أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق سعيد أحمد - دين الحمقى وضرورة الوهم.. تحت سقف النقد















المزيد.....

دين الحمقى وضرورة الوهم.. تحت سقف النقد


طارق سعيد أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 8543 - 2025 / 12 / 1 - 14:05
المحور: الادب والفن
    


يتجسد مفهوم "الغضب الثقافي" عبر حزمة من مقالات نشرت تباعا في عدة صحف للناقد الدكتور سيد إسماعيل ضيف الله وصدرت في كتابه المعنون بـ"نقد النقد..مقالات في نقد الذات" لدار نشر إضاءات للنشر والتوزيع في 166صفحة من الحجم المتوسط كتبها المؤلف على مدى ربع قرن.

وحيث تصارع الأفكار ما بين التنويرية والتقليدية وتداخل النظريات النقدية الغربية مع ثنايا التراث المحلي في عالم النقد الأدبي المعاصر يأتي الكتاب كصوت يعكس التوتر الداخلي للناقد المصري.
وبمزجه بين الشخصي والعام، بين نبضات الغضب الثقافي وبين الاعتراف بالضعف الإنساني كمحاولة لإعادة قراءة النقد ـبشكل عام ـ كعملية بناء ذاتي، ليصل النقد إلى تحبيك أفكار الذات عن نفسها وعن العالم في آن.

والكتاب في سياقه العام يقترب إلى المذكرات الفكرية منه إلى الدراسات الأكاديمية الصارمة والتي يمارسها الكاتب الدكتور سيد إسماعيل ضيف الله أستاذ مساعد في النقد الأدبي بأكاديمية الفنون المصرية في إصداراته وتأتي المقدمة باعتراف المؤلف بحماسته المستمرة، ويصف كيف أن "الغضب من آفات المشهد النقدي العربي المزمنة" ولم يخفت مع الزمن. ويقول: "كنت أظن أن الغضب يخفت كلما تقدم العمر، لكن يبدو أن الحماسة لم تغب عن أي من مقالات هذا الكتاب" وبهذا الاعتراف الصريح تلامس مصداقية الكاتب العقل والقلب فالنقد هنا ليس موضوعياً مصطنعا، بل "عملية تحبيك أفكار الذات"، كما يصفها ضيف الله نفسه.

الحماسية كأداة نقدية
أحد أبرز نقاط قوة الكتاب هي حماسة المؤلف وتحولها إلى أداة نقدية فعالة ففي المقالة الأولى "جنة الحمقى"، والتي نشرت بعنوان "ضد العقل" في بوابة الأهرام عام 2016، يروي ضيف الله قصة صديقه الذي نعته بالذكي الذي قرر "التحامق" ليعيش سعيدا مستشهدا ببيت شعر من عبد القاهر الجرجاني: "وعش حماراً تعش سعيداً فإن السعد في طالع البهائم".
هذا السرد الشخصي ليس مجرد ترميم درامي إنما مدخل لنقد ثقافي عميق يتساءل عن اللحظة التي يقرر فيها شخص شديد النبوغ أن ينكر على نفسه عقله.
ويربط ضيف الله بين هذه اللحظة الراهنة والتراث العربي، مشيرا إلى أن "لفظ العقل ورد في القرآن مرة واحدة"، وجاء مرتبطاً بنقصان النساء في الحديث النبوي، ويستشهد بالمتنبي: "لولا العقول لكان أدنى ضيغم أدنى إلى شرف من الإنسان".
هنا، يطرح الكاتب سؤاله.. كيف أن الثقافة العربية احتفت بالعقل كـ"زينة" ومنتج للأخلاق؟، ومنتقدا في الوقت ذاته الواقع المعاصر حيث أصبح "التحامق فضيلة" للاندماج في سياق يعادي العقل!

وهذه الحماسة ليست عشوائية إنما مدعومة بمراجع أدبية وتاريخية، مما يجعل النقد ثقافيا يقول الإمام علي: "إن المكارم أخلاق مطهرة فالعقل أولها والدين ثانيها"، ويردد أبا العلاء المعري: "اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا دين وآخر دين لا عقل له" ومن خلال هذه الاقتباسات الشهيرة، يبني الكاتب حجة قوية ضد "دين الحمقى"، ويصبح الجهل نعيما.
وهذا النوع من النقد ليس مجرد لوم شخصي إنما تشخيص لأزمة ثقافية تتسع في المجتمع، حيث يفقد العقل دوره كشرط للأخلاق والتكليف الديني ـ من وجهة نظر الكاتب ـ ومع ذلك، يعترف ضيف الله بضعفه حيث يقول: "الشك أن الشعر العربي احتفى بالعقل"، لكنه يتساءل عن سر ارتباطه بالأخلاق، مما يفتح باباً للجدل دون إغلاقه.

