|
هل قرأ رشيد بوجدرة فعلا مالك بن نبي؟
رابح لونيسي
أكاديمي
(Rabah Lounici)
الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 12:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أثار الإستقبال والتكريم الأخير الذي حظي به الروائي رشيد بوجدرة لغطا وجدلا كبيرا في الجزائر، خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي بسبب التهجم الكبير الذي أحدثته تيارات أيديولوجية على هذا الروائي ناعتة أياه بنعوت شتى، وهو ما جعل الكثير أيضا يدافعون عن بوجدرة بقوة ليس لأنهم يوافقونه في كل ما يطرحه او توجهاته، بل لأنهم أستشعروا ان وراء تلك الهجمة هي تيارات أيديولوجية دينية لا تختلف كثيرا عن تلك التيارات التي أدخلت الجزائر في دوامة الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي، وكأنها بعد ما فشلت في إغتيال بوجدرة جسديا آنذاك أرادت إغتياله اليوم معنويا حتى تحين لهم الفرصة لإغتياله جسديا شانه في ذلك شأن الكثير من المثقفين والمواطنين والإطارات وغيرهم الذين يقفون بقوة في وجه هذا التيار الأيديولوجي ليس لأنه يتبنى أفكارا دينية كما يروجون، بل لأنه يحمل أفكارا فاشية لا علاقة لها بالإسلام وقيمه أصلا. فقد أتضح اليوم أن مشروعهم يستهدف إقامة نظاما مبنيا على التمييز العنصري والطائفي والديني ضد كل من يخالفهم، وهو ما من شأنه إدخال الدولة في عنف وإضطرابات يمكن ان تكون سببا في إنهيارها بفعل الإقصاء والتهميش الذي سيمارسونه ضد المختلفين عنهم بما فيها بعض التيارات الدينية التي ترفض ممارسات هؤلاء، فهم يعادون بقوة "مبدأ المواطنة" الذي يقره بيان أول نوفمبر1954 القائل ب"إحترام الحريات الأساسية دون أي تمييز عرقي أو ديني"، وهو المبدأ الذي سارت عليه الدولة الجزائرية منذ ثورتها التحريرية إلى حد اليوم. فالدولة الوطنية في الجزائر منذ1962 لا تهتم بما يعتقده المواطن ولا بأصله او لسانه أو لباسه أو غيرها التي تدخل في إطار الحريات الشخصية، بل ما يهمها فقط من المواطن الجزائري أن يكون له ولاء تام للدولة الوطنية وللأمة الجزائرية وخدمتها هي فقط لا غير. لكن هذه التيارات تشكل تهديدا كبيرا لقيم الثورة التحريرية التي قامت عليها الدولة الوطنية في الجزائر، كما أن الكثير منها لها ولاءات خارجية، ولا تؤمن أصلا بالأمة الجزائرية. ان الذين وقفوا إلى جانب بوجدرة يدفعهم إلى ذلك الدفاع عن الدولة الوطنية والقيم والمباديء التي أقيمت هذه الدولة على أساسها، وهي قيم ثورة نوفمبر1954 التي يحاول هذه التيارات سرقتها بكل الأساليب والوسائل لإيجاد شرعية لها، وذلك بتزوير التاريخ بشكل فاضح مستغلة مواقع التواصل الاجتماعي وجهل الكثير من الشباب بتاريخ هذه الثورة وصانعيها، ولهذا أستغرب بعض الشباب المتأثرين بهذه التيارات المزورة للتاريخ وصف الإعلام الجزائري، ومنها الرئاسة رشيد بوجدرة ب"المجاهد"، وهو ذوي التوجه الشيوعي لأنه غرس في ذهنهم بأن تيارهم الأيديولوجي هو الذي أشعل الثورة، وقام بها، فكيف لشيوعي ان يكون مجاهدا فيها؟، فلما لم يسأل أتباعهم يوما لماذا لم تقام دولة على أسس أيديولوجيتهم في1962 لو كانوا هم الذين قاموا بهذه الثورة فعلا؟