أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد حسن البشاري - المختار من اليوميات والذكريات (5)















المزيد.....


المختار من اليوميات والذكريات (5)


محمد حسن البشاري
(Mohamed Beshari)


الحوار المتمدن-العدد: 8554 - 2025 / 12 / 12 - 12:05
المحور: سيرة ذاتية
    


دورة في مصر

خلال الفترة من 18/08/2001 إلى 13/09/2001 ألتحقت بدورة في الإدارة العليا لمدة أربع أسابيع لدى (ميج) في القاهرة وإسكندرية برفقة كل من: د. الطاهر الناجح وخالد أجويلي ومفتاح الغزالي.
ولطول هذه المدة وليس لأهمية ما جرى فيها رأيت أن أسرد تفاصيل الرحلة بالكامل كالآتي:
في يوم السبت 11/08/2001 سافرت من رأس لانوف إلى بنغازي بكامل الأسرة (4 أطفال) وقضاء يومي الأحد والأثنين في التسوق وتوديع العائلة وعند الساعة 10:30 من صباح يوم الثلاثاء 14/08/2001 سافرنا من بنغازي إلى طبرق التي وصلنا اليها عند الساعة 18:00 حيث نزلنا في فندق المسيرة الذي كلفنا 108 د.ل. إقامة غرفتين ليلة واحدة بالإفطار(أعتقد أن الليلة 50 د.ل. وأن 8 د.ل. كانت مشروبات فور وصولنا)
وعند الساعة 07:45 من صباح يوم الأربعاء 15/08/2001 غادرنا الفندق إلى أمساعد التي وصلناها عند الساعة 09:00 ص. وقمنا بإجراءات المغادرة وأهمها إجراءات السيارة والتي أكملناها في أقل من الساعة حيث وصلنا إلى البوابة المصرية في السلوم عند الساعة 10:00 صباحا حيث قمت بالتالي:
• تغيير عملة ليبية بسعر 2.5 جنيه مصري مقابل الدينار
• دفع مبلغ 48 جنيه مصري إلى إدارة الموانئ المصرية (كل المنافذ تسمى في مصر موانئ ولذلك فهذه الموانئ البرية وهناك الموانئ الجوية وبالطبع الموانئ البحرية كما نعرفها في ليبيا)
• استغرقت إجراءات الجوازات 3 ساعات
• استغرقت إجراءات الجمارك 3 ساعات
• استغرقت إجراءات جمارك السيارة ساعتين ونصف الساعة
وانهيت المعاملات بالكامل عند الساعة 18:45 وأنا أشعر بالإعياء والتعب والغثيان والندم على عدم تسليمي الجوازات لأحدهم الذي استقبلنا عند الدخول بكلمة: "أي خدمة يا بيه" عرفت بأنه يقوم بالإجراءات بمقابل مادي اعتبرته رشوة رفضت أن أتورط فيها وخلال هذه الفترة الطويلة نزل أفراد الأسرة من السيارة وجلسوا على رصيف أحد المباني في الظل أولا وإلى أن تطردهم الشمس منها فيتحولون إلى الظل الآخر وأنا من طابور إلى طابور واضعًا مبلغًا من المال في الجوازات إلى أن أشعر بتصبب العرق والرعشة خوفا من اتهامي بمحاولة الرشوة فأسحبه ، ولأكثر من مرة كنت على وشك الخروج من الطابور لأتوجه إلى الأسرة لاصطحابهم عائدًا إلى ليبيا إلا أنني أُلغي هذه الفكرة كلما نظرت إليهم فأجدهم شاخصون إلي ينتظرون بصبر أن استكمل الإجراءات للدخول الى أرض الكنانة!
وعند الساعة 01:30 بعد منتصف ليل الخميس 16/08/2001 وصلنا إلى شاطئ المنتزه الذي يقع عند حوالي 77 كلم قبل إسكندرية لنقيم في أحد الشاليهات باقي الليلة فقد فوجئت بأن الفنادق لديها ثلاث أسعار أو تعريفات مقابل الغرفة الواحدة (للمصريين وهي الأقل سعرا ثم للمقيمين وهي المتوسطة وللأجانب وهي مرتفعة جدا وبعضها سعرها بالدولار؟) وكنت أجادلهم بأن :"والله عيب تعاملونا كأجانب ، نعم نحن لسنا مصريين ولكن على الأقل عاملونا كمقيمين" وغادرنا عند الساعة 11 قبل الظهر ووصلنا إلى كورنيش الإسكندرية عند الساعة 12:00 ظهرا لنتناول وجبة الغذاء في أحد المطاعم ونمضي وقتًا ممتعًا في الجلوس خارجه في الظل لنتناول الشاي والمثلجات إلى الساعة 14:45 ولنغادر إلى القاهرة التي وصلناها عند الساعة 17:00 وإلى الشقة في شارع عمار بن ياسر في مصر الجديدة عند الساعة 18:00 والتي وجدت فيها مالكها اللواء ركن والدكتور في انتظاري فجلسنا في الشرفة المطلة على الكلية الحربية المهيبة فأعطيته قيمة الايجار المتفق عليه وتسلمت المفتاح الا أنه بادرني بالقول بأن الهاتف ليس من ضمن القيمة فسألته عنها فذكر لي المبلغ فأعطيته له فزاد وقال أيضا الكهرباء ثم القمامة ثم أجرة الغفير...الخ وكانت كلها مبالغ بسيطة لا تذكر إلا أنني كنت متأكدا بأنها ضمن الايجار ولكبر سنه ولأنه كان لواء ركن ودكتور فلم أشاء جرح كرامته بالدخول في جدل والاتصال بابن عمي/ حسين صالح البشاري الذي قام بتأجيرها منه والمقيم في القاهرة منذ السبعينيات ليأتي ويخلصني منه و الطريف في الأمر ولأنه كان عضوا فاعلا في المعارضة الليبية في الخارج فقد كنت حريصا ألا يعلم زملائي باتصالي به إلا أن المسئول عن البرنامج التدريبي في المعهد (الذي تواصل معه ابن عمي بناء على طلبي حتى يتم استئجار شقة أقرب ما تكون إلى مقر التدريب) بادرني أمامهم في صباح أحد الأيام متسائلا: "أزاي أخوك؟" فعرفت من يقصد إلا أنني قلت له: "خويا من؟" – "أخوك الاستاذ حسين" فأجبت: "هو مش أخويا هو ابن عمي وهو كويس" وسط دهشة الجميع ولكنهم أدركوا فيما يبدو بأنني لا أريد الخوض في التفاصيل.

