أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السعدية حدو - شعرية الخراب وأنطولوجيا الهشاشة: قراءة في قصيدة -سماء معلقة بخيوط العنكبوت- للشاعر رياض محمد














المزيد.....

شعرية الخراب وأنطولوجيا الهشاشة: قراءة في قصيدة -سماء معلقة بخيوط العنكبوت- للشاعر رياض محمد


السعدية حدو
قارئة مهتمة بنقد نقد تحليل الخطاب

(Saadia Haddou)


الحوار المتمدن-العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 04:51
المحور: الادب والفن
    


سماءٌ مُعلَّقةٌ بخيوطِ العنكبوت
1
هائجةٌ هيَ الجموعُ
هائجةٌ
مثلَ مجانينَ داهمهمُ الخوفُ
السّماءُ رصاصٌ ثقيلٌ
والظلامُ يَجثو على رُكبتيهِ
لقد اغتيلَ النورُ
مُذْ غادرَ النَّرجسُ
ضفّةَ الحُلمِ
ماتَ تمّوزُ
وغادرتْ عِشتارُ
ولم يَتبقَّ لنا
نحنُ الأشجارَ التي لا جذورَ لها
سِوى أن نُغادِرَ
على عَجَلٍ
قبلَ أن يهدأَ الموجُ
ويعودَ الضَّجرُ مُتَرَنِّحًا
من حانتِهِ القديمةِ
على شاطئِ البحرِ …
2
هكذا جاؤوا
الجنودُ مُعلَّقينَ بخوذِهم
والبَساطيلُ تَنغَرِزُ في الرملِ
لقد عبَروا البحارَ
من أجلِنا
لكنّهم حينَ أسقطوا البلادَ
نَسوا أنَّ شَعبًا
ضاعَ بينَ الحصارِ والحروبِ
فجاؤوا بإخوةِ يوسفَ
لِيَنهَبوا بيتَ المالِ
ويأكلوا البلادَ كلَّها …
3
الخِرافُ تائهةٌ
والذِّئابُ الرماديّةُ
تَتَحَيَّنُ الفُرَصَ
لِلْاِنقِضاضِ
لا ضَمائرَ للقادمينَ الجُدُدِ
الذينَ سَكَنوا قُصورَ الإلهِ المُنقَرِضِ
في البدءِ
أصابَتْهُمُ الدَّهشةُ
لكنّهم تَمَرَّسوا بعدَ حينٍ…!!
رياض محمد
سبتمبر 2025

يضعنا الشاعر رياض محمد منذ العتبة الأولى لنصه "سماءٌ مُعلَّقةٌ بخيوطِ العنكبوت" أمام صدمة بصرية ومفارقة دلالية تحكم حركة النص بأكمله. فالعنوان لا يكتفي بوظيفته الإخبارية بل يتحول إلى مفتاح دلالي يكشف جوهر المأساة. إن الجمع الضدي بين "السماء" بما تمثله من علو واتساع ومصدر تقليدي للأمان وبين "خيوط العنكبوت" بما تحمله من دلالات الوهن والتربص والهشاشة المطلقة, يؤسس لرؤية وجودية قاتمة. هذه الصورة السريالية توحي بأن العالم لم يعد يرتكز على أعمدة راسخة و لكنه بات معلقا بصدفة بيولوجية واهية مهددا بالسقوط في أية لحظة. إنها هندسة اللايقين التي تحكم المشهد العراقي والإنساني في لحظات الحروب حيث يتحول الوجود الراسخ و اليقيني إلى محض احتمالات آيلة للتلاشي وتغدو السماء التي كانت مظلة زرقاء عبئا ثقيلا يوشك أن ينهار على الرؤوس.

ومن هذه العتبة المنذرة بالكارثة يدخل الشاعر في المقطع الأول لتأثيث فضاء "الديستوبيا" عبر استدعاء مناخ قيامي. إذ ترسم القصيدة لوحة حركية لجموع هائجة لا يحركها فعل الثورة الواعي بل غريزة الخوف البدائية التي حولتهم إلى مجانين. ولتعميق هذا الشعور بالاختناق يلجأ الشاعر إلى أنسنة عناصر الطبيعة وتوحشها. فالظلام هنا ليس مجرد غياب للضوء. إنه كائن خرافي "يجثو على ركبتيه" في وضعية الهيمنة. وفي هذا السياق، يوظف الشاعر الموروث الرافدي (تموز وعشتار) توظيفا رثائيا. فموت تموز (رمز البعث والخصب) ومغادرة عشتار (رمز الحب والحياة) واغتراب النرجس كلها إشارات رمزية تعلن عن "موت الطبيعة" وتعطل دورة الحياة الحضارية. لم يعد المكان قابلا لإنتاج المعنى أو الجمال لقد أصبح مسرحا للموت السريري للقيم. مما يمهد للوصول إلى النتيجة الوجودية الأخطر في النص: "نحن الأشجار التي لا جذور لها". هذه الصورة المجازية تنسف مفهوم الهوية والتجذر محولة الإنسان العراقي إلى حطب يطفو فوق طوفان الأحداث محكوما عليه ب "المغادرة على عجل" هربا من ضجر كوني صوره الشاعر كسكّير يترنح على شاطئ الموت.

