أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السعدية حدو - النور يرقص في سريري: التجلي العرفاني والذاكرة البابلية في شعر موفق محمد















المزيد.....

النور يرقص في سريري: التجلي العرفاني والذاكرة البابلية في شعر موفق محمد


السعدية حدو
قارئة مهتمة بنقد نقد تحليل الخطاب

(Saadia Haddou)


الحوار المتمدن-العدد: 8504 - 2025 / 10 / 23 - 20:47
المحور: الادب والفن
    


تقديم:
يعد الشاعر موفق محمد (1948 - 15 مايو 2025) أحد الأصوات الشعرية العراقية البارزة وقد عرف بـشاعر الوطن الذي وظف تراث بلاد الرافدين العريق في شعره الحديث ممزوجا ببحث عميق في الذات والوجود. قصيدته "النور يرقص في سريري" المقتطفة من ديوانه "غزل حلي" هي نص شعري فائق الكثافة يمزج ببراعة بين الغزل الحسّي والتجربة العرفانية متجاوزا حدود الذات ليصل إلى الأصول الكونية والتاريخية لبلاد الرافدين. تتخذ القصيدة من حالة السكر والانخطاف الوجداني نقطة انطلاق لها، حيث يتحول السرير إلى مسرح لرقص النور رمز التجلي والوحدة. تسعى هذه المقالة إلى تحليل هذه التركيبة المعقدة بدءا من البنى الداخلية للقصيدة وصولا إلى إسقاطاتها الخارجية على الذاكرة الجماعية لشاعر الوطن. فيما يلي القصيدة كاملة:
*******************
النور يرقص في سريري

في منتصف الليل
وليلي سكير مثلي
يغمز لي
ويرفع نخبي قمر الليل ويشرب
يتجهم حين يراني لا أرفع شيئا
النور يرقص في سريري
ويطول
ولا يصحو من ظلمته
يتوسد رأسي وينام بعيدا عني يسمع
قلبي صوت امرأة تبكي بين يدي
هي ذي كأسك
فكأسي امرأة تبكي في منتصف الليل
ربما من جمرة في شفتي
ربما من نزق في لغتي
فلي لغة أخرى والخمرة تهذي في شفتي
وتلبس فستانا أبيض عاري الكتفين
وتمشي فوق رموشي سابحة بالنور
أتبينها عارية
وأسمع همس ندى يتلألاً في سرتها
يدها كانت أم النهر الذي يلتف حولي
فالنور يرقص في سريري
شبر من النجمات يمسك خصرها
وهلال يتوهج في منحدر الردفين
وورد من عسل يتفتح في النهدين
وشعر تتهجي فيه الظلمة أسماء
جدائلها بتباعة هيل
ويدي تمتد ولا أعرف أين
إنها تسبح بالنور وترتد إلى وفي
راحتها لهب وأناملها تزقزق عطرا
كانت تعزف تحت الثوب الأبيض
نايا وكمانا
فيرقص نهد ويغني نهد
لي حبيب حين مست يده الملتهبة
حلمتي
غرد البلبل فيها ثم طار
ناقرا في شفتي أحلى الثمار
مازجا فيها حليبي
إنه يعصر خمرا لحبيبي
وتقفز تتلوى تتأوه
تتعتق في رازونة في غيمة وأشرب
وأبلل شفتي من عسل النهدين
أسماك من نور تسبح في جسدي
تتعانق تحت الموج وأشرب
أفتح نافذتي فتلقي الشمس ثيابا
فوق
الجسد البض
النور يسبح في سريري
ويرقص قلبي في الغصن المتدلي من
ثوب
الشمس
نهر من الصبوات يجري في عروقي
ويفيض
ويداي تلملم
ما زال الرأس بعيدا عني
الكني
أعرف صوت القلب
وقلبي عصفور ينقر تينا في النهر
يتمايل
من سكرة أمس
قلت لها يا كأس
رفقا بهذا الرأس
تتبسم فيهمس نهر في الخصر
أفما أن الحبيبي الشارد من بستان اللوز
الحبيبي الطائر في جنح الخمرة يرعى
قطعان الهم
لحبيبي المدثر بالخوف
أن يدنو مني
فثماري يانعة وتذوب
فاقطف ما شئت وقربني إليا
رؤوني بالمزن
واشرب خمرة الروح وذق من شفتيا
هزني يا حلو لا تترك من العنقود شيا
فرني في سورة السنبل وانثر طلع
النخل عليا
في الصبح
وأنا أتأرجح بين الحلم وبين اليقظة
توقظني الشمس بأحلى من ثمر الليل
فوا عجبي
كيف تصير الكأس
في الصبح هذي الشمس
واسبح مجنونا في شط الحلة
كان طوال الليل
يسبح بي
ويعمدني
ويعطر وجه حبيبي
ويرفع في موجتيه الكأس