وبدأنا الدورة يوم السبت 18/08/2001 في مقر ميج (MEAG=MIDDLE EAST ADVISORY GROUP) ولا أعرف سببًا مقنعًا لعدم تسميتها بالعربية (المجموعة الاستشارية للشرق الأوسط) في القاهرة والذي التقيت فيه بأحد الزملاء الشباب من مرؤوسي في الإدارة المالية والذي كان عريسا وعند تبادل الحديث معه تبين لي بأنه يسكن في شقة مع أحد الزملاء الآخرين فسألته عن العروس فأجاب أنه تركها في ليبيا فأجبته: "والله حرام عليك يا راجل تحرمها من نصيبها في شهر العسل وتقلبه لها شهر بصل في ليبيا"

والغريب في الأمر أن الدكتور الطاهر لما علم بتفاصيل رحلتي افتخر: بأنه سافر مباشرة من رأس لانوف الى القاهرة دون المرور على بنغازي (طريق اجدابيا – طبرق) فقلت له :"والله صح لك" وأنا في الحقيقة في غاية الاندهاش من هذا التصرف ؟ ولا أدري عن تفاصيل رحلة الآخرين.

وفي الأيام التالية زرت الكثير من المكتبات محاولا العثور على كتيب سياحي عن القاهرة وخريطة لها فلم أجد بل أن طلبي كان يواجه بالدهشة ولما طلبت من إدارة المعهد أن يدلوني على مركز للمعلومات السياحية أجابوني بأنه لا وجود له أما عن الخرائط فلا وجود لها باللغة العربية ودلوني على مكتبة مؤكدين على وجود طلبي باللغة الإنجليزية فيها ولما زرتها وسألت صاحبها عن مدى توفر خريطة للقاهرة مد يده لي مزهوًا بها فسددت ثمنها ورجعت بها الى الشقة حيث فتحتها فإذا هي أرداء خريطة أراها في حياتي سواء من حيث الطباعة أو الإخراج فاستغربت لذلك من عاصمة الطباعة لدى العرب وتذكرت خريطة بنغازي المطبوعة في الستينيات التي وجدتها في البيت صدفة وأنا في سن المراهقة واستحوذت عليها وكنت مندهشًا بالتفاصيل الكثيرة فيها حتى أنني أستطيع تحديد مكان بيتنا وبيوت الأصدقاء فيها بشكل دقيق جدًا وعلى الرغم من سني الصغيرة في ذلك الوقت إلا أنني أدركت بأن لدينا من المساحين والمهندسين في المرافق من يستطيع أن يبز أحسن الكفاءات في العالم وعلى الرغم من حرصي عليها إلا أنها ضاعت مني نتيجة لانتقالنا من بيت إلى بيت قبل الاستقرار في حي السلام في بنغازي نهاية السبعينيات.

