أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السعدية حدو - إطار المتنزه: آلية التضمين والوصاية السردية في -انتظار السمرمر-














المزيد.....

إطار المتنزه: آلية التضمين والوصاية السردية في -انتظار السمرمر-


السعدية حدو
قارئة مهتمة بنقد نقد تحليل الخطاب

(Saadia Haddou)


الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 22:13
المحور: الادب والفن
    


تقديم:
يُعدّ العنوان في الأدب الحديث "وعدًا خارجيًّا" يقدّمه النص للقارئ، يُنبئه بطبيعة التجربة التي سيتلقاها. غير أن هذا الوعد لا يكتمل إلا من خلال الآليات الداخلية التي يُدار بها السرد. في رواية "انتظار السمرمر" للكاتبة العراقية فيْحاء السامرائي"، يشكّل الإطار السردي المتكرر—المتمثّل في اللقاءات بين "الكاتب الغامض" و"السيدة القارئة" في المتنزه؛ آليةً داخليةً محوريةً تُعيد تشكيل العلاقة بين النص والقارئ، بل وتُعيد تعريف طبيعة السرد ذاته. لا يقتصر هذا الإطار على وظيفة ربط المحكيات السبع، بل يتجاوزها ليصبح فعلًا **ميتا-سرديًّا** (meta-fictional) واعيًا، يُعلن عن ذاته كبنية تأطيرية مقصودة. ورغم ما يبدو عليه هذا الإطار من ذكاء نظري ووعي سردي متقدّم، فإنه يطرح إشكاليات نقدية عميقة تتعلّق بسلطة المؤلف، واستقلالية الصوت السردي، والأثر العاطفي للنص—وهو ما يكشف عن تناقض جوهري بين الطموح التعددي الظاهري للرواية وفلسفتها السردية الضمنية.
تعتمد الرواية بشكل منهجي وصارم على تقنية التضمين (Embedding)، أو الحكي داخل الحكي، التي أشار إليها تودوروف تزفيتان كإحدى ركائز السرد. يخلق إطار المتنزه مستويين واضحين للسرد: مستوى أول إطاري يتمثل في قصة الكاتب الغامض والسيدة القارئة، ومستوى ثانٍ مُضمَّن يتمثل في المحكيات السبع نفسها التي هي عبارة عن "الأوراق" المتداولة بينهما. إن العودة المتكررة إلى مشهد المتنزه الهادئ والمنفصل في بداية ونهاية كل محكية تعمل كتذكير دائم ومقصود للقارئ بأنه لا يقرأ واقعاً، بل يقرأ "نصاً". هذا الفعل يكسر الإيهام بالواقع بشكل واعٍ، ويجعل القارئ مدركاً لعملية السرد نفسها. إنه إعلان صريح بأننا في عالم "الميتا-سرد"، حيث لا تكمن الأهمية في الأحداث نفسها بقدر ما تكمن في كونها "مكتوبة" و"مقروءة".

على الرغم من ذكاء هذه البنية الظاهرية، فإنها تطرح إشكاليات نقدية حادة تقوض الطموح التعددي للرواية. أولاً، إن وضع المحكيات داخل إطار قصة أخرى يلغي استقلاليتها المتخيلة ويقلل من تأثيرها المباشر. في اللحظات التي ينجح فيها النص في خلق "صوت مستقل" - أي عندما يبدأ القارئ في تصديق أن "المخيم" في "مرثية الزعتر" أو "الصورة" في "غبار عجوز" هما بالفعل كيانان يتحدثان بوعيهما الخاص - فإن العودة إلى إطار المتنزه تكسر هذا الإيهام. تذكرنا الكاتبة بأن هذه الأصوات ليست حية أو مستقلة، بل هي مجرد "صوت مكتوب على ورق"؛ أي أنها مجرد كلمات خطّها الكاتب على أوراقه وتقرأها السيدة. هذا التحول من تجربة الانغماس إلى الوعي بعملية القراءة يحول العوالم السردية من كيانات قائمة بذاتها إلى مجرد "نصوص" للدراسة والتأمل، مما يضع حاجزاً فكرياً بين القارئ وبين التجربة العاطفية المباشرة للشخصيات والأصوات المروية.