، ولماذا لم يسألوا أنفسهم لما أكبر وأكثر من واجههم، وحاربهم في التسعينيات هم مجاهدو ثورة التحرير ذاتهم، وعلى رأسهم أول قائد للثورة التحريرية الجزائرية محمد بوضياف. ان إستقبال الرئاسة للروائي رشيد بوجدرة تعود إلى عدة أسباب، ومنها ليس فقط كروائي خدم الثقافة الجزائرية، بل أيضا بسبب رده وفضحه الكبير لروائيين وكتاب خدموا الأيديولوجية الإستعمارية، وعلى رأسهم بوعلام صنصال الذي مس بالسيادة الجزائرية وحدودها الترابية، وذلك في كتابه "زناة التاريخ" الذي سبق أن نشرنا عنه مقالة بعنوان " ما الهدف من ترويج إعلامي كبير لكتاب قديم للروائي رشيد بوجدرة؟" في (الحوار المتمدن عدد 8372 بتاريخ 13جوان2025)، ويأتي على رأس هؤلاء بوعلام صنصال الذي مس بالسيادة الجزائرية وحدودها الترابية، وصدر في حقه حكما بخمس سنوات سجن وغرامة مالية قدرها 500ألف دينار جزائري، وتحاول فرنسا إستغلاله كورقة ضغط على الجزائر. نشير إلى أن البعض حاولوا إتهام بوجدرة بأنه ضد قضية الصحراء الغربية، وذلك في فيديو روجوا له لضربه، لكن بوجدرة أدلى برأي في قضية يختلف حولها البعض، وقد سبق لسياسيين ان قالوا فيها نفس الأمر، ولو أننا لا نوافقه في ذلك على الإطلاق ، لكن بوجدرة يبدو انه تراجع عن ذلك الموقف فيما بعد بعد ما تبين له خطأ قراءته، لكنه لم يمس بالسيادة والوحدة الترابية الجزائرية كصنصال أو فرحات مهني وغيرهم. فلنكرر بأن دعمنا قضية الصحراء الغربية أراها بأنها تدخل في إطار الدفاع عن الأمن الاستراتيجي للجزائر لأنه لو تنازلنا عنها، سيشجع المخزن على المطالبة بآراض جزائرية ما دام له مشروع توسعي يقول فيه بأنه بصدد ما يسميه إستعادة الحدود التاريخية للمغرب، وهي حسب الخريطة التي وضعها علال الفاسي عام1956 تمتد من الجنوب الغربي الجزائري الي ميناء سان لوي في السنغال، وقد نشرنا عدة مقالات في هذا الموضوع. ونشير أيضا في سياق إستقبال الرئاسة لبوجدرة وتكريمه بأنه منذ أيصال عدة دول وقوى الجولاني إلى السلطة في سوريا وظهور دعم كبير له ضمن هذه التيارات الأيديولوجية الدينية في الجزائر جعل البعض يتوجسون من عودة نفس المظاهر والبوادرالتي أنتجت إرهاب تسعينيات القرن الماضي، وكأن الدولة الجزائرية قد حفظت الدرس، وأستفادت من ذلك التاريخ المظلم والدامي الذي كان من بعض أسبابه، مما كاد ان يدفع الدولة إلى الإنهيار هو ضعفها وتهاونها آنذاك في التطبيق الصارم للقوانين، إضافة إلى إستغلال بعض السياسويين لأولئك المتطرفين ودغدغة عواطفهم في مختلف صراعاتهم ، لهذا أصبحت الدولة الجزائرية اليوم أكثر إصرارا على فرض هيبة الدولة والتطبيق الصارم للقانون، إضافة إلى إرسالها عدة رسائل سياسية لكل من تسول له نفسه أو حتى التفكير في تكرار نفس هذا الماضي المظلم والدامي. كما أثار هذا الإستقبال مسألة أخرى تتعلق بالمفكر الجزائري مالك بن نبي الذي رأى الكثير أن بوجدرة قد أنقص من قيمته في حواره مع الإعلامي حميدة العياشي. هذا ما يدفعنا إلى إعادة الحديث عن مالك بن نبي الذي أعتقد ان بوجدرة لم يقرأ له كثيرا، وله صورة سطحية جدا عنه من خلال إجابته عنه، لكن كلام بوجدرة عن بن نبي من المفروض ان لا يدخلنا في جدالات وسب وشتم، بل يجب ان يدفعنا إلى طرح أكثر موضوعية، خاصة بسبب تشبث البعض ببن نبي، فحولوه إلى صنم لا يخطيء. أعتقد ان السؤال الجوهري اليوم هل لا زال بن نبي