أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السعدية حدو - شرعنة الرداءة














المزيد.....

شرعنة الرداءة


السعدية حدو

الحوار المتمدن-العدد: 8425 - 2025 / 8 / 5 - 08:17
المحور: الادب والفن
    


*هذا رأيي كقارئة و متابعة للمشهد الثقافي، عبرت عنه بعد قراءتي لأحد الأعمال المحسوبة على الأدب سهوا. مع احترامي الشديد للأعمال الأدبية الرصينة و للقراءات النقدية التي تحترم ذائقة القارئ وقدرته على التمييز و الفلترة.

إنه عصر الشُومان، عصر الباروكات والمساحيق البهلوانية… زمن مهووس بحبّ الظهور، ييتخفى فيه كثيرون خلف قناع "المثقف" و"المفكر" و"الأديب"، ولا يُعدَمون الحيلة في حياكة الألقاب السيليكونية والمصطلحات المستوردة على عجل. في هذا الزمن، حيث يلوي غير المؤهلين أعناق اللغة ليعتصر رحمها طمعًا في نصّ مزخرف مثقل بالخواء، تقف الكلمة مصلوبة على قارعة الوعي، شريدة، تنزف من هول الادّعاء، وتتخبّط بين أنامل لا ترى فيها سوى تأشيرة عبور لاقتحام نادي المثقفين… لا بوابة للمساءلة، ولا للمقاومة، ولا للبناء.

لقد توارت الآلة النقدية الجادّة، الحادّة، التي لا تهادن ولا تساير ولا تجامل. تلك التي تزن النصوص بميزان المعرفة لا بميزان العلاقات. ومع غيابها، اختلت المعايير، فصار كل من نطق بجملة معقّدة شاعرًا، وكل من حشا ما بين دفّتي كتاب بالزخارف والفراغ أديبًا. لا لجان قراءة. لا افتحاص. لا تحرير لغوي. لا ملاحظات حمراء تعيد الكاتب إلى طاولته ليعيد الكتابة من جديد. فغياب النقد الصارم هو شرعنة صريحة للرداءة: طباعة، احتفاء، جوائز. فيتحوّل الناشر إلى مجرّد طابع، وتصبح الكتابة عملاً فرديًا لا يخضع للمساءلة أو التمحيص. وبدل أن تكون الرواية أو المقالة أو القصيدة ثمرة مراجعة وتجويد، تصبح خديجًا غير مكتمل النمو يُقدّم للمتلقي كمنجز "إبداعي".

نظارات قراءة نصف منزَلة، جملة مقتبسة من نيتشه، وصورة "تأملية" أمام كوب قهوة: هذا هو شكل "المثقف" اليوم. لكن تحت هذه القشرة البصرية… لا يوجد سوى خواء. الجميع يكتب، لا لأن الفكرة تستحق، بل لأن الظهور أهم. لا أحد يراجع نفسه، لأن النقد غائب. الكل يهرول نحو لقب "الأديب"، وإن تطلّب الأمر تضخيم الذات وتقزيم المعنى.

النصوص أصبحت خاضعة لمعادلة تسويقية: رشة بهارات هرمونية، قليل من الحنين، رشّة حبّ مأساوي، اقتباس عن الغربة، ثم ادّعِ أنك تنتمي إلى "أوجاع العالم الثالث". مزّق السرد إلى أشلاء، خرّب بنية النص بقنابل تشويهية، وسمّه "تجريبًا روائيًا" أو "محاكاة للواقع المتشظي"… وها أنت ذا: الكاتب، الشاعر، الروائي، المجدّد، الثائر! يكفي أن تنتهك اللغة، وتفسد البناء، وستُفتح لك الأبواب.

حين لا يكون هناك من يُمسك القلم ويقول: "هذا لا يُنشر"، تصبح الثقافة بزنس. فالكتابة الحقيقية لا تنمو في تربة المجاملة، بل في تربة الوعي: وعي فكري، لغوي، أخلاقي. أما هذا الطوفان من النصوص المرتبكة، المتعالية بلا أساس، المثقلة بالزخرف والخواء، فلن ينحسر إلا حين تعود سلطة النقد الصادقة لتُعيد ضبط إيقاع المعنى. نقد لا يخاف أن يقول: "هذا النص ضعيف". نقد لا يُجامل الأسماء، ولا تروعه السلطة الرمزية. نقد يُعيد للكاتب هيبته، لا على حساب القارئ، بل احترامًا له.

نحن في أمسّ الحاجة إلى من يُنقذ الكلمة من الزيف. من يقول للمزيّف: تراجع. وللضعيف: أعد الكتابة. وللمتنطّع: اصمت. حين يعود النقد الحقيقي، تعود للكتابة عظمتها، ومصداقيتها، وتأثيرها. ويندحر كلّ من ظنّ أن الفكر حلية، وأن الثقافة شهرة، وأن الكتابة وسيلة للانتساب إلى كريمة المجتمع المخملي. فالكتابة مسؤولية… لا استعراض. والثقافة انتماء… لا لقب. والكلمة… إن لم تُوزَن، خانت حقيقتها. لقد طال صمت الكلمة في زمن المجاملة.

شكرا لكم على سعة صدركم. فصدمتي كانت قوية.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -سوناتا الغراب- بين السيرة الذهنية والوهم الروائي: سؤال التج ...


المزيد.....




- كيف أسقطت غزة الرواية الإسرائيلية؟
- وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما
- الدراما العراقية توّدع المخرج مهدي طالب 
- جامعة البصرة تمنح شهادة الماجستير في اللغة الانكليزية لإحدى ...
- الجوع كخط درامي.. كيف صورت السينما الفلسطينية المجاعة؟
- الجوع كخط درامي.. كيف صورت السينما الفلسطينية المجاعة؟
- صدر حديثا : -سحاب وقصائد - ديوان شعر للشاعر الدكتور صالح عبو ...
- تناقض واضح في الرواية الإسرائيلية حول الأسرى والمجاعة بغزة+ ...
- تضامنا مع القضية الفلسطينية.. مجموعة الصايغ تدعم إنتاج الفيل ...
- الخبز يصبح حلما بعيد المنال للفلسطينيين في غزة


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السعدية حدو - شرعنة الرداءة