أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حيدر صبي - الهروب من الذات .. كيف صنعت الثقافة الإسلامية عدواً وهمياً لتفسير الفشل والإنقسام















المزيد.....

الهروب من الذات .. كيف صنعت الثقافة الإسلامية عدواً وهمياً لتفسير الفشل والإنقسام


حيدر صبي

الحوار المتمدن-العدد: 8548 - 2025 / 12 / 6 - 19:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لنفكك بداية وهم ما نسميه “العدو الخارجي” ثم امرر بكم بنقدٌ صارم لبنية الإزاحة الفكرية للحدث في التاريخ الإسلامي وقبل ان نثبت بشيء من الايجاز من أن الأمم لا تنهض بالأساطير ولا ترمي فشلها على شماعات الآخرين بل على مواجهة الحقيقة كما هي وان كانت مرّة .

فمنذ القرون الأولى لتشكّل الوعي الإسلامي ، ترسّخت في فكر الانسان المسلم عادة عجيبة تتمثل في ردّ كل إخفاق ، وكل اضطراب ، وكل انقسام دموي إلى « فاعل خارجي » غامض يتربّص بالأمة وينتظر الفرص لتنزيقها .

دأب العقل السياسي والديني في بلاد المسلمين وحال مواجهته للأزمات باستحضار شخصيات موهومة ومؤامرات خطط لها في دهاليز الاعداء ، تلك المؤامرات التي لا يمكن الا ان يكون لليهود يد في صناعتها ناهيك عن الغرب " الكافر " ، مروراً بالفرس والروم ، وكأن الأمة خُلقت معصومة من الزلل ولايمكن لها بأي موضع ان تقع في خلل ما وان كان ليس بقصدية ، انها امة لا تعاني من ضعفٍ إداري ولا فسادٍ سياسي وهي بعيدة كل البعد من ان تكون مصابة بضيق أفق معرفي ، منه اصبحت الأمة الإسلامية القطب الأوحد في ادارة الكوكب الأخضر .. اليس كذلك ؟ .

هذه الذهنية ليست ترفاً خطابياً ، هي بنية تفسيرية صلبة اشتغل عليها لقرون ورسّخها الفقهاء والسلاطين ورجالات الدعوة ، فتحولت مع الزمن إلى « قدر فكري » يحكم الثقافة الإسلامية ويشلّ قدرتها على مواجهة ذاتها .

العلل ثم النتائج ونوجزها بالآتي ؛

أولاً : آلية الإزاحة .. حين يتحول الفشل إلى جريمة يرتكبها الآخر

الإحالة المستمرة إلى علّة « المؤامرة » ليست سوى آلية دفاع بدائية هشّة يُراد بها حماية صورة الذات المسلمة من التصدّع . ولأجل أن نقفز على العرف السائد وندحضه لابد وان نتحلى بالشجاعة لنعترف من أن ( الفتنة الكبرى أو انهيار الدولة الأموية أو فساد الحكم العباسي أو فشل الدولة الحديثة ) ماهية غير ظواهر نشأت من داخل البنية الإسلامية نفسها ولا دخل للخارج سوى ما سمح به ضعف الداخل ليجعل من نفسه فريسة سهلة له .

نقول ؛ لقد جرى تصنيع رواياتٍ تُلقي بثقل التاريخ على « عدوّ خارجي » فهناك روايات هوّدت الأخطاء ونصّرت الخطيئة وغلّفت الفشل بأغلفة بينية براقة ، فكما اختبأت الكنيسة الأوروبية خلف “ العدو اليهودي” لتبرير إخفاقاتها ، نسخ العقل الإسلامي القاعدة ذاتها لكن بأشدّ صيغها رسوخاً في الفكر فبات اللاوعي يلهج بها دونما تدقيق ودراية .

ثانياً : أسطورة عبد الله بن سبأ .. نموذج للوهم المُقدس

لا توجد شخصية في تاريخ الإسلام حُمّلت ما لا تحتمله الروايات مثل شخصية عبد الله بن سبأ .
رجل قيل إنه يهودي من اليمن ، وأنه اخترق صفوف المسلمين ، وانه حرّض على الخليفة عثمان ، وهو من قاد ثورات الأمصار ، فكان ان اصبح النتيجة لعلة انتاج نواة الانشقاق السني - الشيعي بمدّ الصراعات القائمة حتى الآن . ان شخصية عبد الله بن سبأ وبمقاربة قدراته الفذة والخارقة بما اخرجته لنا الروايات وبمنهج علمي صارم تفضي إلى ما يلي من النتائج :

1. الرواية مؤسسة على راوية متروك وكذّاب

معظم ما أورده الطبري عن ابن سبأ اعتمد فيه على سيف بن عمر ، وهو راوٍ أجمع أهل الجرح والتعديل على ضعفه ، بل وصفه ابن معين بأنه “ ضعيف الحديث ” ، بينما قال عنه الذهبي بأنه “متروك” بمعنى حين يسقط السند يسقط المتن منه .