صالحا، وهل أفكاره يمكن الإستفادة منها في عالم اليوم بعد مرور أكثر من نصف قرن من وفاته؟. فليعلم أخي القاريء بأني قرأت بتمعن كل ما كتبه بن نبي سواء كتبا او مقالات او محاضرات، كما اطلعت على أغلب ما كتب عنه، مما يسمح لي ان أقول بأني مختص في هذا المفكر الذي خصصت له كتابا وأكثر من 40 مقالة ناقدة له في بعض الأحيان، كما خصصت له أكثر من مئة صفحة في كتابي "التيارات الفكرية في الجزائر المعاصرة" اين ناقشت أفكاره وطروحاته وفككتها. ولهذا يحق لي ان أقول ان أغلب المتبنين والمدافعين عن مالك بن نبي لم يقرأوا له أصلا، فإن قرأوا له، فإنهم لم يتجاوزوا قراءة كتاب أو كتابين على أقصى تقدير، وقرأوه بالعربية معتقدين انه كان يكتب بهذه اللغة، ولا يعلمون أن قراءة بن نبي بالفرنسية التي كتب بها أصلا مختلفة تماما عن قراءة بن نبي مترجما إلى العربية، ويمكن تفسير ذلك إما بالتزوير أو ضعف المترجم. لكن ما يثير الإشمئزاز فعلا هو أن الكثير من المدافعين عن بن نبي يعتقدون أنه مثل بعض مشايخ الإسلاميين. فلو عاش بن نبي سنوات الإرهاب في الجزائر لتم تكفيره، وممكن أن يكون مصيره هو نفس مصير الكثير من المثقفين الذي اغتالتهم أيادي الإرهاب آنذاك. فالكثير من المتبنين له لا يعلمون ان بن نبي كان صديقا للكثير من الضباط الأحرار في مصر، فقد كتب السادات مثلا مقدمة كتابه "فكرة الآفرو- آسيوية" بعد ترجمته إلى العربية، وكان يلقى دعم عبد الناصر لضرب جماعة الإخوان المسلمين التي أفرخت أغلب الجماعات والتيارات الدينية المعاصرة. ففي الحقيقة يصعب تصنيف بن نبي في أي تيار ايديولوجي من التيارات الأيديولوجية السائدة في عهده أو اليوم. أما بشأن صلاحية أفكاره في عالم اليوم، فنقول أن بعضها يمكن أن تكون صالحة، لكن الكثير منها غير ذلك بسبب التطورات الحاصلة لأنها لم تكن إلا نتاج فترة وأوضاع معينة مثلها في ذلك مثل الكثير من الأفكار. فبن نبي ذاته يرفض الانغلاق والتزمت، فما نحتاجه اليوم هو مناقشة أفكاره ونقدها علميا لإنتاج أفكار جديدة وصالحة لعالمنا اليوم. نعتقد أن الكثير مما طرحه بن نبي يحتاج إلى نقد وإعادة نظر اليوم، بل تجاوزها بسبب التطورات الحاصلة، لكن هذا ليس معناه انه لم يترك لنا أي شيء صالح اليوم، والتي نحن لازلنا في حاجة إليها. نعتقد ان أهم إنجاز قام به بن نبي هو فكرته القابلية للإستعمار، والتي أسيء فهمها، فهو في الحقيقة لم يقل أن الإستعمار حتمية علينا وقدرا، بل قال أن الإستعمار ليس هو سبب تخلفنا، بل هو نتيجة لهذا التخلف الذي بدأ مع عصور إنحطاط الحضارة الإسلامية أو ما يسميه "إنسان ما بعد الموحدين". فهو قد طرح مسالة هامة جدا نحن بأمس الحاجة إليها اليوم، وهي ضروة القيام بالنقد الذاتي لمجتمعاتنا بدل ما نحمل الإستعمار والآخر كل مآسينا. فهو الأمر الذي تأخر لعقود قبل أن يظهر مفكرون في المنطقة يطرحون هذه المسألة بجدية، فعادوا إلى نقد الذات امثال محمد جابر الأنصاري ومحمد عابد الجابري ومحمد أركون وهشام شرابي وغيرهم، لكن بقي مجرد نقاش. ولم يتمكن كل هؤلاء من التوصل إلى تفسير يجمعون عليه كي ننطلق على أساسها إلى إيجاد حل لمشكلة تخلفنا. نعتقد أن بني نبي طرح المشكلة، ولم يفكر فيها بإستثناء قوله بضروة إعادة الفعالية للمسلم مثل الإنسان