في الفوضى الخلاقة المبنية على صدامات ثقافية لتقبل الشعوب في الأخير بالتوفير الأمريكي للأمن والإستقرار، ولما لا القبول بالدولة العالمية تحت السيطرة الأمريكية، خاصة وأن منشأ الدول والقبول بأي سلطة كان نتيجة الفوضى وإنعدام الأمن، وقد بدأ يبرز ذلك جليا بعد مطالبة بعض الليبيين بعد الربيع العربي بالتدخل الأجنبي للحفاظ على الأمن بعد ما عاثت الجماعات الإرهابية في البلاد وظهور بوادر حرب أهلية بين قبائلها ومكوناتها الثقافية، وكان تصادمها نتيجة للسياسة الأحادية ومبدأ فرق تسد الذي طبقه نظام القذافي من قبل للبقاء في السلطة، والذي أقصى العديد من الأبعاد الثقافية للهوية الليبية. وقد تغذت مشاريع التفتيت اليوم بالتطور الهائل لتكنولوجيا الاتصالات، فلنعلم أن العالم اليوم دخل جيل خامس للحروب، لا يعتمد على الأسلحة التقليدية، بل يعتمد على التدمير الذاتي للشعوب من الداخل، وبغزو العقول وتوظيف سذاجة البعض الذين يقعون بسهولة في ألاعيب مايخطط له من بعيد، وتستخدم في هذا النوع من حروب الجيل الخامس التكنولوجيات الجديدة للإتصالات كالفايسبوك والتويتر التي أصبحت تلج كل بيت وفي متناول كل فرد، وعادة ما تعتمد على تحريض مثلا ضد مجموعة من السكان، مما يولد رد فعل على ذلك، فتبدأ الكراهية كمخيال، والتي بدورها تتحول إلى حرب أهلية، فبمجرد حدث بسيط تشتعل حرب مدمرة، يكون الكثير مستعدين لها نفسيا بفعل ما روجته وسائط التواصل الإجتماعي من كراهية وتحريض من قبل، فهذه الحروب تسمى ب"حرب المجتمعات". تعد "حرب المجتمعات" جيل خامس للحروب أخترعه الكيان الصهيوني، ونظر لها الأمريكي- الصهيوني ماكس مايورينغ الذي ألقى العديد من المحاضرات في المدارس العسكرية الصهيونية، ويقصد بها التدمير الذاتي لمجتمعاتنا من الداخل -أي دون عدوان عسكري خارجي- مركزين على شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وذلك بإشعال حروب على أسس ثقافية وطائفية وأوهام عرقية، سيكون وقودها سكان المنطقة، ونرى اليوم بأعيننا هذه الحروب المدمرة التي تعتمد على عصبيات الطائفية وأوهام عرقية وعلى الفعل وردود الفعل، وإلا فكيف نفسر دور الحركات الدينية المتطرفة في بلداننا؟ وما هي علاقاتها بهذه الإستراتيجية؟، وما دور هذه الفضائيات الدينية سواء كانت شيعية أو سنية، والتي أنتشرت بقوة؟، ولماذا تحمل بعض الحركات الدينية نفس فكرة القوميات التي وظفت في سايكس بيكو أثناء الحرب العالمية الأولى، وأعطتها غطاء دينيا برغم انها تدرك جيدا بأن الإسلام ضد النزعات القومية، ويحارب العنصرية بشدة، فتحولت هذه التيارات بذلك إلى قنبلة إنشطارية لتفتيت الكثير من الدول في المنطقة بواسطة التعصب القومي المنتج كرد فعل لتعصب مقابل؟، كي نفهم ذلك كله علينا بالعودة إلى جذور فكرة "حرب المجتمعات" الواردة في وثيقة صهيونية سرية ظهرت للعلن في1982، والتي توظف التكنولوجيات الجديدة للإتصالات ومنها مواقع التواصل الإجتماعي كالفايسبوك والتويتر في تنفيذها بأيدي طابور خامس، وأعطت لها فعالية أكبر لتؤتي نتائجها في وقت قصير. تعود بعض بذور هذه السياسة التفكيكية لأوطاننا إلى هذه الوثيقة التي ظهرت في 1982، ولم تبق سرية، بل سربت لأهداف سنوضحها فيما بعد، ونشرتها مجلة دراسات فلسطينية عام 1982 عنوانها "إستراتيجية من أجل إسرائيل في الثمانيينيات"، فقد وضعها أودينون، وهو صحفي صهيوني، وفي نفس الوقت كان مستشارا في وزارة خارجية الكيان الصهيوني، وقد ترجمها آنذاك إسرائيل شاحاك إلى الأنجليزية، قبل أن تنشرها آنذاك مجلة دراسات فلسطينية بالعربية، ومن أهم ما تحمله هذه الوثيقة قولها أن ما يسمى ب"العالم العربي" ليس