وتستمر هذه الحماسة في استكشاف أزمات النقد ففي مقاله المعنون بـ "أدب القرود"، ينتقد ضيف الله الاتباع الأعمى للنظريات الغربية، مقارنا بعض النقاد بـ"قرود" تقلد دون إبداع. أما "المرجعية الثقافية للفشل وأزمة إدارة المجتمع"، فهي قراءة في كيف أن النقد يعكس فشل المجتمع في إدارة تناقضاته، مستلهماً من تجارب الثقافة العربية الحديثة.
هذه المقالات تكشف عن تطور فكر المؤلف؛ فالغضب في التسعينيات يتحول إلى شك أكثر نضجاً في العقود اللاحقة، كما في مقالة "عن التنوير وأحواله بين الحاضر والماضي"، حيث يناقش "أعداء التنوير" كقوى داخلية تمنع التقدم.

تناقضات
والتناقضات التي يعترف بها المؤلف بنفسه في المقدمة: "من اليسير جداً أن تعثر – عزيزي القارئ – على تغيرات في المواقف، وتناقضات في الآراء، وشجاعة حيناً وجبناً وخوفاً أحياناً". هذه التناقضات، التي يصفها بـ"ضعف إنساني"، قد تكون ميزة في سياق "نقد الذات"، إذ تجعل النص حياً ومتعدد الأصوات، لكنها قد تبدو للقارئ الأكاديمي كنص غير متماسك. على سبيل المثال، في "النقد الأدبي في خدمة العنصرية"، يهاجم ضيف الله النقاد الذين يستخدمون النقد للتنفيس عن "مشاعرهم السلبية تجاه البشر"، مستشهداً بأمثلة من الثقافة العربية حيث يصبح النقد أداة للعنصرية الاجتماعية أو الجنسية. ومع ذلك، في "نساء النقد الأدبي"، يناقش التمييز الجنسي في النقد، لكنه يعترف بأن "النقد الأدبي النسوي أكثر الاتجاهات سوء حظ"، مما يثير تساؤلاً: هل هذا تناقض، أم تطور في الوعي؟

ويبتعد الكتاب إلى الهيكلة المنهجية الصارمة؛ حيث أن المقالات مستقلة، ولا يوجد بينها خيط سردي / منهجي يربطها، مما يجعل القراءة تشبه تصفح مذكرات فكرية لكنه يعكس جوهر "نقد الذات"، حيث يقول ضيف الله: "لا أنكر أن مشاعر غيرة كانت حافزا لي أحياناً لتناول بعض النصوص المتميزة بالنقد، لكن الكتابة كانت أكثر عدلاً". هنا، يحول الغيرة إلى "معادل نقدي"، مما يجعل الضعف الإنساني مصدرا للقوة من الناحية الأسلوبية.

ويتميز ضيف الله بأسلوب حواري يخاطب القارئ مباشرة: "دعني أصارحك – عزيزي القارئ – بحقيقة النقد". هذا الأسلوب يجعل النص مشوقا، لكنه قد يبدو غير رسمياً مقارنة بنقاد مثل عبد الله الغذامي أو الدكتور جابر عصفور، الذين يناقشهم ضيف الله في مقالات مثل "أمل دنقل وجابر عصفور وما بينهما". في هذه المقالة، يقارن بين الشاعر الثوري الكبير أمل دنقل والناقد الدكتور جابرعصفور، متهماً الأخير بـ"الوقوع في غواية التصنيف النقدي"، بينما يمدح دنقل كمثال على الإبداع الحر. هذا التناقض بين الشعر والنقد يعكس صراع المؤلف الداخلي، لكنه يثري النص بدلاً من إفقاره.



في النقد الثقافي

في سياق النقد العربي المعاصر، يأتي كتاب ضيف الله كإضافة إلى تيار "النقد الثقافي" الذي أطلقه الغذامي ـ مثلا ـ في كتابه "النقد الثقافي" عام 2000، والذي أثار جدلاً حول الترجمة والمثاقفة حيث أن ضيف الله، في مقالات مثل "الناقد الثقافي والخروج من المنهج" قراءة في كتاب محمد الشحات "خارج المنهج، يدعو إلى "الخروج من المنهج" لصالح قراءة ثقافية أوسع، مشابهاً للغذامي لكنه أكثر ذاتية، كما يناقش في مقالة "صلاح جاهين وأوصياء الشعر 60 عاماً من محاولات الاحتواء" كيف أن الشعراء يُحتوَون نقدياً، مما يعكس أزمة الاعتراف بالمبدع الجديد، كما في مقالة "المبدع الجديد وشروط الاعتراف به".