وللأسف الشديد لم تستمتع العائلة كثيرا في القاهرة لارتفاع درجة الحرارة في النهار فصرنا لا نخرج إلا قبل المغرب بقليل فيما عدا عطلة نهاية الأسبوع (الجمعة والسبت) حيث نخرج بعد العصر وكانت إحداها بطبيعة الحال إلى الأهرامات والأخرى نزهة في نهر النيل أما في الليل فكانت في الغالب إلى مدن الملاهي والتسوق في الأسواق والمحلات البائسة التي حدثت لي فيها طرفة جديرة بالسرد هنا: ففي رحلة إلى لندن بتاريخ 03/07/2001 في مهمة رسمية برفقة زميل لا يعرف لندن وفي معرض القيام بالمرشد السياحي له زرنا محلات هارودز الشهيرة وكنت في حاجة إلى مناشف التي وجدتها في خانة التخفيضات بنصف الثمن تقريبا أو حتى أقل من ذلك وعلى ورقة تفاصيل المنتج بأنه من القطن المصري 100% فأخذتها بالإضافة الى علبة معدنية تحتوى على أكياس من شاي إيرل قري المفضل لدي وكتذكار لوجود صورة المحل القديمة على العلبة مع اسمه مكتوب عليها بشكل جميل وعندما أقتربت من الخزينة لسداد الثمن تذكرت دورة مصر ومن غير المعقول أن آخذ شيئًا مصريًا من لندن وأنا متوجه اليها بعد حوالي الشهر والنصف فتركت المناشف قبل أن أصل إلى الخزينة وسددت ثمن علبة الشاي وخرجت مع زميلي لأريه مكان آخر ولذلك فأنني كلما دخلت إلى مكان تسوق في القاهرة بالعائلة أذهب مباشرة إلى مكان المناشف ولم أجد شيئا يشبه ما وجدته في لندن حتى ولو بنسبة 50% فكل المناشف كانت رديئة الى درجة لا تصدق ورجعت إلى ليبيا خالي الوفاض نادما على تلك الفرصة التي ضيعتها في هارودز لندن.