الأوروبي. لكن هذه المسألة ليست جديدة، فمنذ سقوط الخلافة الراشدة والمسلمون يتحدثون عن إنحراف المسلمين، وكل طرف يعطي ما يراه ملائما لإعادة ما يسميه بن نبي بالفعالية، كما أن عشرات آلاف الخطب والمقالات والكتب الدينية الداعية إلى الإلتزام بأخلاق الإسلام لم تؤت ثمارها لأن المسألة ليست مسألة كلام وخطب ودعوة إلى أفكار، بل اعمق من ذلك كما سنوضح ذلك فيما بعد. كما أنقسم الجميع بين تيارات مختلفة حول معالجة هذه المشكلة، وذلك من خلال الإختلاف حول النصوص الدينية ذاتها وتأويلها. كما يروج البعض بأن بن نبي دعا للعودة إلى الفكرة الدينية، وهو ليس صحيح على الإطلاق. فما قام به بن نبي هو أنه أشار في كتابه "شروط النهضة" بأن الفكرة والإيمان بها لدرجة التضحية هي عامل رئيسي في قيام الحضارات، وهو لم يدرس إلا الحضارتين الإسلامية والأوروبية أين بين بأن الفكرة الدينية كانت عاملا رئيسيا لقيامها، لكن هذا لم يمنعه من الحديث في عدة مواقع من كتبه مثلا عن الفكرة الشيوعية التي يمكن أن تدفع الإنسان إلى التضحية مستندا على صين ماوتسي تونغ، بل حتى على العامل ساخاروف في الإتحاد السوفياتي. فما يريد بن نبي قوله هو إيجاد فكرة دافعة للإنسان دون تحديد هذه الفكرة ما هي بالضبط. ولهذا فهو عندما يتحدث عن العالم الإسلامي، فيقول بالتخلص من أفكار ميتة، وعندما يتحدث عن الغرب، فيدعو إلى التخلص من أفكار مميتة، فمعناه هو دعوة إلأى أفكار جديدة تماما تكون دافعة للإنسان. نعتقد أن خطأ بن نبي هو هيجيليته المتطرفة، فهو يرى أن الأفكار هي الوحيدة الكفيلة بتغيير الوضع. فقد غاب عنه بأن الفكرة لوحدها لا يمكن لها ذلك، بل حتى الأفكار ذاتها هي نتاج وضع إجتماعي وإقتصادي، فإن الدعوة إلى أي فكرة ما إن لم يكن المجتمع مستعد لقبولها، فستولد ميتة. نعتقد ان بن نبي قد غاب عن فكره بأن تغير قوى الإنتاج وتطويرها هي العامل الرئيسي لجعل الأفكار يقبلها المجتمع، ويتم تغيير ذهنيته وأفكاره وسلوكاته ورؤاه. ولعل الكثير لايعلمون لماذا الرئيس هواري بومدين لايحبذ بن نبي، فقد سأله يوما أنت مفكر أجد لنا حلا لبعض مشكلاتنا-حسب ما يرويه بن نبي في يومياته الممتدة من 1953 إلى 1973، والتي نشرها بوكروح منذ سنوات-، ويبدو مما رواه كأن بومدين يسخر منه لأن الأخير يعرف جيدا بان مفكر كبن نبي يعيش في برج عاجي مثل أغلب مفكرينا، ولم يصطدم فعلا بالواقع ومشاكله الحقيقية، كما أن بومدين مقتنع بأن تغيير وتطوير المجتمع الجزائري يبدأ بثورة صناعية تغير قوى الإنتاج التي بدورها ستغير البينة الفوقية كما وقع في أوروبا القرن19، وقد صرح وزير صناعته بلعيد عبدالسلام في كتاب "الصدفة والتاريخ"عن إيمان بومدين بهذا المنهج التغييري الذي يعاكس ما يقوله بن نبي الهيجيلي الطرح، لكن لا نهمل التفاعل بين الفكرة وتطور قوى الإنتاج. ونلاحظ أيضا بأن بن نبي يتحدث كثيرا عن إنسان ماقبل الموحدين وما بعده، حيث يرى أن العصر الموحدي هو أوج قمة الحضارة الإسلامية في البلاد المغاربية. لكن ما يؤسف له أن بن نبي لم يطرح سؤال: لماذا تحقق ذلك ،ثم وقع الإنحطاط؟. فلو بحث في ذلك بجدية لأكتشف أن سبب وصول أوج الحضارة في العصر الموحدي يعود إلى التسامح الديني وإنتشار الحريات بشكل كبير، لأن الدولة الموحدية تبنت بشكل