الإشكالية الأخرى تكمن في فرض الوصاية السردية وتأكيد سلطة المؤلف. وجود شخصية "الكاتب" الذي "يكتب" المحكيات و"يسلمها" للقارئة هو تأكيد صريح على سلطة المؤلف المطلقة، وهو فعل يتعارض بشكل مباشر مع مفهوم البوليفونية الباختينية الذي يدعو المؤلف إلى التراجع ليصبح صوتاً بين أصوات. هنا، المؤلف (ممثلاً بشخصية الكاتب) هو المصدر والخالق الأوحد لكل الأصوات الأخرى؛ إنه ليس متساوياً مع شخصياته، بل هو الإله الذي خلقها. علاوة على ذلك، فإن الحوارات بين الكاتب والسيدة حول كيفية قراءة النصوص (مثل قوله: "بإمكانك قراءة كل محكية بشكل منفرد...") هي توجيهات مباشرة للقارئ. المؤلف هنا لا يثق في قدرة القارئ على اكتشاف بنية النص بنفسه، بل يفرض عليه "دليل استخدام"، وهو فعل تعليمي ووصائي يحد من حرية القارئ في التأويل ويقلل من حوارية النص.

أخيراً، تعمل العودة المستمرة إلى مشهد المتنزه الهادئ والبارد كـ "قاطع" يكسر الاندماج العاطفي للقارئ. كلما بدأ القارئ يغوص في مأساة المخيم أو صراعات عائلة نيدابا، يعيده النص فجأة إلى المتنزه، مذكراً إياه بأن كل هذا مجرد "قصة على ورق". هذا التغريب البريختي (Brechtian Alienation) المتعمد يمنع حدوث التطهير العاطفي (Catharsis) ويحافظ على مسافة فكرية باردة بين القارئ والنص. بدلاً من أن يشعر القارئ بالألم، فإنه يفكر في "فكرة الألم" كظاهرة أدبية. هذا الأسلوب، وإن كان يخدم الهدف الميتا-سردي، فإنه يضحي بالتأثير الوجداني المباشر، ويحول تجربة القراءة إلى تمرين فكري قد يفتقر إلى الحرارة الإنسانية.

خلاصة: في المحصلة، إطار المتنزه ليس مجرد تقنية ربط، بل هو الآلية المركزية التي تحكم بنية الرواية وتكشف عن فلسفتها السردية. لكن هذه الفلسفة تبدو متناقضة؛ فبينما تحاول بعض المحكيات أن تكون متعددة الأصوات، فإن الإطار الخارجي يفرض عليها بنية أحادية المصدر وسلطوية. إنه يؤكد أن كل الأصوات، مهما بدت حرة، هي من صنع "كاتب" واحد، وأن كل تجاربنا كقراء هي مجرد قراءة لنص مكتوب. هذا الإطار، رغم وعيه النظري بآليات السرد، يقوض في النهاية الطموح الحواري للعمل ويؤكد سلطة المؤلف بدلاً من تفكيكها، محولاً ما كان يمكن أن يكون تجربة حية إلى مجرد تأمل فكري بارد حول طبيعة الكتابة نفسها.
المقالة لصاحبتها. مع الشكر



#السعدية_حدو (هاشتاغ)       Saadia_Haddou#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تخون العتبات المضمون: الإيحاء التناصي بين البراعة الفن ...
- دور النقد في تفكيك الصور الذهنية للكتّاب: من التقديس إلى الو ...
- بين التجريب والسطحية: تعدد الأصوات والتكلف اللغوي في الأدب ا ...
- لاكان : تفكيك الخطاب النظري
- - التفكيك كاستراتيجية نقدية: دريدا/ فوكو/ بارت
- لاعب النرد: قصيدة نقدية
- -فن الرواية- بوصفها مقاومة وجودية: قراءة في رؤية ميلان كوندي ...
- شرعنة الرداءة
- -سوناتا الغراب- بين السيرة الذهنية والوهم الروائي: سؤال التج ...


المزيد.....




- المنقذ من الضلال لأبي حامد الغزالي.. سيرة البحث عن إشراق الم ...
- ترامب: ضجيج بناء قاعة الرقص في البيت الأبيض -موسيقى تُطرب أذ ...
- لقطات نادرة بعدسة الأميرة البريطانية أليس... هل هذه أول صورة ...
- -أعتذر عن إزعاجكم-.. إبراهيم عيسى يثير قضية منع عرض فيلم -ال ...
- مخرجا فيلم -لا أرض أخرى- يتحدثان لـCNN عن واقع الحياة تحت ال ...
- قبل اللوفر… سرقات ضخمة طالت متاحف عالمية بالعقود الأخيرة
- إطلاق الإعلان الترويجي الأوّل لفيلم -أسد- من بطولة محمد رمضا ...
- محسن الوكيلي: -الرواية لعبة خطرة تعيد ترتيب الأشياء-
- من الأحلام إلى اللاوعي: كيف صوّرت السينما ما يدور داخل عقل ا ...
- موهبتان من الشتات تمثلان فلسطين بالفنون القتالية المختلطة في ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السعدية حدو - إطار المتنزه: آلية التضمين والوصاية السردية في -انتظار السمرمر-