هو الخطر الرئيسي على "إسرائيل"، بل الخطر الرئيسي آنذاك على إسرائيل والغرب عموما هو الإتحاد السوفياتي، خاصة سلاحها النووي، وكذلك شح الموارد الطاقوية والأولية بسبب رغبة السوفيات الإستيلاء عليها في الشرق الأوسط، ونحن نعلم أن احد أهداف السوفييت في الثمانينيات هو الوصول إلى الخليج من خلال سيطرتها على أفغانستان في إطار الحرب الباردة ويبرر أودينون طرحه بالقول أن أقطار العالم العربي هي دول من ورق بسبب التناقضات الطائفية والإثنية والثقافية التي تعاني منها نتيجة سيطرة مجموعات أيديولوجية وطائفية وإثنية على السلطة في كل دولة مهمشة الآخرين، إضافة إلى التفاوت الإقتصادي والإجتماعي الحاد في هذه الدول، ولهذا يرى أن دول منطقتنا ضعيفة جدا ليس بوسعها تهديد الكيان الصهيوني، وأن تفككها هو حتمية لسياسات أنظمتها التسلطية، لكنه لا يتوانى عن الحديث بإمكانية تفكيك دول المنطقة إلى دويلات ضعيفة، ويحدد الخطة بصراحة بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات شيعية وسنية وكردية ولبنان إلى خمس دويلات وسورية إلى أربع دويلات ومنها سنيتين أحدها في دمشق وأخرى في حلب وعلوية ودرزية ومسيحية، لكن أهم ما يشد الإنتباه هو حديثه عن تفكيك مصر إلى دولة قبطية قوية بجوار دويلات ضعيفة، وهو ما من شأنه أن يجر إلى تفكيك دول أخرى كليبيا والسودان، لكن يشير حول مصر إلى مسألة هامة وهي إستعادة سيناء لإسرائيل بعد ما تنازل عنها رابين بفعل "مكر السادات"-حسب تعبير أودينون-، لأنها تمثل موردا هاما وحيويا للإقتصاد الإسرائيلي لما تحتويه من إحتياطات النفط، مما يتطلب خلق ذرائع لإعادة ضمها من جديد، وهو ما يدفعنا اليوم إلى التساؤل عما يحدث في مصر اليوم، وبالضبط في سيناء من عمليات إرهابية هناك؟. لكن هناك العديد من الأسئلة يجب طرحها ومنها: لماذا نشرت هذه الخطة في وقتها رغم سريتها؟، ولماذا لم تهتم الأنظمة في منطقتنا بها؟، فبشأن السؤال الثاني، فنعتقد أن أنظمة المنطقة، لا تريد أن تعترف بالواقع والحقائق الموجودة على الأرض لمجابهتها وحلها، وهي شبيهة بالنعامة التي تدفن رأسها في التراب، كما أنها لم تهتم بها، لأنها ترفض الإعتراف بمختلف التناقضات الإجتماعية والثقافية والأيديولوجية والسياسية والطبقية وغيرها الموجودة في بلداننا، وموجودة في كل دول العالم، ومنها الدول الغربية، لكن هذه الأخيرة واجهت ذلك بمبدأ المواطنة وبالحل الديمقراطي الذي يعد الحل السلمي لمختلف هذه التناقضات ، وهي الحلول التي رفضتها، وترفضها أنظمة المنطقة خدمة لمصالح خاصة جدا، وفي بعض الأحيان بسبب سيطرة أيديولوجيات وأفكار سياسية شمولية موجودة لدى الأنظمة وبعض التيارت السياسية والأيديولوجية المعارضة التي ترفض الإعتراف بالتعدد بكل أشكاله. ويقول إسرائيل شاحاك أن الهدف من نشر الخطة هو إقناع بعض الضباط في إسرائيل ببعض الحلول والخطط الإستراتيجية، إضافة إلى توفر الحريات والديمقراطية في إسرائيل، لكن نعتقد أن هناك هدفا خفيا، وهو إدراك الكيان الصهيوني أنه بنشر هذه الخطة ستقوم بالإسراع في تفكيك دول المنطقة، لأن عادة ما تستغل أنظمتها التسلطية هذه التسريبات للخطط والمقالات لتوجيه إتهام أكبر لطوائف ومجموعات ثقافية مهمشة، وبأنها هي أداة في يد الكيان الصهيوني والغرب لضرب الوحدة الوطنية متسترة على الحقيقة المتمثلة في أن هذه الأنظمة التسلطية وبعض الأيديولوجيات الإقصائية هي التي تشكل أكبر خطر على هذه الوحدة بتمييزها الطائفي والثقافي والطبقي، مما يولد ردود فعل لدى المهمشين، وبنشر هذه الخطة أعطى الكيان الصهيوني سلاحا آخر لهذه الأنظمة لتدعيم موقفها خدمة الحقيقة لمصالح ضيقة