2. حضورٌ خافت في أمهات المصادر

المؤرخون الأوائل ك ( البلاذري ، المسعودي ، الواقدي ) سجّلوا أحداث الفتنة الكبرى بتفاصيلها المتشابكة ، ولم يسندوا لابن سبأ أي دور محوري فيها ! . واذن فغياب هذه الشخصية عن المدونات المعتبرة الجامعة للتواتر والتصحيح يضع الرواية كلّها موضع الشكّ المنهجي .

3. الدراسات الشرقية والغربية تميل إلى نفي وجوده

جولدزيهر ونولدكه وطه حسين وغيرهم يرون أن ابن سبأ أقرب إلى « مُنتَج سياسي » ظهر في الحقبة الأموية والعباسية لاتخاذه صمام هروب من مواجهة الحقيقة المرعبة التي تقول : أن المسلمين أنفسهم لا اليهود هم الذين أشعلوا الفتنة الكبرى واقتتلوا على السلطة .

4. انعدام القرينة اليهودية التاريخية

لم تُسجّل الوثائق اليهودية أي أثر لرجل لعب هكذا دور ، وهي بطبيعتها مدونات حريصة على حفظ أي شخصية ذات صلة بتاريخ اليهود في الجزيرة العربية .

5. عدم معقولية الفكرة في أصلها

من المستحيل عقلاً أن يشعل رجل واحد مهما بلغ دهاؤه فتنةً هزّت أركان الدولة الإسلامية ، لا بل استطاع من خداع كبار الصحابة والقادة والفقهاء ، وهذا يؤكد من ان الفكرة ذاتها تحمل بذور دحضها اذ لايمكن للنفي أن يؤكد الإثبات في ذوات النفي المثبت ، وعليه فإن أسطورة ابن سبأ ليست سوى عملية إسقاط سياسي ممنهج ، أُريد بها إعفاء الفرق المتصارعة من مسؤولية الدم الذي سُفك ، وإلقاء اللوم على « الآخر » ما يُسهّل اتهامه وبذات الوقت لا يمكن محاسبته .

ثالثاً : العدو الخارجي كجهاز وظيفي داخل الثقافة الإسلامية

لنسأل بداية ؛ لماذا رسخت هذه البنية ليومنا هذا ؟ ، والجواب ، لأنها جهازٌ وظيفي يخدم غايات متعددة منها على سبيل المثال لا الحصر ( توحيد الجماعة في مواجهة خصم خارجي مفترض ، ترميم الشرعية السياسية عند الفشل ، تحصين السلطة الدينية من النقد ، تأجيل مواجهة الأسئلة الكبرى حول الحكم والحرية والعقل ) وبذلك أصبحت ثقافة « المؤامرة » جزءاً لا بتجزء من النظام المعرفي ذاته .

رابعاً: حين يُقصى العقل يُستدعى المجهول وتسود الخرافة

المجتمعات التي تتجنب المكاشفة تنتج حتماً سردياتٍ أسطورية ، ولأن العقل المسلم ولأسباب تاريخية وعقائدية معقدة خضع طويلاً لهيمنة الفقه التقليدي المتزمت فلم يُتح له ان يطوّر من ادواته للوصول الى مزية النقد البنيوي الشجاع ، كما فعلت أوروبا حين خاضت صراعها الطويل مع الكنيسة فانتهت إلى عصر العلمانية والعقل والتنوير ، مع ان أوروبا كان لها اعداء كثر غير انها نهضت ، وسبب نهوضها كان لإمتلاكها الجرأة لتسمّي الأشياء بأسمائها ولتفصل بين المقدّس والحكم ، وبين اللاهوت والدولة ، فيما نحن لازلنا نُعيد تدوير الخطاب ذاته فنعلل الأزمة ب " الغزو الثقافي ، ونحيل الإخفاق الى صيرورة “مؤامرة غربية” ، بينما نرجع الفساد الى “ يد يهودية ” مُدّت لتنهب ثروات بلادنا وتعبث بامننا وتلويث عقولنا منطلقين من علّة الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي ، وهكذا تبقى الأمراض نفسها وتبقى الأسباب نفسها ويتكرر التاريخ نفسه .