وفي يوم السبت 01/09/2001 سافرنا إلى الإسكندرية لاستكمال الأسبوعين الأخيرين في مقر ميج هناك وكنت آمل أن تكون الأجواء أفضل من القاهرة حتى أعوض العائلة عما عانته فيها إلا أنه حدث ما نغص عليّ الأيام الأولى في الإسكندرية فعندما اقتربت منها يبدو أنني ضغطت سهوا على دواسة البنزين في الطريق (فقد كنت أضع مؤشر تثبيت السرعة على 100كم/الساعة حتى لا أتعرض للمخالفة ) فأوقفني رجل المرور قائلا لي أن سرعتي كانت 115 كم/الساعة فأريته المؤشر المضبوط على 100 وأنني يمكن قد سهوت لعدة دقائق بالضغط على الدواسة وهذه الدقائق لا تستحق المخالفة فأصر على طلب الرخصة وركن السيارة على جانب الطريق وذهبت إلى زميله الذي كان جالسًا يحرر المخالفات متسائلا عن قيمة المخالفة وأنني مستعد لدفعها نقدًا وحالا فأجابني بأن عليّ دفعها في إدارة المرور فطلبت عنوانها في الإسكندرية فقال لي أنها ستكون في المقر الرئيسي في القاهرة ، فقلت: "يعني تبيني أنرد هالمسافة كلها الى القاهرة توا"
فأجابني:"لأ ، مش دلوقت بعد يومين"
– "لا يا راجل ؟ أنا مروح الى ليبيا توا ، والسيارة مليانة أطفال يا راجل يا محترم خوذ المخالفة وعطيني الرخصة وخليني نسافر على حالي"
– "لأ مش ممكن هو كده القانون"
فأخذت إيصال المخالفة وأنا أحولق وعدت إلى سيارتي وقدتها إلى مقر السكن وركنتها في مرآب العمارة وفي صباح اليوم التالي (الأحد 02/09/2001) ذهبت إلى المعهد الذي كان أكثر تواضعا من مقر القاهرة وشرحت ما حصل لمسئول الدورة المصري فأعطاني هاتف صديقه في القاهرة للتنسيق معه وفعلا أتصلت به فطلب مني إرسال نسخة من المخالفة بالفاكس فتحصلت على صورة لها من المعهد ويبدو أنهم لا يملكون فاكس لأنني توجهت إلى السنترال (البريد) في وقت الظهيرة مشيا وكانت هناك قاعة كبيرة وفسيحة لا يوجد فيها إلا القليل جدا من الناس على عكس كل الأماكن في مصر فسألت أحد الموظفين بأن يرسلها بالفاكس فقال لي:"عبي طلب"
– "طلب أيه"
– "طلب بأنك عايز ترسل فاكس"
–"مش معقولة؟ ، والطلب فين؟"
– "هناك عند رئيس القسم" وأشار بيده إلى مكتب زجاجي فيه أحد الأشخاص المعمرين فتوجهت إليه وسألت عن طلب لإرسال فاكس فمد إليّ نسخة بالكاد تُقرأ بياناتها والتي تبدأ بالإسم والعنوان والغرض من الإرسال ...الخ فأرجعته اليه قائلا: "والله ماني معبيه"
وفي اليوم التالي ذكرت ذلك لمسئول التدريب فطلب مني الإيصال قائلا أنه سيقوم بإرساله بمعرفته وأعتقد أنه أرسله بالبريد العادي؟ وأعطيته قيمة المخالفة نقدا ولم أستطع التجول بالسيارة لعدة أيام طمعا في وصول الرخصة إلا أنها لم تصل ولإلحاح العائلة بالخروج بها قمت بالاتصال بصديق مسئول التدريب مرتين كانت آخرها بعد عصر يوم الثلاثاء 11/09/2001 فكان رده مباشرة: "الله أكبر ، الله أكبر يا محمد سمعت الاخبار؟" وكان يقصد هجوم القاعدة المدوي على أمريكا ، فرديت عليه "آه سمعت شن صار في الرخصة؟" فأجابني بأنها في الطريق إلى المعهد.

ويجدر بي أن أتناول بشئ من التفصيل ما حدث لي في هذا اليوم الذي غير العالم الى الأبد وخاصة ما يتعلق منه بالسفر الجوي فقد عدت من المعهد حوالي الساعة الثانية بعد الظهر وبعد تغيير ملابسي والدخول إلى الحمام آويت الى الفراش كالعادة (فقد كنا نتناول وجبة الغذاء في المعهد) وشغلت الراديو الذي كان متعتي الوحيدة تقريبا في مصر ووضعته على البي بي سي التي تبث على موجة FM واستمعت إلى صوت أعرفه وهو صوت المراسلة اللبنانية المميزة/ راغدة ضرغام تحكي بالتفصيل ما جرى وخاصة في نيويورك فلم أستطع النوم لهول ما سمعت وكانت إحدى العبارات الجميلة التي ظلت ترددها هي (النيويوركيون) التي سمعتها لأول مرة منها وخرجت إلى الصالة وأخبرت العائلة بما حدث واختطفت جهاز ريموت التلفزيون من الأولاد ووضعته على CNN وشاهدت بعض المناظر المشهورة للهجوم على البرجين في نيويورك إلا أنه كان جهازا رديئا مشوشا فعدت إلى فراشي وأكملت الاستماع إلى البي بي سي العربية لمدة ساعة أو ساعتين وخرجت بعدها إلى الشارع لأتصل من الهاتف العمومي الرديء.