وأغفو في نهد يلبط في شط الحلة
في الحلمة طعم من عسل الليل وأرضع
أتمايل طربا من أغنية النهد السكران
يا مزنة من نار
مري على قلبي
ونوري دربي
فأنا عارية كالماء
وحبيبي يشرب من زغب المتوهج
تحت الماء
فيطير حمام
ويلوذ حمام
وأذوب لفرط الوجد بحضن حبيبي
ويذوب حبيبي
ونقوم معا
سنبلة ترقص فوق الماء
***********************
تؤسس القصيدة بنيتها على إيقاع زمني وصوتي معقد. فالزمن هنا ليس خطيا بل حلزوني أو طقوسي يبدأ في منتصف الليل بوصفه فضاء الانفصال والانتظار يمر بذروة السكر والانصهار وينتهي عند الصباح بتجلي الحقيقة المطلقة. هذا التحول من ظلام الوجد إلى وضوح اليقظة يشبه الرحلة الصوفية من الفناء إلى البقاء حيث تكون الكأس (رمز النشوة) مجرد ممر ضروري للوصول إلى الشمس (رمز الحقيقة المطلقة). أما على المستوى الصوتي فالقصيدة متعددة الأصوات (Polyphonic) إذ تسجل تلاقيا كونيا بين الشاعر والحبيبة/الكأس والنور والنهر مما يظهر أن الذات ليست منغلقة بل مجال احتواء وتلاق لجميع عناصر التجربة.

هذا التحول العميق في الوعي لا يتم بمعزل عن الفعل الكوني للحبيبة/الكأس. إذ تبرز المرأة في القصيدة بوصفها فاعلا رمزيات ومصدرا للحقيقة لا مجرد موضوع للغزل. إنها من تقود طقس التوحيد وتُعلم الشاعر كيف يتوحد وكيف يشرب "خمرة الروح" عبر طلبات قوية ومباشرة "هزني يا حلو لا تترك من العنقود شيا" و "فرني في سورة السنبل وانثر طلع النخل عليا". هذا التمكين للأنثى يعكس انقلابا في ديناميكيات الغزل التقليدي ويجعل الجسد الأنثوي ليس مجرد مجاز بل النبع و"أم النهر الذي يلتف حولي" مما يرسخ فكرة الأنثى الإلهية أو الروح الأنثوية الكونية التي هي أصل الحياة ومرساة التجلي.

وإذ تقود الحبيبة هذا الطقس الكوني فإنها تفعل ذلك مستعينة بالخمرة كأداة للتحول. فالخمرة في النص لا تكتفي بدلالتها الحسية كرمز للانفلات بل تُصبح رمزا للمعرفة الباطنية والوجدية. الأهم هو التطور المستمر لرمز الخمرة فهي تبدأ في "شفتي" ثم تتحول إلى "حليبي" ثم إلى "خمرة الروح" وهذا الدمج بين البراءة (الحليب) والنشوة (الخمرة) يجسد عملية تطهير المادة ورفعها إلى مستوى الروح. حتى الجسد يصبح مصنعاً روحياً يعصر خمراً لحبيبه في إشارة إلى أن النشوة العرفانية لا تنفصل عن الحياة بل تعيد تشكيلها وتقدسها.

لا يقتصر التجلي الشعري على التحولات الداخلية للمادة بل يتسع ليشمل شبكة من الرموز الميثولوجية والتراثية التي تزيد من عمق النص. فالأوصاف السماوية للحبيبة ("شبر من النجمات"، "هلال يتوهج") تتقاطع مع رموز الخصوبة البابلية خاصة في الإشارة إلى "السنبل والنخل" التي تستحضر طقس الزواج المقدس (Hieros Gamos) مما يرفع الوصال الفردي إلى مستوى الفعل الكوني المجدد للحياة. كما أن صورا مثل "أسماك من نور تسبح في جسدي" تدمج بين العنصر المائي والنور حيث يمكن قراءة السمك كرمز للإله إيا (إله الحكمة والمياه في الرافدين) مما يضفي بعداً غنوسياً على التجربة. كذلك فإن استخدام البلبل (رمز العاشق الفاني في التراث الصوفي) على "الحلمة" يحول اللذة الجسدية إلى عبادة وعبور.

