أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق سعيد أحمد - -وليد سيف- في كتابه -في طريق النقد.. سكة اللي يروح- يمشي بين متاهتين: الضوء والظل















المزيد.....

-وليد سيف- في كتابه -في طريق النقد.. سكة اللي يروح- يمشي بين متاهتين: الضوء والظل


طارق سعيد أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 01:51
المحور: الادب والفن
    


هناك كتبٌ لا تُقرأ، بل تُقام العلاقة معها كأنها طقس عبور. ويعد كتاب "طريق النقد.. سكة اللي يروح.. بين السيرة والخيال" لأستاذ النقد السينمائي الدكتور "وليد سيف" واحد من هذه النصوص التي لا تدخل الوعي فقط، بل تعيد ترتيب طبقاته الداخلية.

ليس لأن الكاتب يقدّم سردًا لسيرته أو لتجربته في النقد السينمائي، بل لأنه يفتح الباب الخلفي للفن نفسه، حيث يتحرك الوعي محاصرًا بأسئلته الأولى: من أين تأتي الرغبة في الكتابة؟ ما الذي يجعل النقد شكلًا من أشكال الوجود؟ وكيف تتحول السينما إلى مرآة لروحٍ تتلمّس طريقها بين الضوء والظل؟.

هذا الكتاب، في عمقه، ليس عن الأفلام ولا عن الحكايات. إنه عن الإنسان حين يحاول أن ينحت معنى في عالم يزداد انزلاقًا نحو التشظي. وعن الناقد حين يتحول إلى كائنٍ يقاوم النسيان، ويكتب لا ليحكم على العمل بل ليحفظ شرارته من الذوبان.

وهكذا، يظل الناقد الدكتور وليد سيف طوال الصفحات كاتبًا يسير بين متاهتين: متاهة الذاكرة، ومتاهة الفن، محاولًا أن يصنع من كلتاهما طريقًا يذهب ويعود، ولا يستقر.


الذاكرة كاستثمار روحي

منذ اللحظة الأولى، يغرس الكاتب سيرته في قلب النص. لكنها ليست سيرة على الطريقة التقليدية، بل سيرة تُكتب كأنها خريطة للطفولة التي لم تنتهِ بعد. في حديثه عن بداياته، وعن رغبته الأولى في الكتابة النقدية، يشعر القارئ أن وليد سيف لا يستعيد الماضي، بل يستحضره كأداة تحليل: الماضي يصبح عدسة يرى من خلالها العالم، لا صندوقًا مغلقًا يفتحه بين حين وآخر.

في كل مقطع يظهر واضحًا أن التجربة الإنسانية ليست فصلًا يمكن تجاوزه، بل محركًا خفيًا يوجه الحس النقدي. النقد هنا ليس اشتغالًا تقنيًا، بل امتدادٌ شعوري للطفل الذي كان يجلس في السينما ويحدق في الشاشة كما يحدق المؤمن في معجزة. لذلك جاءت لغة الكتاب محمّلة بروائح الأزقة الأولى، بصوت القاهرة وهي تنحت وعينا الجماعي، وبخوف المراهق الذي اكتشف أن الفن ليس مهربًا بل مسؤولية.


النقد كبحث عن المعنى في زمن ما بعد الحداثة

يضع الكاتب تجربته داخل سياق فكري واسع، حيث تتقاطع السينما مع التحولات الكبرى في القرن العشرين. وهنا تظهر رؤية ناضجة: فالنقد عنده ليس وصفًا للعمل، بل تفكيكٌ لعصرٍ كامل انكسر تحت ضغط الحداثة ثم أعاد تشكيل نفسه في ظلال ما بعدها.

يحلل الكاتب بعمق كيف تحولت الحداثة إلى مشروع جامد، وكيف جاءت ما بعد الحداثة كحركة تحرّر من الانغلاق، كفتحٍ محتمل لخيال جديد، وكدعوة لنسف الأنساق المغلقة التي اختنق بها العالم.

غير أن "سيف" لا يقف متفرجًا على هذه الحركات الفكرية، بل يقرأها عبر تماسها مع السينما. فالفيلم، في نظره، ليس مجرد سرد، بل مختبرٌ لتجربة إنسانية تتصارع مع نفسها.