غير مباشر المذهب الظاهري لبن حزم، كما تأثرت بعقلانية بن رشد. فظاهرية بن حزم معناه أن المسلم يعيش حياته كاملة دون أن يدخل في نقاشات حول الحلال والحرام في كل مسألة، فكل شيء حلال ما لم يوجد نص صريح في القران الكريم أو السنة النبوية، وهو ما يسمح بالتقدم وعدم توظيف الدين لعرقلة حركة التاريخ كما سبق أن أشرنا إلى ذلك في إحدى مقالاتنا المعنونة ب"عرقلة حركة التاريخ بتوظيف الدين" (في الحوار المتمدن عدد6884 بتاريخ 30/04/2021). كما أن عقلانية بن رشد التي ترى انه لا يمكن أن تتناقض الشريعة والعقل. يبدو أن الوحيد الذي تناول أسباب تخلفنا بالإشارة إلى هذه المسالة هو محمد عابد الجابري الذي دعا صراحة في كتابه "نقد العقل العربي" للعودة إلى بن حزم وبن رشد وغيرهم من العقلانيين الأندلسيين والمغاربيين، فقوة الموحدين مستمدة من تبنيها مذهبا دينيا يسمح بالتقدم والإنفتاح. فقد ثبت بأن كل تشدد ديني يؤدي إلى التخلف مثل الأرثوذكس عند المسيحيين، وكل تسامح وتفتح يؤدي إلى تقدم مثل البروتستنات عند المسحيين أيضا. وينطبق نفس الأمر عند المسلمين، فلم تسقط دولة الموحدين، وتضعف، وتدخل في عصر إنحطاط إلا بسبب صعود المتشددين الدينيين الذين أحرقوا كتب بن رشد، وأضطهدوا المذهب الظاهري لأبن حزم، وهنا يتشكل عالم ما بعد الموحدين الذي يتحدث عنه بن نبي دون أن يتناوله، ولو أنه قد قال كلاما مهما في كتبه، وهي الأفكار الميتة، ويمكن أن نفهمها بأنها هي هذه الأفكار المتطرفة والمتشددة التي حولت العالم الإسلامي اليوم إلى عالم عقيم بسبب الإنغلاق في كل المجالات. فلا يوجد أي تقدم في الأنظمة المغلقة لأن الحريات في كل المجالات هي الكفيلة بالإبداع والتقدم، كما علينا الإشارة بأن العالم دائما يسير بين تطرف وتطرف مقابل، فعندما ينتشر التطرف الديني سيأتي بعده تطرفا عكسيا، وهو ما يسميه الدينيون بالتفسخ، ثم تتكرر الظاهرة مرة أخرى، ولهذا يجب إقامة تفتح مدروس غير متطرف كي لا يدفع إلى إنتاج تطرف مقابل فيما بعد. نعتقد أن من أهم كتب بن نبي هو كتابه "فكرة الآفرو- أسيوية" الذي يبدو انه لازال صالحا اليوم لأنه يطرح فيه أهم مشكلة، وهي مشكلة تخلفنا الذي يعود في الحقيقة إلى التوسع الرأسمالي، حتى ولو لم يقلها صراحة في الكتاب كما فعل مثلا أنصار التبعية كسمير آمين وغيره. لكن طرح فيه بن نبي فكرة التعاون جنوب-جنوب لمواجهة الرأسمالية العالمية التي تستغلنا، ولو أنه لا يقولها بهذا الشكل، لكن يكفي الإشارة إلى ضرورة هذا التعاون الكفيل بتطوير هذه الفكرة إلى المجال الإقتصادي، لأن بن نبي حسب ما يظهر في كتابه هذا قد أستسلم لسيطرة ما يسميه عالم باريس- موسكو مقابل عالم طنجة- جاكرتا، فماعلى العالم الثالث إلا الإكتفاء بإعطاء المثل الأخلاقية لهذه الحضارة الغربية المتسمة بالمادية في نظره، فيحدث التكامل بين العالمين. فهنا يعود إلى الإسلام والهندوسية، خاصة غاندي المتأثر به كثيرا، فنحن لا نتبنى هذا الطرح البنبي الإستسلامي، بل نتبنى نفس الفكرة وهي تعاون جنوب –جنوب، لكن بهدف التخلص من التوسع الرأسمالي العالمي ومحاصرته لأنه هو سبب تخلفنا. فمثلا إن تبنى بن نبي غاندي بفكرته اللاعنف التي ركز عليها، فإننا نتبنى غاندي في فكرته حول النمط الإستهلاكي الذي وضحناه في