الكتاب أيضا ينقاش موضوع حرية التعبير، خاصة في "النقد الأدبي وحرية التعبير"، حيث يربط بين حبس الكاتب أحمد ناجي عام 2016 بسبب روايته "استخدام الحياة" والقيود على النقد وهذا يجعل الكتاب ذا صلة بالواقع في مقالته "دستور مصر الثقافي"، ويقترح ضيف الله في مقالة "مضنون به على العوام"، كسر حواجز النقد كمحاولة لربط النقد بالحياة اليومية، بعيداً عن النظريات النقدية المعزولة عن المجتمع.

ضرورة الوهم

ويعد كتاب "نقد النقد.. مقالات في نقد الذات" ليس مجرد مجموعة مقالات منفصلة بل يعتبر شهادة على رحلة ناقد يعترف بأن دراسة النقد ضرورية للحياة، ودراسة أنفسنا كنقاد وللنقد كعلم، بتشخيصه لأزمات الثقافة وارتباطه بالتراث يدعو إلى إفاقة "المتوهمين" بالموضوعية المصطنعة، ويؤكد أن الوهم طبيعة بشرية ، لكن كشفه ضروري لتحسين الحياة للناقد الشاب أو المهتم بالثقافة العربية بشكل عام، ويعد أيضا دعوة لتأمل الذات في زمن يسيطر فيه "دين الحمقى"، كما يصفه ضيف الله، يبقى هذا الكتاب صوتاً للعقل، يشقى في النعيم بعقله، لكنه ينعم بالحرية.




.



#طارق_سعيد_أحمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملحمة المطاريد.. تفكيك البنية العميقة للثأر والسلطة
- كتاب مصريون: الكتاب الأول.. شبح يجيد المطاردة
- د. محمد خير الوزير يكتب كيف تصنع شعبًا جاهلًا.[2]
- مقولات طارق سعيد أحمد
- توحه سوسو سارة
- طارق سعيد أحمد يحاور السيناريست الكبير دكتور وليد سيف
- حوار علجية عيش مع الشاعر والإعلامي المصري طارق سعيد أحمد
- كيف تصنع شعبًا جاهلًا.[1]
- طارق سعيد أحمد يحاور الأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد
- ترتيب منطقي.. أو هكذا يبدو لي
- طارق سعيد أحمد يحاور السيناريت الكبير ناصر عبد الرحمن
- طارق سعيد أحمد يحاور السيناريست الكبير مجدي صابر
- إنْسَانٌ
- -تقيل- قصيدة للشاعر طارق سعيد أحمد
- كلاكيت أول مرة.. -أشرف ضمر- روائيًا في -سيما ألف ليلة-
- -آيس هارت فى العالم الآخر- رواية تراهن على المجاز الشعري
- طارق سعيد أحمد يحاور د.شهرت محمود أمين العالم
- «فى الثقافة المصرية».. ما بين الأدب القديم والتقدمى.. كتاب ه ...
- طارق سعيد أحمد يحاور الدكتورة شهرت العالم
- طارق سعيد أحمد يحاور الفنان التشكيلي العالمي -محمد عبلة-


المزيد.....




- مهرجان فجر السينمائي:لقاءالإبداع العالمي على أرض إيران
- المغربية ليلى العلمي.. -أميركية أخرى- تمزج الإنجليزية بالعرب ...
- ثقافة المقاومة: كيف نبني روح الصمود في مواجهة التحديات؟
- فيلم جديد يكشف ماذا فعل معمر القذافي بجثة وزير خارجيته المعا ...
- روبيو: المفاوضات مع الممثلين الأوكرانيين في فلوريدا مثمرة
- احتفاء مغربي بالسينما المصرية في مهرجان مراكش
- مسرحية -الجدار- تحصد جائزة -التانيت الفضي- وأفضل سينوغرافيا ...
- الموت يغيب الفنان قاسم إسماعيل بعد صراع مع المرض
- أمين معلوف إثر فوزه بجائزة أدبية في المكسيك: نعيش في أكثر عص ...
- الدرعية تحتضن الرواية: مهرجان أدبي يعيد كتابة المكان والهوية ...


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق سعيد أحمد - دين الحمقى وضرورة الوهم.. تحت سقف النقد