ومن خلال هذه القراءة، يبدو النقد بالنسبة له نوعًا من "المقاومة الهادئة". مقاومة ضد الخطاب الواحد، ضد الرواية المغلقة، ضد الزمن الذي يحوّل الإنسان إلى وظيفة. إنّها مقاومة لاستعادة الفرد لصوته، لصورته، لنبرته الخاصة. وهكذا يتحول نقد السينما إلى نقد للواقع ذاته عند أستاذ النقد السينمائي الدكتور وليد سيف

بين السيرة والخيال: المنطقة التي تكتب فيها الذات نفسها

من أقوى مناطق الكتاب تلك التي يفتح فيها الكاتب علاقته بالخيال. فالخيال عنده ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية. الحكايات التي عاشها أو سمعها أو تخيّلها ليست مجرد ذكريات، بل مواد لبناء وعي جديد.

وفي هذا السياق، يصبح العمل الفني لحظة كشف: كل فيلم يكتب الناقد نفسه عبره، وكل شخصية يقرأها هي مرآة تتشظى فيها ملامحه.

يكتب سيف وكأنه يعرف أن السيرة الذاتية ليست حدثًا، بل معنى يتكرر عبر الأزمنة. ولذلك يلتقي الحقيقي والمتخيل في نصوصه بلا حواجز: المراهق الذي دخل قسم الشرطة بتهمة تصوير فيلم، الشاب الذي انتظر الاعتراف النقدي، الرجل الذي اكتشف أن الخطأ المطبعي على غلاف كتابه ليس مجرد سهو، بل علامة على هشاشة العالم. كلها ليست تفاصيل، بل لحظات وعي تنضج عبر الألم.

السيرة هنا ليست حكاية ذات، بل تاريخ مقاومة؛ مقاومة للظلم، للمؤسسة، للصدفة، وللفوضى التي تبتلع المبدع إن لم يحوّلها إلى معنى.


السينمائي ككائن وجودي

يتعامل الكاتب مع السينما كما تتعامل الروح مع الحلم. يفكك بناء السيناريو، يقرأ الحركة الدرامية، يتأمل مصدر الفكرة، ثم يعود ليضع هذه العناصر في سياق إنساني واسع.

وكأنه يقول إن السينما ليست صورة تتحرك، بل استعارة كبرى لحركة الحياة نفسها.

يشرح كيف تولد الفكرة السينمائية من شخصية حقيقية أو من حادث عابر أو من ذاكرة بعيدة، ثم تتطور داخل بنية سردية تشبه صراع الإنسان مع قدره.

وكما أن الفيلم يحتاج إلى مقدمة وأزمة وذروة وحل، كذلك الحياة تحتاج إلى هذه الحركات الأربع لتُفهم وتُروى.

لكن الأعمق من هذا كله هو إصراره على أن النقد ليس مهنة تقنية بل موقف وجودي. الناقد الحقيقي هو من يرى في الفيلم "مشكلة" تبحث عن حل، لا مجرد قصة تملأ وقتًا.

وهنا يقترب الكتاب من فكرة فلسفية عميقة: الإنسان لا ينجذب إلى الحكايات لأنها ممتعة، بل لأنها تشبه جرحه.


الكتابة كفعل نجاة

يمتلئ الكتاب باعترافات خفية عن خوف الكاتب من الخطأ، من سوء الفهم، من أن يخذله النص في اللحظة التي يثق فيها به. هذه الاعترافات ليست ضعفًا بل قوة، لأنها تفضح حقيقة لا يريد كثير من النقاد الاعتراف بها: النقد نفسه مغامرة غير مضمونة.

يكتب وليد سيف عن متعته في المراجعة، عن هوسه بتعديل الجمل، عن قلقه من النشر، وعن مواجهة القارئ التي تشبه مواجهة قدر. كأن الكتابة بالنسبة له طقس خلاص، يحاول من خلاله ترتيب هذا العالم المليء بالأخطاء، لا ليجعله مثاليًا، بل ليجعله محتملاً.

من خلال هذا القلق الخلاق، تصبح الكتابة شكلًا من النجاة. فكل نص يكتبه هو محاولة لإعادة الإمساك بالخيط الرفيع بين الفوضى والمعنى، بين الصدفة والمصير.


الفن كطريقة لرؤية العالم

لا يكتفي الكاتب بتفكيك السينما، بل يذهب أبعد: يرى الفن كمنظومة معرفية. كطريقة لفهم ما يحدث في العالم. الفن عنده ليس جماليات، بل دراسة للواقع، تحليل للعلاقات الإنسانية، ومرآة تكشف ما لا تقوله السياسة ولا تلمسه الفلسفة المجردة.

لذلك تبدو صفحات الكتاب كأنها حوار طويل مع الزمن: زمن الطفولة، زمن الدولة، زمن السينما المصرية، زمن الحداثة.