والغريب في الموضوع أن الدكتور الطاهر دخل إلى مكتبي بعد العودة إلى العمل في رأس لانوف ووجدني أعمل على كمبيوتر المكتب قائلا لي بعد أذنك مشيرا إلى الجهاز فأذنت له فقام بالنقر عليه بضع نقرات فظهر رسما للبرجين والطائرات المهاجمة عليهما وخرج مبتسما دون أن ينبس ببنت شفة ولكنني أدركت بأنه يريني برهان على وجود مؤامرة غربية على المسلمين وأنهم أبرياء من هذا الهجوم الإرهابي بكل المقاييس وبطبيعة الحال لم يكن الوحيد فقد دخل إلى مكتبي فيما بعد أحد الذين أثق في ذكائهم وثقافتهم وقال لي بدون أية مقدمات: "و الله إنها لكارثة كبرى إذا تأكد بأن أسامة بن لادن عميل للمخابرات الامريكية" وخرج دون أن يشرح لي سبب تصريحه هذا ولكنني أدركت أيضا بأن هناك خبرا أو شيئا من هذا القبيل بعمالة أسامة بن لادن للمخابرات الأمريكية فاستغربت لكلا التصرفين خاصة من أشخاص على درجة عالية من التعليم الغربي.

وعدت إلى ليبيا يوم الجمعة 14/09/2001 وأنا نادم كل الندم على اختياري لهذه الدورة في مصر بالأسرة التي كنت أظن بأنه أنسب مكان لهم للنزهة وللمعرفة خاصة مع توفر السيارة وأتضح بأنها على العكس تماما فلم تكن نزهة ولم تكن معرفة على الإطلاق بل عذاب شبه متواصل بدأ عند الحدود ولم ينته إلا عندها على الرغم من الأداء المتميز للمحاضرين والمتعة التي وجدتها خلال الدوام خاصة في مقر المركز في القاهرة فقد كنت أشعر بالانتقال الفجائي بين منطقتين متخلفة ومتقدمة نوعا ما ومن المعلومات الطريفة التي قيلت لنا على هامش المحاضرات أن هناك 120 ألف مليونير مصري وأن الموظف الحكومي يشتغل في المتوسط دقيقتين في اليوم وأرى تلخيص أهم ما جرى خلالها غير ما ذكرته سابقا كالاتي:
• اضطراري لاتخاذ موقف دفاعي ومتحفز كلما خرجت وخاصة بالأسرة لشعوري بأنني مستهدف وهو غير مريح على الإطلاق فمن محاولة إيقاف السيارة في شارع يخرج إليك شخص بالمساعدة في إيقافها بين السيارات وبطبيعة الحال تجد نفسك وقد أنقدته بضع جنيهات خوفا من الاعتداء عليها إذا لم تعطه بعض النقود ، إلى النصابين الذين ينتشرون بشكل فج وعلني في محطات الوقود بصفة خاصة وهم في لباس شركات معينة وما أن أهم بالخروج من المحطة إلا ويشيرون اليّ ويصيحون : "مبروك ، مبروك فقد فزت في مسابقة كذا وكذا " وبالكاد أستطيع الإفلات منهم ، إلى المطاعم التي دائما ما أكون شاكا في جودة الطعام فيها وسعره... الخ.
• كان الشارع الذي سكنت فيه من أهم وأرقى الشوارع في القاهرة وكان مليئا بمحلات البقالة التي تبيع الخضار والفاكهة بالإضافة إلى العربات الخاصة بها وقد جربتها كلها تقريبا ففي كل يوم كنت اختار محلا أو عربة للتسوق وعندما أعود الى البيت أجده قد غشني فيها فأذهب في اليوم التالي إلى بائع آخر وهكذا إلى أن أكملتهم تقريبا فاستغربت لهذا التصرف ولضحالة تفكير البائعين فكيف يسع الواحد منهم ليفقدني كزبون دائم لمدة أسبوعين في سبيل ملاليم ؟ وقد تفاجأت مرة وأنا أجلس مع ابن عمي في أحد المقاهي ليلا في وسط البلد من وجود البائع بجبته ومعه أبنه الأنيق ببدلته الكاملة مع ربطة عنقه وهما منهمكين في اختيار الفاكهة الجيدة من كل نوع ووضعها في نهاية العربة والرديئة في الأمام.
• الاضطرار إلى حمل كيس نايلون لوضع الحذاء فيه ووضعه أمامي كلما دخلت إلى المسجد للصلاة.
• كانت خيبة الأمل الكبيرة جدا في المكتبات فقد كنت أحمل قائمة تحتوي على حوالي 15 كتاب أنوي شراءها وكلما دخلت مكتبة أناولها للبائع الذي يقوم من كرسيه على غير ما كنت أتوقع ويقوم يبحث بين الأرفف ويصعد السلم وينزل منه للبحث في الأرفف العالية وأعتقد أنني وجدت كتابا أو كتابين فقط من القائمة ولعلم القارئ الكريم فإن المكتبات في العالم الغربي كله مذ عرفته في عام 1992 تقوم في البحث عن الكتب على برامج جاهزة خاصة بالكتب وببعض النقرات يقول لك البائع اذا كان متوفرا لديه ويحضره اليك بلمح البصر وإذا لم يكن متوفرا يفيدك أين تجده إذا كان متوفرا في المدينة نفسها وإذا كنت في بريطانيا وكان متوفرا في أمريكا أو أستراليا مثلا فيمكنه توفيره لك بطلب خاص.
• من أهم ما قمت بعمله هي خياطة كاط عربي من أربع قطع (فرملة وسروال وزبون وجبة) لدى الخياط التاريخي لهذا النوع من اللباس/ حسن الخياط الذي يقع محله في منطقة الحسين الشعبية والتي زرتها ولم أجد ما كنت أتوقعه من البهجة فيها فقد جلست في مقهى الفيشاوي الشهير ولم أشعر بشئ مما كنت أتوقع الشعور به ودخلت إلى مسجد الحسين وصليت المغرب وأيضا لم أشعر بشئ مختلف فيه ودخلت إلى الازهر وتجولت فيه ولم أجد شيئا يلفت الانتباه إلا حلقات الدرس على العمدان المختلفة وحاولت الإنصات لبعضها فلم أجد فيها ما يفيد.
• أما المكان الذي تكررت زيارتي له فهو سور الأزبكية الذي توجد فيه الكثير من أكشاك الكتب المستعملة وعلى الرغم من أنه أيضا كان أقل مما توقعت من حيث التنظيم إلا أنني تحصلت فيه على العديد من الكتب القيمة والتي تعتبر(ببلاش) بما فيه كتاب حديث جدا عن الإدارة المالية باللغة الإنجليزية ومما شجعني على زيارته أكثر من مرة وجود موقف سيارات متعدد الطوابق ووجود الحديقة وألعاب الملاهي فيها للأطفال.
• من المواقف التي ذكرتها في مقال نشرته على موقع الحوار المتمدن في شهر ديسمبر 2019 على الرابط https://www.ahewar.org/ ضمن بعض المواقف الأخرى للتفريق بين ثقافة الشرق والغرب ذكرت التالي: " في أواخر شهر أغسطس من عام 2001 كنت في القاهرة في دورة تدريبية لمدة شهر في أحد المع المراكز التدريبية للقيادات العربية وكان الدكتور مدير المركز يقوم بتوصيلنا بنفسه من وإلى مقر السكن وفي إحدى المرات وجدنا دورية مرور تستوقف السيارات وتفتش عن شيء ما فسألت الدكتور لماذا هذه الدوريات فأجاب أنها عن حزام الأمان فاستغربت لذلك فقال مستطردا أن ما يقومون به خطأ وأن حزام الأمان للسفر فقط فأجبته أنني أتذكر أنه في بنغازي في بداية السبعينيات كانت هناك بعض السيارات المرسيدس لا يمكن تشغيلها بدون أن يضع السائق حزام الأمان.