خامساً : نحو وعي يتجاوز السردية المؤامراتية

لانّ إعادة قراءة التاريخ الإسلامي بعيداً عن الوهم بات ضرورة وجودية ولا يدخل من باب الترف المعرفي لذا حان الوقت لأن نقرّ بأن ( الفتنة الكبرى لم تصنعها يد يهودية وان الانقسام السني –الشيعي لم يَزرعهُ رجل غامض وكذلك فشل الدولة الحديثة لا تصنعه غرف مظلمة خارج الحدود ) بل هو نتاج " خلل داخلي عميق في بنية السياسة والثقافة والحكم " لذا فالتقدّم يبدأ من لحظة الاعتراف بالنكوص ووهم المؤامرة كي نكسر كمسلمين الحلقة النفسية التي تجعل الأمة أسيرة “ عدو خارجي مفترض ” نتخيله كلما عجزنا عن مواجهة انفسنا .

اخيرا نقول ؛ إن أسطورة ابن سبأ وكل سرديات المؤامرة التي تدور حولها ليست سوى وجوه مختلفة لمرض معرفي واحد ( الهروب من الذات ) .
وما لم يُكسر هذا النسق من جذوره وما لم تمتلك الأمة شجاعة الاعتراف من ان خللها من داخلها لا من خارجها، فإنها ستبقى تدور حول ذاتها لتُعيد تفسير إخفاقاتها وتحيله للشبح إياه وهنا ستُفوّت على نفسها فرصاً تاريخية للنهضة والتطور ، ذلك أن الأمم لا تنهض بالأساطير ولا تبني مستقبلها على شماعات الآخر العدو بل على مواجهة الحقيقة كما هي ولو كانت موجعة .



#حيدر_صبي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لنتألم على السودان كما نتألم على غزة
- مدينة القرار السياسي القيادة والتحديات
- اجتثاث البعث ام هو اجتثاث للوطنيين
- المسخ
- رسالة مفتوحة
- بايدن أمريكا أم بايدن ايران
- رسالة نصيحة
- ستيف مامان - الدرس والرسالة
- الاحتجاجات الايرانية .. مؤامرة أم ثورة من اجل التغيير
- مفتي البلاد
- شعب الله المهزوم
- شقشقة في رغبات انثى
- الكوليرا بين عثمنة السدود وعراقة القبائل البنكالية
- الى الساسه واصحاب المعالي والكياسه
- كيف ﻻتشعر بالبرد
- كيف ﻻ-;- تشعر بالبرد
- قطر بين المطرقة المصرية وسندان السعودية
- لماذا رفضت واشنطن تزويد الاردن بطائرات من دون طيار
- عبعوب حان الوقت لتودع أمانتك
- المليونية الأربعينية وعشوائية التخطيط الحكومي


المزيد.....




- بعد مقتل أبو شباب المتهم بالتعاون مع إسرائيل، غسان الدهيني ي ...
- -متهوّر وغير كفوء-.. انتقادات متزايدة تلاحق وزير الحرب الأمر ...
- بوعلام صنصال يتسلم جائزة -سينو ديل دوكا-.. ويأمل بالإفراج عن ...
- مصدر يمني: السعودية سحبت قواتها من قصر عدن الرئاسي ومواقع أخ ...
- اجتماع أميركي سوري بشأن السويداء في عَمان
- خطة هروب جاهزة لكندا.. فرنسيون قلقون من حرب محتملة مع روسيا ...
- توقيف 4 نشطاء لطخوا صندوق عرض التاج البريطاني بالطعام
- لو باريزيان: ماذا وراء تصريحات بوتين ضد أوروبا؟
- هل تمثل محاكمة الهيشري مدخلا للعدالة الدولية في ليبيا؟
- نجل بولسونارو يعلن نفسه وريثا سياسيا لوالده ومرشحا لرئاسة ال ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حيدر صبي - الهروب من الذات .. كيف صنعت الثقافة الإسلامية عدواً وهمياً لتفسير الفشل والإنقسام