وكل هذه الأزمنة تتجمع في نص واحد كي تقول شيئًا بسيطًا وعميقًا: الفن ليس ترفًا. إنه حجر الأساس في بناء الوعي.


ما الذي يجعل كتاب وليد سيف مهمًا؟

لأنه يقدم نقدًا يخرج من العظم لا من المنهج.
لأنه يكتب السينما كأنها سيرة وطن.
لأنه يخلط بين الفكرة والنبض، بين النظرية والحياة، بين الحكاية والوعي.

هذا الكتاب ليس مجرد تجربة ناقد، ولا سردًا لسيرة، ولا تاريخًا للسينما المصرية. إنه نصّ يعلّمك كيف تنظر. وكيف تقرأ الصورة. وكيف تتعامل مع الفن كأنه شرط من شروط إنسانيتك.

وليست قيمته في أنه يشرح، بل في أنه يكشف: يكشف هشاشتنا، رغباتنا الأولى، خوفنا من المستقبل، وحاجتنا الدائمة إلى أن نخترع معنى جديدًا رغم أن العالم لا يتوقف عن محو المعاني القديمة.


كتاب وليد سيف هو محاولة جادة لاستعادة الإنسان داخل الفن، واستعادة الفن داخل الحياة. إنه كتابة من النوع الذي لا ينحاز إلى الحنين ولا إلى التنظير، بل يقف في المنطقة التي تتقاطع فيها التجربة مع الفكر، والذات مع العالم، والضوء مع الظل.

وحين يغلق القارئ الكتاب، لا يشعر أنه أنهى قراءة نص، بل كأنه خرج من غرفة مظلمة في قلبه، غرفة كان يجهل وجودها. هناك، في هذا المكان الخفي، تتشكل حدود العلاقة بين الإنسان والفن، بين الذاكرة والخيال، وبين الناقد والحياة نفسها.
هذا الكتاب لا يقدّم أجوبة.
بل يفتح أسئلة.
والأسئلة، كما نعرف، هي شكل آخر من أشكال البقاء.



#طارق_سعيد_أحمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هندسة الخوف: كيف تصنع السلطةُ النفسَ في رواية -للقطط نصيب مع ...
- دين الحمقى وضرورة الوهم.. تحت سقف النقد
- ملحمة المطاريد.. تفكيك البنية العميقة للثأر والسلطة
- كتاب مصريون: الكتاب الأول.. شبح يجيد المطاردة
- د. محمد خير الوزير يكتب كيف تصنع شعبًا جاهلًا.[2]
- مقولات طارق سعيد أحمد
- توحه سوسو سارة
- طارق سعيد أحمد يحاور السيناريست الكبير دكتور وليد سيف
- حوار علجية عيش مع الشاعر والإعلامي المصري طارق سعيد أحمد
- كيف تصنع شعبًا جاهلًا.[1]
- طارق سعيد أحمد يحاور الأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد
- ترتيب منطقي.. أو هكذا يبدو لي
- طارق سعيد أحمد يحاور السيناريت الكبير ناصر عبد الرحمن
- طارق سعيد أحمد يحاور السيناريست الكبير مجدي صابر
- إنْسَانٌ
- -تقيل- قصيدة للشاعر طارق سعيد أحمد
- كلاكيت أول مرة.. -أشرف ضمر- روائيًا في -سيما ألف ليلة-
- -آيس هارت فى العالم الآخر- رواية تراهن على المجاز الشعري
- طارق سعيد أحمد يحاور د.شهرت محمود أمين العالم
- «فى الثقافة المصرية».. ما بين الأدب القديم والتقدمى.. كتاب ه ...


المزيد.....




- فيلم -أوسكار: عودة الماموث-.. قفزة نوعية بالسينما المصرية أم ...
- أنغام في حضن الأهرامات والعرض الأول لفيلم -الست- يحظى بأصداء ...
- لعبة التماثيل
- لماذا يا سيدي تجعل النور ظلاماً؟
- نشطاء يريدون حماية -خشب البرازيل-.. لماذا يشعر الموسيقيون با ...
- -ماء ونار-.. ذاكرة الحرب اللبنانية في مواجهة اللغة وأدوات ال ...
- أردوغان يستقبل المخرج الفلسطيني باسل عدرا الفائز بأوسكار
- توقيع اتفاق للتعاون السينمائي بين إيران وتركيا
- تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف مئات الكتب بقسم الآثار المصرية ...
- إطلالة على ثقافة الصحة النفسية في مجتمعنا


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق سعيد أحمد - -وليد سيف- في كتابه -في طريق النقد.. سكة اللي يروح- يمشي بين متاهتين: الضوء والظل