وعلى الرغم من هذه التجربة المريرة إلا أنه من المثير أكثر للرثاء والشفقة أن تجد موظفي الدولة والمبتعثين للدراسة بالخارج في جميع القطاعات يقومون بكل شيء للذهاب إلى مصر في سبيل توفير علاوة التدريب أو الدراسة أو حتى المهمة بل أنه صارت عادة في القطاع أن تقوم الشركة بطلب الإيفاد إلى فرنسا أو بريطانيا مثلا وبعد الحصول على الإذن يتم تغيير المسار إلى مصر وعلى عينك يا تاجر وفي وجود المراقب المالي الذي كان يشجع على هذا الإجراء وخاصة إذا كان إلى الأردن بل أنني لا أنسى على الإطلاق أحد المعارف المبرزين والذي يعتبر مرجعا في تخصصه في جامعة قاريونس وكان يحمل الماجستير من أمريكا منذ الثمانينيات وكنت أتابع مسعاه في الحصول على بعثة لتحضير الدكتوراة وكنت أعتقد بأنها ستكون في بريطانيا على أقل تقدير فإذا هو يصارحني بأنه سعى وتحصل عليها في مصر وعندما سألته ولماذا في مصر تحديدا فأجابني ليفتح حساب فقط في القاهرة ويرجع للراحة في بيته في بنغازي طوال فترة الدراسة وإلى الآن كلما أتذكر تصرفه أصاب بالمرارة ، أما بالنسبة لي فلم تتكرر هذه التجربة الا بتاريخ 31/05/2011 في طريقي إلى دبي لعدم أمكانية السفر من بنغازي إلا عن طريق مصر والتي دونت في صفحة المفكرة ليوم 01/06/2011 المسافات كالتالي:
بنغازي – طبرق 500 كم
طبرق – أمساعد 150
السلوم – أسكندرية 500
الإسكندرية – القاهرة 200
الإجمالي 1350كم