مقالتنا "المهاتما غاندي في مواجهة الجشع الرأسمالي" في الحوار المتمدن (عدد 7379 بتاريخ22/09/2022) أين قلنا بأن إتباع غاندي بمقاطعة السلع الغربية وعدم الإستسلام لنمط إستهلاكي يخدم الرأسمالية العالمية، سيسمح لنا بإنتاج سلعنا حسب إمكانياتنا، وهو ما سميناه في أعمالنا بإقامة "رأسمالية وطنية" مبنية على ثورة صناعية تطور قوى الإنتاج بدل إستيراد-إستيراد على يد الكمبرادور المتحكم في مجتمعاتنا اليوم. وهذا كله لا يمكن تحقيقه إلا بمطلب شعبي لإقامة نظام تمثل فيه كل شرائح المجتمع وفئاته المهنية في برلمان له السلطة العليا، ويتم إنتخابه على أسس هذه الشرائح والفئات وليس على أسس جغرافية، فقد تحدثنا عن هذا النظام البديل كثيرا، ولا يمكن التفصيل فيه في هذه المقالة البسيطة، لكن يمكن العودة في ذلك إلى كتابنا "النظام البديل للإستبداد- تنظيم جديد للدولة والإقتصاد والمجتمع-"، وكذلك مقالاتنا العديدة في الموضوع، ومنها "أسس جديدة لدولة ديمقراطية وإجتماعية- من أجل نظام سياسي بديل-" في الحوار المتمدن عدد(4504 بتاريخ 6/07/2014).
#رابح_لونيسي (هاشتاغ)
Rabah_Lounici#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور بريجنسكي في إنشاء مخربي دول منطقتنا
-
ما الهدف من الترويج الإعلامي لكتاب قديم للروائي رشيد بوجدرة؟
-
من وضع الجزائر في عين الإعصار؟
-
الإستعمار النفسي أعلى مراحل الرأسمالية
-
جذور وخلفيات دعوة ترامب إلى عمليات التهجير في الشرق الأوسط
-
إتفاق إسرائيل-حماس الأخير بين الوهم والحقيقة
-
ما حقيقة مشروع -الولايات المتحدة الإبراهيمية- في الشرق الأوس
...
-
دور الإعلام والمجتمع المدني في النظام السياسي البديل
-
السلطة التنفيذية والرقابة الشعبية لها في النظام السياسي البد
...
-
مسألة الحريات وحقوق الإنسان في النظام السياسي البديل
-
تطور تكنولوجيا الإتصالات ومستقبل الديمقراطية في الغرب ومنطقت
...
-
تغييب مشكلة السلطة في التراث الفكري الإسلامي وإنعكاساته؟
-
مستقبل منطقتنا بين سيطرة الكمبرادورية وسلطة العلم والمعرفة
-
تنظيم بديل للمصارف وتمويل المشاريع الإقتصادية
-
من أجل نموذج جديد للتنمية
-
تنظيم جديد لمؤسسات الإنتاج الإقتصادية وتوزيع الدخل
-
مباديء وأسس النظام الإقتصادي البديل
-
لماذا فشلت كل الإختيارات الإقتصادية في منطقتنا؟
-
هل فعلا الندرة هي وراء المشكلة الإقتصادية؟
-
ما هي الإشكاليات الواجب حلها لإخراج منطقتنا من التخلف؟
المزيد.....
-
ترامب يوضح ما قام به مبعوثه ويتكوف خلال زيارته إلى غزة
-
الكونغو ورواندا تتحركان لتنفيذ اتفاق السلام رغم تعثر الالتزا
...
-
ثروات تتبخّر بتغريدة نرجسية.. كيف تخدعنا الأسواق؟
-
الإمارات والأردن تقودان عملية إسقاط جوي للمساعدات إلى غزة
-
هيئة الإذاعة العامة الأميركية على بعد خطوات من الإغلاق
-
لأول مرة.. وضع رئيس كولومبي سابق تحت الإقامة الجبرية
-
تحقيق بأحداث السويداء.. اختبار جديّة أم التفاف على المطالب؟
...
-
سقوط قتلى في إطلاق نار داخل حانة بمونتانا الأميركية
-
بوتين يعلن دخول الصاروخ الروسي -أوريشنيك- الأسرع من الصوت ال
...
-
تسبب بإغلاق الأجواء وتفعيل صافرات الإنذار.. إسرائيل تعلن اعت
...
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|