جدا. كما أن قراءتنا لهذه الإستراتيجية، تطرح أمامنا اليوم عدة أسئلة فمن وراء نشر التعصب الديني في منطقتنا الذي تحول إلى طائفية مفتتة ومدمرة، ألا يدخل ذلك في إطار هذه الخطة الجهنمية حيث أصبحت هذه الطائفية والممارسات الدينية المتعصبة المرتبطة بعنصرية قومية أكبر خطر يهدد وحدة دولنا. أفلم يحن الوقت للجوء إلى الحلول البسيطة لتجنب تفتتنا، وهي إقامة دولة لكل الشعب، ومعناه دولة ديمقراطية تسود فيها حقوق المواطنة للجميع دون أي تمييز ديني أو طائفي أوهم عرقي أو لغوي أو قبلي وغيره، ويحل مشكلة الصراع حول السلطة نهائيا بالتداول السلمي عليها بواسطة الإنتخابات النزيهة وضمان الحريات الأساسية والمباديء الديمقراطية التي يجب أخذها كلية، لأن هناك بعض التيارات الأيديولوجية تريد حصرها في الإنتخابات فقط دون الإلتزام بالمباديء والقيم الأخرى. ألم يحن الوقت لتحمل مسؤوليات مأساتنا بدل تحميلها الآخرين، وندرك أن من طبيعة الأعداء التخطيط ضدنا، لكن ماذا فعلنا نحن لإفشال خططهم؟، وهل رسمنا خططا لخدمة المصالح الإستراتيجية لدولنا؟، أفلم يحن الوقت لنقد ذاتنا، ونعيد طرح فكرة مالك بن نبي حول "القابلية للإستعمار" بشكل آخر؟.
#رابح_لونيسي (هاشتاغ)
Rabah_Lounici#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا تسير العلاقات الجزائرية-الفرنسية نحو الإنفراج قريبا؟
-
مقاربة جديدة لتحويل الدولة إلى خدمة كل المجتمع بدل الطبقة ال
...
-
إلى أي مدى تؤثر شخصية ترامب على سياسات أمريكا ومستقبل العلاق
...
-
بوب وودورد وحروب بايدن وترامب في أوكرانيا والشرق الأوسط
-
قراءة في عمق الإضطرابات الأخيرة في فرنسا-أزمة إجتماعية أم مأ
...
-
منطلقات من أجل تقدم منطقتنا وإحداث القطيعة مع العصر الخلدوني
-
إتفاقيات سيداو وإعادة طرح مسألة الفتاوي الدينية
-
لماذا فضلت قيادات الثورة الجزائرية فرانز فانون على مالك بن ن
...
-
هل قرأ رشيد بوجدرة فعلا مالك بن نبي؟
-
دور بريجنسكي في إنشاء مخربي دول منطقتنا
-
ما الهدف من الترويج الإعلامي لكتاب قديم للروائي رشيد بوجدرة؟
-
من وضع الجزائر في عين الإعصار؟
-
الإستعمار النفسي أعلى مراحل الرأسمالية
-
جذور وخلفيات دعوة ترامب إلى عمليات التهجير في الشرق الأوسط
-
إتفاق إسرائيل-حماس الأخير بين الوهم والحقيقة
-
ما حقيقة مشروع -الولايات المتحدة الإبراهيمية- في الشرق الأوس
...
-
دور الإعلام والمجتمع المدني في النظام السياسي البديل
-
السلطة التنفيذية والرقابة الشعبية لها في النظام السياسي البد
...
-
مسألة الحريات وحقوق الإنسان في النظام السياسي البديل
-
تطور تكنولوجيا الإتصالات ومستقبل الديمقراطية في الغرب ومنطقت
...
المزيد.....
-
عاجل: الجيش الإسرائيلي يقول إنه قتل -قائد ركن التصنيع في حما
...
-
سوريا ـ هجوم استهدف دورية عسكرية سورية أمريكية مشتركة قرب تد
...
-
إندونيسيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات إلى أكثر من 1000 قت
...
-
أين تختبئ -المواد الكيميائية الأبدية- في مشترياتك؟
-
تعهد أميركي بالرد على انتهاك رواندا اتفاق السلام مع الكونغو
...
-
قتلى وجرحى بهجوم على دورية أميركية سورية قرب تدمر
-
حراك احتجاجي مستمر في تونس ضد التضييق على الحريات
-
تفاصيل -مفجعة- عن مقتل المغنية التركية غوللو
-
مقطع متداول لوجود رجل داخل صندوق سيارة أجرة ذاتية القيادة طل
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف قيادي بارز في كتائب القسام بغز
...
المزيد.....
-
قراءة في تاريخ الاسلام المبكر
/ محمد جعفر ال عيسى
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
المزيد.....
|