والمرة الثانية كانت في فبراير 2019 بمناسبة الحصول على الفيزا عن سنة 2018 وزيارة معرض القاهرة الدولي للكتاب.
وأقتبس هنا ما ذكره الدكتور/ شريف حتاتة في كتاب " يوميات روائى رحّال " 2008 عند حديثه عن صالة المغادرة في مطار القاهرة الدولي :
"انتشرت فيها رائحة مألوفة، رائحة تفوح من مباول المراحيض التي لم يتم تنظيفها، تتسلل إلىّ من خلف الكافيتريا جلس فيها بعض الرواد. رائحة أجدها في كل مكـان أذهب إليه. في نادي الجزيرة، ومقر الحـزب، فـي الصـحف القومية، والمعارضة وفـي دور النشـر، فـي المستشفيات، والفنادق، والمدارس، في الجوامع والبنوك والبيوت بما فيهـا الفاخرة منها. إنها رائحة لصيقة بحيــاتي، لصيقة ببلادنـا.. تذكرني بالسجون التي ذهبت إليها، بوزارة الصحة التي عينت فيها عندما خرجت من السجن، بـإدارة الوحـدات الريفيـة ، خصصت لها حجرة ملاصقة للمراحيض أسفل السلم الرخـامي العريض ، الذي يرتفع إلى مكتب الوزير في الدور العلوي. كلما أستنشقتها أتساءل متى ندرك أن التقدم الحقيقي ليس في أثاث مكاتبنا، وفخامة بيوتنا، وشكل سياراتنا، والعطـور التي نسكبها على أجسامنا لنخفى عرقنـا ولكـن فـي نظافـة حماماتنا، في التخلص من الروائح الكريهة في حياتنا، بدلا من التغاضي عنها،أومحاولة اخفائها"

12/12/2025



#محمد_حسن_البشاري (هاشتاغ)       Mohamed_Beshari#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المختار من اليوميات والذكريات (4)
- المختار من اليوميات والذكريات (3)
- المختار من اليوميات و الذكريات (2)
- المختار من اليوميات والذكريات (1)
- الذكرى العشرون لوفاة رجب الكوافي (2)
- الذكرى العشرون لوفاة رجب الكوافي
- كارثة الجبل الأخضر
- انتحار عبد الناصر
- الليبيون والذوق العام
- في ذكرى دولة الاستقلال
- العقيلة
- في ذكرى يوليو
- قيمة الانسان
- انتصارات العرب الوهمية (2)
- الجماعة الوباء (2)
- كولومبيا وحرمة الجامعات
- العلكة وربطة العنق
- كارثة سيول درنة (3)
- كارثة سيول درنة (2)
- كارثة سيول درنة


المزيد.....




- محتجون يقاطعون شهادة وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية أمام مجلس ...
- أمريكا.. نشر صور جديدة لترامب وكلينتون وبيل غيتس تظهر علاقته ...
- سيدة تلد داخل سيارة أجرة -وايمو- ذاتية القيادة وتصل مولودها ...
- معاناة سكان غزة من الفيضانات في انتظار المرحلة الثانية من خط ...
- اكتشاف لوحة جدارية نادرة تصور يسوع الراعي الصالح في مقبرة تر ...
- دعوى ضد -تشات جي بي تي- بتهمة المساهمة في جريمة قتل
- بريطانيا تفرض عقوبات على أربعة من قادة قوات الدعم السريع بين ...
- تركيا: لا تعديل على منظومة إس-400 ومحادثات إف-35 مستمرة
- موجة إنفلونزا غير مسبوقة تضرب بريطانيا
- لن تقاتل حماس.. مسؤولون أميركيون يتحدثون عن -قوة الاستقرار- ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد حسن البشاري - المختار من اليوميات والذكريات (5)