إن هذا الفيض الروحي والرمزي لا يكتمل إلا بارتكازه في جغرافية حقيقية وذات ذاكرة ألا وهي الحلة ونهرها. فذكر "شط الحلة" ليس تفصيلا محليا بل هو فعل تأصيلي للتجربة. الحلة بكونها البوابة إلى بابل تستدعي الفرات كنهر كوني كنهر الوجود الذي "يعمّده" -الشاعر- ويُعيد تشكيله مما يجعل الجغرافيا ذاكرة مائية وشاهدا على التجربة. هذا التجذير في الأرض يُميّز القصيدة حيث لا تطير الروح بعيداً عن التراب بل تثمر فيه. وفي هذه البنية التبادلية يظل الحبيب موصوفاً بصفات تجمع بين الإنسان ("المدثر بالخوف") والإله ("الشَّارد من بستان اللوز") تاركا العلاقة مفتوحة ببراعة حيث يطلب من الحبيب أن "يدنو" لأن "ثماري يانعة" مؤكدا أن العشق هنا هو علاقة تبادلية يتمم فيها كل طرف تجلي الاخر.

خاتمة:
يمكن القول إن "النور يرقص في سريري" تتجاوز أن تكون مجرد قصيدة غزل أو تصوف. إنها طقس شعري تأسيسي يعيد هيكلة العلاقة بين الجسد والروح الأنثى والذكر والأرض والسماء. اللحظة الشعرية تبلغ ذروتها في الصورة الختامية "سنبلة ترقص فوق الماء" وهي بيان جمالي ووجودي يجمع بين الخصوبة البابلية والارتقاء الروحي مؤكدا أن التوحيد ممكن دون إلغاء الاختلاف وأن النور الذي بدأ يرقص في سرير الشاعر موفق محمد قد أصبح حقيقة متجسدة ومستمرة في نبض المكان والتاريخ.
المثالة لصاحبتها. مع الشكر.



#السعدية_حدو (هاشتاغ)       Saadia_Haddou#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في قصيدة -يا حاجّ- لناصر مؤنس: رحلة كشف صوفية من الحرف ...
- إطار المتنزه: آلية التضمين والوصاية السردية في -انتظار السمر ...
- عندما تخون العتبات المضمون: الإيحاء التناصي بين البراعة الفن ...
- دور النقد في تفكيك الصور الذهنية للكتّاب: من التقديس إلى الو ...
- بين التجريب والسطحية: تعدد الأصوات والتكلف اللغوي في الأدب ا ...
- لاكان : تفكيك الخطاب النظري
- - التفكيك كاستراتيجية نقدية: دريدا/ فوكو/ بارت
- لاعب النرد: قصيدة نقدية
- -فن الرواية- بوصفها مقاومة وجودية: قراءة في رؤية ميلان كوندي ...
- شرعنة الرداءة
- -سوناتا الغراب- بين السيرة الذهنية والوهم الروائي: سؤال التج ...


المزيد.....




- مصر: مبادرة حكومية لعلاج كبار الفنانين على نفقة الدولة
- غمكين مراد: الرُّوحُ كمزراب
- مصر: مبادرة حكومية علاج كبار الفنانين على نفقة الدولة
- رحلة العمر
- حماس: تقرير العفو الدولية مغلوط ويتبنى الرواية الإسرائيلية
- مهرجان -البحر الأحمر السينمائي- يكرم هند صبري بالشراكة مع غو ...
- فيلم -الملحد- يُعرض بدور السينما المصرية في ليلة رأس السنة
- كابو نيغرو لعبدالله الطايع: فيلم عن الحب والعيش في عالم يضيق ...
- -طفولتي تلاشت ببساطة-.. عرائس الرياح الموسمية في باكستان
- مسابقة كتابة النشيد الوطني تثير الجدل في سوريا


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السعدية حدو - النور يرقص في سريري: التجلي العرفاني والذاكرة البابلية في شعر موفق محمد