وبعد أن أسس الشاعر لهذه الأرضية الأسطورية والنفسية المتصدعة ينعطف النص في حركته الثانية نحو واقعية سياسية فجة وخشنة مستبدلا لغة الرموز الناعمة بقاموس الترسانة العسكرية (الخوذ، البساطيل، الرمل). وهنا يقوض الشاعر سردية "الخلاص" عبر تعرية التناقض الصارخ بين الشعار المعلن (جاؤوا من أجلنا) والنتيجة الواقعية (أسقطوا البلاد). لكن النص لا يتوقف عند إدانة "الآخر" الغازي بل يذهب أبعد من ذلك في تشريح الجرح مستحضرا التناص القرآني في قوله "فجاؤوا بإخوة يوسف". هذا الاستدعاء يمثل ذروة الألم في القصيدة إذ ينقل الصراع من مستواه الوطني (ضد محتل خارجي) إلى مستواه التراجيدي (خيانة ذوي القربى). إن "إخوة يوسف" هنا هم المعادل الموضوعي للطبقة السياسية أو الاجتماعية المتواطئة التي لم تكتفِ بالفرجة بل شاركت في "نهب بيت المال" و"أكل البلاد". استخدام فعل "الأكل" يحيل الوطن إلى وليمة ويحيل الفاعلين إلى كائنات طفيلية تقتات على جسد الضحية. مما يضفي على النص بعداً درامياً يمزج بين الاحتلال الخارجي والانهيار الأخلاقي الداخلي.

وصولاً إلى المقطع الختامي حيث يغادر النص رصد الحدث ليركز عدسته على "سوسيولوجية السلطة" وتشريح النفسيات. يعيد الشاعر رسم التراتبية الاجتماعية الجديدة عبر ثنائية (الخراف التائهة / الذئاب الرمادية) حيث الفوضى هي القانون السائد. واللافت هنا هو الإشارة المكانية إلى "قصور الإله المنقرض" في إحالة واضحة إلى الديكتاتورية السابقة ليشير إلى أن "مكان" السلطة يعيد إنتاج ساكنيه. وفي التفاتة تحليلية يرصد الشاعر التحول السيكولوجي للذئاب الجديدة: "في البدء أصابتهم الدهشة، لكنهم تمرسوا بعد حين". هذه العبارة تكشف ميكانزمات الفساد حيث تبدأ العلاقة بالسلطة والمال العام كحالة من الانبهار والصدمة الحضارية لـ "القادمين الجدد". ثم تتحول عبر التكرار وغياب الضمير إلى "تَمَرُّس" واحتراف. إنه انتقال مرعب من لصوصية الهواة المبهورين إلى طغيان المحترفين الذين ورثوا أدوات القمع ونهج الاستحواذ.

إن قصيدة الشاعر رياض محمد تتجاوز كونها مرثية شعرية لتكون وثيقة إدانة تاريخية وفنية. لقد نجح الشاعر في صهر المستويات المتعددة: الأسطوري (تموز وعشتار)، والديني (إخوة يوسف)، والواقعي (البساطيل)، والنفسي (الدهشة والتمرس) في بوتقة لغوية واحدة مشحونة بالصور الشعرية و المشهدية والمفارقات. إنها قصيدة تكتب تاريخ الخراب لا بمداد المؤرخين البارد بل بأعصاب شاعر يرى سماء وطنه وقد تحولت إلى سقف من رصاص لا يمنعه من السقوط سوى خيوط عنكبوت واهية في ظل واقع ينهشه الغريب والقريب على حد سواء.



#السعدية_حدو (هاشتاغ)       Saadia_Haddou#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حضرةِ البيان
- التغريب القسري: حينما يتحول السرد العربي إلى مختبر تقني وتسب ...
- بين المساءلة النقدية والمجاملة الترويجية: حول أزمة القراءة ف ...
- دراسة سيميائية لفصل -باقلاء الفرات- من كتاب -ذاكرة الأشياء- ...
- النور يرقص في سريري: التجلي العرفاني والذاكرة البابلية في شع ...
- قراءة في قصيدة -يا حاجّ- لناصر مؤنس: رحلة كشف صوفية من الحرف ...
- إطار المتنزه: آلية التضمين والوصاية السردية في -انتظار السمر ...
- عندما تخون العتبات المضمون: الإيحاء التناصي بين البراعة الفن ...
- دور النقد في تفكيك الصور الذهنية للكتّاب: من التقديس إلى الو ...
- بين التجريب والسطحية: تعدد الأصوات والتكلف اللغوي في الأدب ا ...
- لاكان : تفكيك الخطاب النظري
- - التفكيك كاستراتيجية نقدية: دريدا/ فوكو/ بارت
- لاعب النرد: قصيدة نقدية
- -فن الرواية- بوصفها مقاومة وجودية: قراءة في رؤية ميلان كوندي ...
- شرعنة الرداءة
- -سوناتا الغراب- بين السيرة الذهنية والوهم الروائي: سؤال التج ...


المزيد.....




- إسبانيا: اعتقال الراهبة لورا غارسيا بتهمة تهريب الأعمال الفن ...
- الأمير مولاي رشيد: مهرجان الفيلم بمراكش منصة للحوار وإبراز ا ...
- كهوف الحرب وذاكرة الظلمات اليابانية الغارقة -تحت الأرض- في ق ...
- وفاة الممثلة الجزائرية بيونة عن 73 عاما
- إيران تحظر دخول غابات مدرجة على قائمة التراث العالمي بعد أن ...
- اكتشافات بجنوب شرق تركيا تشرح حياة البشر في العصر الحجري الح ...
- عمليات جراحية على نغمات الموسيقى: اكتشاف علمي يغير قواعد الت ...
- متاحف قطر تحصد جوائز مرموقة في النسخة الثالثة من جوائز قطر ل ...
- الألكسو تكرم ستيفاني دوجول عن ترجمة -حكاية جدار- وتختار -كتا ...
- تشييع الممثلة الراحلة -بيونة- إلى مثواها الأخير في مقبرة الع ...


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السعدية حدو - شعرية الخراب وأنطولوجيا الهشاشة: قراءة في قصيدة -سماء معلقة بخيوط العنكبوت- للشاعر رياض محمد